dot
07/08/2006, 17:21
بقلم:احمد عبد الحسين
كلّ حربٍ جديدة تندلع في شرقنا السعيد يكون السيد صموئيل هنتنغتون هو المنتصر الأول "وربما الأوحد" فيها. حروب حضارات وصراع عقائد، إنها ـ بتعبير القوميين العرب التقليدي الذي لم يزل شغالاً ـ حروبُ وجودٍ لا حروب حدود.
والمنخرطون فيها لا يتسترون على الجوهر الذي يجعلهم مثقلين بالأسلحة أمام أعداء يشبهونهم في كلّ شيء، في الرغبة بالفتك والاستعداد للشهادة، وأخيراً حيازة ذلك الهدف الملحميّ الكبير الذي له نحوُ ارتباطٍ بالمقدّس.
لا يخوض الناس عندنا حرباً من أجل عارضٍ فانٍ أو غرضٍ من أغراض هذه الدنيا، إنهم لشدة التصاقهم بالمطلق ينوبون عن التأريخ أحياناً فتأتي حروبهم لتصحيح خطأ ما حدث في تأريخ مغرق في القدم، أو لاستكمال مسيرة بدأها الأجداد ولم ينهوها فأورثوها أحفادهم. حروب تتنقل بأيدي الورثة جيلاً بعد جيل، جوهرها القداسةُ ومحركها العقيدةُ وساحتها التأريخ كله.
العرب الذين انتقدوا هنتنغتون القائل بصراع الحضارات لم يرغبوا في أن يبصروا أن وراء كلّ حرب خضناها مرجعاً مقدساً يسندها ويجعلها مستساغة بل وضرورية باعتبارها "ملحمة تأريخية" ومعركة مصير، لأن الحرب ـ أية حرب ـ بشعة وذات وجه كالح، لكنها تغدو عرساً جماعياً حين تحضر هذه النفحةُ القدسية التي تجعل الجميع جندَ الله ـ أو التأريخ ـ المنفذين لأرادته. حينها ستكون المعارك أكثر بكثير من مجرد دويّ مدافع وأصوات استغاثات وهدير دبابات وطائراتٍ تهدم البيوت وتحصد الأرواح.
الحروب الطائفية مثال جليّ على ما يمكن أن يفعله المقدّسُ بالناس: انه يجمّل هذه العجوز البشعة، يزينها ويزركشها بالحليّ إلى أن يقع الجميع في حبها صرعى ثم تكشف عن وجهها الحقيقيّ بعد فوات الأوان أي بعد أن يكون عشاقها قد استشهدوا في سبيلها. في العراق اليوم عملت العقيدةُ كلّ ما في وسعها لتسحر أعيننا، لترينا أنْ لا سبيل لحفظ عقيدتنا الخاصة المذهبية والدينية، ولا سبيل للاستمرار في ممارسة أنظمتنا الروحية سوى الدفاع حتى الموت عن هذا الجوهر المقدّس الذي صار أكبر من الحياة نفسها إلى الحدّ الذي تلبستنا فكرة أن ننحر الحياة قرباناً لمقدمه العظيم.
لا عجب أن تكون كلّ حروبنا مقدسة، نمارسها في كلّ مرة كأنها الحرب الأخيرة التي ستحلّ بعدها جنة الله، الفردوس الذي سيضمن بقاءنا وحدنا مع عقيدتنا وحدها دون أن يعكر صفوها الآخرون وعقائدهم.
نخوض الحروب انتحاراً إلى حدّ لا نجد معه فاصلاً بين الانتصار والانتحار، حتى كأنهما اسمان لمعنى واحد. فالعقائديّ الذي يقود سيارته إلى منتصف سوق شعبية وينفجر معها لا يفعل شيئاً سوى تقديم حياته فداءً لمقدم يومه العظيم الذي ستغدو فيه عقيدته مهيمنة على العقائد كلها، وقد انتصر في الوقت الذي انتحر.
كلّ حزام ناسف صورة مصغرة لحروبنا الكبرى والصغرى، بدءاً من انتحارنا الجماعيّ في حرب الكويت 1990 وما تلاها ، وليس انتهاء بالحرب التي أرجعت لبنان نصف قرنٍ إلى الوراء، وكانت الغلبة فيها لوحش القداسة الخارج من تلمودٍ ما بوصية (لا تقتلْ) تليها وصية أكثر سحراً ناصة على (إذا أعطاك الربّ أرضاً فاضرب كلّ ذكورها بحدّ السيف).
لا نستطيع خوض حربٍ بلا قداسة لأن حرباً كهذه تنزع عنا اكسسواراتنا وبهارجنا ومكياجنا القدسيّ الثقيل، وتتركنا كما نحن مع حقيقة اننا بشرٌ انتصرتْ علينا أحطّ غرائزنا.
لا نمتلك صدق الزعيم الهندي الأحمر الذي خاطب مستعمريه قائلاً (قد أتقاتل معكم حول الأرض والنساء والأموال لكنني أبداً لن أقاتلكم حول الله). ربما كان صدقه سبباً في خسارته الحرب، لكنه كان أكثر وفاءً لانسانيته منا نحن سكان هذا الشرق الذي كلما تحركتْ غرائز أبنائه وانتابتهم شهوة القتل تمتموا انهم يقاتلون من أجل الله وفي سبيله. وأضافوا انتصاراً آخر لعقيدتهم وللسيّد هنتنغتون الضاحك بعد كلّ حرب.
كلّ حربٍ جديدة تندلع في شرقنا السعيد يكون السيد صموئيل هنتنغتون هو المنتصر الأول "وربما الأوحد" فيها. حروب حضارات وصراع عقائد، إنها ـ بتعبير القوميين العرب التقليدي الذي لم يزل شغالاً ـ حروبُ وجودٍ لا حروب حدود.
والمنخرطون فيها لا يتسترون على الجوهر الذي يجعلهم مثقلين بالأسلحة أمام أعداء يشبهونهم في كلّ شيء، في الرغبة بالفتك والاستعداد للشهادة، وأخيراً حيازة ذلك الهدف الملحميّ الكبير الذي له نحوُ ارتباطٍ بالمقدّس.
لا يخوض الناس عندنا حرباً من أجل عارضٍ فانٍ أو غرضٍ من أغراض هذه الدنيا، إنهم لشدة التصاقهم بالمطلق ينوبون عن التأريخ أحياناً فتأتي حروبهم لتصحيح خطأ ما حدث في تأريخ مغرق في القدم، أو لاستكمال مسيرة بدأها الأجداد ولم ينهوها فأورثوها أحفادهم. حروب تتنقل بأيدي الورثة جيلاً بعد جيل، جوهرها القداسةُ ومحركها العقيدةُ وساحتها التأريخ كله.
العرب الذين انتقدوا هنتنغتون القائل بصراع الحضارات لم يرغبوا في أن يبصروا أن وراء كلّ حرب خضناها مرجعاً مقدساً يسندها ويجعلها مستساغة بل وضرورية باعتبارها "ملحمة تأريخية" ومعركة مصير، لأن الحرب ـ أية حرب ـ بشعة وذات وجه كالح، لكنها تغدو عرساً جماعياً حين تحضر هذه النفحةُ القدسية التي تجعل الجميع جندَ الله ـ أو التأريخ ـ المنفذين لأرادته. حينها ستكون المعارك أكثر بكثير من مجرد دويّ مدافع وأصوات استغاثات وهدير دبابات وطائراتٍ تهدم البيوت وتحصد الأرواح.
الحروب الطائفية مثال جليّ على ما يمكن أن يفعله المقدّسُ بالناس: انه يجمّل هذه العجوز البشعة، يزينها ويزركشها بالحليّ إلى أن يقع الجميع في حبها صرعى ثم تكشف عن وجهها الحقيقيّ بعد فوات الأوان أي بعد أن يكون عشاقها قد استشهدوا في سبيلها. في العراق اليوم عملت العقيدةُ كلّ ما في وسعها لتسحر أعيننا، لترينا أنْ لا سبيل لحفظ عقيدتنا الخاصة المذهبية والدينية، ولا سبيل للاستمرار في ممارسة أنظمتنا الروحية سوى الدفاع حتى الموت عن هذا الجوهر المقدّس الذي صار أكبر من الحياة نفسها إلى الحدّ الذي تلبستنا فكرة أن ننحر الحياة قرباناً لمقدمه العظيم.
لا عجب أن تكون كلّ حروبنا مقدسة، نمارسها في كلّ مرة كأنها الحرب الأخيرة التي ستحلّ بعدها جنة الله، الفردوس الذي سيضمن بقاءنا وحدنا مع عقيدتنا وحدها دون أن يعكر صفوها الآخرون وعقائدهم.
نخوض الحروب انتحاراً إلى حدّ لا نجد معه فاصلاً بين الانتصار والانتحار، حتى كأنهما اسمان لمعنى واحد. فالعقائديّ الذي يقود سيارته إلى منتصف سوق شعبية وينفجر معها لا يفعل شيئاً سوى تقديم حياته فداءً لمقدم يومه العظيم الذي ستغدو فيه عقيدته مهيمنة على العقائد كلها، وقد انتصر في الوقت الذي انتحر.
كلّ حزام ناسف صورة مصغرة لحروبنا الكبرى والصغرى، بدءاً من انتحارنا الجماعيّ في حرب الكويت 1990 وما تلاها ، وليس انتهاء بالحرب التي أرجعت لبنان نصف قرنٍ إلى الوراء، وكانت الغلبة فيها لوحش القداسة الخارج من تلمودٍ ما بوصية (لا تقتلْ) تليها وصية أكثر سحراً ناصة على (إذا أعطاك الربّ أرضاً فاضرب كلّ ذكورها بحدّ السيف).
لا نستطيع خوض حربٍ بلا قداسة لأن حرباً كهذه تنزع عنا اكسسواراتنا وبهارجنا ومكياجنا القدسيّ الثقيل، وتتركنا كما نحن مع حقيقة اننا بشرٌ انتصرتْ علينا أحطّ غرائزنا.
لا نمتلك صدق الزعيم الهندي الأحمر الذي خاطب مستعمريه قائلاً (قد أتقاتل معكم حول الأرض والنساء والأموال لكنني أبداً لن أقاتلكم حول الله). ربما كان صدقه سبباً في خسارته الحرب، لكنه كان أكثر وفاءً لانسانيته منا نحن سكان هذا الشرق الذي كلما تحركتْ غرائز أبنائه وانتابتهم شهوة القتل تمتموا انهم يقاتلون من أجل الله وفي سبيله. وأضافوا انتصاراً آخر لعقيدتهم وللسيّد هنتنغتون الضاحك بعد كلّ حرب.