-
دخول

عرض كامل الموضوع : وميض قلم


أبو يارا
16/09/2006, 00:40
وصف أحد المؤرخين في محاضرة له عن المذبحة المرعبة التي ارتكبها الصليبيون في مدينة القدس أنها عمل بربري .. فكانت التعليقات أن هذا الوصف غير علمي ..!!

أقزام نحن .. هكذا أخبرونا ..
مسوخ قبيحة من كائنات دبقة تتسلق الجدران الخضراء الزلقة المتعفنة كالديدان .. لا تستحق إلا السحق تحت الأحذية ..

من نحن ..؟؟
مجرد كائنات مشوهة عمياء تهيم على وجوهها القبيحة .. لا تستطيع قواها الواهنة أن تنشئ حضارة و لا أدمغتها الكسلى أن تفهم المدنية ..
هكذا قالوا لنا .. و صدقناهم ..

الفلسفة يونانية .. هززنا رؤوسنا ببلاهة ..
الحضارة رومانية .. صفقنا بحماس ..
العلم غربي و المدنية أوربية .. أطرقنا موافقين ..
ماذا نفعل ..؟؟؟
نحن أقزام .. أقزام ..

تتلألأ أبراجهم السامقة في السماء .. فنحسب أنها أصبحت سماء ..
داسوا على سطح القمر .. فخلناهم أقماراً في الليلة الظلماء ..

منذ فترة .. على إحدى القنوات الفضائية .. أتانا أحد ( العمالقة ) و بدأ يتعامل مع ثلاثمائة مليون إنسان كأنه يتعامل مع ثلاثمائة مليون نعجة ..
نحن نبني – للمرة الأولى – دولةً اسمها العراق .. هكذا تبجح ..
العراق .. بلاد الرافدين .. الحضارة التي بدأت هنا .. الحقل الأول في الدنيا .. المدرسة الأولى في التاريخ .. الأبجدية الأولى .. القانون الأول .. يتعلم الآن من السادة كيف يبني دولة ..!!! .

هذا هو منطق التاريخ الأعرج حين يمشي بساق واحدة ..

هل تعرفون ما هي الساق الأخرى ..؟؟؟

هو نحن .. ملايين ملايين الجثث المتفحمة و أنهار الدم و الجماجم الفاغرة أحداقها الفارغة ..

نعم .. لقد دفعنا نصيبنا من بناء الحضارة .. لم ندفعه فقط علماً و ثقافة و قانوناً و حضارة .. لا .. دفعناه من أوردتنا دماً و دموعاً و مآسي في أسوأ ملاحم التاريخ و أكثرها دموية و وحشية على الإطلاق ..
سددنا حسابنا حتى آخر فلس .. و دفعنا ضريبتنا أفدح ألف مرة مما دفعوه هم ..

حين وطأت سنابك خيولهم أرض مدينة انطاكية .. تراءت للبرابرة كيف تكون المدنية الحقة بحدائقها و نوافيرها و حماماتها و أسواقها و شرفها و طهارتها .. فحسبوا أنهم وصلوا إلى الجنة التوراتية التي كانوا يحلمون ..

هل نستطيع اليوم أن نقدر الثمن الذي دفعناه لبناء ( حضارتهم ) ..؟؟
لا .. لم ندفعه نحن وحدنا .. بل دفعته كل شعوب الأرض .. كل الفقراء و المعدمين و المنبوذين و ( الهمجيين ) و ( أبناء الشعوب المتخلفة ) ..

الهنود الحمر .. عالم كامل من الحضارة المتجذرة لآلاف من السنين المسالمة .. لم يكونوا أبداً كما يصورونهم في أفلام الويسترن وحوشاً آدمية تهاجم قوافل البيض و سكاكينهم في أفواههم و عيونهم تنهش في لحوم النساء ..
لا .. كانت لهم أهراماتهم و قصورهم و مدنهم و حقولهم و نظام ريهم المعقد المحير و المدرجات التي استطاعوا بها أن يزرعوا على سفوح جبالهم العالية .. و دياناتهم .. و قوانينهم .. و علومهم الفلكية و الطبية .. و تناغم مدهش لا مثيل له بين الإنسان و الطبيعة ..

