كهربجي
29/08/2006, 13:12
الكاتب فلورنس غزلان
ليتني لم أعرف أياً منهن، ليتني لم ألتق واحدة بينهن، ربما كان الموقف أرحم، وأقل وطأة على المشاعر، وكنت أقل غضباً مما أنا عليه.
لست غاضبة فقط، بل حاقدة وكارهة لكل من ينتصر للإسلام، والإسلام منه براء... يأخذ بتلابيب النصوص التي تخدم مصلحته، يحترم قدسيتها لأنها تبيح لفحولته الانقضاض والانتصار.. على امرأة (مستضعفة) -لست ممن يستخدمون هذه العبارة أو يحبذونها، لكنها مستضعفة حين لا تقوى على المقاومة ولا تقوى على المواجهة، وهي تعيش الإذلال والقهر.. بل تفرض عليها حياة العبودية والرق بكل معانيها... يقذف بها كجورب انتهت مدة صلاحيته، فعافته الأقدام وألقت به إلى مزابل الحياة...
هن كذلك... نعم لا يستطعن الكتابة أو الشهادة... أو حتى البوح والفضفضة... لا يستطعن الدفاع أو حتى فضح ما جرى لهن... لا يستطعن الصراخ بوجه القتلة... نعم قتلة، فالموت أنواع والذبح مختلف الوسائل والجرائم ترتكب كل يوم، والمجرمون لهم طرقهم... كل حسب ذكائه وإجادته على طمس معالم جريمته... أو اثبات حسن نيته، وصفاء سريرته!! فيبدو حملاً وديعاً لا يجرؤ إلا على الثغاء طلبا لثدي يتلطة بظله!!
... الجرائم الثلاثة التي سأستعرضها... تنتمي لأكثر من فصل، في مسرحية واحدة... والجاني.. هو الزوج... الذي لا يستطيع أن يصون نفسه الدنيئة بعد أن تقدم به العمر... يحن للحم أكثر طراوة، وجسد أكثر صلابة... يسعى ليشتري بنقوده... حبا مرسوماً ومغلفاً بجسد شاب... يمتلكه ويفعل به ما يشاء يغرق فيه شهواته ويمارس عليه.. أنواع شذوذه...
ألم تفهموا قصدي بعد؟! ألأني صببت جام غضبي وبدأت بألم يجتاحني وقهر يهزني من الأعماق؟!... ألم إمرأة تحس بوجع نساء مررن بحياتي... عرفتهن عن كثب في وطني الأم (سورية).
رغم ما حصلت عليه الأولى والثانية من مستوى تعليمي لائق، واجتماعي ناجح، وأسري يثبت لكل مراقب ومشاهد وقريب، أنهن أمهات ناجحات بدرجة رفيعة، وزوجات حنونات محبات... قدمن كل درايتهن ومعارفهن، واستخدمن ثقافة البيئة التي تربين عليها، وتصورن أنها المثلى ليربحن قلب الزوج.. (أسرة ناجحة... أبناء متفوقون... بيت مريح ونظيف... مستوى معيشي متوسط ومستور... تمكنت بفضل قدراتها وحسن تدبيرها ومشاركتها له في العمل والحياة... أن تهيء له كل فرص النجاح والعمل واللإتاج... حققا معا كل ما يمكنه أن يسمى بالعرف الاجتماعي... نجاحا أسريا... الخ)
وبعد أن أتما واجبهما نحو أبناء باتوا شبابا ناجحين ومتفوقين... نظر إليها ليجدها زهرة ذبلت أوراقها بعد أن رحلة العمر وشقاء الحياة!.
ريحانة فقدت أريج الصبا... الصبا... الذي يراه يروح ويغدو أمامه في الحي أو في شوارع المدينة.. ويحلم باقتنائه في فراشه... وغدا هاجسه الأول والأخير... فأم العيال لم تعد تفي شهواته وغرائزه... الأولاد كبروا... لكنه.. مازال كهلاً قادراً، وبفلوسه التي جمعها مع أم العيال وكدسها.. يمكنه شراء غادة هيفاء... تملأ عليه حياته التي يرى من خلالها عودة ماء الشباب ونضارته لوجهه المغضن، فالأصبغة يمكنها إخفاء معالم فوديه ورأسه وقد غزاها الشيب. أو الصلع.. لا يهم!... و لجسده المتكرش بعضاً من رشاقته فيما لو ضاجع صبية مغناج... هذا ما جرى لصاحبتي الأولى... نعم انها قصتها بحذافيرها... دون زيادة أو نقصان.
كانت زميلتي في التدريس..عملنا معا بضعة أعوام... وكنت أرى بريق السعادة والنجاح في عينيها... أراه في حبها وتفانيها لأولادها المتفوقين دراسيا... أراه في بيتها الهاديء المليء بحبها لزوجها وابن عمها في الوقت نفسه... غادرت الوطن وافترقنا... لأراها صدفة بعد عودتي في الطريق... وقد تغير كل شيء في ملامحها بدت أكبر من عمرها بعشرة أعوام!!... كبرنا... نعم. لكنها كبرت أكثر بكثير... وبشكل مختلف... كان يعني أنها الميت الحي..... هرعت نحوي تحتضنني.. واغرورقت عينيها بالدموع... امتلأت بأسى يفيض عنها ويملأ الأفق... قالت بحشرجة المقتولة... لقد فعلها أبو سليم وتزوج بأخرى أكثر شبابا وبعمر ابنه!!!
لم أعهده مؤمنا... يؤدي فروض الاسلام... ولم أعرف عنهم تقيدهم بكل الطقوس... لكنها قالت: ما الذي يحميني؟..وما الذي يمنعه من القيام بعمله؟!... إنه القانون في بلدنا... والذي يستقي تعاليمه من الإسلام -حسب أقوالهم-... يبيح للرجل أن يرميني هكذا... ويتيح له أن يحقق حلمه بلحم أكثر طراوة، وأنا.. هل فكر بي هذا القانون؟ هل فكر بمشاعري كامرأة...؟ من سمح للقانون بالقتل، واستباحة القتل؟.. أليس قتلا ما يفعلون؟؟؟؟
الثانية: ... لم تكن أقل من الأولى... عرفتها صبية تمتليء نضارة، تنضح بالحياة وتقبل عليها... طالبة جامعية تدرس الهندسة المعمارية... عرفتها في مصر العربية.. قدمها لي باعتبارها خطيبته، التي يحبها ويفخر بها... أناقة... تهذيب.. ابنة عائلة... الخ... كان يحس أنه امتلك الكون... جاء بها إلى سورية لتصبح أم أولاده... وفعلا بنيا معا عشا زوجيا هانئا... تغربا معا..
وعملا سوية يدا بيد.. وبنيا بيتا جميلا.. عند عودتي وسؤالي أحد الأصدقاء المشتركين عن أخبارهم.. أخبارهما.. ضحك هازا رأسه.. (ألا تعلمين... لقد فعلها... محمد وتزوج بثانية وثالثة!!).
وحسب آخر المصادر القادمة من بلد المهجر... حيث البترول والثروة... والقانون هنا وهناك... يمنح للرجل الحق في امتلاك النساء أيا كانت أعدادهن!
حتى تلك الواقعة... اعتبرت الأمر مجرد نزوة... أو حالة استثنائية... لكني كنت أسمع في كل يوم واقعة جديدة لنساء لا أعرفهن... بل ويتردد على سامعي حوادث مشابهة لأخريات...
بلدي...... يا بلدي... ما الذي يجري بك؟ تعود القهقرى... لعصر الخلافة الأولى.. لعصر الحريم... كل البلدان تتطور.. وكل الأقطار تتغير نحو الأفضل.. وكل القوانين تسعى لنصرة المرأة ومنحها حقها الإنساني في الحياة وبزواج واحد لا غير... لكن وطني... يعيد اجترار الماضي البعيد... في الماضي البعيد..عندما يقوم أي رجل بالزواج من ثانية.....كان يعتبر عمله سبة أو نوعا من أنواع العيب... ويبحث لنفسه عن مبرر ما.. أو في حقيقة الأمر.. ربما له ما يبرر فعلته... لكنه اليوم.. يأتي فقط انطلاقا من ممارسة الرجل السوري... لحقـــــه الشــــــــــــــرعــــي!!
جاءني الخبر الصاعق.. منذ يومين فقط... وهو الذي هزني بعنف... وقلب كل الموازين... ليقول لي: اعملي على تعريتهم... على فضح مآربهم.. كوني صوتهن.. فقد خنقته التقاليد وحاصرته القوانين الظالمة.. وسلبته الأعراف البائدة.. أيا منهن لو تمكنت من الصراخ لمزقت الحجب... لكنه العجز... العجز والقهر الذي يحكمهن... وأنا... لن أقف مكتوفة اليدين.. وبالتأكيد أن ما أورده هنا ليس جديدا على مسامعكم... وليس غريبا على أي قارئ أو قارئة... بل ربما يسخر البعض ويعتبرني مجرد امرأة منحازة لمثيلاتها من النساء، وتقف معهن بحكم التضامن مع بنات جنسها!...
فليكن..... وآمل، أن يقف معي كل من يحمل في جنباته قلبا يعرف اليقين، وعقلا يملك إرادة أن يتخذ موقفا حرا. لأن الأحرار.. رجالا أم نساء... لا يرضون الذل ولا يرضون العبودية.. ولا يرتضون لبناتهم مصيرا مماثلاً...
الثالثة :.. قريبة لي... بل زوجها هو قريبي... تركته طفلا... ووجدته بعد رحيلي وقد صار زوجا وأبا... لكنه غدا (مؤمنا) مواظباً على الصلاة والصيام... ومتابعا... لأوامر دينه..
رغم أنه تتلمذ على يد أب من قدماء الماركسيين في البلد... وهذا لم يغير موقفي منه أبدا... أحترم الإيمان وأقدر من يؤدون شعائر دينهم.. على ألا يتخذون من الاسلام ذريعة لغاية في نفس يعقوب، يفسرون الإسلام بما يسمح لهم بالابقاء على دونية المرأة، والسيطرة على كل قرار يصدر في البيت، والتحكم بمصير المجتمع دون اعتبار لزمن أو لتطور، أو لاختلاف... الخ...
فرحت بزوجته وأولاده الثلاثة... ابنتان بعمر الزهور.. طفلتان رائعتان... وولد متعلق بوالده... وأم تتفانى من أجل بيتها وزوجها... أحبته... وكان بينهما قصة حب وغرام وهيام... مازالت حتى اللحظة صبية جميلة.. ومن في عمرها لم يتزوجن بعد... لا تفارق البسمة محياها.. ورغم أني لا أعرفها لكنها كانت بمثابة الابنة لي... تحب بيتها وتغدق عليه كل حنان الأنثى... تتفانى لارضاء زوجها...... بين ليلة وضحاها..ت غيرت الأحوال.. وامتلك قليلا من المال... كبر البيت.. وأصبح أكثر اتساعا.. وكبرت المشاريع.. وصار لابد معها من زوجة أخرى!!!!!
لماذا ؟... أتعرفون لماذا ؟؟... كنت هناك عند موت طفلهما الرابع... لأنها أنجبت أولادها الأربعة خلال ستة أعوام!! لم يعد بمقدورها وهي اليافعة الرقيقة... أن تتمكن من الحمل وتنجب ولدا معافى... إن لم تجعل فارقا لأكثر من عامين بين الحمل والآخر... والنتيجة موت الطفل الرابع قبل ولادته!!
اتخذ من وضعها الصحي ذريعته، بعد أن وقع بغرام أخرى!!!
