-
دخول

عرض كامل الموضوع : هكـــذا تريد الولايـــات المتحـــدة الشـــرق الأوســط الكـبير.


dot
22/07/2006, 18:38
بقلم: الياس حنا.
من مشروع الشرق الاوسط الجديد مع شمعون بيريز، الى مشروع الشرق الاوسط الكبير مع الرئيس جورج بوش، تبقى الساحة الاسلامية عموماً، والساحة العربية خصوصاً هي الاساس، وهي المقصودة بالتغيير المطلوب. هكذا تبدو الساحة العربية ساحة الاختبار وساحة الصراع الجديد. لا بل هي تشكّل، وحُدّدت من الولايات المتحدة كأنها العدو البديل عن الاتحاد السوفياتي. والا فما معنى نقل استراتيجيا الاحتواء الاميركية من الدب الروسي، الى مزيد من الاحتواء للعالم العربي والاسلامي؟ ويكفي هنا ان نرصد الوجود الاميركي العسكري في المنطقة، ونراجع الخطاب الاميركي والحروب التي خِيضت حتى الآن، لنعرف عمق التورّط الاميركي في المنطقة. او بشكل آخر، لنعرف ونعي أهمية المنطقة للاستراتيجيا الاميركية الكبرى، وخصوصاً بعد سقوط الدب الروسي، ووقوع حوادث 11 ايلول .2001


لكن الفرق بين مشروع بيريز وجورج بوش، يتمثل في التوقيت، وفي اختلاف الظروف الدولية والاقليمية جذرياً. ويتمثل خصوصاً في وضع العرب الذي وصل الى أسفل الدرك. مع بيريز، استند المشروع الى دمج اسرائيل Integration في المنطقة عبر توزيع المهمات بين الدول العربية واسرائيل. اما مع بوش، فإن مشروع الشرق الاوسط الكبير، يرتكز على أن يكون العرب هم المنقذون، وهم وسيلة الاختبار، وهم ليسوا شركاء، الا اذا نفّذوا لائحة المطلوبات منهم وهي كبيرة جداً جداً. كما يتناول المشروع الجديد التغيير الجذري لدى العرب في عقولهم كما في قلوبهم.
يعتقد العرب ويشعرون ان تسمية منطقتهم بالشرق الاوسط، هي اصلاً تسمية تنبع من تعصّب عرقي Ethnocentric. فأوروبا بالتحديد في ذلك الوقت، كانت تشكّل قلب العالم ومركزه. وانطلاقاً منها، اي اوروبا، بدأت التسميات. فأتى الشرق الاوسط (1) الادنى وبالتالي الشرق الاقصى. وهم ايضاً الآن، اي العرب، يشعرون انهم ثانية يشكّلون موضوع المناقشة، واطلاق التسميات. فحالياً هم ضمن المنطقة المزمع العمل فيها، ألا وهي الشرق الاوسط الكبير. فماذا عن الشرق الاوسط الكبير؟
لا يمكن النظر والتحليل في المشروع الاميركي الجديد، الا عبر البحث والتمعّن، ومعرفة الاستراتيجيا الاميركية الكبرى Grand Strategy في النظام العالمي الجديد. وفي هذا الاطار يقول المؤرخ الانكليزي بول كينيدي، ان الاستراتيجيات الكبرى يجب ان ترتكز على استراتيجيا للسلم، وعلى استراتيجيا للحرب. اي بمعنى آخر، تقوم استراتيجيا الحرب التي تتبعها الدول الكبرى في الصراعات الدموية، على ما كانت قد اعدّته هذه الدول الكبرى - العظمى، من استراتيجيات أبّان وقت السلم (اي الاستراتيجيا الكبرى ايام السلم). فالسلم عادة، او غياب الحرب كما يفضّل تسميتها الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، يكون لفترات اطول بكثير من فترات الحرب. لكن واذا وقعت الحرب، فإنه على الدول العظمى ان تستعمل ما كانت قد اعدته ايام السلم. خاضت اميركا الحرب الباردة. خرجت منها تقريباً منتصرة. مُنيت بكارثة 11 ايلول، فقط لانها ارادت استعمال استراتيجيا مرّ عليها الزمن بعد سقوط الدب الروسي. أي بمعنى آخر، لم تنفع الاستراتيجيا الكبرى الاميركية التي اعدّتها ايام السلم للقتال في اوروبا وضد السوفيات، لقتال العدو الجديد عندما تطلّب الامر ذلك. وذلك لأن الوضع تغيّر، وتغيّر العدو، وتبدّلت موازين القوى، واصبح الارهاب تحت الغطاء الديني يشكّل العدو الاول والوحيد وبامتياز، وذلك بحسب ما عبّر عنه المفكّر والخبير في شؤون الارهاب ولتر لاكور في كتابه الجديد "لا نهاية للحرب" (2).
بعد 11 ايلول وبدء الحرب الاميركية على الارهاب، يمكننا القول ان اميركا تريد رسم صورة جديدة للعالم تناسبها. وقد ظهر هذا جلياً في استراتيجيا الامن القومي الاميركية NSS(3). وانطلاقاً من الاستراتيجيا الاميركية الكبرى والتي ظهرت في استراتيجيا الامن القومي، يمكننا القول ان اميركا هي في صدد بناء استراتيجيا كبرى ابان السلم النسبي (كما ذكرنا آنفاً) حالياً تعمد من خلالها الى تثبيت هيمنتها على العالم، وخصوصاً ان كل الظروف الدولية وفي الابعاد كلها، تناسبها بشكل لم يسبق له مثيل. على ان تشكّل هذه الاستراتيجيا ابان السلم العمود الفقري لأي حرب مستقبلية قد تقع. من هنا نلاحظ التغييرات الجذرية الاميركية على صعيد القوات المسلحة، من تسليح، تنظيم وطريقة قتال جديدة، وثورة في الشؤون العسكرية التي تخوضها اميركا في ظل عجز الدول الكبرى الاخرى عن مجاراتها في هذا المجال. انطلاقاً من هذه الصورة الكبرى، وهذه المقاربة، علينا ان نفهم، او ان نضع ونعي المشروع الاميركي للشرق الاوسط الكبير. فهو جزء من كل. لكن اهميته، او قلقنا منه، ينبع من انه يتناولنا مباشرة كما ذكرنا سابقاً.
ركائز الاستراتيجيا الاميركية
ترتكز الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على الامور الآتية:
- منع وقوع اي حادثة مماثلة لـ11 ايلول على الارض الاميركية.
- لذلك وجب ضرب الارهاب اينما كان، ومنعه من حيازة اسلحة الدمار الشامل.
- منع قيام أي منافس لها على صعيد الدول الكبرى، او قيام اي تكتلات قد تهدّد هيمنتها في المستقبل.
واخيراً وليس آخراً، نشر القيم التي ترتكز عليها الديموقراطية الاميركية حتى ولو بحدّ السيف.
في اختصار تريد اميركا تأمين السلام العالمي عبر الامبراطورية المهيمنة Peace through hegemony.
وتنفيذاً لذلك، بدأت اميركا، او هي قيد إجراء تعديلات جذرية على اوضاعها السابقة وفي الابعاد كلها: العسكرية، الاقتصادية والسياسية. وفي دراسة، او تقرير رفعه البنتاغون الى الكونغرس يحدّد فيه كيفية مقاربته لتنفيذ الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على المسارح العالمية لتحقيق الاهداف الاميركية، اقترح ما يأتي:
- العمل على ترتيب الاوضاع الاقليمية في كل مسرح مهم. على كل، كانت اميركا قد قسمت العالم مناطق عسكرية مهمة على رأسها جنرال برتبة اربع نجوم.
- في كل منطقة اقترح البنتاغون في تقريره ان تسيطر اميركا على المسرح من خلال اتباع مفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة في هذا المسرح.
- أن يكون لاميركا وجود عسكري عصري يمكنه حسم اي معركة او ازمة قد تنشأ، وذلك من دون انتظار مجيء قوات جديدة من مسارح اخرى.
- من هنا نلاحظ قرارات وزير الدفاع رونالد رامسفيلد لاعادة تحديث القوات الاميركية، واعادة انتشارها على قواعد جديدة تعالج الاخطار المستجدة.
- وتبدو المؤشرات التي تثبت هذا السلوك جلية على المسرح الآسيوي مع كل من كوريا الجنوبية، اليابان واوستراليا والتي تشكّل المثلث الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد 11 ايلول، وبدء صعود الصين، بالاضافة الى معضلة كوريا الشمالية. يُضاف الى هذا طلب مُهم تقدمت به الهند تطلب فيه من الولايات المتحدة ان تضعها كدولة ضمن مسؤولية القيادة الوسطى، بدل ان تكون في نطاق قيادة الباسفيك Pacific Command. واذا تحقق هذا الامر، فإن الهند ستصبح لاعباً اساسياً على الساحة الاسلامية عموماً والعربية خصوصا. وقد يُفسّر هذا الطلب ما وصلت اليه العلاقة الهندية - الاسرائيلية، في مجال التبادل والتعاون العسكريين.

dot
22/07/2006, 18:39
اذاً وانطلاقاً من هذه الاستراتيجيا الكبرى (لأيام السلم النسبي)، يدخل موضوع الشرق الاوسط الكبير من الباب الواسع. وهو، اي الشرق الاوسط الكبير، يُعتبر المسرح الاساسي الاقليمي حيث يتركز الجهد الرئيسي للولايات المتحدة في هذا الوقت، وخصوصاً بعد 11 ايلول. لذا على الدارسين، المفكرين، وخصوصاً السياسيين الانطلاق من هذه الارضية لفهم طرح المشروع الاميركي للمنطقة. لكن يبدو ان طرح الموضوع للشرق الاوسط الكبير، ينقسم في روحيته استراتيجيتين فرعيتين هما:
- استراتيجيا كبرى ملحّة على الولايات المتحدة Imminent تتعلق مباشرة بما حصل في 11 ايلول، وفي طريقة الرد على هذا الاعتداء، وفي الحرب على الارهاب العالمي، وفي تحول ساحة الشرق الاوسط ساحة بديلة للاتحاد السوفياتي، وفي تحولها النقطة الرئيسية للاصطدام Clash ، بين قوى الخير وقوى الشر حسب تعبير الرئيس بوش. في هذه الاستراتيجيا تعمد اميركا الى ترتيب وضع الشرق الاوسط القديم - الجديد، لتكون هي المقرّر الاساسي وفي ابعاد عدة.
- استراتيجيا قريبة - بعيدة المدى (لعقدين من الزمن)، تهدف وخلال العمل على الشرق الاوسط الكبير الى تحقيق اهداف استراتيجية بعيدة المدى، مهمة وحيوية لاستمرار هيمنة الولايات المتحدة على العالم ككل. وهذا بالفعل ما ورد في استراتيجيا الامن القومي الاميركية NSS. واذا راجعنا كيفية خوض الحرب الاميركية على الارهاب، وراجعنا كيفية انتشار القوات الاميركية بعد 11 ايلول وراجعنا كيفية انشاء، او الغاء بعض القواعد العسكرية الاميركية، فانه يمكننا استنتاج ما يأتي:
- وجود القوات الاميركية والقواعد العسكرية على حدود القوتين العظميين، اي روسيا والصين.
- تحاول اميركا بهذا الانتشار العمل على السيطرة على الممرات وطرق المواصلات البحرية. هذا عدا السيطرة على الجو والفضاء.
- تضاف الى هذا الانتشار، عملية توسيع الناتو ليدخل اكثر في العمق الروسي بشكل يطوق اكثر روسيا، وفي الوقت نفسه يحتوي القوتين الاوروبيتين المشاكستين، فرنسا والمانيا.
- وفي الوقت عينه يجب الا نهمل بعد الطاقة والمتمثلة بالنفط والغاز. وفي هذا الاطار، يبدو ان روسيا هي في طور ان تصبح الدولة الاولى في انتاج النفط. كذلك الامر، يبدو ان الصين واذا ارادت الاستمرار في النمو، فهي بحاجة الى مزيد من الطاقة، وهي العملة النادرة لديها.
فعلى سبيل المثال: تحتل الصين المركز الثاني العالمي في كمية استهلاك الطاقة (5.5 ملايين برميل عام 2003/في اليوم). ولكي تكفي حاجاتها استوردت الصين حوالى 773 مليون برميل في العام .2003 وحسب وزارة الطاقة الاميركية، سوف يرتفع استهلاك الصين في العام 2025 الى 10.9 ملايين برميل في اليوم، ومن هذه الكمية سوف تستورد الصين حوالى 7.5 ملايين برميل في اليوم. فمن اين ستأتي هذه الكميات الضخمة للمستقبل؟ لذلك تبدو المعركة الحالية والصامتة بين الجبارين كأنها تحاول رسم صورة المستقبل. وعلى سبيل المثال ايضا، تحاول الصين حاليا تأمين مصادر الطاقة عبر الضخّ البري، بواسطة انابيب النفط، وذلك عبر اتفاقات متفرقة مع دول آسيا الوسطى، وخصوصاً كازاخستان. فهي، اي الصين لا تستطيع السيطرة على الممرات البحرية في ظل عدم توافر بحرية حديثة. وهي لا تستطيع تحديث قواتها لأن الامر مكلف جدا. وردا على هذا الامر، تعمد الولايات المتحدة الى رشوة كازاخستان عبر مساعدات عسكرية وغيرها، لعدم اعطاء الصين هذا الاتفاق.
- اذاً انتشار عسكري ضمن الشرق الاوسط الكبير سوف يؤمّن الستاتيكو المفيد للامبراطورية المهيمنة. وفي الوقت نفسه، سوف يؤمن هذا الامر على المدى البعيد السيطرة على نفط الخليج، وعلى نفط بحر قزوين. وفي الوقت نفسه، احتواء كل من روسيا والصين. وايضا التحكّم في انتاج النفط، وتسعيره في وقت لاحق، اي عندما تصبح روسيا متقدمة على صعيد الانتاج.
بين الماكرو والميكرو
وفق هذه الصورة الكبرى، يمكننا فهم مشروع الشرق الاوسط الكبير، فماذا عنه؟
- في ظل مفهوم العولمة، وامكان القوة العظمى (الولايات المتحدة) التدخل اينما تريد، من دون استئذان احد. يمكننا ان نستنتج ان الفارق بين البُعدين، الاستراتيجي والتكتي هو الى انحسار، وحتى الى زوال. هذا على الاقل في الوعي الاميركي، نظرا الى ما تملك من امكانات. وقد ظهر هذا الامر جليا، عندما مانعت تركيا في استعمال اراضيها من القوات الاميركية، كما استطاعت اميركا نقل قواتها الى المسرح الكويتي، وذلك من دون تعديل مهم، او تأخير في تنفيذ المهمة الرئيسية. ولأن اميركا ومصالحها تغطي كل الكرة الارضية، فان الابعاد التي ذكرناها (استراتيجي + عملاني + تكتي) هي تقريباً غير موجودة. فاميركا تتدخل رغم عظمتها لضرب مجموعة من الارهابيين في جزيرة معزولة في الفيليبين. ذلك الامر يدرس البنتاغون خطر ارتفاع حرارة الارض Global Warming على الامن القومي للولايات المتحدة الاميركية، وكيف سيغيّر هدا الحدث الخرائط الجيو - استراتيجيا (صدرت دراسة في هذا الصدد عن البنتاغون).
- بعد 11 ايلول، دخلت اميركا الحرب على الارهاب وخاضت حربين: افغانستان والعراق. وقد اعتبر المحللون، او اطلقوا على هذه المرحلة صفة الماكرو Macro. اي المقاربة الكبرى للمنطقة، والتنفيذ العسكري لتثبيت موطئ القدم على الارض. بالفعل دخلت اميركا الشرق الاوسط القديم، وثبتت وجودها حتى لو لم يكن العالم راضيا عن هذا السلوك.

dot
22/07/2006, 18:40
- وبعد الحروب الكبرى المحدودة في افغانستان، والعراق بدأت اميركا خوض الحروب الصغيرة جدا Micro - Wars. وكانت هذه الحروب قد ذكرت ايضا في استراتيجيا الامن القومي الاميركية NSS. وبغية الانتقال من صورة الماكرو، الى صورة الميكرو، اطلقت اميركا مشروع الشرق الاوسط الكبير. ويبدو ان الاسم كبير، لكن المقصود هو محاولة الدخول الى العقل والوعي العربيين، لتغييرهما من الداخل، اي من الميكرو. ويعتقد الاميركون، ان الحرب تبدأ في عقول الرجال، ولمنع وقوع الحرب، يجب البدء بالعمل من هناك، اي من عقول هؤلاء الرجال. ومقارنة مع ذلك، يجب العمل على العقل العربي، لمنعه من استعمال الارهاب لتحقيق الاهداف السياسية. وإن العمل على العقل العربي لابعاده عن الارهاب، يكون عبر التنمية البشرية والاقتصاد. وبالتالي التعليم وتغيير المناهج الدراسية والتي يعتبر الاميركيون انها مسؤولة عن تسويق الكره للغرب. ويبدو المثال الواضح جدا في هذا الاطار، ما انتجته مدارس الطالبان في افغانستان.
- ان إطلاق هذا المشروع، ليس بجديد. فالعالم العربي، أو الشرق الاوسط الكبير (بإستثناء المغرب العربي تقريبا) يقع ضمن صلاحية قيادة المنطقة الوسطى CentCom، والتي هي بإمرة الجنرال من اصل لبناني، جون ابي زيد.
- وكما قلنا، يتمثل الخوف العربي من هذا المشروع، في انه طرح في هذا الوقت، حيث العرب في الحضيض. كذلك الامر، إن طرح مشروع مماثل سوف يؤدي الى انتاج نظام امني اقليمي جديد. والنظام الامني الاقليمي الجديد، يستلزم اعادة رسم التحالفات، وتصنيف الاعداء - الاعداء، والاصدقاء - الاصدقاء، والدول الما بين - بين. وهنا مكمن الخطر على بعض الانظمة العربية، لان الصديق - الصديق، معروف اصلا، والمتمثل بكل من: اسرائيل وبامتياز، تركيا والهند. اما الدول العربية المؤثرة، فهي في خانة الصديق، والصديق فقط وبخجل، كمصر، السعودية، السودان وغيرها. والدول العربية الاخرى والمصنفة صديقة - صديقة، فهي غير مؤثرة على صعيد التأثير في رسم صورة المنطقة، وفي عملية اتخاذ القرار. اذا الصديق - الصديق لاميركا ليس عربيا. ومن يدري ما قد يحصل فيما لو دخلت ايران المعسكر الاميركي لاحقاً؟ اما الصديق المسلم لاميركا وغير العربي، اي باكستان، فهو في خانة الاتهام لانه باع التكنولوجيا النووية، ومن يدي ما عقابه، او ثمن أخطائه هذه اذا عاند؟ اذاً ستشهد المنطقة العودة الى سياسة المحاور. لكن هذه السياسة خطرة، وغير مسبوقة في المنطقة، لان اميركا تعتبر الان، اللاعب الاساسي والوحيد، وذلك بعكس ما كان سائدا ابان الحرب الباردة، كحلف بغداد مثلا. وفي ظل محاولة اعادة رسم المنظومة الامنية في المنطقة، ورسم التحالفات الجديدة، وفي ظل اعادة تصنيف الاعداء والاصدقاء، وفي ظل ضعف عربي لم يسبق له مثيل وتفرّد اميركي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، فإن كل شيء قد يُطرح حاليا للمنطقة، ومن الولايات المتحدة بالتحديد، هو امر مشكوك في صحة نيّاته الطيبة، ومرفوض حتى من العتاة الذين يعشقون الديموقراطية، ويكرهون انظمتهم. يضاف الى هذا، خوف الانظمة العربية المناوئة للاستراتيجيا الاميركية، من محاولة ضربها مباشرة عبر العسكر الاميركي، او عبر تكليف اي حليف لاميركا، خصوصاً اسرائيل. فكيف يمكن هذه الانظمة، وحسب الوزير اللبناني السابق غسان سلامه في محاضرة القاها في قطر، ان تقبل هذه الدول المناوئة مساعدة المشروع الاميركي وتسويقه عندما يقول لها الاميركيون، انك على لائحة الاهداف المقبلة؟
- اذاً اميركا في المنطقة، تعصر البعض، تحتوي البعض الآخر. وتضرب من يعاندها مباشرة او عبر وسيط ما، (حالة سوريا ومخيم عين الصاحب). وإن إستثمارها، اي اميركا في المنطقة قد وصل الى سعر مرتفع جدا. لذلك ليس من السهل ان تنسحب اميركا، كما فعلت في فيتنام. فالانسحاب من العراق، قد يعني سقوط النسر الاميركي الى غير رجعة. وقد يقول البعض: ماذا لو وصل الديموقراطيون الى الحكم؟ وقد يرد البعض، ان الدول العظمى لا تبدل استراتيجياتها كما تبدل ثيابها. وان الخطاب الانتخابي الرئاسي الاميركي يدور مثلا على كيفية إدارة الحرب، وبالكاد نسمع احد المرشحين يبشر بالانسحاب الاميركي من المنطقة في حال انتخابه. وهذا بالفعل يؤكد ما قلناه آنفا.
التعليم والمرأة
لماذا يرتكز المشروع على التعليم، إدارة الاعمال، والمرأة؟
في كتابه الاخير مع دافيد فروم، يقول ريتشارد بيرل انه يقدم الى الادارة الاميركية وعبر الكتاب، خريطة طريق لضرب الارهاب. ترتكز هذ الخريطة على الاسس الآتية:
.1 حماية الداخل الاميركي، حتى لو تضايق المسلمون الاميركيون.
.2 ضرب الدول التي ترعى الارهاب وتساعده.
.3 واخيرا وليس آخرا، وهذا ما يهمنا هنا، ضرب الارهاب في عقول المسلمين والعرب. وإن ضرب الارهاب في العقول، من المفروض ان يرتكز على التناوب في الاستعمال بين العصا والجزرة. العصا لمن عصا. والجزرة عبر إظهار اهمية التغيير، الازدهار، التعليم والمساهمة في التطور البشري، وحتى التنعم بالديموقراطية والحريات.

dot
22/07/2006, 18:41
اعتمد الاميركيون لاطلاق مشروع الشرق الاوسط على تقرير التنمية البشرية العربية للعام .2002 وقد يعني هذا الامر، ان الولايات المتحدة تدين العرب بقلم العرب ولسانهم. ففي هذا التقرير أرقام مذهلة ومخيفة منها:
- ان مجموع الدخل القومي لكل الدول العربية يساوي الدخل القومي لاسبانيا فقط.
- 40% من العرب البالغين اميون، ثلثا العدد من النساء.
- 25 مليون عاطل عن العمل في العام .2010
- 5،3% من النساء تشغل المقاعد البرلمانية.
-51% من الشبان العرب عبّروا عن رغبتهم في الهجرة.
- تصدر العرب لائحة من يؤيد الديموقراطية كأفضل طريقة للحكم.
-6،1% فقط من السكان يستعملون الانترنت.
- ان ثلث سكان المنطقة يعيشون على اقل من دولارين اميركيين في اليوم.
والمطلوب هو معدّل نمو اقتصادي يقارب الـ6%.
هذا غيض من فيض، والمطلوب حسب التقرير هو العمل على:
- تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح.
- بناء مجتمع معرفي.
- توسيع الفرص الاقتصادية.
- تدريب النساء.
- الانتخابات الحرة.
- مكافحة الفساد وتشجيع الشفافية.
- اعلام حر ومستقل عن الحكومات.
- تشجيع المجتمع المدني واعادة انتاج الطبقات الوسطى، والتي من دونها لا تقوم الديموقراطية.
- تحسين المناهج الدراسية وتعديلها، وتشجيع الابحاث والدراسات وتعديلها، وتخصيص الاموال اللازمة لها... الخ.
بالاضافة الى تقرير التنمية البشرية العربية للعام .2002 صدر ايضا تقرير آخر عن "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم"، كانت الجامعة العربية قد كلّفت المنظمة اعداده. ايضا وايضا، هاجم التقرير الانظمة المتسلطة، معتبرا انها توظف الدين في خدمة السياسة (4) واعتبر التقرير ان هناك تناقضا بين ما يُدرّس، وبين المعيوش. كذلك الامر، اعتبر التقرير انه لا وجود للمجتمع المدني في العالم العربي. اذاً تقرير آخر، مصدره عربي من جهة رسمية هي الجامعة العربية، يدين الوضع المتردي في المجتمعات العربية.
تعتبر الادارة الاميركية انه وفي حال نجاح هذا المشروع، والذي يستند الى المبادىء الديموقراطية، والى الحفاظ على حقوق الانسان، وفي حال تعدلت المناهج الدراسية بحيث لا تنتج اجيالا من الشباب العربي يكره العم سام فان المنطقة مقبلة على مرحلة ازدهار باهرة. وقد يساعد نجاح مشروع الشرق الاوسط الكبير، تنفيذ الاستراتيجيا الاميركية الكبرى. لكن الاكيد ان طلائع نتائج هذا النجاح، في حال التطبيق السليم، تستلزم اكثر من عقد من الزمن كي تعطي ثمارها. لكن الخطر على المشروع الاميركي، في ان الديموقراطية التي تريد نشرها الولايات المتحدة، قد تعمل ضد مصالحها في وقت من الاوقات. وقد حصل هذا فعلا مع تركيا عندما صوّت البرلمان التركي ضد دخول القوات الاميركية الى الاراضي التركية.
الموقف الاوروبي
ما موقف الدول الاوروبية من هذا المشروع؟
من الاكيد ان الدول الاوروبية تريد المشاركة في المشروع. فالغياب عنه، قد يعني غياب اوروبا عن اهم منطقة نفوذ لها، اي العالم العربي. علماً ان اوروبا حاليا ذات تأثير قليل وقليل جدا في المنطقة العربية وخصوصا بعد الحرب على العراق. وقد يقع الخلاف بين اميركا واوروبا، في نوع الدور الذي ستعطيه اميركا للقارة العجوز واهميته.هذا بالنسبة الى اوروبا. اما بالنسبة الى القوى الكبرى الاخرى، فان الدور الياباني في السماوة (العراق) قد يكون اول مؤشر الى توزيع الادوار من اميركا على الحلفاء. هذا عدا عن السماح لليابان بالاستثمار في ايران في حقول النفط، الامر الذي قد يدل ايضا على تحول جذري في العلاقة بين ايران واميركا. وان الاثنين، ينتظران الوقت المناسب لاعلان عودة المياه الى مجاريها. لذلك لا بد من الانتظار قليلا لمعرفة كيفية توزيع الادوار. لكن الاكيد ان اميركا ماضية في مشروعها، سواء قبلت اوروبا او رفضت. وكنا قد عايشنا سابقا هذا الوضع، عندما ذهبت اميركا الى الحرب رغما عن انف مجلس الامن، واوروبا.
هل سيؤدي المشروع في حال تطبيقه الى فقدان المنطقة لقيمها وحضارتها؟
في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" عن مؤشر العولمة للدول نلاحظ الامور الآتية:
- بين 62 دولة، احتلت ايرلندا المركز الاول في العولمة كدولة، سنغافورة المركز الثاني، الولايات المتحدة المركز ،7 بريطانيا الـ،12 فرنسا الـ،15 المانيا الـ.18
- احتلت تونس المركز ،35 السعودية ،41 المغرب 47 ومصر المركز 60 (اربعة دول عربية فقط).
- بينت التقارير ان اكثر الدول عولمة (ايرلندا) هي من اكثر الدول التي تمارس شعائرها الدينية.
- اظهر التقرير ان معدل الوفيات عند الولادة، هو الاقل عند الدول الاكثر عولمة.
- اخيرا وليس آخرا، بيّن التقرير ان للمرأة الدور الاهم في الدول التي تحتل مركز الصدارة في ترتيب العولمة.

dot
22/07/2006, 18:49
... والموقف العربي
كيف سيتصرف العرب تجاه المشروع الاميركي؟
صدرت تصريحات عربية كثيرة استنكرت فرض المشروع من الخارج. كان آخرها تصريح الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي فهد بن عبد العزيز. ويقول البعض، ان القمة العربية التي ستعقد في تونس، قد تعالج الموضوع، وتقترح سلوكا معينا، او موقفا تجاهه. لكن لا بد من سرد بعض الملاحظات عن القمة وما ننتظر منها:
- اصبحت القمم العربية كقمم اصدار التوصيات فقط، اما القرار الفعلي فهو في مكان آخر.
- ان دولا عربية كثيرة قد بدأت اصلا في تنفيذ المشروع الاميركي، على الاقل في بُعد الاصلاحات وفي مجال التعليم والممارسة الديموقراطية (السعودية، قطر، البحرين، الكويت... الخ).
- اذا قرر العرب عبر القمة معارضة المشروع، يبقى الامر في التنفيذ. فنصفها، اي نصف الدول العربية، هي اصلا في المعسكر الاميركي.
وبعضها هو مع صلح ما مع اسرائيل. لذلك علينا عدم توقع قرارات مهمة في هذا المجال من الاجتماع المقبل للجامعة العربية.
***
في الختام، عندما اتى الغرب كمستعمر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط السلطنة العثمانية، فرض على المنطقة نظاما سياسيا جديدا عُرف بالدولة - الامة Nation-State، وهو مفهوم كان ولا يزال تقريبا غريبا عن تاريخنا في المنطقة، وعن تاريخ وعينا وفكرنا السياسي. لم يكن العالم العربي مُعداً عندها لتقبّل هذا الفرض. هذا في الوقت الذي كان الغرب فيه قد عايش هذا النظام واختبره لاكثر من 500 عام. بعد 50 عاماً من التطبيق العربي لهذا المفهوم، تردّى الوضع العربي اكثر فأكثر وبتنا في قعر اللوائح التي تصنّف دول العالم بين متقدمة ومتأخرة. بعد 11 ايلول، يأتي الغرب نفسه - لكن مع الولايات المتحدة الآن - ليفرض نظاما جديدا، هو الشرق الاوسط الكبير من ضمن مفهوم العولمة، والعرب ايضا غير معدين له.
ونسأل هنا: هل نسير بالمشروع، او نعانده ونقاومه؟ واذا قررنا الممانعة، فكيف وبمن؟ ففي المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، قاومنا مفهوم الدولة - الامة، لاننا اردنا الوحدة، لكننا عدنا وسرنا به مرغمين. وبعد ان سرنا به مرغمين، رحنا نتشبث به، ونقاتل بعضنا البعض للحفاظ على الحدود الفاصلة بين الامة العربية. واصبحت الدولة - الامة، مطلبنا بامتياز، بعدما كانت مرفوضة. فماذا يحمل لنا المستقبل تجاه المشروع الجديد؟ فعلى الاقل يمكن الدول العربية، مجتمعة او فرادة، ان تضرب اميركا ضربة استباقية Pre-emptive، فتعمد الى تغيير سلوكها الشاذ والذي قتل الروح والابداع العربيين، وتقود هي مشروع التنمية في العالم العربي. فهل هذا ممكن؟ بالطبع، فالقرار سياسي بامتياز، والمطلوب قيادات تاريخية، فأين هي؟ اللهم نجِّ الشعب العربي.
* كاتب وباحث استراتيجي، استاذ محاضر في جامعة سيدة اللويزة، وعميد ركن متقاعد.
1- هذا مع التذكير ان المفكر الاميركي الاستراتيجي البحري الفرد ماهان هو اول من اطلق تسمية الشرق الاوسط
2 - W. Laqueur, No End to War, Continuum, NY, 2003, PP-22
3 - National Security Strategy (NSS)
4 - جريدة صدى البلد، تاريخ 23/2/2004
5 - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// March / April 2004