Maestro
18/08/2006, 15:25
النفاق العربي ...... والشفافية والوطنية الليبرالية
د.الياس حلياني
في مسيرة حياتنا كلها، الغير مشرٍفة، نضع البرقع على وجوهنا، ومؤخرتنا مكشوفة، ولأن البرقع، كما نظن، يحجب عنا نحن الرؤية، بينما يرها الجميع، طبعا ما عدانا. في حديث وزير خارجية قطر مع الإعلامي بن جدو، أجمع كل من حضره، على منهجية الوزير، ومنطقه الواضح، وطرحه القوي لكل ما يؤمن به، ويفعله، غير آبه بأبجديات العروبة، والتي عودتنا رفع الشعارات صباحا، وإنزال البنطال مساءً.
يُذكرني هذا الوزير، بالمكاتب العقارية في بلادي، فأغلبها يعمل بلا رخصة، ولكنه يعمل. والقليل منها يحمل رخصة، ويعمل أيضا. والفرق بينهم، مثل الفرق بين وزير خارجية قطر، وباقي وزراء الخارجية العرب. فهو يملك رخصة، تُخوله الكلام في المحظور، والبيع والشراء في وضح النهار، كما تخوله الحديث بصراحة وجرأة. على عكس باقي الوزراء الذين يعملون بدون رخصة، وبالتالي فالنفاق والخداع والتستر وراء الإيديولوجيات الفارغة، والجدران الدينية، والكرامة الزائفة التي بنوها لأنفسهم بأنفسهم. كل هذا يُلزمهم الهروب، والإغلاق عندما تداهمهم الشرطة، أو الرأي العام العربي، لأنهم غير مرخصين، وبالتالي، كلامهم ومكاتبهم وأفعالهم، كذب وخداع ونفاق.
في برنامج hard-talk الشهير على ألbbc قال ( بنج يا مين نتن يا هو) ، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: إن خمسة من رؤساء الدول العربية (غير مرخصين) تحادثوا معه ، مرحبين وموافقين ومؤيدين وطالبين الخلاص من حزب الله، ومبررين ذلك؛ بخوفهم من حصول أحزاب أخرى ل (الله) في دولهم، وساعتها من يستطيع أن يقف بوجه الله ، عندما تكثر أحزابه وقواته؟
هذا النفاق العربي، الذي أوصلنا اليوم إلى ما نحن عليه: نجتمع في بلد عربي دمرته إسرائيل؟ نحضر إلى اجتماعنا بحماية إسرائيلية؟ نتوسل إلى إسرائيل وأمريكا، من أجل سرعة الخلاص من حزب الله؟كل هذا النفاق.. ومن ثم نعود إلى بلادنا، لكي نشتم إسرائيل وأمريكا، وتنقل فضائياتنا العدوان الإسرائيلي الهمجي، والذي كنا في أحضانه قبل فترة وجيزة. قرار،ا ودجلنا وجبننا، وصل إلى الحد الذي، لم نستطع فيه إصدار قرار واحد، أو كلمة واحدة ولتكن: طز في أمريكا. قرار ، شتيمة، كلمة، همسة. تُدخل الفرح إلى قلوب هذه الشعوب المسلوبة الإرادة والحرية.
الثقافة الغربية تعتبر كل جديد أفضل من كل قديم، وأن التغير في حد ذاته يعتبر حسنا؛ أما في الثقافة العربية المرتبطة بالتقاليد فيعتبر القديم أفضل من الجديد، وبالتالي فان المحافظة على النظام القائم يعتبر فضيلة. فلا شك بأن الدين المنزل عامل قوي في تطوير الروح التقليدية عند العرب----فكل اختراع يعد خطيئة لأنه يزيد المسافة بعدا بين عصر الوحي والعصر الحاضر.
مشاكس يسير في اتجاه معاكس، يُحاول، ولو بالكذب والخداع والنفاق، أن يعزو كل حضارة العالم اليوم، وأساس اختراعاته إلى العرب، فهم الذين اخترعوا كل شيء، مع العلم أن العرب الذين يتباهى بمخترعاتهم لغاية بنفس العباية. لم يُقدموا للحضارة وحتى ساعته إلا: النفاق والشقاق والاحتيال وتحويل النحاس إلى ذهب وعودة الشيخ إلى صباه، هذه كل العلوم التي برع بها أرباب المشاكس في اتجاهه المعاكس. ويبدو أن الحمية المضرية والدولار ات الأمريكية واللحى الأخونجية ، قد ضربت جميعا في مكان ما من النافوخ، فأحالت السواد بياض، والنور ظلام، والتخلف حضارة.
الشفافية الليبرالية تقتضي من الذين يعتنقونها، أولا البراغماتية، ثم الحقيقة، ثم الواقعية. فالليبرالي أينما صادفته، تجده إنسان إصلاحي، يسعى جاهدا إلى إصلاح الحال الخطأ، عبر مفاهيم واقعية، غير طوباوية، يقبلها العقل السليم الراجح، مطلقا أحكاما وحلولا تتناسب مع الواقعة، وتؤدي إلى إصلاحها، وتطورها. وطبعا بعيدا عن الشعارات الرنانة، والكلمات الطنانة. وخير دليل على ذلك ما يحدث اليوم في لبنان: فالشفافية الليبرالية أدانت وبكل قوة العدوان الإسرائيلي على لبنان، والهمجية المتمثلة في قتل الأطفال وتدمير البنية التحتية لهذا البلد الجميل. ولكن الشافية الليبرالية، لا تنسى، من أوصلنا إلى هذه الحال، لا تنسى، أن غياب الفكر الليبرالي الديمقراطي، طيلة هذه السنين، غياب الفكر العلماني الوطني خلال كل تلك السنين، غياب الفكر الإنساني الليبرالي، والذي يقول باحترام الآخر، وبتحقيق الكرامة الإنسانية للمواطن، وبالحوار الفاعل بين جميع الأطراف. إن كل هذا قد أوصلنا إلى ما نحن عليه من ذلة وهوان. حتى الآن لم نسمع شيء عن عمالة شخص ليبرالي، بينما سمعنا الكثير عن عمالة القوميين والأصوليين وأصحاب الشعارات واللحى (مثالهم الشعراوي الذي رفع الصلاة شكرا لله بعد هزيمة العرب في حرب ال67، ومثال القوميين أصحاب الشعارات الرنانة والإيديولوجيات الطنانة، القابع هناك في باريس بعيدا عن التنظير والتكدير).
كما نلاحظ عدد لا بأس به من الكتاب والكاتبات، المنافقين والمنافقات. المتلبدين (المنافقين) من الذين وجدوا في شعار الليبرالية، بريقا جذابا، فاستظلوا بظله فترة من الوقت، ونادوا به حلا لكل المشاكل والمصاعب. إلا أن بريق الدولار الأصولي، أعادهم إلى حظيرتهم، التي خرجوا منها. والليبرالية منهم براء.
الليبرالية الشفافة، هذه المجموعة من التيارات العملية، حديثة، إذا ما قارناها، بزمن النفاق العربي الأصيل، أو زمن الإيديولوجيات القومية، أو زمن المشاريع الأصولية؛ نراها حديثة العهد. ومع ذلك يعمل، جميع الحاقدين، على تحميلها، كل العفن الماضي، عفن الإرهاب، عفن القومية، عفن الأنظمة، وكأنها هي سبب كل ما يجتاحنا اليوم من ويلات.
قال السيد المسيح يوما: الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة ......... ومن ثمارهم تعرفونهم. وهكذا تتعرض الشفافية الليبرالية اليوم، إلى مختلف الحجارة.
حجارة من قبل إرهاب الأصولية.
حجارة من قبل نفاق القومية.
حجارة من قبل قمع السلطة.
ومع ذلك تنمو وتكبر وتمضي، وهي تعلم أن المستقبل لها وحدها.
من الذي صنف الليبرالي عدوا لوطنه؟ ولماذا اعتبار الليبرالي غير وطني، ؟ ومن هو أحق من الليبرالي في وطنه؟ الفرد الشمولي القومي؟ أم الفرد الأصولي المتطرف.
ومالذي يمنع من تبني الليبرالية أساسا للمواطنة الحق؟ وما لذي يمنع أن تكون الليبرالية هدفا لكل وطنيا. ومن الذي وضع الليبرالية في خانة أمريكا أو في خانة أوروبا؟
في سعينا للحاق بالركب العالمي، والتحديث والتطوير، والرفاهية، وجدنا في الغسالة والبراد والسيارة والموبايل، وسائل تُحقق لنا قدر أكبر من الراحة والسعادة والرفاهية والتطور.