انها حجة واهية... لكنها مقبولة لمن يريد أن يحظى بأخرى... ولديه كل الحق... حسب التشريع والقانون السوري، الذي يحمي الرجل ويمنحه كل ما يريد، ويجعله متفوقا... أليسوا (القوامون على النساء) وفق مصالحهم؟!
ثلاثة أطفال... لا تكفي.!!.. أن ينتظر بضعة أعوام أخرى ريثما تستعيد زوجته عافيته... أن ينتظر معها... فهذا أيضا غير ممكن؟! ولماذا الانتظار... إن كان بإمكانه الحصول على أخرى أصغر منها أيضا وولودا... تنجب ذرية صالحة... ولدا في كل عام...؟!!! أأصدقكم القول: قريبي هذا... لا يملك سوى قدرته الجسدية وشبابه لينتج... فهل فكر بما هو عليه... لو جرى له حادث ما؟ أو أصابه مكروه ما؟
التفكير... هنا غير وارد.. والعقل هنا لا يعمل... إلا باتجاه وحيد الجانب... الزواج بثانية...
الطامة الكبرى... أنهم يجدون على الدوام، امرأة ترضى بهم... امرأة تبيع نفسها لتحرم زوجة تسبقها من زوجها... وتحرم الأب من والدهم... ليصبح لها وحدها ولأولادها هي فقط!!
لا شك بأني سأجد الكثير من المبدعين والمشرعين... والمحللين... بأن الإسلام والشرع والإله منحه هذا الحق، والمهم أن يكون عادلا!! والكثير بين المحللين والمشرعين سيكلف نفسه عناء البحث عن أحاديث شريفة وآيات قرآنية يبرر فيها لكل منهم حقه في زواج ثان، دون أن يرف له جفن، فيما لو كانت المجني عليها بالزواج الثاني هي ابنته أو أخته... ولم لا؟... فربما يمسك بتلابيبها ويجبرها على الرضوخ والرضا بتقاسم الزوج مع أخرى.. وما عليها إلا طاعة بعلها!
أي عدل في الحالتين الأولى والثانية بعد أن تجاوزت كلا منهما الخمسين؟
أي عدل في امرأة لم تصل الثلاثين بعد في الحالة الثالثة... ولكنه لا ينتظرها بضعةأعوام... لا يحتمل أن يشاركها الانتظار.. ولا يكتفي بثلاثة أولاد فقط... يريد ذرية كبيرة... ليكبر معها الفقر ويزداد العوز؟!
أي عالم هذا؟... أي قانون هذا؟! بل إنه الإفك بعينه..
استصرخ كل نساء سورية... أن يقفن وقفة واحدة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية الظالم!
أستصرخ كل المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية... لحقوق الانسان... أن تناصر المرأة السورية في مطلبها تغيير الأحوال الشخصية المعمول بها منذ العهد العثماني. أليست حقوق المرأة من حقوق الإنسان؟
أستصرخ كل امرأة تملك مقدرة على البوح... أن تفضح كل من تطاوعه نفسه رمي زوجته بعد استهلاكها... أن تتسلح بكل ما يمكنها... وما باستطاعتها.. وتتحصن من ويلات الغدر والزمن مع رجال لا يعرفون الرحمة، ولا يملكون إلا قلوبا من حجر.. ولا يعرفون إلا لغة الجسد...
احفظي لنفسك يا أختاه.. خط الغد... علمي ابنك وابنتك... الرفض بزواج ثان... حينها يمكنك أن تبني مجتمعا سليما معافى.. لا تنتقمي من أخرى... لأنها ليست غريمتك... بل ضحية مثلك... ضحية قانون جائر.. ومجتمع متخلف يعود للوراء... مجتمع يتوه في محطات الأنظمة المغرقة في فسادها وفي قوانين عهود خلت... ومازالت تبتلي النساء بها...
إلى متى ستبقى المرأة السورية أسيرة هذه القوانين؟!
