-
دخول

عرض كامل الموضوع : الاستبداد بوصفه مقابلاً للانتماء


yass
09/04/2005, 11:40
خليل العناني

لا تكمن مشكلة الاستبداد في كونه يقف حجر عثرة في وجه التطور الطبيعي للشعوب والمجتمعات ودفعها نحو الديمقراطية والحياة السياسية السليمة، وإنما أيضا لأنه قد يصل في إحدى درجاته كي يصبح دافعا لوقف الشعور بالانتماء، أو علي الأقل إضعافه. ذلك أن إحساس المرء بأنه مجرد رقم وسط جموع شعب كبير لا يعرف إلي أين يسير وما هي إمكانات وفرص نهوضه، يدفعه مضطراً نحو الإحساس بعدم الأمان الذي يعد عاملاً مهماً في تجذير الشعور بالهوية والانتماء.

وضعف الانتماء الذي نقصده لا علاقة له بحب الوطن من عدمه، باعتبار أن ذلك غريزة وفطرة في الإنسان لا دخل له فيها، بقدر ما هو امتعاض من واقع سياسي ومجتمعي بعينه يغلق آفاق التفكير أمام أجيال جديدة ويبتر أحلامها بغد أفضل يمكن أن تتنفس فيه رائحة الحرية وتنعم بصفات المواطنة من توافر للرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل وأمل في الترقي المجتمعي. أي أنه تعبير عن رغبة في عدم الانتماء لهذا الواقع ومحاولة للهروب منه بأي ثمن حتي لو كان حياة الفرد، وتكفي الإشارة هنا إلي الحالات المأسوية التي يتعرض لها جمع من الشباب العربي في محاولاتهم المتكررة للهجرة إلي أوروبا عبر مياه المتوسط، وكثيراً ما ينتهي أغلبها بقصص درامية تتقاذفها الصحف والبرامج التليفزيونية دون مناقشة واقعية لأصل القضية.

ضعف الانتماء لا يقتصر علي الهروب خارج حدود الوطن فحسب، الذي هو بالأساس تتويج لتراكم معنوي يزداد كلما اتسعت الهوة بين توقعات المرء وواقعه، وإنما تدلل عليه مظاهر عديدة ليس أقلها انصراف المواطن عن الاهتمام بالشأن العام، ورفضه الانخراط في أية مناسبات سياسية واجتماعية، ناهيك عن اللامبالاة وإدارة الظهر لأي حديث عن الإصلاح، باعتباره مجرد نفخ في ريح هوجاء، لا يؤثر ولا يتأثر. ويبدأ غرس البذور الأولي لضعف الانتماء في الحال العربية عند دخول الطفل لمراحل التعليم الأساسية وتلقينه مبادئ الفكر الاستبدادي عبر منظومة قيمية تشجع على الاستماع أكثر من النقاش، وتزرع الخوف بديلاً عن الثقة بالنفس، وتعضد السلبية بدلاً من المشاركة، وتكتمل الصورة بخروج الشاب إلى سوق العمل ليصطدم بواقع مرير أبرز سماته التطاحن على أنصاف الفرص.

وتتصاعد مؤشرات عدم الانتماء مع تدافع معدلات الإحباط المجتمعي، وهنا تأخذ الظاهرة أحد منحيين: أولهما الشعور بالاغتراب الداخلي الناجم عن الانفصال بين أحلام الصبا وواقعية الشبيبة، وبالتالي الدخول في حال (نكوص) تجعل الفرد شديد الحساسية تجاه السلطة ويخشي مجابهتها أو الوثوق في لغتها الممجوجة لتجميل الواقع. وثانيهما: محاولة الهروب من ذلك الواقع بأي شكل، ليس أملاً في استهداف الأفضل فحسب، وإنما علي الأقل بغية التغيير وتعويض حالة الجفاف التي يعاني منها الفرد في مجتمعه.

وقد عرفت أوروبا هذه الحال إبان القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتحديداً عندما نشأت حركة (مارتن لوثر) و(جون كالفن) والتي سميت فيما بعد بالبروتستانتية والتي جاءت انعكاساً لحال الاستبداد الملكي التي عمت أرجاء أوروبا مما حدا بقطاع كبير من مفكري أوروبا إلي البحث عن وسيلة للخلاص من الاضطهاد المجتمعي الذي استشري حينئذ، وكان اكتشاف أميركا (العالم الجديد) بمثابة بارقة أمل لهذه الحركة وأتباعها الذين وجدوا فيها تعويضاً عن مجتمعاتهم، وازدادت رغبتهم في بناء مجتمع جديد يستوعب أفكارهم ويحقق ذاتهم الفكرية والسياسية والمجتمعية. لذا لم توصم البروتستانتية بعدم الانتماء لأوروبا، بل علي العكس رأها البعض بمثابة ميلاد لتوجه فكري جديد قوامه رفض الاستبداد والقهر واستبداله بعالم أكثر حيوية وقادر على امتصاص مشاعر الانتماء الحقيقية وتوظيفها لخدمة المجتمع الجديد.

وأزعم أن حركة الهجرة العربية إلي الغرب، والتي زادت وتيرتها أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كانت بالأساس بهدف الهروب من الواقع العربي المحَمل بالتشوهات الاجتماعية وانعدام التكافؤ، والذي تحولت فيه الدولة بفعل العقلية الاشتراكية إلى شأن خاص لفئة معينة فرضت وصايتها على المجتمع باعتبارها صاحبة الفضل في تحريره من الاحتلال الأجنبي. ولم توصف المجتمعات العربية بأنها طاردة لمواطنيها إلا بعد سنوات قليلة من الاستقلال، حين تأكد للبعض أن الوطن انتقل من وصاية المحتل إلى وصاية الأهل ممثلة في الحكم الأبوي الذي تعامل مع الفرد باعتباره قاصراً عن إدراك مصالحه، وتلكأ بتقديم أولويات بناء الدولة على حساب بناء الفرد وتنميته الذاتية. وهي حجج لم تقنع البعض ودفعته للبحث عن آفاق أرحب من أفقه الداخلي. دليل ذلك أن معظم من هاجروا لم يعودوا لبلادهم وفضلوا البقاء في أوطانهم الجديدة، ربما لم تنقطع صلتهم بوطنهم الأصلي، ولم تختف غريزة العودة إليه، ولكنها كانت تفتر وتقل كلما ازدادت الأوضاع سوءاً وارتفعت معدلات الطرد النفسي وما أكثرها الآن.

وتتضح متانة العلاقة بين الاستبداد وضعف الانتماء في المجتمعات ذات الكثافة السكانية المرتفعة، بحيث تزداد معها درجات الصراع المجتمعي، حيث تتشابك علاقات الأفراد ببعضهم البعض وتتقاطع بحيث يطغي المادي منها على ما هو معنوي، وتسمو المصلحة الشخصية على القضايا العامة، وتسود مشاعر الأنانية والفردية، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى حد التناطح الأُسري. وهنا ينكشف دور الدولة في تأصيل الصراع، فهي لا تتدخل لتخفيفه أو تقليل حدته، بل تصب المزيد من الزيت عليه من خلال سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع أكثر باتجاه انشغال الناس بأمورهم الحياتية وصرف أنظارهم عن محاسبة السلطة وذويها، وذلك بما يشبه حال (الاستلاب العقلي) لتوطيد احتكار السلطة وضمان السيطرة


--------------------------------------------------------------------------------

مفكر وكاتب مصري


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

عاشق من فلسطين
10/04/2005, 13:28
لا تكمن مشكلة الاستبداد في كونه يقف حجر عثرة في وجه التطور الطبيعي للشعوب والمجتمعات ودفعها نحو الديمقراطية والحياة السياسية السليمة، وإنما أيضا لأنه قد يصل في إحدى درجاته كي يصبح دافعا لوقف الشعور بالانتماء، أو علي الأقل إضعافه. ذلك أن إحساس المرء بأنه مجرد رقم وسط جموع شعب كبير لا يعرف إلي أين يسير وما هي إمكانات وفرص نهوضه، يدفعه مضطراً نحو الإحساس بعدم الأمان الذي يعد عاملاً مهماً في تجذير الشعور بالهوية والانتماء.

كلام حلو كتير .. يعني فعلا" الاستبداد يجعل المواطن يكره انتمائه .. ويميل الى الغربة .. لأنه مقتنع ويحس بأنه غريب في بلده كما سيكون غريبا" في أي بلد آخر ولكن الفرق أنه في البلد الآخر سيحس بالأمان والحرية التي يفتقدها في بلده .. وسيعيش براحة أكبر ماديا" أيضا" ..


وضعف الانتماء الذي نقصده لا علاقة له بحب الوطن من عدمه،

من أكبر المغالاطات المنتشرة في الشارع السوري اعتبار أن حب الوطن حكر على الذين هم في داخله وعلى أرضه .. مع العلم أن هنالك أناس مغتربين يحققون لوطنهم ولهويتهم ما لا يستطيعون تحقيقه في بلدهم ، ويحبون لدهم أكثر من كثيرين موجودين داخل البلد . وقد يسأل البعض لماذا اذا" تركوا بلادهم واغتربوا .. فأقول برأيي المتواضع أنه هناك بعض الناس يستطيعون رسم صورة رائعة للوطن في الخارج .. ويستطيعون تبييض صورته السوداء في نظر بعض الدول ( تلك الصورة السوداء التي رسمها الاعلام وممارسات الحكومة وأتباعها) بل ويحققون نقاط ايجابية في رصيد الوطن من الناحية السياسية .. وبالمقابل فقد ترى الكثير من أبناء الوطن الموجودين على أرضه يعيثون فيه فسادا" وطعنا" وتخريبا" .. يعني في كلا الحالتين هنالك السيء والمتجرد من حبه لوطنه .. وهنالك الوطني المتمسك بتراب أرضه وحبه لها .. وأنا بالنسبة لي أعتبر أن بقائي في الوطن يفيدني ويفيده أكثر .. يعني أنا أملك قناعة وأسير عليها بأني اذا أردت أن أحقق شيء لنفسي أو للوطن .. فأني أريد ذلك في وطني .. لأن أحساسي بالانجاز الذي سأحققه عندما أكون في وطني سيكون أروع من أن أكون خارجه ... ولكن قناعتي هذه أحتفظ فيها لنفسي ولا أسقطها على المغتربين .. يعني أنا لا أعتبر أن كل مغترب خائن ومتجرد من حب وطنه .. فوجه نظر مواطن في وطن لا يمكن تعميمها على جميع المواطنين واعتبارها المقياس في الوطنية .. وأنا أريد طرح مثال رائع عن أحد المغتربي السوريين الذين أعرفهم والذي يمثل كتلة من المحبة والغيرة والانتماء والارتباط بأرض وطنه .. ويعمل جاهدا" في الخارج على عكس صورة رائعة عن سوريا .. وفي الداخل على التقرب من أبناء بلده والنقاش معهم ومحاولة كشف النقاب عن الحقيقة .. وهذا الشخص هو أبو مارل الغالي شريكي ورفيقي الغالي .. الذي يملك من الوطنية أكثر من الكثيرين الذين لا يزالون ضمن البلد ... رغم اغترابه .. وحيازته على الجنسية الاسبانية .. واستطاعته ممارسة حياته في اسبانيا بحرية ورفاهية ..

أحلى أبو مارل .. :wink: :wink:


ويبدأ غرس البذور الأولي لضعف الانتماء في الحال العربية عند دخول الطفل لمراحل التعليم الأساسية وتلقينه مبادئ الفكر الاستبدادي عبر منظومة قيمية تشجع على الاستماع أكثر من النقاش، وتزرع الخوف بديلاً عن الثقة بالنفس، وتعضد السلبية بدلاً من المشاركة، وتكتمل الصورة بخروج الشاب إلى سوق العمل ليصطدم بواقع مرير أبرز سماته التطاحن على أنصاف الفرص.

هذا عدا عن الصدمة التي يتلاقاها في وطنيته التي ربوه عليها في كتب القومية ... فيكون طوال عشرة سنوات من الطفولة وبناء الشخصية يأخذ جرعات من الوحدة والحرية والاشتراكية والعروبة وقلاع الصمود والتحدي الخ الخ .. وحين يشب ويبدأ بالانخراط بالحياة الحقيقية يستيقظ على حقيقة دامية بأنه كان يعيش في حلم زائف .. وهنا كم ستكون حجم الصدمة .. وكم سيكون حجم الجانب الذي سينهار من شخصيته .. عندما يصعق بأن وطنه الذي رسم له صورة النسر الجارح .. ليس الا عصفورا" صغيرا" في سماء سوداء .. تتربص فيه نسور الداخل والخارج ... :D :D


وإنما علي الأقل بغية التغيير وتعويض حالة الجفاف التي يعاني منها الفرد في مجتمعه.

على مبدأ اذا لم أربح شيئا" فليس لدي شيء أخسره .. ما أصعب أن تحس بشعور الهزيمة ..وبأن أي سيء يأتي هو جيد .. وبأنك عيارة عن تكملة عدد .. :cry: :cry:



حين تأكد للبعض أن الوطن انتقل من وصاية المحتل إلى وصاية الأهل ممثلة في الحكم الأبوي الذي تعامل مع الفرد باعتباره قاصراً عن إدراك مصالحه، وتلكأ بتقديم أولويات بناء الدولة على حساب بناء الفرد وتنميته الذاتية. وهي حجج لم تقنع البعض ودفعته للبحث عن آفاق أرحب من أفقه الداخلي. دليل ذلك أن معظم من هاجروا لم يعودوا لبلادهم وفضلوا البقاء في أوطانهم الجديدة، ربما لم تنقطع صلتهم بوطنهم الأصلي، ولم تختف غريزة العودة إليه، ولكنها كانت تفتر وتقل كلما ازدادت الأوضاع سوءاً وارتفعت معدلات الطرد النفسي وما أكثرها الآن.


الوطن انتقل من محتل خارجي الى محتل داخلي .. وما أصعب أن يحتلك ويسرقك ويمص دمك ابن بلدك ..يعني شيء مزري .. صدق الماغوط حينما قال : نحن اللاجئون حتى في سفاراتنا .. :cry: :cry:
يعني معظم المغتربين جردوا انفسهم ( رغم صعوبة ذلك وقسوته) من انتمائهم وغريزتهم المحبة للوطن .. والفضل بذلك يعود الى قياداتنا الحكيمة .. التي كل همها الكرسي والسلطة وهم ليسوا مستعدين عن التخلي عن السلطة والكرسي ولو هجروا كل من في هذه البلد ولم يتبقى أحد يحكمونه .. :evil:


وتسود مشاعر الأنانية والفردية، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى حد التناطح الأُسري. وهنا ينكشف دور الدولة في تأصيل الصراع، فهي لا تتدخل لتخفيفه أو تقليل حدته، بل تصب المزيد من الزيت عليه من خلال سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع أكثر باتجاه انشغال الناس بأمورهم الحياتية وصرف أنظارهم عن محاسبة السلطة وذويها، وذلك بما يشبه حال (الاستلاب العقلي) لتوطيد احتكار السلطة وضمان السيطرة

ليس هذا فحسب بل تعدا الأمر الى التناطح الشخصي .. والانفصامات المقصودة والمدركة من قبل الأشخاص الذين يعيشونها ..
يعني تسلط الأهل على أولادهم وتسلط الأولاد الكبار على اهوتهم الصغار ةتسلطة الشخص على أبداعه وانسانه ومحاولته الدائمة لقتله .. لأنه اذا عاش بشخصية الانسان الذي فيداخله فسوف يتألم كثيرا" ويتعذب في مجتمع الغاب .. فيسعى جاهدا" لقتله ...

مشكور أبو مارل على المقال الرائع .. عجبني كتير وأثار نقط رائعة ..

لا تواخذونا ...

:D :D