وإذا حصلنا على أفكار ورؤى تُحقق لنا نفس المقدار من السعادة والراحة والتطور، فلماذا لا ننتهجها ونعتنقها.نُطالب دوما بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وعندما نحصل على مبتغانا بواسطة أفكار ليبرالية وعلمانية، نرفضها لأن منشأها من الغرب. مع العلم أن الغرب لم يكن المؤسس الأول لها، إنما وصلته أيضا من تجارب الذين سبقوه في المضمار الكوني. ووجد فيها ضالته، فهي تُحقق لأفراده المساواة السياسية والقانونية . وطور فيها ما وجده يتوافق مع إنسانية أكثر وراحة أكثر لفرده وشعبه.
الليبرالية ونعني بها ذلك التيار، أو مجموعة من تيارات فكرية، تُطالب بحق جميع أفراد الشعب باستعمال الانتخاب وسيلة للتعبير عن رغبتهم في هذا الشخص أو تلك الفكرة، بشكل متساوي، لا فرق فيه بين طائفة وأخرى، ولا بين قومية وأخرى، فجميع المواطنين متساويين في هذا الحق. وعندما تنادي الليبرالية بحق المساواة في الانتخاب، أكيد هي لا تكون ضد الوطنية ولا الدين.
وتُطالب الليبرالية بحق وحرية الجميع، في خلق تنظيمات تجمعهم وتُدافع عن قضاياهم، وهي في كل هذا، تُجذر الوطنية الحق، من خلال تبنيها هذه الحقوق الاجتماعية الأساسية للمواطنين. وتُدافع الليبرالية بشراسة عن حق المرأة في دخول المعترك السياسي، فهي مواطنة، وحقها الطبيعي أن تُمارس مواطنتها وتُشارك في العمل السياسي، وتشعر بدورها الكبير في إدارة دفة البلاد والدفاع عن مصالحها بكونها مواطن يملك نفس الحقوق التي يملكها الرجل. وهنا أيضا تعمل الليبرالية على تفعيل هذه النظرة الوطنية للمرأة وتجعلها أكثر التصاقا ومحبة بوطنها، كيف لا وقد أصبح لها دورا كبيرا في رسم سياسة الوطن.
حق التعبير عن الرأي، حق النشر، حق الإعلام.----كل هذا مهد للوصول إلى العمل الصحفي الحقيقي الشفاف والذي يخدم الوطن، عن طرق طرحه الصادق لكل ما يحصل عليه من أخبار، وما يكشفه من أسرار.بعيدا عن تأثير الفكر الديني والقمع السلطوي. وما يسببانه من ضغط وقمع من أجل لوي عنق الحقيقة وتوجيه الخبر بما يخدم هاتين المؤسستين.
المشاكل التي نعاني منها اليوم، أكثر من أن تُعد، فمن الفقر إلى التخلف إلى الجهل، ولم نجد لها حتى اليوم حلا مقنعا، فالخيانة اليوم وقلة الوطنية، تكون في استمرار هذا المشاكل والآفات التي نُحمل اغرب دائما تبعاتها، لأننا حتى الآن لم نجد لها الحلول الناجعة.
فلو أننا استطعنا اليوم أن نحصل على فلسفة سياسية معينة، قدرة على المساهمة في إصلاح هذه الآفات والمشاكل المعاصرة، فان من الخيانة أن رفضها، ومن الوطنية أن نقبل بها ونمارسها.
هذه الفلسفة السياسية، ونقصد بها طبعا، الليبرالية، بكل ما تحمله من حرية وتنافس وصراع وحركة وفكر على كافة المستويات، الصناعية والخدمية والفكرية والاجتماعية والسياسية، هو ما يدفعها إلى التطور المستمر والتقدم الكبير، لأنه من رحم المنافسة يخرج الإبداع. على عكس مجتمعاتنا المغلقة والمحكومة بثقافة مغلقة قمعية استبدادية، تضغط عليها الأصولية من جهة، والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، مانعة تطورها، مجمدة إياها في مجمدات التاريخ.
د.الياس حلياني
في مسيرة حياتنا كلها، الغير مشرٍفة، نضع البرقع على وجوهنا، ومؤخرتنا مكشوفة، ولأن البرقع، كما نظن، يحجب عنا نحن الرؤية، بينما يرها الجميع، طبعا ما عدانا. في حديث وزير خارجية قطر مع الإعلامي بن جدو، أجمع كل من حضره، على منهجية الوزير، ومنطقه الواضح، وطرحه القوي لكل ما يؤمن به، ويفعله، غير آبه بأبجديات العروبة، والتي عودتنا رفع الشعارات صباحا، وإنزال البنطال مساءً.
يُذكرني هذا الوزير، بالمكاتب العقارية في بلادي، فأغلبها يعمل بلا رخصة، ولكنه يعمل. والقليل منها يحمل رخصة، ويعمل أيضا. والفرق بينهم، مثل الفرق بين وزير خارجية قطر، وباقي وزراء الخارجية العرب. فهو يملك رخصة، تُخوله الكلام في المحظور، والبيع والشراء في وضح النهار، كما تخوله الحديث بصراحة وجرأة. على عكس باقي الوزراء الذين يعملون بدون رخصة، وبالتالي فالنفاق والخداع والتستر وراء الإيديولوجيات الفارغة، والجدران الدينية، والكرامة الزائفة التي بنوها لأنفسهم بأنفسهم. كل هذا يُلزمهم الهروب، والإغلاق عندما تداهمهم الشرطة، أو الرأي العام العربي، لأنهم غير مرخصين، وبالتالي، كلامهم ومكاتبهم وأفعالهم، كذب وخداع ونفاق.
في برنامج hard-talk الشهير على ألbbc قال ( بنج يا مين نتن يا هو) ، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: إن خمسة من رؤساء الدول العربية (غير مرخصين) تحادثوا معه ، مرحبين وموافقين ومؤيدين وطالبين الخلاص من حزب الله، ومبررين ذلك؛ بخوفهم من حصول أحزاب أخرى ل (الله) في دولهم، وساعتها من يستطيع أن يقف بوجه الله ، عندما تكثر أحزابه وقواته؟
هذا النفاق العربي، الذي أوصلنا اليوم إلى ما نحن عليه: نجتمع في بلد عربي دمرته إسرائيل؟ نحضر إلى اجتماعنا بحماية إسرائيلية؟ نتوسل إلى إسرائيل وأمريكا، من أجل سرعة الخلاص من حزب الله؟كل هذا النفاق.. ومن ثم نعود إلى بلادنا، لكي نشتم إسرائيل وأمريكا، وتنقل فضائياتنا العدوان الإسرائيلي الهمجي، والذي كنا في أحضانه قبل فترة وجيزة. قرار،ا ودجلنا وجبننا، وصل إلى الحد الذي، لم نستطع فيه إصدار قرار واحد، أو كلمة واحدة ولتكن: طز في أمريكا. قرار ، شتيمة، كلمة، همسة. تُدخل الفرح إلى قلوب هذه الشعوب المسلوبة الإرادة والحرية.
الثقافة الغربية تعتبر كل جديد أفضل من كل قديم، وأن التغير في حد ذاته يعتبر حسنا؛ أما في الثقافة العربية المرتبطة بالتقاليد فيعتبر القديم أفضل من الجديد، وبالتالي فان المحافظة على النظام القائم يعتبر فضيلة. فلا شك بأن الدين المنزل عامل قوي في تطوير الروح التقليدية عند العرب----فكل اختراع يعد خطيئة لأنه يزيد المسافة بعدا بين عصر الوحي والعصر الحاضر.
مشاكس يسير في اتجاه معاكس، يُحاول، ولو بالكذب والخداع والنفاق، أن يعزو كل حضارة العالم اليوم، وأساس اختراعاته إلى العرب، فهم الذين اخترعوا كل شيء، مع العلم أن العرب الذين يتباهى بمخترعاتهم لغاية بنفس العباية. لم يُقدموا للحضارة وحتى ساعته إلا: النفاق والشقاق والاحتيال وتحويل النحاس إلى ذهب وعودة الشيخ إلى صباه، هذه كل العلوم التي برع بها أرباب المشاكس في اتجاهه المعاكس. ويبدو أن الحمية المضرية والدولار ات الأمريكية واللحى الأخونجية ، قد ضربت جميعا في مكان ما من النافوخ، فأحالت السواد بياض، والنور ظلام، والتخلف حضارة.