إلى متى تحرم من حقها في حياة تصون كرامتها وإنسانيتها وأنوثتها؟
ليتني لم أعرف أياً منهن، ليتني لم ألتق واحدة بينهن، ربما كان الموقف أرحم، وأقل وطأة على المشاعر، وكنت أقل غضباً مما أنا عليه.
لست غاضبة فقط، بل حاقدة وكارهة لكل من ينتصر للإسلام، والإسلام منه براء... يأخذ بتلابيب النصوص التي تخدم مصلحته، يحترم قدسيتها لأنها تبيح لفحولته الانقضاض والانتصار.. على امرأة (مستضعفة) -لست ممن يستخدمون هذه العبارة أو يحبذونها، لكنها مستضعفة حين لا تقوى على المقاومة ولا تقوى على المواجهة، وهي تعيش الإذلال والقهر.. بل تفرض عليها حياة العبودية والرق بكل معانيها... يقذف بها كجورب انتهت مدة صلاحيته، فعافته الأقدام وألقت به إلى مزابل الحياة...
هن كذلك... نعم لا يستطعن الكتابة أو الشهادة... أو حتى البوح والفضفضة... لا يستطعن الدفاع أو حتى فضح ما جرى لهن... لا يستطعن الصراخ بوجه القتلة... نعم قتلة، فالموت أنواع والذبح مختلف الوسائل والجرائم ترتكب كل يوم، والمجرمون لهم طرقهم... كل حسب ذكائه وإجادته على طمس معالم جريمته... أو اثبات حسن نيته، وصفاء سريرته!! فيبدو حملاً وديعاً لا يجرؤ إلا على الثغاء طلبا لثدي يتلطة بظله!!
... الجرائم الثلاثة التي سأستعرضها... تنتمي لأكثر من فصل، في مسرحية واحدة... والجاني.. هو الزوج... الذي لا يستطيع أن يصون نفسه الدنيئة بعد أن تقدم به العمر... يحن للحم أكثر طراوة، وجسد أكثر صلابة... يسعى ليشتري بنقوده... حبا مرسوماً ومغلفاً بجسد شاب... يمتلكه ويفعل به ما يشاء يغرق فيه شهواته ويمارس عليه.. أنواع شذوذه...
ألم تفهموا قصدي بعد؟! ألأني صببت جام غضبي وبدأت بألم يجتاحني وقهر يهزني من الأعماق؟!... ألم إمرأة تحس بوجع نساء مررن بحياتي... عرفتهن عن كثب في وطني الأم (سورية).
رغم ما حصلت عليه الأولى والثانية من مستوى تعليمي لائق، واجتماعي ناجح، وأسري يثبت لكل مراقب ومشاهد وقريب، أنهن أمهات ناجحات بدرجة رفيعة، وزوجات حنونات محبات... قدمن كل درايتهن ومعارفهن، واستخدمن ثقافة البيئة التي تربين عليها، وتصورن أنها المثلى ليربحن قلب الزوج.. (أسرة ناجحة... أبناء متفوقون... بيت مريح ونظيف... مستوى معيشي متوسط ومستور... تمكنت بفضل قدراتها وحسن تدبيرها ومشاركتها له في العمل والحياة... أن تهيء له كل فرص النجاح والعمل واللإتاج... حققا معا كل ما يمكنه أن يسمى بالعرف الاجتماعي... نجاحا أسريا... الخ)
وبعد أن أتما واجبهما نحو أبناء باتوا شبابا ناجحين ومتفوقين... نظر إليها ليجدها زهرة ذبلت أوراقها بعد أن رحلة العمر وشقاء الحياة!.
ريحانة فقدت أريج الصبا... الصبا... الذي يراه يروح ويغدو أمامه في الحي أو في شوارع المدينة.. ويحلم باقتنائه في فراشه... وغدا هاجسه الأول والأخير... فأم العيال لم تعد تفي شهواته وغرائزه... الأولاد كبروا... لكنه.. مازال كهلاً قادراً، وبفلوسه التي جمعها مع أم العيال وكدسها.. يمكنه شراء غادة هيفاء... تملأ عليه حياته التي يرى من خلالها عودة ماء الشباب ونضارته لوجهه المغضن، فالأصبغة يمكنها إخفاء معالم فوديه ورأسه وقد غزاها الشيب. أو الصلع.. لا يهم!... و لجسده المتكرش بعضاً من رشاقته فيما لو ضاجع صبية مغناج... هذا ما جرى لصاحبتي الأولى... نعم انها قصتها بحذافيرها... دون زيادة أو نقصان.
كانت زميلتي في التدريس..عملنا معا بضعة أعوام... وكنت أرى بريق السعادة والنجاح في عينيها... أراه في حبها وتفانيها لأولادها المتفوقين دراسيا... أراه في بيتها الهاديء المليء بحبها لزوجها وابن عمها في الوقت نفسه... غادرت الوطن وافترقنا... لأراها صدفة بعد عودتي في الطريق... وقد تغير كل شيء في ملامحها بدت أكبر من عمرها بعشرة أعوام!!... كبرنا... نعم. لكنها كبرت أكثر بكثير... وبشكل مختلف... كان يعني أنها الميت الحي..... هرعت نحوي تحتضنني.. واغرورقت عينيها بالدموع... امتلأت بأسى يفيض عنها ويملأ الأفق... قالت بحشرجة المقتولة... لقد فعلها أبو سليم وتزوج بأخرى أكثر شبابا وبعمر ابنه!!!
لم أعهده مؤمنا... يؤدي فروض الاسلام... ولم أعرف عنهم تقيدهم بكل الطقوس... لكنها قالت: ما الذي يحميني؟..وما الذي يمنعه من القيام بعمله؟!... إنه القانون في بلدنا... والذي يستقي تعاليمه من الإسلام -حسب أقوالهم-... يبيح للرجل أن يرميني هكذا... ويتيح له أن يحقق حلمه بلحم أكثر طراوة، وأنا.. هل فكر بي هذا القانون؟ هل فكر بمشاعري كامرأة...؟ من سمح للقانون بالقتل، واستباحة القتل؟.. أليس قتلا ما يفعلون؟؟؟؟
الثانية: ... لم تكن أقل من الأولى... عرفتها صبية تمتليء نضارة، تنضح بالحياة وتقبل عليها... طالبة جامعية تدرس الهندسة المعمارية... عرفتها في مصر العربية.. قدمها لي باعتبارها خطيبته، التي يحبها ويفخر بها... أناقة... تهذيب.. ابنة عائلة... الخ... كان يحس أنه امتلك الكون... جاء بها إلى سورية لتصبح أم أولاده... وفعلا بنيا معا عشا زوجيا هانئا... تغربا معا..
وعملا سوية يدا بيد.. وبنيا بيتا جميلا.. عند عودتي وسؤالي أحد الأصدقاء المشتركين عن أخبارهم.. أخبارهما.. ضحك هازا رأسه.. (ألا تعلمين... لقد فعلها... محمد وتزوج بثانية وثالثة!!).
وحسب آخر المصادر القادمة من بلد المهجر... حيث البترول والثروة... والقانون هنا وهناك... يمنح للرجل الحق في امتلاك النساء أيا كانت أعدادهن!
حتى تلك الواقعة... اعتبرت الأمر مجرد نزوة... أو حالة استثنائية... لكني كنت أسمع في كل يوم واقعة جديدة لنساء لا أعرفهن... بل ويتردد على سامعي حوادث مشابهة لأخريات...
بلدي...... يا بلدي... ما الذي يجري بك؟ تعود القهقرى... لعصر الخلافة الأولى.. لعصر الحريم... كل البلدان تتطور.. وكل الأقطار تتغير نحو الأفضل.. وكل القوانين تسعى لنصرة المرأة ومنحها حقها الإنساني في الحياة وبزواج واحد لا غير... لكن وطني... يعيد اجترار الماضي البعيد... في الماضي البعيد..عندما يقوم أي رجل بالزواج من ثانية.....كان يعتبر عمله سبة أو نوعا من أنواع العيب... ويبحث لنفسه عن مبرر ما.. أو في حقيقة الأمر.. ربما له ما يبرر فعلته... لكنه اليوم.. يأتي فقط انطلاقا من ممارسة الرجل السوري... لحقـــــه الشــــــــــــــرعــــي!!
جاءني الخبر الصاعق.. منذ يومين فقط... وهو الذي هزني بعنف... وقلب كل الموازين... ليقول لي: اعملي على تعريتهم... على فضح مآربهم.. كوني صوتهن.. فقد خنقته التقاليد وحاصرته القوانين الظالمة.. وسلبته الأعراف البائدة.. أيا منهن لو تمكنت من الصراخ لمزقت الحجب... لكنه العجز... العجز والقهر الذي يحكمهن... وأنا... لن أقف مكتوفة اليدين.. وبالتأكيد أن ما أورده هنا ليس جديدا على مسامعكم... وليس غريبا على أي قارئ أو قارئة... بل ربما يسخر البعض ويعتبرني مجرد امرأة منحازة لمثيلاتها من النساء، وتقف معهن بحكم التضامن مع بنات جنسها!...
فليكن..... وآمل، أن يقف معي كل من يحمل في جنباته قلبا يعرف اليقين، وعقلا يملك إرادة أن يتخذ موقفا حرا. لأن الأحرار.. رجالا أم نساء... لا يرضون الذل ولا يرضون العبودية.. ولا يرتضون لبناتهم مصيرا مماثلاً...
الثالثة :.. قريبة لي... بل زوجها هو قريبي... تركته طفلا... ووجدته بعد رحيلي وقد صار زوجا وأبا... لكنه غدا (مؤمنا) مواظباً على الصلاة والصيام... ومتابعا... لأوامر دينه..
رغم أنه تتلمذ على يد أب من قدماء الماركسيين في البلد... وهذا لم يغير موقفي منه أبدا... أحترم الإيمان وأقدر من يؤدون شعائر دينهم.. على ألا يتخذون من الاسلام ذريعة لغاية في نفس يعقوب، يفسرون الإسلام بما يسمح لهم بالابقاء على دونية المرأة، والسيطرة على كل قرار يصدر في البيت، والتحكم بمصير المجتمع دون اعتبار لزمن أو لتطور، أو لاختلاف... الخ...
فرحت بزوجته وأولاده الثلاثة... ابنتان بعمر الزهور.. طفلتان رائعتان... وولد متعلق بوالده... وأم تتفانى من أجل بيتها وزوجها... أحبته... وكان بينهما قصة حب وغرام وهيام... مازالت حتى اللحظة صبية جميلة.. ومن في عمرها لم يتزوجن بعد... لا تفارق البسمة محياها.. ورغم أني لا أعرفها لكنها كانت بمثابة الابنة لي... تحب بيتها وتغدق عليه كل حنان الأنثى... تتفانى لارضاء زوجها...... بين ليلة وضحاها..ت غيرت الأحوال.. وامتلك قليلا من المال... كبر البيت.. وأصبح أكثر اتساعا.. وكبرت المشاريع.. وصار لابد معها من زوجة أخرى!!!!!
لماذا ؟... أتعرفون لماذا ؟؟... كنت هناك عند موت طفلهما الرابع... لأنها أنجبت أولادها الأربعة خلال ستة أعوام!! لم يعد بمقدورها وهي اليافعة الرقيقة... أن تتمكن من الحمل وتنجب ولدا معافى... إن لم تجعل فارقا لأكثر من عامين بين الحمل والآخر... والنتيجة موت الطفل الرابع قبل ولادته!!
اتخذ من وضعها الصحي ذريعته، بعد أن وقع بغرام أخرى!!!
انها حجة واهية... لكنها مقبولة لمن يريد أن يحظى بأخرى... ولديه كل الحق... حسب التشريع والقانون السوري، الذي يحمي الرجل ويمنحه كل ما يريد، ويجعله متفوقا... أليسوا (القوامون على النساء) وفق مصالحهم؟!
ثلاثة أطفال... لا تكفي.!!.. أن ينتظر بضعة أعوام أخرى ريثما تستعيد زوجته عافيته... أن ينتظر معها... فهذا أيضا غير ممكن؟! ولماذا الانتظار... إن كان بإمكانه الحصول على أخرى أصغر منها أيضا وولودا... تنجب ذرية صالحة... ولدا في كل عام...؟!!! أأصدقكم القول: قريبي هذا... لا يملك سوى قدرته الجسدية وشبابه لينتج... فهل فكر بما هو عليه... لو جرى له حادث ما؟ أو أصابه مكروه ما؟
التفكير... هنا غير وارد.. والعقل هنا لا يعمل... إلا باتجاه وحيد الجانب... الزواج بثانية...
الطامة الكبرى... أنهم يجدون على الدوام، امرأة ترضى بهم... امرأة تبيع نفسها لتحرم زوجة تسبقها من زوجها... وتحرم الأب من والدهم... ليصبح لها وحدها ولأولادها هي فقط!!
لا شك بأني سأجد الكثير من المبدعين والمشرعين... والمحللين... بأن الإسلام والشرع والإله منحه هذا الحق، والمهم أن يكون عادلا!! والكثير بين المحللين والمشرعين سيكلف نفسه عناء البحث عن أحاديث شريفة وآيات قرآنية يبرر فيها لكل منهم حقه في زواج ثان، دون أن يرف له جفن، فيما لو كانت المجني عليها بالزواج الثاني هي ابنته أو أخته... ولم لا؟... فربما يمسك بتلابيبها ويجبرها على الرضوخ والرضا بتقاسم الزوج مع أخرى.. وما عليها إلا طاعة بعلها!
أي عدل في الحالتين الأولى والثانية بعد أن تجاوزت كلا منهما الخمسين؟
أي عدل في امرأة لم تصل الثلاثين بعد في الحالة الثالثة... ولكنه لا ينتظرها بضعةأعوام... لا يحتمل أن يشاركها الانتظار.. ولا يكتفي بثلاثة أولاد فقط... يريد ذرية كبيرة... ليكبر معها الفقر ويزداد العوز؟!
أي عالم هذا؟... أي قانون هذا؟! بل إنه الإفك بعينه..
استصرخ كل نساء سورية... أن يقفن وقفة واحدة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية الظالم!
أستصرخ كل المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية... لحقوق الانسان... أن تناصر المرأة السورية في مطلبها تغيير الأحوال الشخصية المعمول بها منذ العهد العثماني. أليست حقوق المرأة من حقوق الإنسان؟
أستصرخ كل امرأة تملك مقدرة على البوح... أن تفضح كل من تطاوعه نفسه رمي زوجته بعد استهلاكها... أن تتسلح بكل ما يمكنها... وما باستطاعتها.. وتتحصن من ويلات الغدر والزمن مع رجال لا يعرفون الرحمة، ولا يملكون إلا قلوبا من حجر.. ولا يعرفون إلا لغة الجسد...
احفظي لنفسك يا أختاه.. خط الغد... علمي ابنك وابنتك... الرفض بزواج ثان... حينها يمكنك أن تبني مجتمعا سليما معافى.. لا تنتقمي من أخرى... لأنها ليست غريمتك... بل ضحية مثلك... ضحية قانون جائر.. ومجتمع متخلف يعود للوراء... مجتمع يتوه في محطات الأنظمة المغرقة في فسادها وفي قوانين عهود خلت... ومازالت تبتلي النساء بها...
إلى متى ستبقى المرأة السورية أسيرة هذه القوانين؟!
إلى متى تحرم من حقها في حياة تصون كرامتها وإنسانيتها وأنوثتها؟