-
دخول

عرض كامل الموضوع : كرّم الله وجهنا عن العورات


براق
09/09/2006, 23:09
منذ ربع قرنٍ أطربني قول الشاعر مظفّر (ما زالت عورةُ بنِ العاصِ معاصرةً وتُقبّح وجهَ التاريخِ)، العورة التي كانت ضحيّة بروز عمرو لمبارزة عليّ (ع)! ولكنْ أين عمرو من عليّ في الحرب والحبّ وغيرهما؟ فما أسرع أن هزمه عليّ، ولمّا همّ أن يخبطه بسيفه، كشّف ذاك عن عورته، فأشاح عليّ (ع) عنه، لينجو عمرو بالعورة وما فوقها، ويُطلق ما تحتها للريح!
النجاة بالعورة وأحياناً التفاخر بها أمرٌ يفعله أناس، والإشاحة عن عورات مأثرةٌ يُكرَمُ بها آخرون.
إسرائيل مؤخّراً، نجت بعورتها، جنودها نجوا بعوراتهم، كانوا يجرحون أنفسهم ويجترحون العلل النتنة ليفرّوا، يكثرون تجزير الأبرياء ليضغط العالم عليهم، فيخرجوا بضغطٍ ممسرح بأقلّ شرف بدل أخزى هزيمة!

في صغري أذكر أنّ أحد فهلوات الحيّ قرّر فعل المناكر في (سنّور) الفريق، فاقتنى كلباً شرساً (بولدوغ) أودعه صندوقاً خشبيّاً (سحّارة)، وأخذ بكيس (خيشة) وقفز به على فوهة برميل القمامة الذي كان يتسكّع فيه (قطّ) الفريق غافلاً، تباغت القط المسكين فقفز ليجد نفسه داخل (الخيشة)، ظلّ يتعافر ويصطرخ داخلها، المهمّ، حمله صاحبنا لملاقاة حتفه، فتح الصندوق قليلاً ورمى بالقطّ ليحشره مع كلبه الشرس، انفجرت أصوات المواء والعواء الوحشيّ وأصواتٌ مفزعةٌ أخرى عزفتْ حَرّة الرّوح، واشتعلت (المعركة المفتوحة) في (صندوق حجمه المتر والنصف مكعّب)، وبعد ترجرج الصندوق وزمجرات مبحوحة، خمد صوت المعركة نهائيّاً بلا حسّ، اقترب صاحبُنا من الصندوق متبختراً بانحسام النتيجة، رفع الغطاء قليلاً، فقفز القطّ كصاروخ في الهواء ليطلق أرجله الأربع للريح، أمّا كلبه الشرس فكان ناكساً محطّماً يشخب دماءه المنسكبة مع بوله! وظلّ أحد الظرفاء يُغيظه مترجماً لمدّة (بول-دوغ) إلى (الكلب أبو البول)، لأنّه أفرغ مثانته من الرعب والانهيار العصبيّ والهزيمة والإنهاك.

هذا الموقف يذكّرنا بالضبط بقصّة فهلوة أمريكا في الجنوب اللبناني وزجّها بالبول-دوغ (الكلب أبو البول) الإسرائيلي وحشره، ليخرج مدجّجوه الشرسون ببلل ثيابهم وصرخات الرعب والهستيريا من ضربات هررة وديان الجنوب، وغارات أهل الحيّ، العورة انكشفت إذاً.
ولقد كشفها قبلاً عليٌّ (ع) مع مرحب اليهوديّ المدجّج، فكان حزب الله للصهاينة اليوم، كعليّ بالأمس مع مرحب خيْبرهم، وكفى المسلمين القتال.
وفي توراتهم، كما في قرآننا، أنّ جالوت المدجّج قضى عليه داودُ الحافي بحصى مسدّدةٍ من مقاليعه، ليفهم مَن يفهم: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)، لكنّ عورة زيفِ البطولات والتضليل هي العورة، ستُعاود الانكشاف لتقبّح وجه التاريخ.

رجوعاً لكشف عمرو بلا خجلٍ للعورة وإشاحة عليّ بحيائه عنها، هذا الموقف سجّله المسلمون بتمدّحهم عليّاً بمقولة (كرّم الله وجهه)، لكنّ التردّي في واقع الأمّة شقّ بالعبارة عن عورات تشظّينا وافتتاننا بالتفاهات المنفوخة، وبرز فريقٌ همّه كشف هذه العورات أو اصطناعها، وستجد (شرلوك هولمز) أو (محقّق كونان) الجُهّال المذهبيّين، يخبرك بلمحة بصر أنّ الشيعي يقول (عليه السلام) والسنّي (كرّم الله وجهه)، الشيعي يقنت والسنّي يقول (آمين)، الشيعي يستعمل التربة للسجود والسني يكفت يديه، الشيعي يبصق هكذا والسنيّ هكذاك .. وهكذا، تخلّقَ فريقٌ حقّت عليه الضلالة لتفرّسهم في العورات للتمييز اللاهدفيّ والتضليل، لا كرّم الله وجه المفرّقين ولا عليهم السلام.
هذه التفريقات النتنة بين طوائف الإسلام، ومتابعتها، والبناء عليها، والنفث فيها، وجعلها محور التسنن والتشيّع لتضييع الإسلام بإحلالها، وإعطاء الهويّة بها، والموثوقيّة، والولاء، وربّما التوظيف والتزويج والترقّي، لا كرّم الله وجهها ولا عليها السلام.
هي عوراتٌ يشيح عنها النبيّ (ص) وعليّ (ع) والمقاومة المتّزنة، لأنّها أمنية الصهاينة بالأمس واليوم (ودّوا لو تكفرون كما كفروا).
ولقد كتب النبي (ص) رسالة إلى شعب البحرين، إلى ملكها المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام، فأجابه المنذر:
(أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوسٌ ويهودٌ، فأحدث إليّ في ذلك أمرك)، فكتب إليه النبيّ (ص):
(.. أنّي قد شفعتك في قومك فاترك المسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنّك مهما تُصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية)، والجزية حينها بدل ضرائب الدولة لحماية مواطنيها، وتُقابل الحقوق الشرعيّة المكلَّف بدفعها المسلمون.

اليوم، نتخيّل أنّ النبيّ (ص) أرسل رسالةً أخرى (للمنذر بن ساوى التميمي)، (ليُتمّم) ما بدأه (بمساواة) البحرينيّين في الدين والحقوق، و(ينذرهم) مفاسد التفرّق وكراهية بعضهم الآخر، فأجابه: (إنّهم يصلّون، ويصومون، ويعمرون المساجد، ويتكلّمون بحذاقة في شئون الدين، ويشهدون لك بالنبوّة والعصمة وأكثر، لكنّ قلوبهم شتّى، لم يعتصموا بحبل الله جميعاً فتفرّقوا، ولم يُصبحوا بنعمة الله إخواناً، بل ربّما كفّر بعضُهم بعضاً أو فسّقه وخوّنه وهوّنه، لا يسعُهم إسلامُك (ص) الأوّل، فبينهم ثارات قائمة أو كامنة أشدّ ممّا بين أوسك وخزرجك، ولا صلاة جامعة بينهم ولا مسجد ولا زواج ولا عيد ولا ولاء يلمّهم).
لقال النبي: خذْ منهم الجزية!

منقول : أ.جلال القصّاب - جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية