-
دخول

عرض كامل الموضوع : "الأب إبراهيم عيّاد" رجل دين فلسطيني ومسيحي في الن


بنت الناصرة
15/04/2005, 21:04
مرحبا للجميع احببت ان اعرض لكم هذه المقالة التي تتحدث عن حياة الأب إبراهيم عيّاد.
وربما الجملة التي قالها تعرفه بأفضل حال "إن ارتباطي بوطني الغالي فلسطين ينبع من ارتباطي بالدين والكنسية، ومن هنا فقد حرصت أن يتم التعامل في ما بينها في تناغم وانسجام، لتتماشى معاً في توافق"
انا بصراحة تأثرت كثيرا بسيرة هذا الأنسان العظيم رغم انني لم اسمع عنه من قبل, وأردت ان اعرض لكم المثال الحي للتعايش بين الأديان في الشعب الواحد. وربما المقولة "الدين لله والوطن للجميع" تصلح في هذا الموقف.

وهذا الخبر من صحيفة الحياة 13.03.05

قدم غبطة البطريرك ميشيل صبّاح لسيرة حياة وذكريات الأب إبراهيم عياد، التي أضاء أبرز محطاتها كتاب «الأب إبراهيم عياد: شاهد حيّ على عصره، سيرة حياة وذكريات»، وهو على هيئة حوار وتقديم وعرض ليعقوب الأطرش، ومن إصدار مركز المؤسسة التعليمية العربية في بيت لحم.

جاءني الكتاب متسللاً بعد انتظار طويل، وللأسف الشديد قبل رحيل صاحبه بأيام معدودات، وكنت قد علمت في مطلع العام المنصرم بأن الأب عياد يعمل على كتابة مذكراته، فانتابني شوق الى معرفة ما سيدونه هذا الشيخ والمناضل والأب الجليل، عن مسيرة حياة قاربت قرناً زاخراً بالأحداث الجسام. ولأن الأب عياد في حياته وخياراته كان استثنائياً بامتياز، جاء كتاب مذكراته على غير ما هو مألوف من كتب السيرة الذاتية، وهو ما يقر به يعقوب الأطرش محقق الكتاب في المقدمة، ويفسر ذلك بالقول: «... بالنسبة للأب إبراهيم عياد فالأمر مختلف، فهو قد جمع الدين والدنيا، وكرس حياته للكنسية والوطن، وعاش - وما يزال - حياة حافلة بالعطاء والنضال الوطني، وكان شاهداً حياً على عصره، وغدا كل ذلك جزءا من تاريخ قضيته، فلا يصح فصل ذلك عن خلفيات عصره، وحقبتها التاريخية والسياسية، وألا نكون كمن ينزع الصورة من إطارها».

يسجل الأب عياد في مذكراته فخره بشهادة معلمه الأب الفرنسي بيار مدابييل به: «... وقد أثارت إحدى عباراته دوياً عاصفاً عكست مدى تقديره لي وإعجابه بمدى ثباتي على المبدأ حين قال: انني أعرف الأب عياد، لأنه تلميذي، فإذا ما آمن بفكرة ما، فهو على استعداد للتخلي عن رأسه، قبل أن يتخلى عن الفكرة التي في رأسه». وتسجيل الأب عياد هذه الشهادة شكل مفتاحاً لفهم شخصيته. فالaهادة تأتي في سياق رفضه الأخذ بالتعارض الذي حاول أن يكرسه البعض بين العمل الكهنوتي وممارسة العمل السياسي. يقول الأب عياد: «انني كرجل دين مسيحي» وكإنسان مؤمن بربه وكنيسته ووطنه وانسانيته، قد نذرت نفسي وكرست جل أوقاتي واهتمامي للقيام بمهماتي الدينية والروحية والكنسية والانسانية في المقام الأول، بالإضافة الى مهماتي وواجباتي الوطنية والقومية. ولذا، فإن ارتباطي بوطني الغالي فلسطين ينبع من ارتباطي بالدين والكنسية، ومن هنا فقد حرصت أن يتم التعامل في ما بينها في تناغم وانسجام، لتتماشى معاً في توافق، ومن دون تعارض لما فيه خير الكنسية والوطن والانسانية». وهذا بالفعل ما سار عليه في مسيرة حياته الغنية والحافلة. وانطلاقاً مما سبق، يفتح الأب عياد ذاكرته منقياً أبرز محطات حياة عاشها شاهداً ومناضلاً.

يشارك الطفل إبراهيم عياد في جوقة التراتيل ارضاء لوالديه، لتبدأ رحلته مع الكهنوت وحب الكنيسة، ويعترف الأب عياد بأنه رغم حبه الجارف هذا، بقي متردداً في البداية للدخول في سلك الكهنوت، وأن دافعه الرئيس وراء ذلك أن يحقق رغبة أمه. وهذا ما وقع فعلاً في 1928 حين التحق بالمعهد الإكليركي لكنيسة اللاتين.

ويسجل الأب عياد بأنه ومنذ أن تفتحت مداركه كان تواقاً للانخراط في العمل الوطني دفاعاً عن عروبة فلسطين، وحق أبنائها بأن يكونوا أحراراً في بلادهم. وتجسد هذا بداية في ميله للصحافة والكتابة، فكتب لمجلة «رقيب صهيون» (لسان حال البطريركية) التي تولى رئاسة تحريرها في ما بعد، وفي عهده انتهجت المجلة نهجاً وطنياً الى جانب خطها الديني، متصدية بذلك للمخططات والسياسات والمشاريع الصهيونية والبريطانية في فلسطين. ولم يثنه عن ذلك معارضة بعض الآباء الفرنسيين للسياسة الجديدة للمجلة. من هنا بدأ عياد يدرك الأهمية الاستثنائية التي يمكن أن تحققها له صفته الرعوية الدينية في الدور النضالي الذي نذر له حياته ديناً ودنيا، تمثلاً بمقولة الكنيسة الكاثوليكية التي يخدمها: «إن الإنسان هو طريقنا الى الله». وبنظرته الثاقبة يدرك كاهن الرعية في رام الله الأب إبراهيم عياد، بعد أن تولى هذه المهمة في 1940 بأن أكبر خطر يتهدد أبناء الشعب الفلسطيني هو تفرقهم في مواجهة المؤامرة البريطانية - الصهيونية، فيقف في وجه المحاولات البريطانية - الصهيونية الهادفة الى إثارة النزعات الدينية والطائفية في فلسطين، ليمسي جسراً للتآخي بين المذاهب والأديان التي يجب ألا تفرق أبناء الشعب الواحد، الذي يقول عنه الأب عياد: «... قبل أن يكون مسيحياً أو مسلماً هو فلسطيني حتى النخاع».

وحتى نضيء هذا الجانب المشرق من حياة الأب عياد نذكر واقعة معروفة يدوّنها الأب في مذكراته، وملخصها بأنه عندما كان الأب عياد المفوض العام الفلسطيني لدول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي (صدر قرار التكليف في 4791) قام بزيارة لمدينة فلينسيا البرازيلية، وهناك وجد أن العرب المسلمين يفتقدون الى مقبرة اسلامية والى مسجد يؤدون فيه شعائرهم الدينية، فما كان منه إلا أن قاد حملة تبرعات في كل مدن فنزويلا تكللت ببناء جامع، بالإضافة الى مبنى خصص للنادي الفلسطيني، وقد تعارف الكثيرون على تسمية هذا الجامع بـ«جامع الأب عياد». وفي حفل افتتاح الجامع وقف إمامه المصري الجنسية ليقول مخاطباً الأب عياد: «انني أثمن موقف هذا الكاهن الذي أخذ على عاتقه بناء جامع للمسلمين، ووظف جهوده وأوقاته لخدمة المسلمين»، فريد عليه الأب عياد: «يا شيخنا... هذا التآخي الاسلامي - المسيحي ورثناه عن الآباء والأجداد، وارتوت منه أرضنا المقدسة مهد الديانات والحضارات، وهذا شيء أصيل فينا، وليس بجديد».

وفي مذكراته، يسجل الأب عياد بأنه عارض اتفاق أوسلو، لأن هذا الاتفاق رحّل ثلاثة أمور أساسية وجوهرية ومهمة الى مفاوضات الحل الدائم، في حين كان من الضروري طرحها على طاولة المفاوضات منذ البداية. والقضايا الثلاث هي: المستوطنات والقدس والسيادة على الأرض. كما تحفل المذكرات بمعلومات ووثائق في غاية الأهمية حول واقعة اغتيال الملك عبدالله التي كان الأب عياد أحد المتهمين فيها، قبل أن تحكم المحكمة المختصة ببراءته، وكذلك الكثير من الوقائع التي أعقبت الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936، وصولاً الى حرب 1948 التي انتهت بنكبة الشعب الفلسطيني.

بوفاة الأب عياد تكون الحركة الوطنية الفلسطينية خسرت أحد أبرز رموزها وروادها الأوائل: رجل دين ودنيا كرس كل حياته من أجل قضية شعبه تمثلاً بقول السيد المسيح: «خير الناس من كان خيراً بالتربة التي بذر بها».