-
دخول

عرض كامل الموضوع : المراجعات القضائية الممكنة .. لمقاضاة إسرائيل.


dot
07/08/2006, 17:17
ماري رينه غنطوس ـ محامية


سأل وزير العدل السيد شارل رزق (جريدة "النهار" تاريخ 3 آب 2006) عن الوسائل التي تسمح للبنان بأن يقاضي مرتكبي الجرائم التي اقترفتها إسرائيل اخيرا. فاعتبر أن هناك عوائق أمام دعاوى تحال إما أمام المحكمة الجنائية الدولية وإما أمام محكمة العدل الدولية. فخلص إلى أن الأفضل هو "المطالبة بإنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان على غرار المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا ورواندا وسواهما لتكون بحوزتنا وسيلتان وليس وسيلة واحدة فقط قابلة للاجتهاد لمعاقبة مجرمي قانا وغيرها”. وكان أعلن أنه يفضل الحل الأخير (المقابلة التلفزيونية في 2 آب 2006).

برأينا إن المطالبة بإنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان لن تحظى بالنجاح لان تقرير إنشاء مثل هذه المحاكم منوط بمجلس الأمن. فكيف لهيئة لم تستطع إدانة إسرائيل لمقتل أربعة من جنودها أن تقبل بتأسيس محكمة لمحاكمة إسرائيل وقادتها بجرائم حرب أو بجرائم ضد الإنسانية. فالمطالبة بمحكمة جزائية خاصة ليس أمراً واقعياً.
أما العقبات التي تحدث عنها معالي الوزير بخصوص المحكمة الجزائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، فلا نراها، وسنشرح رأينا في مسألة صلاحية هاتين المحكمتين في الموضوع الذي يهمنا.

I- المحكمة الجنائية الدولية


جرى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة روما المعروفة بـ "نظام روما" تاريخ 17/7/ 1998، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2002 بعدما صادق عليها العدد المطلوب من الدول.
وأنشئت هذه المحكمة انطلاقا من اقتناع الدول الموقعة بأن هناك جرائم خطيرة ترتكب و"أن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم" (الديباجة).
هذه المحكمة هي "محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظمة الأمم المتحدة وذات اختصاص بالجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره" (الديباجة)، "لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي" (المادة الأولى).
إلا إن هناك شروطاً يجب أن تستوفى لكي تصبح المحكمة الجنائية الدولية صالحة.
أ. الشرط الأول لصلاحية المحكمة.
لكي تكون المحكمة الجنائية صالحة يجب إن يكون هناك جريمة من الجرائم التي نص عليها نظام روما في المادة الخامسة.
وهذه الجرائم التي تعتبر بانها الأشد خطورة هي:
- جريمة الإبادة الجماعية.
- الجرائم ضد الإنسانية.
- جرائم الحرب .
- جريمة العدوان (بعد أن يجري الاتفاق على تعريفها وتحديد عناصرها).
ويجري تعريف هذه الجرائم، وإعطاء تفاصيلها والأعمال التي تقع تحت طائلتها في المواد اللاحقة.
وتجدر الملاحظة أن عددا كبيرا من الأعمال التي قامت بها إسرائيل تشكل خرقا لنظام روما بشكل أكيد وثابت. فيكون الشرط الأول لصلاحية المحكمة مستوفى.
ب - الشرط الثاني
تحدد المادة 12 "الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص " وتحدد المادة 13 كيفية "ممارسة الاختصاص". وبناء على هاتين المادتين، تكون المحكمة الجنائية صالحة للنظر في الجرائم المذكورة أعلاه إذا جرت إحالة "الحالة" إما من جانب دولة طرف في نظام روما قبلت أيضا بصلاحياتها (المادة 12-1)، أو من جانب مجلس الأمن، أو من جانب المدعي العام الذي يحق له التصرف من تلقاء نفسه proprio muto .
أما إذا كانت الدولة التي جرت الأعمال الجرمية على ارضها أو كانت من فعل رعاياها غير منضمة إلى نظام روما، باستطاعتها أن تعلن قبولها بصلاحية المحكمة لهذه الجرائم المحددة وتطلب من المدعي العام أن يتحرك ويحيل "الحالة" إلى المحكمة (المادة 12-3).
بناء عليه، وبما إن الشرط الأول لصلاحية المحكمة متوافر، ولما كان لبنان غير منضم إلى نظام روما، يكون بإمكانه إعلان قبوله بصلاحية المحكمة وتقديم طلب بإحدى (أو بكل) الجرائم المنصوص عنها في نظام روما بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن الأعمال التي قاموا بها في لبنان ولا يكون عدم انضمام لبنان أو إسرائيل إلى نظام روما عائقاً أمام تحرك لبنان في اتجاه المحكمة الجنائية الدولية.

II - محكمة العدل الدولية

هناك شرطان يجب أن يتوافرا كي تكون محكمة العدل الدولية صالحة للنظر في نزاع دولي ما: أن تكون الأطراف دول قبلت صراحة، والواحدة تجاه الأخرى، صلاحية المحكمة. وأن يكون هناك خرق للقانون الدولي العام من إحدى هذه الدول.
يجب إن تكون الدول منضمة لنظام المحكمة عملا بالمادة 35-1 من نظام محكمة العدل الدولية. إلا إن المادة 93-1 من شرعة الأمم المتحدة تعتبر أن كل أعضاء الأمم المتحدة منضمون حكما لنظام المحكمة. كما فتح مجلس الأمن بقراره رقم 9 (1946) باب الالتحاق بنظام المحكمة لجميع الدول غير المنضمة اليه.
لكن بالرغم من كل هذه الصلاحية التي تبدو اوتوماتيكية، تصر المحكمة على قبول الدول صراحة بنظامها، تطبيقا للمادة 36-2 من هذا النظام. وقد أكدت المحكمة على هذا المبدأ في قضايا متعددة كان آخرها في قضية "شرق تيمور" عام 1995 (مجموعة أحكام محكمة العدل الدولية، 30 حزيران 1995، الفقرة 26).
ويمكن الدول أن تدلي بقبولها بثلاث طرق مختلفة:
- اتفاقية خاصة تعطي الصلاحية للمحكمة للنظر في قضية معينة؛
- إعلان أحادي الجانب يعترف بصلاحية المحكمة بكل النزاعات الدولية التي قد تنشأ بينها وبين دولة أخرى، شرط أن تكون تلك الدولة الأخرى قبلت بتلك الصلاحية أيضا؛
- بند خاص ضمن معاهدة معينة يعطي الصلاحية في تفسير المعاهدة او تطبيقها أو تنفيذها لمحكمة العدل الدولية.
لبنان وإسرائيل دولتان عضوان في الأمم المتحدة وهما تاليا منضمتان بهذه الصفة إلى نظام محكمة العدل الدولية لكنهما لم توافقا على صلاحية المحكمة بإعلان أحادي الجانب. إلا إن الدولتين وقعتا المعاهدة حول مكافحة ومعاقبة الإبادة الجماعية وصادقتا عليها. وقعها لبنان في 30 كانون الأول 1949 وصادق عليها في 17 كانون الأول 1953؛ أما إسرائيل فقد وقعتها في 17 آب 1949 وصادقت عليها في 9 آذار 1950 دون أي تحفظ.
وقد نصت المادة 9 من هذه المعاهدة أن كل النزاعات الناشئة بين الأطراف حول تفسيرها أو تطبيقها أو تنفيذها، ومن ضمنها تلك المتعلقة بمسؤولية الدولة في مسألة الإبادة الجماعية أو أي من الأعمال المذكورة في المادة 3، تكون من اختصاص محكمة العدل الدولية، بطلب من طرف واحد للنزاع.
وتعرف المادتان 2 و 3 الأعمال التي تشكل إبادة جماعية ويعاقب عليها القانون وتعددها. وبالعودة إلى هاتين المادتين، نلاحظ أن إسرائيل ارتكبت كل تلك الأعمال.
إلا إن الصعوبة في موضوع الإبادة الجماعية، كما هو الحال في كل المواضيع الجنائية عامة، هي إثبات النية في الإبادة.
لكن إذا قمنا بإضافة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل منذ سنوات عدة حتى اليوم يمكن استخلاص نية جرمية تتحدد معالمها مع الوقت وازدياد عدد العمليات الجرمية. فإذا كانت كل مجزرة على حدة لا تشكل جرم إبادة جماعية فان مجموع هذه المجازر هو دليل على النية الجرمية. وهذا مبدأ قانوني عام يمكن الاستناد إليه في القانون الدولي العام.
وبالإضافة إلى إرساء مسؤولية اسرائيل عن هذه الجريمة، يمكن أيضا ملاحقة الأفراد المسؤولين عن الإبادة الجماعية ومعاقبتهم عملا بالمادة 4 من المعاهدة. ولن يكون بإمكان إسرائيل التنصل من مسؤوليتها لأنها موقعة على المعاهدة.
فضلا عن هذه الملاحقات، بالإمكان التوجه الى محكمة العدل الدولية بطلب اتخاذ "الإجراءات اللازمة" من اجل ملاحقة أعمال الإبادة الجماعية، أو الأعمال الواردة في المادة 3 من المعاهدة ومعاقبتها. ومن هذه الإجراءات مثلا، طلب وقف إطلاق نار فوري. كما انه يجوز ملاحقة الدول التي شاركت في عملية الإبادة الجماعية أو ساهمت فيها أو سهلتها.

خلاصة


باعتقادنا هناك فرصة جدية للبنان بان يحقق إنجازا كبيرا في مجال القانون الدولي الجزائي إن أمام المحكمة الجزائية الدولية أو أمام محكمة العدل الدولية. وإنني شخصيا أشجع الدولة اللبنانية على اللجوء إلى الوسيلتين التي تحدثت عنهما وإهمال موضوع المحكمة الجزائية الخاصة.
ويجدر التذكير بان اللجوء إلى الوسائل القانونية والى القضاء الدولي هو من الوسائل السلمية بامتياز وانه يحفظ كرامة لبنان واللبنانيين الذين أتخموا باستباحة الإسرائيليين أراضيهم وأرواح أبنائهم دون أي رادع ودون محاسبة ولا عقاب.