-
دخول

عرض كامل الموضوع : فتنة الوهابية


إنسان وبس
01/08/2006, 20:17
فتنة الوهابية
اعلم أن السلطان سليم الثالث حدث في مدة سلطنته فتن كثيرة منها ما تقدم ذكره ومنها فتنة الوهابية التي كانت في الحجاز حتى استولوا على الحرمين ومنعوا وصول الحج الشامي والمصري ومنها فتنة الفرنسيس لما استولوا على مصر من سنة ثلاث عشرة سنة الى ست عشرة ولنذكر ما يتعلق بهاتين الفتنتين علي سبيل الاختصار لأن كلا منهما مذكور تفصيلا في التواريخ وأفرد كل منهما بتأليف رسائل مخصوصة، أما فتنة الوهابية فكان ابتداء القتال فيها بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد وهو نائب من جهة السلطنة العلية على الاقطار الحجازية وابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف وكان ذلك في مدة سلطنة مولانا السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى الثالث ابن أحمد (وأما ابتداء أول ظهور الوهابية) فكان قبل ذلك بسنين كثيرة وكانت قوتهم وشوكتهم في بلادهم أولا ثم كثر شرهم وتزايد ضررهم واتسع ملكهم وقتلوا من الخلائق ما لا يحصون واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمد بن عبدالوهاب وأصله من المشرق من بني تميم وكان من المعمرين فكاد يعد من المنظرين لأنه عاش قريب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة وهلك سنة ألف ومائتين وأرخه بعضهم بقوله:

(بدا هلاك الخبيث) 1206
وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكان أبوه رجلا صالحاً من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين فزعم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شرك وأن نداء النبي صلى الله عليه وسلّم عند التوسل به شرك وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصالحين عند التوسل بهم شرك وأن من أسند شيئا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركا نحو نفعني هذا الدواء وهذا الولي الفلاني عند التوسل به في شيء وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئا من مرامه وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبس بها على العوام حتى تبعوه وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعية ومكث عندهم حتى نصروه وقاموا بدعوته وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتساعه وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم وصاروا جنداً لهم بلا عوض وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، وكان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه وكان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدرعية وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبدالعزيز ابن محمد بن سعود، وكان كثير من مشايخ ابن عبدالوهاب بالمدينة يقولون سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة وأنه جدد للناس دينهم وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) وكقوله تعالى ( ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ) وكقوله تعالى ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء) (الرعد: 15) وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة: فقال محمد بن عبدالوهاب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلّم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الآيات وجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين مثل ذلك وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام ما إلا لتقربونا إلى الله زلفى إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى قال: فإن المشركين ما اعتقدوا في الأصنام أنها تخلق شيئا بل يعتقدون أن الخالق هو الله تعالى بدليل قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله) (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) مما حكم الله عليهم بالكفر والإشراك إلا لقولهم ليقربونا إلى الله زلفى فهؤلاء مثلهم، ومما ردوا به عليه في الرسائل المؤلفة للرد عليه أن هذا استدلال باطل فإن المؤمنين ما أتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء آلهة وجعلوهم شركاء لله بل أنهم يعتقدون أنهم عبيد الله مخلوقون ولا يعتقدون أنهم مستحقون العبادة وأما المشركون الذين نزلت فبهم هذه الآيات فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية، ويعظّمونها تعظيم الربوبية وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئاً وأما المؤمنون فلا بعتقدون في الأنبياء والأولياء استحقاق العبادة والألوهية ولا يعظمونهم تعظيم الربوبية بل يعتقدون أنهم عباد الله وأحبّاؤه الذين اصطفاهم واجتباهم وببركتهم يرحم عباده فيقصدون بالتبرك بهم رحمة الله تعالى، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة فاعتقاد المسلمين أن الخالق الضار والنافع المستحق العبادة هو الله وحده ولا يعتقدون التأثير لأحد سواه وأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون شيئاً ولا يملكون ضراً ولا نفعا وإنما يرحم الله العباد ببركتهم فاعتقاد المشركين استحقاق أصنامهم العبادة والألوهية هو الذي أوقعهم في الشرك لا مجرد قولهم مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله لأنهم لما أقيمت عليهم الحجة بأنهم لا تستحق العبادة وهم يعتقدون استحقاقها العبادة قالوا معتذرين مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فكيف يجوز لا بن عبدالوهاب ومن تبعه أن يجعلوا المؤمنين الموحّدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون ألوهية الأصنام فجميع الآيات المتقدمة وما كان مثلها خاص بالكفار والمشركين ولا يدخل فيه أحد من المؤمنين روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فحمَّلوها على المؤمنين وفي رواية عن بن عمر أيضاً أنه صلى الله عليه وسلّم قال أْخَوفُ ما أخاف على أمتي رجل يتأول القرآن بصنعه في غير موضعه فهو وما قبله صادق على هذه الطائفة ولو كان شيء مما صنعه المؤمنون من التوسل وغيره شركاً ماكان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها ففي الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلّم كان من دعائه « اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك » وهذا توسل لاشك فيه وكان يُعلّم هذا الدعاءَ أصحابَه ويأمرهم بالإتيان به وبسط ذلك طويل مذكور في الكتب وفي الرسائل التي في الرد على ابن عبدالوهاب وصح عنه أنه صلى الله عليه وسلّم لما ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ علي رضي الله عنهما ألحدها صلى الله عليه وسلّم في القبر بيده الشريفة وقال «اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد وَوسِّعْ عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين» وصح أنه صلى الله عليه وسلّم سأله أعمى أن يرد الله بصره بدعائه فأمر بالطهارة وصلاة ركعتين ثم يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي اللهم شَفِّعه فِيَّ» ففعل فرد الله عليه بصره وصح أن آدم عليه السلام توسل بنبينا صلى الله عليه وسلّم حين أكل من الشجرة لأنه لما رأى اسمه صلى الله عليه وسلّم مكتوبا على العرش وعلى غرف الجنة وعلى جباه الملائكة سأل عنه فقال الله له هذا ولد من أولادك لولاه ماخلقتك، فقال اللهم بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودي يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السماء والأرض لشفعتاك وتوسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه لما استسقى الناس، وغير ذلك مما هو مشهور فلا حاجة إلى الإطالة بذكره والتوسل الذي في حديث الأعمى قد استعمله الصحابة والسلف بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم وفيه لفظ يا محمد ذلك نداء عند التوسل ومن تتبع كلام الصحابة والتابعين يجد شيئاً كثيراً من ذلك كقول بلال بن الحارث الصحابي رضي الله عنه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلّم يارسول الله استسق لأمتك كالنداء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلّم عند زيارة القبور وممن ألف في الرد على ابن عبدالوهاب أكبر مشايخه وهو الشيخ محمدبن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على مت بافضل فقال من جملة كلامه يا ابن عبدالوهاب إني أنصحك الله تعالى أن تكف لسانك عن المسلمين فإن سمعت من شخص أنه يعتقد تأثير ذلك المستغاث به من دون الله فعرفه الصواب وأين له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله فإن أبى فكفره حينئذ بخصوصه ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذ عن السواد الأعظم فنسبة الكفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتيبن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية اهـ وأما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فقد فعلها الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف وجاء من فضلها أحاديث أفردت بالتأليف ومما جاء في النداء لغير الله تعالى من غائب وميت وجماد قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أفلتت دابة أحدكم بأرض قلاة فليناد ياعباد الله أحبسوا فإن لله عباداً يجيبونه» وفي حديث آخر «إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عونا وهو بأرض ليس فيها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني وفي رواية أغيثوني فإن لله عباداً لا ترونهم» وكان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال يا أرض ربي وربك الله وكان صلى الله عليه وسلّم إذا زار قال السلام عليكم يا أهل القبور وفي التشهد الذي يأتي به كل مسلم في كل صلاة صورة النداء في قوله السلام عليك أيها النبي والحاصل أن النداء والتوسل ليس في شيء منهما ضرر إلا إذا اعتقد التأثير لمن ناداه أو توسل به ومتى كان معتقداً أن التأثير لله لا لغير الله فلا ضرر في ذلك وكذلك إسناد فعل من الأفعال لغير الله لا يضر إلا إذا اعتقد التأثير ومتى لم يعتقد التأثير فإنه يحمل على المجاز العقلي كقوله نفعني هذا الدواء أو فلان الولي فهو مثل قوله: أشبعني هذا الطعام،

إنسان وبس
01/08/2006, 20:23
وأروني هذا الماء، وشفاني هذا الدواء فمتى صدر ذلك من مسلم فإنه يحمل على الإسناد المجازي والإسلام قرينة كافية في ذلك فلا سبيل إلى تكفير أحد بشيء من ذلك ويكفي هذا الذي ذكرناه إجمالا في الرد على أبى عبدالوهاب ومن أراد بسط الكلام فليرجع إلى الرسائل المؤلفة في ذلك وقد لخصت مافيها في رسالة مختصرة فلينظرها من أرادها، ولما قام ابن عبدالوهاب ومن أعانه بدعوتهم الخبيثة التي كفّروا بسببها المسلمين ملكوا قبائل الشرق قبيلة بعد قبيلة، ثم اتسع ملكهم فملكوا اليمن والحرمين وقبائل الحجاز وبلغ ملكهم قريبا من الشام فإن ملكهم وصل إلى المزبريب وكانوا في ابتداء أمرهم أو سلوا جماعة من علمائهم ظنا منهم أنهم يفسدون عقائد علماء الحرمين ويدخلون عليهم الشبهة بالكذب والمين، فلما وصلوا إلى الحرمين وذكروا لعلماء الحرمين عقائدهم وما تملكوا به رد عليهم علماء الحرمين وأقاموا عليهم الحجج والبراهين التي عجزوا عن دفعها وتحقق لعلماء الحرمين جهلهم وضلالهم و وجدوهم ضحكة ومسخرة كحمر مستنفرة فرت من قسورة ونظروا إلى عقائدهم فوجدوها مشتملة على كثير من المكفرات فبعد أن أقاموا البرهان عليهم كتبوا عليهم حجة عند قاضي الشرع بمكة تتضمن الحكم بكفرهما بتلك العقائد ليشتهر بين الناس أمرهم، فيعلم بذلك الأول والآخر، وكان ذلك في مدة إمارة الشريف مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد المتوفي سنة خمس وستين ومائة وألف، وأمر بحبس أولئك الملحدة فحبسوا وفر بعضهم إلى الدرعية فأخبرهم بما شاهدوا فازدادوا عتواً واستكباراً وصار أمراء مكة بعد ذلك يمنعون وصولهم للحج فصاروا يغيرون على بعض القبائل الداخلين تحت طاعة أمير مكة ثم انتشب القتال بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد وكان ابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف ووقع بينهم وبينه وقائع كثيرة قتل فيها خلائق كثيرون ولم يزل أمرهم يقوى وبدعتهم تنتشر إلى أن دخل تحت طاعتهم أكثر القبائل والعربان الذين كانوا تحت طاعة أمير مكة.

وفي سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف ساروا بجيوش كثيرة حتى نازلوا الطائف وحاصروا أهله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، ثم تملكوه وقتلوا أهله رجالا ونساء وأطفالا ولا نجامنهم إلاّ القليل ونهبوا جميع أموالهم ثم أرادوا المسير إلى مكة فعلموا أن مكة في ذلك الوقت فيها كثير من الحجاج ويقدم إليها الحاج الشامي والمصري فيخرج الجميع لقتالهم فمكثوا في الطائف إلى أن انقضى شهر الحج وتوجه الحجاج إلى بلادهم وساروا بجيوشهم يريدون مكة ولم يكن للشريف غالب قدرة على قتال جيوشهم فنزل إلى جدة فخاف أهل مكة أن يفعل الوهابية معهم مثل ما فعلوا مع أهل الطائف فأرسلوا إليهم وطلبوا منهم الأمان لأهل مكة فأعطوهم الأمان ودخلوا مكة ثامن محرم من السنة الثامنة عشر بعد المائتين والألف ومكثوا أربعة عشر يوما يستتيبون الناس ويجددون لهم الإسلام على زعمهم ويمنعونهم من فعل ما يعتقدون أنه شرك كالتوسل وزيارة القبور، ثم ساروا بجيوشهم إلى جدة لقتال الشريف غالب فلما أحاطوا بجدة رمى عليهم بالمدافع والقلل فقتل كثيراً منهم ولم يقدروا على تملك جدة فارتحلوا بعد ثمانية أيام ورجعوا إلى بلادهم وجعلوا لهم عسكراً بمكة وأقاموا لهم أميراً فيها وهو الشريف عبد المعين أخو الشريف غالب وإنما قبل أمرهم ليرفق بأهل مكة ويدفع ضرر أولئك الأشرار عنهم، وفي شهر ربيع الأول من السنة المذكورة سار الشريف غالب من جدة ومعه والى جدة من طرف السلطنة العلية وهو شريف باشا ومعهما العساكر فوصلوا إلى مكة وأخرجوا من كان بها من عساكر الوهابية ورجعت أمارة مكة للشريف غالب ثم بعد ذلك تركوا مكة واشتغلوا بقتال كثير من القبائل وصار الطائف بأيديهم وجعلوا عليه أميراً عثمان المضايقي فصار هو وبعض جنودهم يقاتلون القبائل التي في أطراف مكة والمدينة ويدخلونهم في طاعتهم حتى استولوا عليهم وعلى جميع الممالك التي كانت تحت طاعة أمير مكة فتوجه قصدهم بعد ذلك للاستيلاء على مكة فساروا بجيوشهم سنة عشرين وحاصروا مكة وآحاطوا بها من جميع الجهات وشددوا الحصار عليها وقطعوا الطرق ومنعوا الميرة من مكة فاشتد الحصار على أهل مكة حتى أكلوا الكلاب لشدة الغلاء وعدم وجود القوت فاضطر الشريف غالب إلى الصلح معهم وتأمين أهل مكة فوسط أناساً بينه وبينهم فعقدوا الصلح على شروط فيها رفق بأهل مكة فمن تلك الشروط أن إمارة مكة تكون له فتم الصلح ودخلوا مكة في أواخر ذي القعدة سنة عشرين وتملكوا المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وانتهبوا الحجرة وأخذوا ما فيها من الأموال وفعلوا أفعالا شنيعة وجعلوا على المدينة أميراً منهم مبارك بن مضيان واستمر حكمهم في الحرمين سبع سنين ومنعوا دخول الحج الشامي والمصري مع المحامل مكة وصاروا يصنعون للكعبة المعظمة ثوبا من العباء القيلان الأسود وأكرهوا الناس على الدخول في دينهم ومنعوهم من شرب التنباك ومن فعل ذلك وأطلعوا عليه عزروه بأقبح التعزير وهدموا القبب التي على قبور الألياء وكانت الدولة العثمانية في تلك السنين في ارتباك كثير وشدة قتال مع النصارى وفي اختلاف في خلع السلاطين وقتلهم كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى، ثم صدر الأمر السلطاني(1) لصاحب مصر محمد علي باشا بالتجهيز لقتال الوهابية وكان ذلك في سنة 1226 فجهز محمد علي باشا جيشاً فيه عساكر كثيرة جعل عليهم بفرمان سلطان ولده طوسون باشا فخرجوا من مصر في رمضان من السنة المذكورة ولم يزالوا سائرين براً وبحراً حتى وصلوا إلى ينبع فملكوه من الوهابية، ثم لما وصلت العساكر إلى الصفرا والحديدة وقع بينهم وبين العرب الذين في الحربية قتال شديد بين الصفرا والحديدة وكانت تلك القبائل كلها في طاعة الوهابي وانضم إليها قبائل كثيرة فهزموا ذلك الجيش وقتلوا كثيراً منهم وانتهبوا جميع ما كان معهم وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 26 ولم يرجع من ذلك الجيش إلى مصر إلا القليل فجهز جيشاً غيره سنة سبع وعشرين وعزم محمد علي باشا على التوجه إلى الحجاز بنفسه وتوجهت العساكر قبله شعبان في غاية القوة والاستعداد وكان معهم من المدافع ثمانية عشر مدفعا وثلاثة قنابل فاستولت العساكر على ما كان بيد الوهابية وملكوا الصفراء والحديدة وغيرهما في رمضان بلا قتال بل بالمخادعة ومصانعة العرب بإعطاء الدراهم الكثيرة حتى أنهم أعطوا شيخ مشايخ حرب مائة ألف ريال وأعطوا شيخا من صغار مشايخ حرب أيضاً ثمانية عشر ألف ريال ورتبوا لهم علائف تصرف لهم كل شهر، وكان ذلك كله بتدبير شريف مكة غالب وهو في الظاهر تحت طاعة الوهابي وأما المرة الأولى التي هزموا فيها فلم يكونوا كاتبوا الشريف غالب في ذلك حتى يكون الأمر بتدبيره ودخلت العساكر المدينة المنورة في أواخر ذي القعدة، ولما جاءت الأخبار إلى مصر صنعوا زينة ثلاثة أيام وأكثروا من الشنك وضرب المدافع وأرسلوا بشائر لجميع ملوك الروم واستولت العساكر السائرة من طريق البحر على جدة في أوائل المحرم سنة ثمان وعشرين ثم طلعوا إلى مكة واستولوا عليها أيضاً، وكل ذلك بلا قتال بتدبير الشريف سراً ولما وصلت العساكر إلى جدة فر من كان بمكة من عساكر الوهابية وأمرائهم، وكان سعود أمير الوهابية حج في سنة سبع وعشرين ثم ارتحل إلى الطائف، ثم إلى الدرعية ولم يعلم باستيلاء العساكر السلطانية على المدينة إلا بعد ذلك ثم لما وصل إلى الدرعية علم باستيلائهم على مكة ثم الطائف ولما وصلت العساكر إلى جدة ومكة فر من الطائف أميرها عثمان المضايقي وفر من كان بها من عساكر الوهابية وأمرائهم وفي شهر ربيع الأول من سنة ثمان وعشرين أرسل محمد على باشا مبشرين إلى دار السلطنة ومعهم المفاتيح وكتبوا إليهم أنها مفاتيح مكة والمدينة وجدة والطائف فدخلوا بها دار السلطنة بموكب حافل ووضعوا المفاتيح على صفائح الذهب والفضة وأمامهم البخورات في مجامر الذهب والفضة وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك زينة وشنكا ومدافع وخلعوا على من جاء بالمفاتيح وزادوا في رتبة محمد علي باشا وبعثوا له أطواخاً وعدة أطواخ بولايات لمن يختار تقليده، وفي شهر شوال سنة ثمان وعشرين توجه محمد علي باشا بنفسه إلى الحجاز وقيل توجهه من مصر قبض الشريف غالب على عثمان المضايفي الذي كان أمير على الطائف للوهابية، وكان من أهل أكبر أعوانهم وأمرائهم فزنجره بالحديد وبعثه إلى مصر فوصل في ذي القعدة بعد توجه الباشا إلى الحجاز ثم أرسل إلى دار السلطنة فقتلوه و وصل محمد علي باشا في ذي القعدة إلى مكة وقبض على الشريف غالب ابن مساعد وبعثه إلى دار السلطنة وأقام لشرافة مكة ابن أخيه الشريف يحيى بن سرور ابن مساعد، وفي شهر محرم من سنة 29 بعثوا إلى السلطنة مبارك بن مضيان الذي كان أميراً على المدينة المنورة للوهابية فطافوا به في القسطنطينية في موكب ليراه الناس ثم قتلوه وعلقوا رأسه على باب السرايا وفعل مثل ذلك بعثمان المضايقي وأما الشريف غالب فأرسلوه إلى سلانيك وبقي بها مكرما إلى آن توفي سنة إحدى وثلاثين ودفن بها وبني عليه قبة تزار ومدة إمارته على مكة ست وعشرون سنة ثم أن محمد علي باشا وجه كثيراً من العساكر إلى تربة وبيشة وبلاد غامد وزهران وبلاد عسير لقتال طوائف الوهابية وقطع دابرهم ثم سار بنفسه في أثرهم في شعبان سنة تسع وعشرين و وصل إلى تلك الديار وقتل كثيراً منهم وأسر كثيراً وخرب ديارهم، وفي شهر جمادى الأولى سنة تسع وعشرين هلك سعود أمير الوهابية وقام بالملك بعده ولده عبدالله ورجع محمد على باشا من تلك الديار التي وصلها من ديار الوهابية عند إقبال الحج وحج ومكث بمكة إلى رجب سنة ثلاثين ثم توجه إلى مصر وترك بمكة حسن باشا ووصل الباشا إلى مصر في منتصف رجب سنة ثلاثين ومائتين وألف فتكون إقامته بالحجاز سنة وسبعة أشهر،

إنسان وبس
01/08/2006, 20:24
وأروني هذا الماء، وشفاني هذا الدواء فمتى صدر ذلك من مسلم فإنه يحمل على الإسناد المجازي والإسلام قرينة كافية في ذلك فلا سبيل إلى تكفير أحد بشيء من ذلك ويكفي هذا الذي ذكرناه إجمالا في الرد على أبى عبدالوهاب ومن أراد بسط الكلام فليرجع إلى الرسائل المؤلفة في ذلك وقد لخصت مافيها في رسالة مختصرة فلينظرها من أرادها، ولما قام ابن عبدالوهاب ومن أعانه بدعوتهم الخبيثة التي كفّروا بسببها المسلمين ملكوا قبائل الشرق قبيلة بعد قبيلة، ثم اتسع ملكهم فملكوا اليمن والحرمين وقبائل الحجاز وبلغ ملكهم قريبا من الشام فإن ملكهم وصل إلى المزبريب وكانوا في ابتداء أمرهم أو سلوا جماعة من علمائهم ظنا منهم أنهم يفسدون عقائد علماء الحرمين ويدخلون عليهم الشبهة بالكذب والمين، فلما وصلوا إلى الحرمين وذكروا لعلماء الحرمين عقائدهم وما تملكوا به رد عليهم علماء الحرمين وأقاموا عليهم الحجج والبراهين التي عجزوا عن دفعها وتحقق لعلماء الحرمين جهلهم وضلالهم و وجدوهم ضحكة ومسخرة كحمر مستنفرة فرت من قسورة ونظروا إلى عقائدهم فوجدوها مشتملة على كثير من المكفرات فبعد أن أقاموا البرهان عليهم كتبوا عليهم حجة عند قاضي الشرع بمكة تتضمن الحكم بكفرهما بتلك العقائد ليشتهر بين الناس أمرهم، فيعلم بذلك الأول والآخر، وكان ذلك في مدة إمارة الشريف مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد المتوفي سنة خمس وستين ومائة وألف، وأمر بحبس أولئك الملحدة فحبسوا وفر بعضهم إلى الدرعية فأخبرهم بما شاهدوا فازدادوا عتواً واستكباراً وصار أمراء مكة بعد ذلك يمنعون وصولهم للحج فصاروا يغيرون على بعض القبائل الداخلين تحت طاعة أمير مكة ثم انتشب القتال بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد وكان ابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف ووقع بينهم وبينه وقائع كثيرة قتل فيها خلائق كثيرون ولم يزل أمرهم يقوى وبدعتهم تنتشر إلى أن دخل تحت طاعتهم أكثر القبائل والعربان الذين كانوا تحت طاعة أمير مكة.

وفي سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف ساروا بجيوش كثيرة حتى نازلوا الطائف وحاصروا أهله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، ثم تملكوه وقتلوا أهله رجالا ونساء وأطفالا ولا نجامنهم إلاّ القليل ونهبوا جميع أموالهم ثم أرادوا المسير إلى مكة فعلموا أن مكة في ذلك الوقت فيها كثير من الحجاج ويقدم إليها الحاج الشامي والمصري فيخرج الجميع لقتالهم فمكثوا في الطائف إلى أن انقضى شهر الحج وتوجه الحجاج إلى بلادهم وساروا بجيوشهم يريدون مكة ولم يكن للشريف غالب قدرة على قتال جيوشهم فنزل إلى جدة فخاف أهل مكة أن يفعل الوهابية معهم مثل ما فعلوا مع أهل الطائف فأرسلوا إليهم وطلبوا منهم الأمان لأهل مكة فأعطوهم الأمان ودخلوا مكة ثامن محرم من السنة الثامنة عشر بعد المائتين والألف ومكثوا أربعة عشر يوما يستتيبون الناس ويجددون لهم الإسلام على زعمهم ويمنعونهم من فعل ما يعتقدون أنه شرك كالتوسل وزيارة القبور، ثم ساروا بجيوشهم إلى جدة لقتال الشريف غالب فلما أحاطوا بجدة رمى عليهم بالمدافع والقلل فقتل كثيراً منهم ولم يقدروا على تملك جدة فارتحلوا بعد ثمانية أيام ورجعوا إلى بلادهم وجعلوا لهم عسكراً بمكة وأقاموا لهم أميراً فيها وهو الشريف عبد المعين أخو الشريف غالب وإنما قبل أمرهم ليرفق بأهل مكة ويدفع ضرر أولئك الأشرار عنهم، وفي شهر ربيع الأول من السنة المذكورة سار الشريف غالب من جدة ومعه والى جدة من طرف السلطنة العلية وهو شريف باشا ومعهما العساكر فوصلوا إلى مكة وأخرجوا من كان بها من عساكر الوهابية ورجعت أمارة مكة للشريف غالب ثم بعد ذلك تركوا مكة واشتغلوا بقتال كثير من القبائل وصار الطائف بأيديهم وجعلوا عليه أميراً عثمان المضايقي فصار هو وبعض جنودهم يقاتلون القبائل التي في أطراف مكة والمدينة ويدخلونهم في طاعتهم حتى استولوا عليهم وعلى جميع الممالك التي كانت تحت طاعة أمير مكة فتوجه قصدهم بعد ذلك للاستيلاء على مكة فساروا بجيوشهم سنة عشرين وحاصروا مكة وآحاطوا بها من جميع الجهات وشددوا الحصار عليها وقطعوا الطرق ومنعوا الميرة من مكة فاشتد الحصار على أهل مكة حتى أكلوا الكلاب لشدة الغلاء وعدم وجود القوت فاضطر الشريف غالب إلى الصلح معهم وتأمين أهل مكة فوسط أناساً بينه وبينهم فعقدوا الصلح على شروط فيها رفق بأهل مكة فمن تلك الشروط أن إمارة مكة تكون له فتم الصلح ودخلوا مكة في أواخر ذي القعدة سنة عشرين وتملكوا المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وانتهبوا الحجرة وأخذوا ما فيها من الأموال وفعلوا أفعالا شنيعة وجعلوا على المدينة أميراً منهم مبارك بن مضيان واستمر حكمهم في الحرمين سبع سنين ومنعوا دخول الحج الشامي والمصري مع المحامل مكة وصاروا يصنعون للكعبة المعظمة ثوبا من العباء القيلان الأسود وأكرهوا الناس على الدخول في دينهم ومنعوهم من شرب التنباك ومن فعل ذلك وأطلعوا عليه عزروه بأقبح التعزير وهدموا القبب التي على قبور الألياء وكانت الدولة العثمانية في تلك السنين في ارتباك كثير وشدة قتال مع النصارى وفي اختلاف في خلع السلاطين وقتلهم كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى، ثم صدر الأمر السلطاني(1) لصاحب مصر محمد علي باشا بالتجهيز لقتال الوهابية وكان ذلك في سنة 1226 فجهز محمد علي باشا جيشاً فيه عساكر كثيرة جعل عليهم بفرمان سلطان ولده طوسون باشا فخرجوا من مصر في رمضان من السنة المذكورة ولم يزالوا سائرين براً وبحراً حتى وصلوا إلى ينبع فملكوه من الوهابية، ثم لما وصلت العساكر إلى الصفرا والحديدة وقع بينهم وبين العرب الذين في الحربية قتال شديد بين الصفرا والحديدة وكانت تلك القبائل كلها في طاعة الوهابي وانضم إليها قبائل كثيرة فهزموا ذلك الجيش وقتلوا كثيراً منهم وانتهبوا جميع ما كان معهم وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 26 ولم يرجع من ذلك الجيش إلى مصر إلا القليل فجهز جيشاً غيره سنة سبع وعشرين وعزم محمد علي باشا على التوجه إلى الحجاز بنفسه وتوجهت العساكر قبله شعبان في غاية القوة والاستعداد وكان معهم من المدافع ثمانية عشر مدفعا وثلاثة قنابل فاستولت العساكر على ما كان بيد الوهابية وملكوا الصفراء والحديدة وغيرهما في رمضان بلا قتال بل بالمخادعة ومصانعة العرب بإعطاء الدراهم الكثيرة حتى أنهم أعطوا شيخ مشايخ حرب مائة ألف ريال وأعطوا شيخا من صغار مشايخ حرب أيضاً ثمانية عشر ألف ريال ورتبوا لهم علائف تصرف لهم كل شهر، وكان ذلك كله بتدبير شريف مكة غالب وهو في الظاهر تحت طاعة الوهابي وأما المرة الأولى التي هزموا فيها فلم يكونوا كاتبوا الشريف غالب في ذلك حتى يكون الأمر بتدبيره ودخلت العساكر المدينة المنورة في أواخر ذي القعدة، ولما جاءت الأخبار إلى مصر صنعوا زينة ثلاثة أيام وأكثروا من الشنك وضرب المدافع وأرسلوا بشائر لجميع ملوك الروم واستولت العساكر السائرة من طريق البحر على جدة في أوائل المحرم سنة ثمان وعشرين ثم طلعوا إلى مكة واستولوا عليها أيضاً، وكل ذلك بلا قتال بتدبير الشريف سراً ولما وصلت العساكر إلى جدة فر من كان بمكة من عساكر الوهابية وأمرائهم، وكان سعود أمير الوهابية حج في سنة سبع وعشرين ثم ارتحل إلى الطائف، ثم إلى الدرعية ولم يعلم باستيلاء العساكر السلطانية على المدينة إلا بعد ذلك ثم لما وصل إلى الدرعية علم باستيلائهم على مكة ثم الطائف ولما وصلت العساكر إلى جدة ومكة فر من الطائف أميرها عثمان المضايقي وفر من كان بها من عساكر الوهابية وأمرائهم وفي شهر ربيع الأول من سنة ثمان وعشرين أرسل محمد على باشا مبشرين إلى دار السلطنة ومعهم المفاتيح وكتبوا إليهم أنها مفاتيح مكة والمدينة وجدة والطائف فدخلوا بها دار السلطنة بموكب حافل ووضعوا المفاتيح على صفائح الذهب والفضة وأمامهم البخورات في مجامر الذهب والفضة وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك زينة وشنكا ومدافع وخلعوا على من جاء بالمفاتيح وزادوا في رتبة محمد علي باشا وبعثوا له أطواخاً وعدة أطواخ بولايات لمن يختار تقليده، وفي شهر شوال سنة ثمان وعشرين توجه محمد علي باشا بنفسه إلى الحجاز وقيل توجهه من مصر قبض الشريف غالب على عثمان المضايفي الذي كان أمير على الطائف للوهابية، وكان من أهل أكبر أعوانهم وأمرائهم فزنجره بالحديد وبعثه إلى مصر فوصل في ذي القعدة بعد توجه الباشا إلى الحجاز ثم أرسل إلى دار السلطنة فقتلوه و وصل محمد علي باشا في ذي القعدة إلى مكة وقبض على الشريف غالب ابن مساعد وبعثه إلى دار السلطنة وأقام لشرافة مكة ابن أخيه الشريف يحيى بن سرور ابن مساعد، وفي شهر محرم من سنة 29 بعثوا إلى السلطنة مبارك بن مضيان الذي كان أميراً على المدينة المنورة للوهابية فطافوا به في القسطنطينية في موكب ليراه الناس ثم قتلوه وعلقوا رأسه على باب السرايا وفعل مثل ذلك بعثمان المضايقي وأما الشريف غالب فأرسلوه إلى سلانيك وبقي بها مكرما إلى آن توفي سنة إحدى وثلاثين ودفن بها وبني عليه قبة تزار ومدة إمارته على مكة ست وعشرون سنة ثم أن محمد علي باشا وجه كثيراً من العساكر إلى تربة وبيشة وبلاد غامد وزهران وبلاد عسير لقتال طوائف الوهابية وقطع دابرهم ثم سار بنفسه في أثرهم في شعبان سنة تسع وعشرين و وصل إلى تلك الديار وقتل كثيراً منهم وأسر كثيراً وخرب ديارهم، وفي شهر جمادى الأولى سنة تسع وعشرين هلك سعود أمير الوهابية وقام بالملك بعده ولده عبدالله ورجع محمد على باشا من تلك الديار التي وصلها من ديار الوهابية عند إقبال الحج وحج ومكث بمكة إلى رجب سنة ثلاثين ثم توجه إلى مصر وترك بمكة حسن باشا ووصل الباشا إلى مصر في منتصف رجب سنة ثلاثين ومائتين وألف فتكون إقامته بالحجاز سنة وسبعة أشهر،

إنسان وبس
01/08/2006, 20:25
ما رجع إلى مصر ألا بعد أن مهد أمور الحجاز، وأباد طوائف الوهابية التي كانت منتشرة في جميع قبائل الحجاز والشرق وبقي منهم بقية بالدرعية أميرهم عبدالله بن سعود فجهز محمد علي باشا لقتاله جيشاً وأرسله تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا، وكان عبدالله بن سعود قبل ذلك يكاتب مع طوسون باشا بن محمد علي باشا حين كان بالمدينة وعقد معه صلحاً على بقاء إمارته ودخوله تحت طاعة محمد علي باشا فلم يرض محمد علي باشا بهذا الصلح فجهز ولده إبراهيم باشا وجعل العساكر إليه، وكان ابتداء ذلك في أواخر سنة إحدى وثلاثين فوصل إلى الدرعية سنة اثنتين وثلاثين ونازل بجيوشه عبدالله بن سعود وقوع بينهما وقاع وحروب يطول ذكرها إلى أن استولى على عبدالله بن سعود في ذي القعدة سنة 33، ولما جاءت الأخبار إلى مصر ضربوا لذلك ألف مدفع وفعلوا شنكا ويزنوا مصر وقراها سبعة أيام، وكان محمد علي باشا له أهتمام كبير في قتال الوهابية وأنفق في ذلك خزائن من الأموال حتى أخبر بعض من كان يباشر خدمته أنهم دفعوا في دفعة من الدفعات لأجرة تحميل بعض الذخائر خمسة وأربيعن ألف ريال هذا في مرة من المرات كان ذلك الحمل من الينبع إلى المدينة عن أجرة كل بعير ست ريال دفع نصفها أمير ينبع والنصف الآخر أمير المدينة وعند وصول الحمل من المدينة إلى الدرعية كان أجر تلك الحملة فقط مئة وأربيعن ألف ريال وقبض إبراهيم باشا على عبدالله بن سعود وبعث به وكثر من أمرائهم إلى مصر فوصل في سابع عشر محرم سنة أربع وثلاثين وصنعوا له موكباً حافلا يراه الناس وأركبوه على هجين وازدحم الناس للتفرج عليه، ولما دخل على محمد علي باشا قام له وقابله بالبشاشة وأجلسه بجانبه وحادثه، وقال له الباشا ما هذا المطاولة فقال الحرب سجال قال وكيف رأيت ابني إبرهيم باشا قال ماقصر وبذل همته ونحن كذلك حتى كان ماقدره الله تعالى فقال له الباشا أنا أترجى فيك عند مولانا السلطان فقال المقدر يكون ثم ألبسه خلعة وأنصرف إلى بيت اسماعيل باشا ببولاق، وكان بصحبة عبدالله بن سعود صندوق صغير مصفح فقال الباشا له. ماهذا؟ فقال هذا ما أخذه أبي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان، فأمر الباشا بفتحه فوجدوا فيه ثلاثة مصاحف من خزائن الملوك لم ير الراؤون أحسن منها ومعها ثلاثمائة حبة من اللؤلؤ الكبار وحبة زمرد كبيرة وشريط من الذهب، فقال له الباشا الذي أخذتموه من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا فقال هذا الذي وجدته عند أبي فإنه لم يستأصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذه العرب وأهل المدينة وأغاوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك ثم أرسلوا عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة ورجع إبراهيم باشا من الحجاز إلى مصر في شهر المحرم من سنة 35 بعد أن أخرب الدرعية خراباً كليا حتى تركوا سكناها ولما وصل عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة في شهر ربيع الأول طافوا به البلد ليراه الناس ثم قتلوه عند باب همايون وقتلوا أتباعه أيضاً في نواح متفرقة هذا حاصل ما كان في قصة الوهابي بغاية الأختصار ولو بسط الكلام في كل قضية لطال، وكانت فتنتهم من المصائب التي أصيب بها أهل الإسلام فإنهم سفكوا كثيراً من الدماء وانتهبوا كثيراً من الأموال وعم ضررهم وتطاير شررهم فلا حول ولا قوة إلا بالله وكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم فيها التصريح بهذه الفتنة كقوله صلى الله عليه وسلّم « يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق » وهذا الحديث جاء بروايات كثيرة بعضها في صحيح البخاري وبعضها في غيره ولا حاجة لنا إلى الإطالة بنقل تلك الروايات ولا لذكر من خرجها لأنها صحيحة مشهورة ففي قوله سيماهم التحليق تصريح بهذه الطائفة لأنهم كانوا يأمرون كل من اتبعهم أن يحلق رأسه ولم يكن هذا الوصف لأحد من طوائف الخوارج والمبتدعة الذين كانوا قبل زمن هؤلاء، وكان السيد عبدالرحمان الأهدل مفتي زبيد يقول لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلّم سيماهم التحليق فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم واتفق مرة أن مرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أكرهوها على اتّباعهم ففعلت، أمرها ابن عبدالوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث أنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يحدلها جوابا ومما كان منهم أنهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلّم مع أن أحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته كثيرة متواترة وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أمته وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة ويقولون أن ذلك شرك ويمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم على المنابر بعد الأذان حتى أن رجلا صالحاً كان أعمى، وكان مؤذنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبدالوهاب فأمر به أن يقتل فقتل ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق وفي القدر كفاية والله سبحانه وتعالى أعلم.

إنسان وبس
01/08/2006, 20:27
هذا الكتاب من تأليف
احمد بن زيني دحلان

الفردوس
02/08/2006, 00:54
احمد بن زيني دحلان
من اعداء ما يسمى بالوهابية
فكلامة مو صحيح
نريد كلام واحد معتدل في العصر الحديث

إنسان وبس
02/08/2006, 01:40
شكراً لمرورك على الموضوع
اخي هذا الكتاب متل السرد التاريخي، واذا اردت التحقيق في الامر ما عليك إلا مراجعة كتب ومصادر التاريخ
وانشاء الله رح اضيف كم كتاب كمان عن تاريخ الوهابية