الشفافية الليبرالية تقتضي من الذين يعتنقونها، أولا البراغماتية، ثم الحقيقة، ثم الواقعية. فالليبرالي أينما صادفته، تجده إنسان إصلاحي، يسعى جاهدا إلى إصلاح الحال الخطأ، عبر مفاهيم واقعية، غير طوباوية، يقبلها العقل السليم الراجح، مطلقا أحكاما وحلولا تتناسب مع الواقعة، وتؤدي إلى إصلاحها، وتطورها. وطبعا بعيدا عن الشعارات الرنانة، والكلمات الطنانة. وخير دليل على ذلك ما يحدث اليوم في لبنان: فالشفافية الليبرالية أدانت وبكل قوة العدوان الإسرائيلي على لبنان، والهمجية المتمثلة في قتل الأطفال وتدمير البنية التحتية لهذا البلد الجميل. ولكن الشافية الليبرالية، لا تنسى، من أوصلنا إلى هذه الحال، لا تنسى، أن غياب الفكر الليبرالي الديمقراطي، طيلة هذه السنين، غياب الفكر العلماني الوطني خلال كل تلك السنين، غياب الفكر الإنساني الليبرالي، والذي يقول باحترام الآخر، وبتحقيق الكرامة الإنسانية للمواطن، وبالحوار الفاعل بين جميع الأطراف. إن كل هذا قد أوصلنا إلى ما نحن عليه من ذلة وهوان. حتى الآن لم نسمع شيء عن عمالة شخص ليبرالي، بينما سمعنا الكثير عن عمالة القوميين والأصوليين وأصحاب الشعارات واللحى (مثالهم الشعراوي الذي رفع الصلاة شكرا لله بعد هزيمة العرب في حرب ال67، ومثال القوميين أصحاب الشعارات الرنانة والإيديولوجيات الطنانة، القابع هناك في باريس بعيدا عن التنظير والتكدير).
كما نلاحظ عدد لا بأس به من الكتاب والكاتبات، المنافقين والمنافقات. المتلبدين (المنافقين) من الذين وجدوا في شعار الليبرالية، بريقا جذابا، فاستظلوا بظله فترة من الوقت، ونادوا به حلا لكل المشاكل والمصاعب. إلا أن بريق الدولار الأصولي، أعادهم إلى حظيرتهم، التي خرجوا منها. والليبرالية منهم براء.
الليبرالية الشفافة، هذه المجموعة من التيارات العملية، حديثة، إذا ما قارناها، بزمن النفاق العربي الأصيل، أو زمن الإيديولوجيات القومية، أو زمن المشاريع الأصولية؛ نراها حديثة العهد. ومع ذلك يعمل، جميع الحاقدين، على تحميلها، كل العفن الماضي، عفن الإرهاب، عفن القومية، عفن الأنظمة، وكأنها هي سبب كل ما يجتاحنا اليوم من ويلات.
قال السيد المسيح يوما: الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة ......... ومن ثمارهم تعرفونهم. وهكذا تتعرض الشفافية الليبرالية اليوم، إلى مختلف الحجارة.
حجارة من قبل إرهاب الأصولية.
حجارة من قبل نفاق القومية.
حجارة من قبل قمع السلطة.
ومع ذلك تنمو وتكبر وتمضي، وهي تعلم أن المستقبل لها وحدها.
من الذي صنف الليبرالي عدوا لوطنه؟ ولماذا اعتبار الليبرالي غير وطني، ؟ ومن هو أحق من الليبرالي في وطنه؟ الفرد الشمولي القومي؟ أم الفرد الأصولي المتطرف.
ومالذي يمنع من تبني الليبرالية أساسا للمواطنة الحق؟ وما لذي يمنع أن تكون الليبرالية هدفا لكل وطنيا. ومن الذي وضع الليبرالية في خانة أمريكا أو في خانة أوروبا؟
في سعينا للحاق بالركب العالمي، والتحديث والتطوير، والرفاهية، وجدنا في الغسالة والبراد والسيارة والموبايل، وسائل تُحقق لنا قدر أكبر من الراحة والسعادة والرفاهية والتطور.
