-
دخول

عرض كامل الموضوع : لبنـــان ، من .... إلى ....


براق
06/09/2006, 23:32
لبنان من الجغرافيا إلىالتاريخ


الأفغاني؟ الكواكبي؟ عُرابي؟ زغلول؟ الإمام عليّ بن أبي طالب؟ ماذا نعرف عنهم؟ جوابنا سيسرد بطولاتهم، وربّما لن ترصد ذاكرتنا وتحتفظ إلاّ بقمّة عطاءاتهم، لن يحفظ العالم كم ولداً أنجب أولئك، وماذا كانت وظائفهم، ناهيك عن حجم ممتلكاتهم وطعامهم، بل ربّما لا يذكر طائفتهم وبلدهم، لكنّه سيذكر أفعالهم التي بها صاروا مذكورين، مواقفهم الإنسانية وإنجازاتهم الوطنيّة التي سطّرت أسماءهم بين أقوامهم والعالَم.
السيّد (نصر الله)، كم كتاباً فقهيا درَس وألّف؟ أين سكن وماذا أكل؟ أشياء تمحوها الذاكرة، لكن حبّه لله وللمستضعفين وبغضه للغاصبين سيظلّ محفوراً، لأنّه ترجمه لمآثر ومعاجز وأسطر نبراسية صادقة شحذت قلوب وأدمغة وسواعد صنائعه الأفذاذ، وأصلحت بصائر بوصلاتهم.
غزا قلوبهم كما غزاها ثائرو الحرّية والعدالة طوال التاريخ، صرخ كعيسى والحسين لاستنهاض ضمائرها.
ولأنّ الإنسان مآثر، فإنسانٌ بلا مآثر، هو بلا تاريخ، بلا سيرة وذكر، لأنّه خليّ الأحداث، ناءٍ عن صناعتها، عصيّ التفاعل، دنيّ الهمّة، عواملُ تعرية السنين تأكل فيه حتى يَنفق كالبهائم ويتفسّخ، لهذه الحيثيّة يُهرع البعض ليبنوا مآثرهم الحقّة، وأعمالاً تُشيّد أسماءهم، لأنّ قيمتهم الفعلية ألفوْها فيما يفعلون ممّا يُحسنونه، وأمام فرص الخير فُسحةٌ للبعض ليُعلّم ويُهذّب، وللبعض ليبني ويُعمِّر، وللبعض ليُجري صدقاته المؤثّرة، وللبعض ليُسارع بوحي ضميره ليمدّ لبناننا الصامد وفلسطيننا المظلوم بما يحتاجاه من مؤازرة ومادّة وجهود عمران، فالناس تترحّم على أهل الخير من موتاها والأبطال من قتلاها، لا على أيّ ميّتٍ مات مذ كان حيّاً.
وكما يحلو الإنسان بمآثره، فكذلك الأشياء، لا تحلو دون مآثر، حتّى ندبات البدن نتفاخر بها كنياشين إن كانت آثار بطولات، وصراعٍ مع كواسر، أو لتعذيب جرّاء صمود، ولن نتفاخر بجرح حظينا به لتحرّشنا بفتاة أو نالنا بنطحة عنز ورفسة حمار!
الإنسان يعتزّ ويفخر بما حازه بتضحياته وتصبّره وجهوده، لأنّ ذاك الشيء سيختزن تاريخ صاحبه اللامع وبريقه، يحتفظ بشريط مادّي تسجيليّ لنجاحٍ كان، لذلك نهفو للأمكنة ذات البُعْد الزماني، فأمكنةٌ بلا زمنٍ أمكنةٌ خشبيّة، فما يحمل الملايين لتشدّ رحالها إلى مكّة؟! ذاك لأنّها كتابٌ مفتوح على زمان غائر يفيض بنسائم الذكريات، نزور فيه الله سبحانه وجبريل ومحمّداً (ص) والصحابة الأخيار هناك، نتنفّس الملاحم الأولى للصبر الاستثنائي والمجاهدة والبذل، نزور انتماءنا الأول للمبدأ والأرض، نتّصل بمنبع ديانات الإنسان، وعذابات أنبيائه للأخذ بيده ليُبايع ويسمو ويستعيد شرفه، نطّوّف بالمحطّة التي تنتهي إليها صلواتُ وأدعية جهات الإنسان الأربع بكلّ لغاته ولهجاته تصطدم أمواجُها بجدر البيت العتيق لتتصعّد لمُصغيها، ونستذكر أفلام التاريخ اللامشهود تنبثّ من البقعة المكعّبة، كصندوق تسجيليّ أسود، عبر حجرها الأسعد.
هكذا الأوطان، نحن نفخر (ببحريننا) لمّا كان محطّة السريان المُعلِّمين الأوائل، وفينيقيّينا البحّارة العرب، تطاولوا من هذه البقاع ليمدّوا جسور الحضارة واللغة والدين شرقا حتّى تخوم الصين، نفخر بكوننا المحطّة الأولى (للعبيديين) و(السومريين)، الذين انزاحوا شمالاً ليشيّدوا مدائن أور وبابل وآشور، وبكوْن بقعتنا عربيّة المآثر أنتجت العلماء والشعراء والأوفياء، ودخلت دين السماحة سماحاً، وهكذا في تاريخها اللاحق، فحين نطأ تلالها فإنّما نطأ ملفّ تاريخنا المكدَّس.
فبعد قرنٍ، ماذا تُرى سيُذكر عن لبنان وسكّانه؟ حين ينقبر ساسةُ اليوم وصخّابوه، ويذوي كلّ قائم، ويزحف التاريخ بعوامل تعريته ليُزيح البهارج والبوارج؟
سيبقى للبنان مَعْلمان شامخان؛ أنّه البلد الذي حطّم غطرسة الصهاينة مرّتيْن، وأنّ قائد نصره المستحقّ ثائرٌ من طبقة محروميه يُدعى (نصر الله).
سيكون لقرى الصمود المدمَّرة أمجادُها، ستُصبح معلمًا ومزاراً، ملأى بالحكايات والأساطير، تلجُ التاريخ والجغرافيا معاً بثقافة وطنية وقوميّة وإنسانيّة عالميّة، صار لها هويّة وحياة، ستغدو تذكارَ فخْرٍ على جِيد لبنان، لا مجرّد أحجار بناء لعيش ذليل يتفسّخ أهلُها مع انصرام آجالهم.
هكذا يصير للوطن ذوقٌ، وطعم، ورائحة، فمتى وطأتَه مستقبلاً، ستشمّ نسيم التحرّر، وستقرأ أمثولات المجد جرت في مارون الراس، وبنت جبيل، والطيبة، وعيتا، ستتحسّس الأحجار وستفضي لك بذبذبات حكاياتها، وتوشوش (كان تحتي صهيوني مختبئ هنا، فباغته الأبطال)، ستتلمّس الجدران تفتّش عن ذكريات (ليلى) النصر والحبّ، فتنكبس أزرارُ أفلام ملاحم التاريخ تستعرض لك، تمرّرها على عينيك لترى انبعاث معاني العزّ بأطياف تلك السوح والخرائب، تعزف لك الوديان أنشودةً قديمةً تتسلّل من تحت صخورها إلى كيانك، تشحنك بسيمفونيّة وجودك الذي تبحث عنه، تعلّمك التاريخ، يومئذ تحدّثك أخبارها؛ أنّ إنسان هذا الوطن الشامخ ما انهزم وما انكسر، بل التحمتْ شيوخه برضّعه بأطفاله بنسائه، بالدم بالعرَق بالعروق تكتّلوا، لينفجروا صرخةً كونيّةً أجفلت وحوش العدوّ، ففرّ فزِعاً يرطم كلّ شيء كمخبول، لأنّ أشباح النصر، والجدران، والأحجار، وتراب الوطن، هبّوا جميعاً ليلعنوه.
في هذا الوطن المجيد، سقط الوحشُ مرّتيْن؛ مرّةً بمصائد أبطاله المقاومين، وأخرى حين تسلّل إلى أطفالهم ليهدم ملاجيء دورهم عليهم، فانتصر الأبطال والأطفال، في لبنان الجغرافيا والتاريخ، واندحر اللاإنسان، صار الوطن كقلادةٍ أثريّة عزيزاً على الصدور أكثر، صندوقُه الأسود سجّل كلّ الذكريات، وسيعزفها أبداً كلّما انفتحت السيرة.

منقول: أ.جلال القصّاب - جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

ِAbu Alzooz
06/09/2006, 23:38
حبيبي ما في ملخص زغو عيوني وفلت الزمبرك تبعي

tiger
06/09/2006, 23:39
من الصالون ...