yass
30/04/2005, 18:58
أكرم البني
جرت العادة أن تتطلع المجتمعات إلى دور إنقاذي للمثقفين في أوقات المحن والأزمات أو في لحظات التحول العاصفة، كنوع من الإقرار بالوظيفة الخاصة بهم في الرد عما
استجد، وفي إعادة بناء وعي نقدي وأفكار جديدة يفترض أنهم أكثر المعنيين ببنائها. وهو ما يفسر إلحاح السؤال عن حال المثقفين السوريين اليوم وما يمكن أن يفعلوه مع تسارع انكشاف أزمات مجتمعنا والفشل البيّن للمشروع السياسي في وقف التدهور الحاصل أو الإمساك بزمام المبادرة لبدء رحلة عد عكسي نحو التجاوز والتقدم.
ورغم أن المثقفين السوريين لا يشكلون كتلة متجانسة موحدة الأهداف والاهتمامات، بل هم جماعة متنوعة المهام تخترقها المصالح والصراعات الاجتماعية، إلا أن ثمة مشتركاً يجمعهم بصفتهم عموماً أشد الناس التصاقاً بالمعرفة وأقربهم إلى تحكيم العقل والنقد وأكثرهم استعداداً للتعبير الإنساني عن هموم البشر وتطلعاتهم، ما يرشحهم في مواجهة مختلف المآزق السياسية والاجتماعية التي نمر فيها، لمهمة المبادرة إلى تأسيس وعي مطلوب حول مسائل إشكالية لم تستطع السياسة التأسيس لها أو عممتها بصورة قاصرة ومشوهة.
كان الهم الرئيس لمفكرينا الأوائل إيقاظ مجتمعهم من سباته الطويل، وقدموا لقاء ذلك التضحيات الجسام. لكن المشهد الثقافي السوري الراهن يثير الشفقة مع انحسار الدور النقدي المتميز للمثقفين وضعف الجهد المعرفي النهضوي، خاصة وقد نجحت السياسة والإيديولوجيا في إلحاق هزيمة باستقلالية إنتاج المعرفة وخلقتا ثقافة مدجنة، هي مجرد صدى أو أداة تبرير للواقع القائم لا فعل تغيير وتطوير. ولعل الخطوة الأولى لإعادة حضور المثقف النقدي ودوره وأيضاً تألقه، تصحيح العلاقة بين الثقافة والسياسة. ولا يقصد من ذلك الدعوة الى قطيعة بين حقلي النشاط، بل ضرورة تحديد التخوم بدقة وقراءة وجوه التمفصل والاختلاف بوضوح، بما يؤدي إلى تحرير المثقف السوري من ماضٍ سيطرت فيه العوامل والأهداف السياسية على مسارات حياته وإنتاجه المعرفي، خاصة ذلك الدور المدمر الذي لعبته السلطة السياسية، ترغيباً وتهديداً، لإخضاع المثقفين واحتوائهم أو تهميشهم وتغييبهم.
فالسلطة احتاجت لتثبيت ركائزها ليس فقط الى وسائلها القمعية، وإنما أيضاً الى عملية إنتاج فكرية داعمة وتالياً إلى مثقف يسوغ لها سياساتها من أجل تعضيد المناخ الذي ترعاه وضمان تأييد الناس له وقبولهم به. وليس من المبالغة في شيء لو قلنا إن النخبة السياسية التي حكمت مجتمعنا طيلة عقود نجحت في استنبات أنواع شتى من المثقفين الموالين لها ممن يصطلح على تسميتهم بمثقفي البلاط. منهم من آثر الصمت والتزم الحياد والسلبية تجاه مآسي المجتمع ومعاناته المريرة، ومنهم من قدم، طوعاً أو كرهاً، بعض أشكال الدعم والمساندة للحكام واكتفى من الغنيمة بالإياب. وكان أسوأهم من اندمج في عالم السلطة ومفاسدها وصارت مهمته الرئيسة تبرير سياسات الحاكم وتسويغ ممارساته الاستبدادية، ليضمحل أو يغيب دور المثقف النقدي ولتتصدر قائمة «المبدعين» وجوه أتقنت الترويج للوضع القائم والدفاع عن أسسه السيادية.
لكن سيطرة السياسة على الثقافة لم تنجب مثقفي السلطان فقط، فثمة مثقفون لم يكونوا أحسن حالاً وقد داروا مسلوبي الإرادة في فلك الأحزاب السورية المعارضة والموالية على حد سواء، وتالياً لم يميزوا أنفسهم كحملة مشروع خاص يتطلع، بالاستقلال عن الأفعال السياسية، إلى مساعدة المجتمع على الوعي والتحرر، فرضوا من حيث المبدأ إخضاع وظيفتهم الثقافية والمعرفية لغرض سياسي وان من موقع آخر، واندمجوا في التنظيمات التي انتموا إليها وحولوا أنفسهم ثلةً من المحازبين أو الأتباع أو لنقل ما يشبه الأبواق تدافع عن سياسات أحزابها وبرامجها.
لقد أفضى حضور «المناضل السياسي» ورجحان دوره الى إلغاء دور المثقف الحر وإضاعة فرصة ثمينة لنمو فعل معرفي باستقلالية نسبية عن الأهداف السياسة المتصارعة، ما أدى إلى تراجع مكانة المعرفة، من غاية في ذاتها إلى وسيلة انتقائية، يسعى المثقف إلى اكتساب ما يفيد منها لدعم مواقف حزبه وتبريرها.
أما الخطوة الثانية على طريق إحياء الإبداع الثقافي ودوره الصحي في المجتمع فهي التطلع الى تحرير المثقف من سيطرة الوعي الإيديولوجي، الذي حضر في سورية بأشكاله الثلاثة، القومية والشيوعية والدينية. فبعد كل التحولات التي حصلت في العالم المعاصر خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وفشل الكثير من الاختيارات الإيديولوجية والفلسفات الارادوية والحتمية، لم يعد يصح مواصلة التفكير بالآليات الذهنية نفسها والدعاية لجماعة بشرية قادرة بمرجعية فكرية مستنسخة أو مقتبسة على إنجاز الأهداف التاريخية وتجاوز إمكانيات الواقع وملموسية الحدث.
فالاعتراف بانحسار الإيديولوجيا كخيار معرفي وكنمط حياة والإقرار بلا جدوى خوض الصراعات في مستوى الأفكار والنصوص لإثبات صحة هذا الموقف أو ذاك، يعني بالضرورة تقدم مبدأ مقارعة الحجة بالحجة والواقعة بالواقعة وإتاحة الفرصة لنشر العقلانية في التفكير وتوظيف المنهج العلمي وتطبيقاته العملية لتفسير الواقع الحي وتحليله كظواهر ومشكلات محددة بعيداً عن تأثير الدوافع الذاتية والتحيز المسبق. فليس من مثقف يمكن أن يكون حراً إذا ما استمر في الارتهان لرؤية إيديولوجية، بما فيها من ثوابت معرفية وتحصينات فكرية وأيضاً التزامات بصور وحلول جاهزة، وليس من مثقف قادر أن يبدع نقدياً إذا لم يتسلح بطرائق الفكر العلمي النقدي المفتوح على مختلف التجارب التاريخية، ما يمكنه من قراءة ناجحة للوقائع في تشابكها واختيار الوسائل الكفيلة بمعالجتها. وربما مهد ما سبق لبناء رؤية جديدة، تتفهم التنوع القائم بين الناس وما يترتب عليه من تباين في الاجتهادات والمواقف وتربية النفس على ضرورة التعايش مع الآخر المختلف دون السعي إلى تهمشيه أو إلغائه. الأمر الذي يشكل نقطة انطلاق لتجاوز ما يشهده المثقف والثقافة بصورة عامة من خسوف الاتجاهات العقلانية وتراجع المشروع التنويري ودوره في استيعاب مقومات الحضارة الحديثة، وأيضاً للرد على الأصوات اللاعقلانية التي تدعو إلى العيش في الماضي والموروث دون نقد أو اجتهاد وللرد بنفس القدر على مدعي امتلاك الحقيقة المطلقة غير القابلة للاختبار أو النقاش، التي تغلب الصور والعبارات المحفوظة على كل دليل عقلي أو تجريبي.
في الماضي اتجه النتاج الثقافي السوري بصورة رئيسة نحو مسألتين، تعلقت الأولى بالوطن والقومية، وبالأخص القضية الفلسطينية وبناء الوحدة العربية، وارتهنت الثانية بالبعد الاجتماعي والتطلع نحو مجتمع العدالة والمساواة والقضاء على الاستغلال. لكن يبدو اليوم إن هذه «الصور المغرية» تبددت الى حد كبير وتكشف زيف التفرد بالشعارات الوطنية والاجتماعية بمنأى عن المشروع الديموقراطي الذي بات أشبه بخيار استراتيجي في مواجهة مطامع الخارج وتردي الأوضاع الداخلية وبناء حياة جديدة.