وإذا حصلنا على أفكار ورؤى تُحقق لنا نفس المقدار من السعادة والراحة والتطور، فلماذا لا ننتهجها ونعتنقها.نُطالب دوما بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وعندما نحصل على مبتغانا بواسطة أفكار ليبرالية وعلمانية، نرفضها لأن منشأها من الغرب. مع العلم أن الغرب لم يكن المؤسس الأول لها، إنما وصلته أيضا من تجارب الذين سبقوه في المضمار الكوني. ووجد فيها ضالته، فهي تُحقق لأفراده المساواة السياسية والقانونية . وطور فيها ما وجده يتوافق مع إنسانية أكثر وراحة أكثر لفرده وشعبه.
الليبرالية ونعني بها ذلك التيار، أو مجموعة من تيارات فكرية، تُطالب بحق جميع أفراد الشعب باستعمال الانتخاب وسيلة للتعبير عن رغبتهم في هذا الشخص أو تلك الفكرة، بشكل متساوي، لا فرق فيه بين طائفة وأخرى، ولا بين قومية وأخرى، فجميع المواطنين متساويين في هذا الحق. وعندما تنادي الليبرالية بحق المساواة في الانتخاب، أكيد هي لا تكون ضد الوطنية ولا الدين.
وتُطالب الليبرالية بحق وحرية الجميع، في خلق تنظيمات تجمعهم وتُدافع عن قضاياهم، وهي في كل هذا، تُجذر الوطنية الحق، من خلال تبنيها هذه الحقوق الاجتماعية الأساسية للمواطنين. وتُدافع الليبرالية بشراسة عن حق المرأة في دخول المعترك السياسي، فهي مواطنة، وحقها الطبيعي أن تُمارس مواطنتها وتُشارك في العمل السياسي، وتشعر بدورها الكبير في إدارة دفة البلاد والدفاع عن مصالحها بكونها مواطن يملك نفس الحقوق التي يملكها الرجل. وهنا أيضا تعمل الليبرالية على تفعيل هذه النظرة الوطنية للمرأة وتجعلها أكثر التصاقا ومحبة بوطنها، كيف لا وقد أصبح لها دورا كبيرا في رسم سياسة الوطن.
حق التعبير عن الرأي، حق النشر، حق الإعلام.----كل هذا مهد للوصول إلى العمل الصحفي الحقيقي الشفاف والذي يخدم الوطن، عن طرق طرحه الصادق لكل ما يحصل عليه من أخبار، وما يكشفه من أسرار.بعيدا عن تأثير الفكر الديني والقمع السلطوي. وما يسببانه من ضغط وقمع من أجل لوي عنق الحقيقة وتوجيه الخبر بما يخدم هاتين المؤسستين.
المشاكل التي نعاني منها اليوم، أكثر من أن تُعد، فمن الفقر إلى التخلف إلى الجهل، ولم نجد لها حتى اليوم حلا مقنعا، فالخيانة اليوم وقلة الوطنية، تكون في استمرار هذا المشاكل والآفات التي نُحمل اغرب دائما تبعاتها، لأننا حتى الآن لم نجد لها الحلول الناجعة.
فلو أننا استطعنا اليوم أن نحصل على فلسفة سياسية معينة، قدرة على المساهمة في إصلاح هذه الآفات والمشاكل المعاصرة، فان من الخيانة أن رفضها، ومن الوطنية أن نقبل بها ونمارسها.
هذه الفلسفة السياسية، ونقصد بها طبعا، الليبرالية، بكل ما تحمله من حرية وتنافس وصراع وحركة وفكر على كافة المستويات، الصناعية والخدمية والفكرية والاجتماعية والسياسية، هو ما يدفعها إلى التطور المستمر والتقدم الكبير، لأنه من رحم المنافسة يخرج الإبداع. على عكس مجتمعاتنا المغلقة والمحكومة بثقافة مغلقة قمعية استبدادية، تضغط عليها الأصولية من جهة، والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، مانعة تطورها، مجمدة إياها في مجمدات التاريخ.