و عندما هبت تلك الريح المشؤومة الملعونة حاملة ( كولومبس الصليبي ) .. حملت إليهم جراثيم الزهري و الكوليرا و جميع أمراض الإنسان الأبيض ) ..
ملايين من البشر ماتت مرضاً و ملايين أكثر ماتت ذبحاً ..

وصل الفاتحون الأسبان إلى إحدى المدن الهندية الصغيرة .. و طلبوا من أهل المدينة دفع ضريبة من الذهب طائلة .. فأعطوهم كل ما يملكون .. كله بلا استثناء حتى ملابسهم و حلي نسائهم و ألعاب أطفالهم ..
ثم .. حين لم يعد هناك ما يمكن نهبه .. جمعوهم في مكان واحد .. و أحرقوهم عن بكرة أبيهم

أطلق الهنود الحمر على (الفاتحين) لقب الإله الأبيض !!
لكنهم اكتشفوا أنه كان شيطاناً من حقدٍ و رعب و جريمة ..

لا أعتقد أنه على مدار التاريخ المعروف كله حدثت مأساة مروعة كما حدث هناك .. لم يكن هناك ما يرضي السيد المسيحي على الإطلاق .. أطنان من الذهب شُحنت إلى أوربا .. ثروات مذهلة تراكمت في تلك القارة العتيقة و ضخت معها وقود ( الحضارة ) ..

لم يكن ثمة ما يرضيه .. لا الموت .. لا الحرائق .. لا الخراب ..و لا ملايين الجماجم التي بنوها أهرامات حقيقية ..

هل تتخيلون حجم الثروة التي تحصلون عليها من نهب قارة كاملة ..؟؟؟
هل تتخيلون حجم الرعب الذي يعصر التاريخ حين تبيد – بالمعنى الحرفي للكلمة – قارة كاملة ..؟؟

نعم .. لقد ساهمت جمجمة الهندي الأحمر التي كانت تسحقها جزمة المسيحي المتحضر بسادية فظيعة في بناء الحضارة الغربية كما ساهم ( كوبرنيكوس ) و ( جاليلو ) و ( ديكارت ) ...
و فرغت أمريكا تماماً .. فرغت حتى آخر قطرة .. و آخر عينٍ دامعة .. و آخر جثة متعفنة ..


أتى دورك يا أفريقيا ..
لم تكن أفريقيا التي يصورونها في أفلام المغامرات الشيقة كأنها أرض القبائل المتوحشة و جهنم السوداء المليئة بالشياطين و المردة يتقافزون حول النار بوحشية و بربرية و يطلقون صرخاتهم الهستيرية .. لا .. و ليست هي أرض الفيلة و النمور و التماسيح و ذبابة التسي تسي و منابع النيل و نداءات الطبول توقظ بعوض الليل البهيمي ..

أفريقيا .. قارة العذاب الذي لا ينتهي ..
هل سمعوا بإمبراطورية مالي بكل ثقافتها و مساجدها و مدارسها و قصورها و ثرواتها ..؟؟

هل سمعوا بإمبراطورية غانا.. أرض الذهب و النعيم الممتدة في أحشاء أفريقيا التي تعذبت فيما بعد كما لم يتعذب أحد ..؟؟

هل سمعوا بنيجيريا .. بجيوشها و حواضرها و زراعاتها و أسواقها التجارية التي غطت حاجة قارة كاملة ..؟؟؟
لماذا يسمعون ..؟؟ لماذا يصغون أصلاً ..؟؟

ما أن هتكت أشرعة سفنهم الصليبية سواحل أفريقيا الغربية .. حتى بدأت رحلة الجحيم ..
تحول الأفريقي الآمن في وطنه و أرضه إلى فريسة .. فريسة شهية للصيادين و تجار الدم و مزارع القطن السوداء .. و بدأت أفريقيا تنزف ..

في رحلة الجحيم التي تنقل العبيد من أفريقيا إلى موانئ التصدير كليفربول و لشبونة .. كان يموت تسعة أعشار الأسرى المكبلين مرضاً و جوعاً و اختناقاً في أقبية السفن المتعفنة .. و كان المحيط قبرهم الذي لا يزوره أحد .

كالثعبان بألف رأس و ألف نار بدأ التنين الصليبي يحرق أفريقيا ..
دمرت كل حضاراتها و ثقافاتها و نظامها الاجتماعي و بنيتها التحتية و أهازيج أبنائها الجائعين الحزانى ..

ثم أتى دورك يا آسيا ..
آسيا .. الغامضة كلؤلؤة سوداء .. الجميلة كطيف من نور ..
أرض الحرير و التوابل و الشمس الساطعة و الأسرار التي لا تنتهي ..
أصبح الغرب الصليبي غولاً لا تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تخفف من غلواء النهم الذي لا يكاد ينطفئ .. فماذا تفعل آسيا ..؟؟

و حين كان جان جاك روسو يحدث أوربا الصليبية عن العدالة و الأخوة و المساواة كانت انكلترا تخوض أغرب و أسوأ حرب على مدار التاريخ البشري كله .. حرب الأفيون على الصين ..

تحولت الموانئ الآسيوية إلى ثغور للمرض و العهر و الدعارة و الأفيون و الصفقات المسمومة و ملايين البشر الذين تحولوا إلى خدامٍ للسيد الآتي من وراء الشمس ..

تشكلت ( الشركات الرأسمالية الكبرى ) و أصبحت شركة الهند الغربية دولة أخرى تحكم و ترسم الحدود و تصنع الدول و تتصرف بالشعوب كأنها بيادق في رقعة شطرنج كبيرة ..

و أتى الاستعمار الصليبي المتحضر ..فأصبح النهب أكثر جدوى و استمرارية و أقل تكلفة ..
عقدوا المؤتمرات و شنوا الحروب فيما بينهم لاقتسام كعكة العالم الكبيرة ..

كانت بريطانيا تحتاج إلى القطن لتشغيل معامل مانشستر .. مصر لها .. و تحولت أرض مصر بأكملها لإنتاج القطن ..

كانت شركات الزيت الفرنسية تحتاج إلى الفستق .. السنغال لها .. و تحولت 90 % من أرض السنغال إلى مزارع للفستق ..

و لأن شمال أفريقيا قريب من الجنة .. فلا بأس من أن تختصر أوربا المسيحية تكلفة النقل و تحول دولاً إسلامية كالجزائر إلى أكبر منتج للنبيذ الضروري لاسترخاء السيد الصليبي بعد عناء يوم طويل ..

و دخل العالم كله في حلقة مفرغة ..

فالاستغلال يزيد قوة الشركات التي لا تشبع و شراهتها .. و القوة و الشراهة تزيد من استغلال الشعوب التي تساقطت إعياء و وهناً و جوعاً و مرضاً ..

هل أتى الأسوأ بعد ..؟؟

لا .. الأسوأ أنهم كتبوا تاريخ العالم كما أرادوا .. ألغوا اللغات المحلية .. شوهوا الهوية القومية ..علموا أبناء تلك الأمم المدجنين أن يحتقروا حضاراتهم و ثقافاتهم و عقائدهم .. أصبحت القيم الغربية هي المثل الأعلى للإنسان المتحضر المتمدن .. و غدا السيد الصليبي السوبرمان الذي هو وحده يستحق الحياة ..

نعم يستحقها سواءً كان صليبه معقوفاً أو مستوياً .. فكلها صلبان مغموسة بالدم !

مسطول على طول
18/09/2006, 07:22
لم يكتبوا التاريخ ومازل اذنابهم واصنامهم(حكامنا) شاهقه امامنا كالقلاع

جردونا من كل شيىء حتى القرآن حاولوا تحريفه (الذكر)

وربما غداً سيقنعونا اننا لسنا بشر ؟