لقد لعب غياب الديموقراطية والحريات دوراً نوعياً في انحسار الفكر الأصيل وتراجع دور المثقف الحر، خصوصاً مع نجاح أنظمة الاستبداد في كم أفواه المفكرين المخلصين وتحطيم أقلام النقاد الشرفاء وتالياً خنق الثقافة وتدجينها لتصبح مجرد صدى أو أداة تسويغ لواقع العسف والاضطهاد، وما أكمل الدائرة ضعف مقاومة المثقفين الديموقراطيين أو تقصيرهم في نصرة الديموقراطية أو ربما اختزالها في وعي بعضهم إلى حدود ما يعطيه السلطان وتأويل ما هو قائم من هوامش ضيقة على أنها الديمووقراطية المطلوبة.
وهنا لا ضير أو عيب في الاعتراف بإن غالبية المثقفين السوريين وللأسف أحجموا لفترات طويلة ولأسباب متنوعة عن ممارسة نقد حازم ضد الاستبداد وانعدام الحريات وانتهاكات حقوق الانسان، ولم يظهروا قدراً كافياً من التضحية والشجاعة للاعتزاز بالحياة الديموقراطية وحرية التفكير والإبداع أمام ما تعرضوا له من ضغوط سياسية واقتصادية.
والخلاصة، ثمة فرصة ثمينة، مع فشل السياسي وهزيمة الأيديولوجي، لإعادة صياغة دور المعرفة في الحياة وإنعاش مساهمتها في بناء التصورات المرتبطة بالتاريخ الحي وأحداثه كما تجري على أرض الواقع، لا كما ترسمها العقول والأفكار. فهل يعقد الأمل على دور إنقاذي للمثقف السوري كمبدع منحاز لحقوق الناس وحرياتهم ولقدرتهم على مقاومة الراهن وقيادة التغيير، أم تضيع الفرصة كما ضاع غيرها؟!...
كاتب وناشط سوري
--------------------------------------------------------------------------------------
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
جرت العادة أن تتطلع المجتمعات إلى دور إنقاذي للمثقفين في أوقات المحن والأزمات أو في لحظات التحول العاصفة، كنوع من الإقرار بالوظيفة الخاصة بهم في الرد عما
استجد، وفي إعادة بناء وعي نقدي وأفكار جديدة يفترض أنهم أكثر المعنيين ببنائها. وهو ما يفسر إلحاح السؤال عن حال المثقفين السوريين اليوم وما يمكن أن يفعلوه مع تسارع انكشاف أزمات مجتمعنا والفشل البيّن للمشروع السياسي في وقف التدهور الحاصل أو الإمساك بزمام المبادرة لبدء رحلة عد عكسي نحو التجاوز والتقدم.
ورغم أن المثقفين السوريين لا يشكلون كتلة متجانسة موحدة الأهداف والاهتمامات، بل هم جماعة متنوعة المهام تخترقها المصالح والصراعات الاجتماعية، إلا أن ثمة مشتركاً يجمعهم بصفتهم عموماً أشد الناس التصاقاً بالمعرفة وأقربهم إلى تحكيم العقل والنقد وأكثرهم استعداداً للتعبير الإنساني عن هموم البشر وتطلعاتهم، ما يرشحهم في مواجهة مختلف المآزق السياسية والاجتماعية التي نمر فيها، لمهمة المبادرة إلى تأسيس وعي مطلوب حول مسائل إشكالية لم تستطع السياسة التأسيس لها أو عممتها بصورة قاصرة ومشوهة.
