عاشق من فلسطين
20/04/2005, 13:20
شيء يوقظني في هذه الليلة .. ويتركني ساهرا" مع أقمار السماء ( فأنا سمائي تملك عدة اقمار)
أنهض من فراشي .. رغم البرودة القارسة .. وانعل حذائي .. وانظر الى المرأة .. وأقول لنفسي : ها قد آتاك شيطانك .. فاذهب ..
أخذت قلمي ودفتري .. وذهبت .. ذهبت الى حارات دمشق القديمة .. حيث كنت قد بعثرت بعض الذكريات القديمة على جدرانها الحجرية ..
ونظرت الى باب المسجد الأموي .. حيث كتبت أول دعاء لي .. عندما كنت لا أزال مؤمنا" بالله ..
فنظرت اليها بحزن وضحكت من نفسي .. أو على نفسي ..
أيقظني من حلم الطفولة .. ولد صغير كان يشدني من سترتي ..
فنظرت اليه : واذ به ولد ( فنحن في سوريا ليس عندنا طفولة أو أطفال) في العاشرة من عمره ..
فسألته : ماذا تريد يا صغيري العزيز .. هل انت جائع .. هل تشعر بالبرد .. هل تشعر بالنعاس .. هل تشعر بفقدان الوطن ..
فقال لي باكيا" : أريد أن أعمل ..
أحسست بأن سهما" قد أخترق قلبي ..
نعم سهم .. فنحن رماة ماهرون ..
أذهلني انه لم يطلب نقودا" .. أو طعاما" .. أو مأوى ..
فأيقظني من صدمتي مردفا" : أريد أن أعمل .. لأن وادي بالمشفى ولا نملك ثمن الدواء ..
فاغرورقت دمعة حبيسة منذ ألف سنة في عيني .. وانسابت على وجنتي اليسارية ( لطالما كنت يساريا" حتى في بكائي)
فقال لي : ما بك يا عماه وهل انت أيضا" تريد العمل ..
فقلت له بعد أن مسحت تلك السجينة : لا يا حبيبي .. وصمت لبرهة وأنا أتمعن في ثيابه ..
قميص أسود مليئ بالثقوب .. وحذاء عسكري يفوق حجم فخذه .. وبنطال مرصع بالأوسمة البنية ..
أشحت وجهي وفي داخلي رغبة فاجرة للبكاء ..
فأمسكني مجددا" من يدي .. وقال لي : ما بك يا عماه هل أنت مريض أيضا" .. لا تخف فأنا سأجد عملا" وأكسب الكثير من المال .. لأعالجك انت ووالدي ..
وهنا ما عدت أمتلك أي قوة على مقارومة الانهيار .. فركعت امامه .. وضممته بكل ما أوتيت من قوة .. وأجهشت بالبكاء ..
فبدأ يمسح رأسي بيديه الصغيرتين الباردتين ..
ورفع رأسي وقبلني من جبيني ..
وقال : تعال معي الى غرفة أبي في المشفى .. يبدو انك لا تملك مكانا" لتبات فيه الليلة .. سنبيت معا" في غرفة أبي ..
أمسك بيدي وبدأ يقودني .. أحسست وكأني أنتقل الى الحياة الأخرى .. وذاك الطفل هو ملاكي الحارس .. وبعد قليل .. كنا امام مستوصف عسكري ..
عندها فقط استيقظت .. وأحسست بأني قد بدأت أفهم المأساة ..
بدت لي كما تخيلتها ( رجل قضى حياته في خدمة بلاده وعلم بلاده ونشيد بلاده وشعارات بلاده وأوغاد بلاده .. وعندما انهكه الواجب .. رفع ولده راية الواجب عنه .. بكل رحابة صدر .. ولم يلقى مقابلا" لذلك .. الا سريرا" مهترأ" في مستوصف عسكري بالي كقائد هذا الوطن .. ومع ذلك فقد منحني هذا الصبي جرعة أمل وحياة كنت قد احتجتها لأعوام)
حملت الصبي ومشيت به الى المستوصف .. وذهبنا الى غرفة والده ..
.. وهناك .. كان رجل في الأربعين من عمره .. كثيف اللحية .. وكثيف المرض والمأساة .. طاعنا" في الفقر ..
يتحشرج سعلات متقطعة .. ..
قفز الطفل من بين ساعدي واندفع نحو والده وقال له : .. أبتاه .. لقد وجدت محتاجا" في طريقي وقد عرضت عليه أن يأتي للنوم معنا في غرفتك ..
فقال الوالد بصوت أجش : أني فخور بك يا بني ..
ومد يده الي وقال : تعال يا بني .. من أنت ..
فقلت له : أنا مواطن كنت بلا وطن .. والآن وجدت وطني ...
