yass
18/04/2005, 20:56
د. محمد وليد *
في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب عقب اغتيال رفيق الحريري، ركز الرئيس بشار الأسد على القضايا الخارجية، ورحّل استحقاقات الإصلاح الداخلي إلى المؤتمر القطري القادم لـ "حزب البعث". وأخشى ما يخشاه الغيورون على مصلحة سورية؛ أن يرحل المؤتمر بدوره قضايا الإصلاح الداخلي إلى أجل غير مسمى، بحجة المخاطر الخارجية التي تهدد سورية، مكتفياً ببعض التغييرات الشكلية التي تزوق السطح ولا تمس الجوهر.
إن الفرصة متاحة أمام المؤتمر الذي يعقد بعد غياب طويل ليتحمل مسؤولياته التاريخية للخروج بسورية من النفق المظلم الذي أدخلها فيه. فبعد أربعين عاماً من التسلط والاستبداد أصبح البيت خرباً وجدرانه مثقبة، ولا تكفيه الترميمات التجميلية لسد تلك الثقوب. إن أي إصلاح دون الحرية الحقيقية والديمقراطية والتعددية الحزبية وإغلاق ملفات الظلم وإلغاء حالة الطوارئ؛ لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج سيطرة الطبقة الحزبية نفسها، والاستمرار في إقصاء القوى السياسية والشعبية، واستمرار المأزق الذي أوقع النظام نفسه والوطن فيه. على الحزب أن يفهم أن سلامة الأوطان لا تقايض بسلامة الأحزاب والهيئات، وأن استحقاقات الفترة الحرجة التي تمر بها سورية أصبحت ملحة وتأجيلها كارثي على الأمة والوطن، وأن الخروج من المأزق لا يكون بصفقات أخرى يتم فيها التفاهم مع الخارج - إن كان هذا الخارج ما زال يرضى أصلاً بمثل هذه الصفقات - ولن يمد هذا في عمر الاستبداد إلا سحابة نهار، ولن يؤدي إلا إلى زيادة شهية الخارج للمزيد من الضغوط والابتزاز.
إن الفعل يفرز نقيضه كما يقول علماء الاجتماع السياسي، وقد أفرز الاستبداد المستمر منذ أربعة عقود حراكاً اجتماعياً وفكرياً وسياسياً واعداً داخل سورية، وما زال ربيع دمشق يفتح أكمامه رغم صقيع الأجواء المحيطة به. لقد تفتحت عقول ناضجة وآراء حرة في لجان إحياء المجتمع المدني والتجمع الوطني الديمقراطي ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية، كما أفرز الاستبداد عند حركات المعارضة في المنفى – وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين - نضوجاً فكرياً ووعياً سياسياً وإحساساً عميقاً بالمسؤولية وإلماماً بمتغيرات الزمان والمكان.
لا يوافق بعض المراقبين على مطالبة المعارضة للنظام بالإصلاح؛ لأنها تطلب منه شيئاً لا يملكه، ومع ذلك فالمعارضة تضع الفرصة أمام النظام ليثبت العكس، وتخاطبه من خلال حس وطني عميق للعدول عن سياسة الاستئثار والإقصاء والتهميش، والشروع بتعزيز الجبهة الداخلية التي فيها إنقاذ البلاد والعباد. لقد انتهى العصر الذي يختصر فيه الوطن بالحزب ويختصر الحزب بالقائد الملهم، أما الحجة المستهلكة بأن الشعب غير مهيأ للديمقراطية وأن الحرية ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار والفوضى؛ فهي حجة لم تكن يوماً مقبولة ولا معقولة، إلا إذا أرانا الحزب ماذا أعد خلال أربعين عاماً من حكمه لتهيئة الشعب لممارسة الحرية والديمقراطية، غير النهب ورعاية الفساد والمصادقة خلال ساعات في مجلس الشعب على تعديل الدستور، وهتافات الفداء بالروح والدم بدل الترشيد والمحاسبة. إن تكرار هذه المقولة لا يعبر إلا عن عقلية متكلسة غير قابلة للحياة، وقد آن الأوان لتغيير هذه العقليات والفرصة الآن متاحة أمام من يريدون التغيير الحقيقي.
و في نهاية المقال أختمه بهمسات ثلاث:
الهمسة الأولى: في أذن من يقولون لماذا الآن؟ ولماذا تتزامن مطالبة المعارضة بالديمقراطية مع الهجمة الأمريكية على المنطقة؟ ولهؤلاء نقول: إن المطالبة بالديمقراطية في المنطقة ليست بضاعة أمريكية، كما أن الديمقراطية في العالم وجدت قبل أن توجد الولايات المتحدة، والمطالبة بالديمقراطية من قبل الهيئات والأحزاب في سورية وجدت قبل التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، وقبل اتخاذ الديمقراطية غطاء أيديولوجياً لتحقيق مصالح أمريكا في المنطقة.
الهمسة الثانية: في أذن من يرون الخلاص قادماً على ظهر الدبابة الأمريكية، ولهؤلاء نقول: إن اقتسام الأرباح عند شراكة الفيل والنملة سوف يتناسب مع حجم كل منهما، هذا إذا ترك الفيل في البلد حجراً على حجر للاقتسام. ونذكرهم كذلك بحكمة الشاعر العربي القديم:
ومن جعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضرغام فيمن تصيدا
الهمسة الثالثة: في أذن المسؤولين عن المؤتمر القطري القادم لـ "حزب البعث"، ولهؤلاء نقول: إن دوام الحال من المحال، والتغيير المشرف هو الذي يتم بإرادة وطنية وأيد وطنية ولمصلحة الوطن، أما التغيير المفروض من الخارج فهو يتم لمصلحة الخارج الذي جاء به. إن التاريخ لا يرحم، فلا تجعلوا خيارات الشعب السوري محصورة بين رمضاء الاستبداد الداخلي أو نار الاستقواء والاجتياح الخارجي، إن الشعب السوري يستحق خياراً ثالثاً إصلاحياً داخلياً تفتح فيه صفحة جديدة وتتماهى فيه السلطة مع الشعب في خندق واحد لحماية الوطن وبنائه من جديد.
__________
* كاتب وشاعر سوري يقيم في المنفى---------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب عقب اغتيال رفيق الحريري، ركز الرئيس بشار الأسد على القضايا الخارجية، ورحّل استحقاقات الإصلاح الداخلي إلى المؤتمر القطري القادم لـ "حزب البعث". وأخشى ما يخشاه الغيورون على مصلحة سورية؛ أن يرحل المؤتمر بدوره قضايا الإصلاح الداخلي إلى أجل غير مسمى، بحجة المخاطر الخارجية التي تهدد سورية، مكتفياً ببعض التغييرات الشكلية التي تزوق السطح ولا تمس الجوهر.
إن الفرصة متاحة أمام المؤتمر الذي يعقد بعد غياب طويل ليتحمل مسؤولياته التاريخية للخروج بسورية من النفق المظلم الذي أدخلها فيه. فبعد أربعين عاماً من التسلط والاستبداد أصبح البيت خرباً وجدرانه مثقبة، ولا تكفيه الترميمات التجميلية لسد تلك الثقوب. إن أي إصلاح دون الحرية الحقيقية والديمقراطية والتعددية الحزبية وإغلاق ملفات الظلم وإلغاء حالة الطوارئ؛ لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج سيطرة الطبقة الحزبية نفسها، والاستمرار في إقصاء القوى السياسية والشعبية، واستمرار المأزق الذي أوقع النظام نفسه والوطن فيه. على الحزب أن يفهم أن سلامة الأوطان لا تقايض بسلامة الأحزاب والهيئات، وأن استحقاقات الفترة الحرجة التي تمر بها سورية أصبحت ملحة وتأجيلها كارثي على الأمة والوطن، وأن الخروج من المأزق لا يكون بصفقات أخرى يتم فيها التفاهم مع الخارج - إن كان هذا الخارج ما زال يرضى أصلاً بمثل هذه الصفقات - ولن يمد هذا في عمر الاستبداد إلا سحابة نهار، ولن يؤدي إلا إلى زيادة شهية الخارج للمزيد من الضغوط والابتزاز.
إن الفعل يفرز نقيضه كما يقول علماء الاجتماع السياسي، وقد أفرز الاستبداد المستمر منذ أربعة عقود حراكاً اجتماعياً وفكرياً وسياسياً واعداً داخل سورية، وما زال ربيع دمشق يفتح أكمامه رغم صقيع الأجواء المحيطة به. لقد تفتحت عقول ناضجة وآراء حرة في لجان إحياء المجتمع المدني والتجمع الوطني الديمقراطي ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية، كما أفرز الاستبداد عند حركات المعارضة في المنفى – وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين - نضوجاً فكرياً ووعياً سياسياً وإحساساً عميقاً بالمسؤولية وإلماماً بمتغيرات الزمان والمكان.
لا يوافق بعض المراقبين على مطالبة المعارضة للنظام بالإصلاح؛ لأنها تطلب منه شيئاً لا يملكه، ومع ذلك فالمعارضة تضع الفرصة أمام النظام ليثبت العكس، وتخاطبه من خلال حس وطني عميق للعدول عن سياسة الاستئثار والإقصاء والتهميش، والشروع بتعزيز الجبهة الداخلية التي فيها إنقاذ البلاد والعباد. لقد انتهى العصر الذي يختصر فيه الوطن بالحزب ويختصر الحزب بالقائد الملهم، أما الحجة المستهلكة بأن الشعب غير مهيأ للديمقراطية وأن الحرية ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار والفوضى؛ فهي حجة لم تكن يوماً مقبولة ولا معقولة، إلا إذا أرانا الحزب ماذا أعد خلال أربعين عاماً من حكمه لتهيئة الشعب لممارسة الحرية والديمقراطية، غير النهب ورعاية الفساد والمصادقة خلال ساعات في مجلس الشعب على تعديل الدستور، وهتافات الفداء بالروح والدم بدل الترشيد والمحاسبة. إن تكرار هذه المقولة لا يعبر إلا عن عقلية متكلسة غير قابلة للحياة، وقد آن الأوان لتغيير هذه العقليات والفرصة الآن متاحة أمام من يريدون التغيير الحقيقي.
و في نهاية المقال أختمه بهمسات ثلاث:
الهمسة الأولى: في أذن من يقولون لماذا الآن؟ ولماذا تتزامن مطالبة المعارضة بالديمقراطية مع الهجمة الأمريكية على المنطقة؟ ولهؤلاء نقول: إن المطالبة بالديمقراطية في المنطقة ليست بضاعة أمريكية، كما أن الديمقراطية في العالم وجدت قبل أن توجد الولايات المتحدة، والمطالبة بالديمقراطية من قبل الهيئات والأحزاب في سورية وجدت قبل التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، وقبل اتخاذ الديمقراطية غطاء أيديولوجياً لتحقيق مصالح أمريكا في المنطقة.
الهمسة الثانية: في أذن من يرون الخلاص قادماً على ظهر الدبابة الأمريكية، ولهؤلاء نقول: إن اقتسام الأرباح عند شراكة الفيل والنملة سوف يتناسب مع حجم كل منهما، هذا إذا ترك الفيل في البلد حجراً على حجر للاقتسام. ونذكرهم كذلك بحكمة الشاعر العربي القديم:
ومن جعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضرغام فيمن تصيدا
الهمسة الثالثة: في أذن المسؤولين عن المؤتمر القطري القادم لـ "حزب البعث"، ولهؤلاء نقول: إن دوام الحال من المحال، والتغيير المشرف هو الذي يتم بإرادة وطنية وأيد وطنية ولمصلحة الوطن، أما التغيير المفروض من الخارج فهو يتم لمصلحة الخارج الذي جاء به. إن التاريخ لا يرحم، فلا تجعلوا خيارات الشعب السوري محصورة بين رمضاء الاستبداد الداخلي أو نار الاستقواء والاجتياح الخارجي، إن الشعب السوري يستحق خياراً ثالثاً إصلاحياً داخلياً تفتح فيه صفحة جديدة وتتماهى فيه السلطة مع الشعب في خندق واحد لحماية الوطن وبنائه من جديد.
__________
* كاتب وشاعر سوري يقيم في المنفى---------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////