كان الهم الرئيس لمفكرينا الأوائل إيقاظ مجتمعهم من سباته الطويل، وقدموا لقاء ذلك التضحيات الجسام. لكن المشهد الثقافي السوري الراهن يثير الشفقة مع انحسار الدور النقدي المتميز للمثقفين وضعف الجهد المعرفي النهضوي، خاصة وقد نجحت السياسة والإيديولوجيا في إلحاق هزيمة باستقلالية إنتاج المعرفة وخلقتا ثقافة مدجنة، هي مجرد صدى أو أداة تبرير للواقع القائم لا فعل تغيير وتطوير. ولعل الخطوة الأولى لإعادة حضور المثقف النقدي ودوره وأيضاً تألقه، تصحيح العلاقة بين الثقافة والسياسة. ولا يقصد من ذلك الدعوة الى قطيعة بين حقلي النشاط، بل ضرورة تحديد التخوم بدقة وقراءة وجوه التمفصل والاختلاف بوضوح، بما يؤدي إلى تحرير المثقف السوري من ماضٍ سيطرت فيه العوامل والأهداف السياسية على مسارات حياته وإنتاجه المعرفي، خاصة ذلك الدور المدمر الذي لعبته السلطة السياسية، ترغيباً وتهديداً، لإخضاع المثقفين واحتوائهم أو تهميشهم وتغييبهم.
فالسلطة احتاجت لتثبيت ركائزها ليس فقط الى وسائلها القمعية، وإنما أيضاً الى عملية إنتاج فكرية داعمة وتالياً إلى مثقف يسوغ لها سياساتها من أجل تعضيد المناخ الذي ترعاه وضمان تأييد الناس له وقبولهم به. وليس من المبالغة في شيء لو قلنا إن النخبة السياسية التي حكمت مجتمعنا طيلة عقود نجحت في استنبات أنواع شتى من المثقفين الموالين لها ممن يصطلح على تسميتهم بمثقفي البلاط. منهم من آثر الصمت والتزم الحياد والسلبية تجاه مآسي المجتمع ومعاناته المريرة، ومنهم من قدم، طوعاً أو كرهاً، بعض أشكال الدعم والمساندة للحكام واكتفى من الغنيمة بالإياب. وكان أسوأهم من اندمج في عالم السلطة ومفاسدها وصارت مهمته الرئيسة تبرير سياسات الحاكم وتسويغ ممارساته الاستبدادية، ليضمحل أو يغيب دور المثقف النقدي ولتتصدر قائمة «المبدعين» وجوه أتقنت الترويج للوضع القائم والدفاع عن أسسه السيادية.
لكن سيطرة السياسة على الثقافة لم تنجب مثقفي السلطان فقط، فثمة مثقفون لم يكونوا أحسن حالاً وقد داروا مسلوبي الإرادة في فلك الأحزاب السورية المعارضة والموالية على حد سواء، وتالياً لم يميزوا أنفسهم كحملة مشروع خاص يتطلع، بالاستقلال عن الأفعال السياسية، إلى مساعدة المجتمع على الوعي والتحرر، فرضوا من حيث المبدأ إخضاع وظيفتهم الثقافية والمعرفية لغرض سياسي وان من موقع آخر، واندمجوا في التنظيمات التي انتموا إليها وحولوا أنفسهم ثلةً من المحازبين أو الأتباع أو لنقل ما يشبه الأبواق تدافع عن سياسات أحزابها وبرامجها.
لقد أفضى حضور «المناضل السياسي» ورجحان دوره الى إلغاء دور المثقف الحر وإضاعة فرصة ثمينة لنمو فعل معرفي باستقلالية نسبية عن الأهداف السياسة المتصارعة، ما أدى إلى تراجع مكانة المعرفة، من غاية في ذاتها إلى وسيلة انتقائية، يسعى المثقف إلى اكتساب ما يفيد منها لدعم مواقف حزبه وتبريرها.
أما الخطوة الثانية على طريق إحياء الإبداع الثقافي ودوره الصحي في المجتمع فهي التطلع الى تحرير المثقف من سيطرة الوعي الإيديولوجي، الذي حضر في سورية بأشكاله الثلاثة، القومية والشيوعية والدينية. فبعد كل التحولات التي حصلت في العالم المعاصر خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وفشل الكثير من الاختيارات الإيديولوجية والفلسفات الارادوية والحتمية، لم يعد يصح مواصلة التفكير بالآليات الذهنية نفسها والدعاية لجماعة بشرية قادرة بمرجعية فكرية مستنسخة أو مقتبسة على إنجاز الأهداف التاريخية وتجاوز إمكانيات الواقع وملموسية الحدث.
فالاعتراف بانحسار الإيديولوجيا كخيار معرفي وكنمط حياة والإقرار بلا جدوى خوض الصراعات في مستوى الأفكار والنصوص لإثبات صحة هذا الموقف أو ذاك، يعني بالضرورة تقدم مبدأ مقارعة الحجة بالحجة والواقعة بالواقعة وإتاحة الفرصة لنشر العقلانية في التفكير وتوظيف المنهج العلمي وتطبيقاته العملية لتفسير الواقع الحي وتحليله كظواهر ومشكلات محددة بعيداً عن تأثير الدوافع الذاتية والتحيز المسبق. فليس من مثقف يمكن أن يكون حراً إذا ما استمر في الارتهان لرؤية إيديولوجية، بما فيها من ثوابت معرفية وتحصينات فكرية وأيضاً التزامات بصور وحلول جاهزة، وليس من مثقف قادر أن يبدع نقدياً إذا لم يتسلح بطرائق الفكر العلمي النقدي المفتوح على مختلف التجارب التاريخية، ما يمكنه من قراءة ناجحة للوقائع في تشابكها واختيار الوسائل الكفيلة بمعالجتها. وربما مهد ما سبق لبناء رؤية جديدة، تتفهم التنوع القائم بين الناس وما يترتب عليه من تباين في الاجتهادات والمواقف وتربية النفس على ضرورة التعايش مع الآخر المختلف دون السعي إلى تهمشيه أو إلغائه. الأمر الذي يشكل نقطة انطلاق لتجاوز ما يشهده المثقف والثقافة بصورة عامة من خسوف الاتجاهات العقلانية وتراجع المشروع التنويري ودوره في استيعاب مقومات الحضارة الحديثة، وأيضاً للرد على الأصوات اللاعقلانية التي تدعو إلى العيش في الماضي والموروث دون نقد أو اجتهاد وللرد بنفس القدر على مدعي امتلاك الحقيقة المطلقة غير القابلة للاختبار أو النقاش، التي تغلب الصور والعبارات المحفوظة على كل دليل عقلي أو تجريبي.
في الماضي اتجه النتاج الثقافي السوري بصورة رئيسة نحو مسألتين، تعلقت الأولى بالوطن والقومية، وبالأخص القضية الفلسطينية وبناء الوحدة العربية، وارتهنت الثانية بالبعد الاجتماعي والتطلع نحو مجتمع العدالة والمساواة والقضاء على الاستغلال. لكن يبدو اليوم إن هذه «الصور المغرية» تبددت الى حد كبير وتكشف زيف التفرد بالشعارات الوطنية والاجتماعية بمنأى عن المشروع الديموقراطي الذي بات أشبه بخيار استراتيجي في مواجهة مطامع الخارج وتردي الأوضاع الداخلية وبناء حياة جديدة.
لقد لعب غياب الديموقراطية والحريات دوراً نوعياً في انحسار الفكر الأصيل وتراجع دور المثقف الحر، خصوصاً مع نجاح أنظمة الاستبداد في كم أفواه المفكرين المخلصين وتحطيم أقلام النقاد الشرفاء وتالياً خنق الثقافة وتدجينها لتصبح مجرد صدى أو أداة تسويغ لواقع العسف والاضطهاد، وما أكمل الدائرة ضعف مقاومة المثقفين الديموقراطيين أو تقصيرهم في نصرة الديموقراطية أو ربما اختزالها في وعي بعضهم إلى حدود ما يعطيه السلطان وتأويل ما هو قائم من هوامش ضيقة على أنها الديمووقراطية المطلوبة.
وهنا لا ضير أو عيب في الاعتراف بإن غالبية المثقفين السوريين وللأسف أحجموا لفترات طويلة ولأسباب متنوعة عن ممارسة نقد حازم ضد الاستبداد وانعدام الحريات وانتهاكات حقوق الانسان، ولم يظهروا قدراً كافياً من التضحية والشجاعة للاعتزاز بالحياة الديموقراطية وحرية التفكير والإبداع أمام ما تعرضوا له من ضغوط سياسية واقتصادية.
والخلاصة، ثمة فرصة ثمينة، مع فشل السياسي وهزيمة الأيديولوجي، لإعادة صياغة دور المعرفة في الحياة وإنعاش مساهمتها في بناء التصورات المرتبطة بالتاريخ الحي وأحداثه كما تجري على أرض الواقع، لا كما ترسمها العقول والأفكار. فهل يعقد الأمل على دور إنقاذي للمثقف السوري كمبدع منحاز لحقوق الناس وحرياتهم ولقدرتهم على مقاومة الراهن وقيادة التغيير، أم تضيع الفرصة كما ضاع غيرها؟!...
كاتب وناشط سوري
--------------------------------------------------------------------------------------
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////