عاشق من فلسطين 20/4/2005 :cry: :cry:
أنهض من فراشي .. رغم البرودة القارسة .. وانعل حذائي .. وانظر الى المرأة .. وأقول لنفسي : ها قد آتاك شيطانك .. فاذهب ..
أخذت قلمي ودفتري .. وذهبت .. ذهبت الى حارات دمشق القديمة .. حيث كنت قد بعثرت بعض الذكريات القديمة على جدرانها الحجرية ..
ونظرت الى باب المسجد الأموي .. حيث كتبت أول دعاء لي .. عندما كنت لا أزال مؤمنا" بالله ..
فنظرت اليها بحزن وضحكت من نفسي .. أو على نفسي ..
أيقظني من حلم الطفولة .. ولد صغير كان يشدني من سترتي ..
فنظرت اليه : واذ به ولد ( فنحن في سوريا ليس عندنا طفولة أو أطفال) في العاشرة من عمره ..
فسألته : ماذا تريد يا صغيري العزيز .. هل انت جائع .. هل تشعر بالبرد .. هل تشعر بالنعاس .. هل تشعر بفقدان الوطن ..
فقال لي باكيا" : أريد أن أعمل ..
أحسست بأن سهما" قد أخترق قلبي ..
نعم سهم .. فنحن رماة ماهرون ..
أذهلني انه لم يطلب نقودا" .. أو طعاما" .. أو مأوى ..
فأيقظني من صدمتي مردفا" : أريد أن أعمل .. لأن وادي بالمشفى ولا نملك ثمن الدواء ..
فاغرورقت دمعة حبيسة منذ ألف سنة في عيني .. وانسابت على وجنتي اليسارية ( لطالما كنت يساريا" حتى في بكائي)
فقال لي : ما بك يا عماه وهل انت أيضا" تريد العمل ..
فقلت له بعد أن مسحت تلك السجينة : لا يا حبيبي .. وصمت لبرهة وأنا أتمعن في ثيابه ..
قميص أسود مليئ بالثقوب .. وحذاء عسكري يفوق حجم فخذه .. وبنطال مرصع بالأوسمة البنية ..
أشحت وجهي وفي داخلي رغبة فاجرة للبكاء ..
فأمسكني مجددا" من يدي .. وقال لي : ما بك يا عماه هل أنت مريض أيضا" .. لا تخف فأنا سأجد عملا" وأكسب الكثير من المال .. لأعالجك انت ووالدي ..
وهنا ما عدت أمتلك أي قوة على مقارومة الانهيار .. فركعت امامه .. وضممته بكل ما أوتيت من قوة .. وأجهشت بالبكاء ..
فبدأ يمسح رأسي بيديه الصغيرتين الباردتين ..
ورفع رأسي وقبلني من جبيني ..
وقال : تعال معي الى غرفة أبي في المشفى .. يبدو انك لا تملك مكانا" لتبات فيه الليلة .. سنبيت معا" في غرفة أبي ..
أمسك بيدي وبدأ يقودني .. أحسست وكأني أنتقل الى الحياة الأخرى .. وذاك الطفل هو ملاكي الحارس .. وبعد قليل .. كنا امام مستوصف عسكري ..
عندها فقط استيقظت .. وأحسست بأني قد بدأت أفهم المأساة ..
بدت لي كما تخيلتها ( رجل قضى حياته في خدمة بلاده وعلم بلاده ونشيد بلاده وشعارات بلاده وأوغاد بلاده .. وعندما انهكه الواجب .. رفع ولده راية الواجب عنه .. بكل رحابة صدر .. ولم يلقى مقابلا" لذلك .. الا سريرا" مهترأ" في مستوصف عسكري بالي كقائد هذا الوطن .. ومع ذلك فقد منحني هذا الصبي جرعة أمل وحياة كنت قد احتجتها لأعوام)
حملت الصبي ومشيت به الى المستوصف .. وذهبنا الى غرفة والده ..
.. وهناك .. كان رجل في الأربعين من عمره .. كثيف اللحية .. وكثيف المرض والمأساة .. طاعنا" في الفقر ..
يتحشرج سعلات متقطعة .. ..
قفز الطفل من بين ساعدي واندفع نحو والده وقال له : .. أبتاه .. لقد وجدت محتاجا" في طريقي وقد عرضت عليه أن يأتي للنوم معنا في غرفتك ..
فقال الوالد بصوت أجش : أني فخور بك يا بني ..
ومد يده الي وقال : تعال يا بني .. من أنت ..
فقلت له : أنا مواطن كنت بلا وطن .. والآن وجدت وطني ...
عاشق من فلسطين 20/4/2005 :cry: :cry: