-
دخول

عرض كامل الموضوع : أميركا و الأصلاح


baathy
21/04/2005, 04:13
تعمق إدراك الحاجة إلى الإصلاح والدعوة له بشكل أكبر بعد وفاة الرئيس الخالد حافظ الأسد وتولي ابنه بشار الحكم. وساهم خطاب الرئيس بشار نفسه في بث الأمل بوجود إرادة إصلاحية عندما اعترف في حديثه لأول مرة بالمشاكل التي تعاني منها البلاد وطلب من الشعب مساعدته على إيجاد الحلول لها وتكلم عن نفسه بوصفه مواطنا كالآخرين لا مالكا لهم.
وينبغي القول إن واشنطن لم تتحدث عن أي مشروع للإصلاح في البلاد العربية قبل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وقد تمحور أول مشروع حول التنمية والمرأة والمعرفة ولم يتطرق كثيرا للمسائل السياسية.

ولم يتحول الحديث الضعيف عن ضرورة الإصلاح إلى مشروع أو مبادرة أميركية ثم أميركية أوروبية إلا على أثر المصاعب التي واجهتها الحملة العسكرية الأميركية على العراق عام 2003 واصطدامها بحاجز المقاومة المسلحة العنيفة.

فمن أجل إضعاف موقف هذه المقاومة التي تستمد شرعيتها من الدفاع عن الاستقلال السياسي والثقافي والهوية وفي سبيل قطعها عن محيطها العربي والإسلامي، لم تجد الدعاية الأميركية بديلا لإضفاء الشرعية على نشاطها في العراق سوى ربط مشروعها لبسط نفوذها الاستعماري الجديد في المنطقة بمسألة الديمقراطية والحرية.


وقد زاد تركيز الدعاية الأميركية على مسألة الديمقراطية والحرية بمناسبة حملة الانتخابات الثانية التي أعطت الرئيس جورج بوش ولاية رئاسية جديدة.

وقد استخدم الرئيس الأميركي شعار نشر الديمقراطية في البلاد العربية من أجل إيجاد مبررات أخلاقية لحربه في العراق التي أصبحت تثير اعتراضات قوية من قبل الرأي العام الأميركي بسبب تكاليفها البشرية والمادية الكبيرة.

كما حاول من خلاله رد الاعتبار لسياسته الدولية التي اتهمت من قبل حلفاء واشنطن بالتهور والانفرادية والتسلطية واللجوء المفرط للقوة العسكرية.

فالمشروع الأميركي الحقيقي الوحيد كما هو واضح من سياسة واشنطن في المشرق العربي كافة وليس في فلسطين والعراق فحسب هو انتزاع المنطقة من أيدي نظام عربي إقليمي مهترئ تنظيميا وسياسيا وفكريا لإدراجها في منظومة الإستراتيجية الأميركية العالمية.

وليس للشعارات الديمقراطية من دور هنا سوى تغليف هذا المشروع بغلاف رقيق من الشعارات المحببة إلى الشعوب العربية التي اكتوت خلال عقود بنار الظلم والقهر والإرهاب الداخلي.

إن ما تريده الولايات المتحدة هو دفع المواطن العربي باسم ديمقراطية موهومة إلى مقايضة الوطنية العربية وبرنامجها القائم على تعزيز التعاون والاندماج العربي وتأكيد استقلال المنطقة عن النفوذ الأجنبي ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة الخارجية الغربية، ببرنامج استعماري جديد قائم على مفهوم الشرق أوسطية الكبيرة أو الموسعة.

وذلك ليؤسس سياسيا وإيديولوجيا لتكريس التجزئة العربية واستبدال الحلم العربي الوحدوي بالتبعية المشتركة للولايات المتحدة وقبول الحمايات الخارجية، ويجعل من الاندراج في السوق الاقتصادية الدولية والتعاون مع إسرائيل قاعدة العمل في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الرفاه في المنطقة.

ومن الواضح أن تحقيق البرنامج الاستعماري الجديد يصطدم بشكل مباشر مع أي برنامج ديمقراطي فعلي بقدر ما يقوم على نزع سيادة الشعوب والحيلولة دون ممارستها حقها في تقرير مصيرها وفرض الوصاية عليها.

ومن هنا وبالرغم من الضجيج الكبير الذي تثيره الإدارة الأميركية حول الديمقراطية لم تجعل واشنطن حتى هذه اللحظة، ولا غيرها من العواصم الكبرى من الانتخابات التشريعية أو الرئاسية النزيهة والتنافسية منطلقا أو أساسا للإصلاح المزعوم.

ولم تطالب السلطات القائمة لا في مصر ولا في السعودية ولا في أي دولة عربية أخرى، ومن باب أولى في سورية، بتنظيم مثل هذه الانتخابات كشرط مسبق للتعاون او التعامل معها أو دعمها في تحقيق الإصلاح الاقتصادي أو الإداري.

بل إن الإدارة الأميركية لا تتحدث عن الديمقراطية، حتى بمعناها الشكلي كواجهة لتعددية فارغة من المضمون، بلغة واحدة ولا تطبق المعايير نفسها على جميع بلدان المنطقة.

فهي لا تطالب بتحقيق مزيد من الإجراءات الديمقراطية، أي بتحسين الواجهة التعددية وتوسيع دائرة المشاركة الانتخابية لامتصاص نقمة بعض فئات الطبقة الوسطى والتقليل من الغش والتزوير الفاضح في الانتخابات، إلا الدول العربية التابعة أصلا لمنطقة نفوذها مثل مصر والمملكة العربية السعودية.

أما في البلدان التي تعتبر أنها لم تدخل في دائرة نفوذها كليا بعد مثل ليبيا وسورية فأولوياتها هنا ذات طبيعية إتراتيجية محضة. فهي لا تطالب إلا بتصفية النزاعات الوطنية العربية، حتى تلك الرمزية منها، من دون إثارة أي مشكلة بالنسبة للإبقاء على النظام القائم.


وهذا هو بالضبط ما يطلبه الأميركيون من سورية. فهم لا يكفون عن تكرار أن عليها التمثل بما قامت به ليبيا. ولم يتحدث مسؤول أميركي واحد عن تغيير نظام حزب البعث القائم أو حتى عن إجراء انتخابات نزيهة ومن باب أولى عن تداول السلطة بل حتى عن توسيع دائرة المشاركة الشعبية في الحكم على مثال ما تطلبه من مصر والمملكة السعودية.

إن كل ما يطلبه الأميركيون من النظام السوري هو التخلي عن أسلحة الدمار الشامل ووقف دعم عمليات المقاومة العربية في فلسطين أو العراق أو لبنان والتطبيع مع إسرائيل من دون مقابل والتعاون الأمني معها ومع واشنطن، أي باختصار التخلي عن ما تبقى من أصداء بعيدة لبرنامج البعث الوطني العربي القديم ورفع الراية أمام الإدارة الأميركية
إن برنامج المبادرة الإصلاحية الأميركية في سورية وليبيا هو برنامج المصالح الإستراتيجية فحسب من دون براقع ولا أصباغ، أي التفاهم والتعاون الأمني الواسع بين النظام القائم من جهة وحكومات واشنطن وإسرائيل من جهة ثانية ولا شيء آخر...........