-
دخول

عرض كامل الموضوع : الشاعر : نجيب سرور


HashtNasht
21/07/2006, 06:17
القصيدة الأشهر عن فرج الله الحلو , كانت للراحل نجيب سرور وقد تكون هنالك قصائد أخرى طواها النسيان

تأتي الذكرى الخامسة و الأربعون للشهيد الحلو , في عصر يدّعي الحداثة في حين أنه يعدّ بحق عصر الفضائح الخرافية عن المجازر الجماعيّة, وجرائم التعذيب, و الاعتقال التعسفي , ولم يكد يبدأ القرن الذي يقال له الواحد و العشرون , حتى فاجأنا الفاتح الأمريكي بخرافة ( أبو غريب) , التي ربما نعللها , بفلسفة المكان, حيث يأبى (أبو غريب) أن يخرج مهزوما , فانتصر على فاتحيه بأن تقمصهم, و بما أنّهم متقدمون تقنيا, فقد ابتكروا من وسائل التعذيب , ما يندى لها جبين سجانيه الوطنيين الغيارى على حياة الحاكم ما دام ثاويا في الحكم , فإذا دارت عليه الدوائر, سلموه إلى حتفه كخروف العيد .



( القـرن ُ يُــقال ُ العشــرونْ
والعـام التاسـع ُ والخمسـونْ
وحدي أنتظــرُ الغستابــو
وحدي .. وحدي ؟!
ومئات ٌ من حــولي
ومئات ٌ من قبــلي
ومئات من بعــدي
وألوف ُ ألوف ُ العمـــَّال ْ
في الخارج لا بل في قلبـي
ورفـاقي كل ُّ الشرفاء ْ
في وطني يحضنهم ْ شعبـي
أأنا وحدي ؟ )



القرن يقال العشرون, أي مرارة وسخرية ينطوي عليه باطن هذه الكلمات ؟ وماذا أيضا ؟ العام التاسع و الخمسون أي أن العصر قد انتصف, هل انتقلت المجتمعات صعودا إلى أنوار الحضارة وقد بددت خلفها دياجير الظلام ؟

من هذه الأرض انطلقت إشعاعات هامة ترصّع هام التاريخ :

قبل ميلاد المسيح بألفي عام, قررت شريعة حمورابي فردية العقوبة , بدلا من العقوبات الاعتباطية و الجماعية , فلا عقوبة إلاّ بنص , ولا تسري العقوبة إلاّ بحق الفاعلين, وكان في العصر الذي أسموه الجاهلي , أشهر حرم , حيث يتوقّف سفك الدماء و تترك فرصة للتوالد والتكاثر, في حين لا نرى الآن حرمة حتّى لرمضان في بلاد الحرم , ثم جاء الإسلام ليضع الحدود والتعزيرات , حيث لم تكن هنالك حدود لدى الأمم المجاورة جغرافيا أو زمنيا , وهي حدود دنيا على الإنسان أن يتابع تطويرها و إثرائها لا تقديسها و تيبيسها كما يفعل فقهاء التخلف

إن نجيب سرور يدين القرن العشرين , انطلاقا من سيرة فرج الله المروعة, حيث كانت ولم تزل تمارس فوضى الحكم بدلا من حكم القوانين , وحيث العقوبة مشخصنة , يقررها من يمارس العقاب مستندا إلى معلوماته الشخصيّة عن الضحيّة وهي ضحلة في العادة , و إلى مزاجه النفسي وهو غالبا ما بكون ساديّا صفراويّا , و إلى ثقافته الحقوقية و السياسيّة الضحلة مع صلاحيات غير محدودة تصل إلى حد تصفية السجين ووضع نهاية لحياته فهو الذي يحيي ويميت , أليس هو الملاك الحارس للحكم؟ فعليه ألاّ يغفل , و إلاّ فتك الناس بالحكم .

وعندما نتحدّث عن القوانين لا نعني بها تلك التي يفصّلها المستبدون على مقاسهم ثم لا يلبثون أن يمطّوها أو يقصّروها وفق أمزجتهم .



( كنت أسير ْ
وســْط َ دمشـق ْ
والساعة ُ منتصف ُ الليـل ْ
والبرد رصاص ٌ مسمـوم ْ
والـريح تنـوح كما بوم ْ
والشارع خـال ٍ من نسمة ْ
ودمشق ُ
تلفـِّحــُها الظــلمة ْ
والليل ضرير ْ
لم تبسم ْ حتى نـَجمة ْ
ويجيءُ نـُباح ُ الغستابــو:
" يحيــا القائـد ْ
هايـل الرائـد ْ "
أذكرُ أذكــر ْ
يذكر ُمثـلي فوتشيـك ْ
يذكر تيلمــان ْ
" يحيـا الفوهرر ْ
هايــل هتلر ْ "
أذكر ُ أذكــر ْ
" يحيا الحسنــي
والحنـــَّاوي
والشيشكــلي "
أضحك ُ ... أضحك ْ
يضحك ُ كـل ُّ العالـم ْ
تضحك ُ كـل ُّ دمشق ْ
يضحك ُ كـلُّ الشرق ْ
أيـن الفوهرر ْ ؟
صـِرت ُ أفكـِّر ْ:
أكبادي .. زوجي .. بيروت ْ
وأبـــو زعبـل ْ
أكبادي في كل العالم ْ
يابيروت ُ
من مات َ ومن سوف يموت ُ
أو يحيا من أجل الشـَّعب ِ)



يقدّم سرور تقريرا سياسيا يمزج فيه صورا مختلفة متنافرة يجتمع فيها الطغاة و المطبلين الوقتيين لهم و ضحاياهم الشهداء و الأحياء في شريط سينامائي يمر في خيال فرج الله قبل موته بلحظات كما ستمر أسماء من رحلوا قبله فيتماهى فيهم وهم من بلاد مختلفة أو من بلد واحد هو العالم


( سألوني من زمن ٍ مااسـْمـُك ْ
تيلمـانْ
أو شــهدي
أو فوتشيـك
أو قولوا الحلــو
ماشئتـم قولـوا أيَّ اسْـــم ِ
عســَّافٌ إسمـي عسـَّـاف ْ ..)



ثم يقدم تقريرا عن مسيرته إلى الموت , ويذكر وسائل التعذيب المختلفة, التي يمارسها الجلاد باسم مبادئ عليا , يبررها خطاب النصر الظفراوي الذي انفضحت هشاشته أمام الهزائم تترى في كلّ شيء وكأنّ أيدي الحكام هي يد ( ميداس) تحول كل ّشيء تلمسه إلى تخلّف.



( جـُنَّ الغستابو وانفجرت ْ
في وجهي آبـارُ الــَّدمِّْ
فبصقت ُ دما ً ملءَ الفـمِّ
فـي وجه الغستابو الجَهم ِ
وأنا أضحك

ركـْـلـه ْ...!
زعقوا ... مااسـْمـُك ْ ؟
إنســـان ٌ
أيُّ إنســانْ ..
إبــن ُ العمـَّال ْ
من رأسي حتى قدمـي ْ
من أغور أغـوار القـلب ِ
جندي ٌّ في جيش الشـعب ِ
قربان ٌ من أجل الحـزب ِ
في مصرَ أنا في سوريا
في لبنــان ْ
في العالم في كل مكــان ْ
أنا وطني كـل ُّ القـارَّات ْ
أمشي في زحف العمـَّال ْ
عســَّافٌ إسمـي عسـَّـاف)





( ضربـوا .. ضربـوا ..
آه ٍ .. لكأني أركب ُ أرجوحة ْ
تعلو تهبط ْ..... تعلو تهبط ْ
غابت ْ عنـِّي الرؤيـا
أسقط ْ ... أسقط ْوأعـاد الغستابو الكــَّرة ْ
لا أدري في هذي المـرَّة ْ
من أيــن الآبارُ الثـَّرَّة ْ
في جسمي ْ كانت ْ تتدفـَّق ْ
حاولت ُ كثيرا ً أن أبصـُق ْ
جاهدت ُ
ولكن لم أبصـُق ْ
وتـدور الأرض ُ
والسقف ُ الصخري ُّ يدور ْ
وتدور الجـدران ُ تدور ْ
ويلفُّ الأشياءَ ضبــاب ُ
وتغيب وجوه ُ الغستـابو
و أغيب أنا ....)





( يُــقال ُ العشــرونْ
والعـام ُ يُــقال ُ الستــُّونْ
وأنا في الجب ْ
عيناي َ على البـاب المغـْلق ْ
أذنـاي َ على الصَّمْت الأخرس ْ
من باب ِ فـُضول ْ
ماذا في وسع الغستابو ؟
خلـع ُ أظافر ْ ؟
خلعـوها من أول ِّ يــوم ِ
خرجت ْ باللحـم ِ وبالـدَّم ِّ
لن تنبت َ لي بعـد ُ أظافـر ْ
ماذا في وسع الغستابو
فوق التعذيب ِ الوحشـي ّْْ
فوق الكـي ّْ
أو صب ِّ الماءِ المغلي ّْ
فـوق َ البارد ِ
والبارد ِ فـوق َ المغلي ّْ
أسناني ....!
هل بقيت سـن ٌ في فكي؟ !
عقب ُ السيجارة في اللحم ِ ؟
حرقوا لحمي
هل يـُغرس ُ عقب ٌ في العظم ِ ؟
قطـع ُ لسـاني ؟
هم أحـوج ُ مني للساني
ماذا في وسع الغستابـو
لمناضل َ غير الموت ْ
الموت ُ لعيـن ٌ ورهيب ْ
لكن ..)


( قلبي يتخطى الأسوار ْ
ويغافـِل ُ كل َّ الحرَّاس ْ
ليعانـق َ أعضاء َ اللجنـة ْ
ويقبـِّل َ أنصار َ الجبهـة ْ
لا تخشـَوا لن أتكلـَّم ْ
لا لن أتكلـم ْ
لنجـَرِّب ْ فيه المنفـاخ ْ
حـِيـَل ُ الغستابـو الملعونة ْ
أأنا أُنفـخ ُ كالبــالونة ْ ؟
أأنا أُنفـخ ُ كالبالونة)

قيل أن فرج الله ابتسم قبل أن يلفظ آخر أنفاسه, ذاك أن المشروع الوطني و الإنساني الذي حمله, كان تفاؤليا و مليء بالوعود وهذا سر سعادة توفرت لديه, بينما افتقدناها نحن في زمن النكوص.

( صمتا ً يا غستابـو
الشعب ُ هو الثورة ْ
الشعب ُ هو الثورة ْ
لكن ما كلمات ُ الغـِنوة
أنا لا أذكر ْ
أسمع ُ صوتا ً وزعيقا ً في الظـُّلمة ْ
حارس ْ ، هايل هتلر ْ، هايل هتلر ْ
أسمع ُ صوت َ المزلاج ْ
تيمورلنـك ْ
يا زكريـَّا
يا سـرَّاج ْ
أهلا ً أهلا ً
ماذا في وسع الغستابـو
لمناضل َ غير الموت ْ
الآن َ تذكرت ُ الكلمات ْ:
< نحنا ودياب الغابـاتْ ربينـا
بالليل الدَّاجي العتماتْ مشينــا
للغاب ليالينا .. للريــح غنانينا
هيك .. هيك .. نحنا هيك ربينا )


لعلّ التقريريّة في القصيدة , ساهمت في ضعفها فنيا , كما لتأثير القصيدة العامية المصريّة دوره في ذلك , و تعبر سرعة إيقاعها, جريا على منوال القصائد الحديثة حينذاك , عن حجم الانفعالية التي استبطنها الشاعر حين كتابته القصيدة , لكنّها بحق قصيدة تاريخيّة و آنيّة في وقت واحد , لا تلخص مأساة رجل بقدر ما تلخص مأساة العصر الذي نعيش ، كتبها شاعر مأساوي , لحياته قصّة أخرى.




*اسماعيل خليل الحسن


////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

HashtNasht
21/07/2006, 06:37
لزوم ما يلزم | للشاعر : نجيب سرور

( 1 )
قد آن ياكيخوت للقلب الجريح
أن يستريح ،
فاحفر هنا قبراً ونم
وانقش على الصخر الأصم :
" يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان
إن عد فرسان الزمان
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس
كره المنافق والجبان
مقدار ما عشق الحقيقة .
قولوا " لدولسين " الجميلة (1) ..
" أَخْطَابَ (2) " .. قريتى الحبيبة :
" هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..
لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ،
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! " .
( 2 )
- ها أنت تقفز للنهاية ،
- هلا حكيت من البداية .
- ولمن أقول ؟ !
- هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :
- ألها عقول ؟
- ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ،
أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !
( 3 )
يا سيداتى يا أميراتى الحسان ..
أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ،
ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..
... ... ... ... ... ...
من أين أبدأ والظلام ،
يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام !
عرجاء حتى الذاكرة ..
والذكريات !
يا سيداتى معذرة ..
أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ،
وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف !
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،
الصمت حرف لايُخَط ولا يقال ..
الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ !
عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات .
" مم الضحك ؟ ! "
( 4 )
- " الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد ..
كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت - قلت - هو الجحيم !
- " لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !
الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !
ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها ..
الحرف يذبل يا أميراتى الحسان ..
ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان !
حلفتكن بكل غال ،
هل ما تزال ..
فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! "
( 5 )
من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،
وتظل تنزف ، والسنون ..
تمضى كأسراب السحاب ..
فى الصيف .. تبخل بالجواب ! .
من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب !
ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب
ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر !
( 6 )
" حدقن .. أمعن النظر ..
هذا حصانى جائزة ..
تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..
تضحكن ثانية أميراتى الحسان !
بعيونكن ألا فقلن ..
أمن الحصان على الهزال ..
تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! "
( 7 )
- قدم اليهن البطاقة !
- ما من بطاقة .
- قدم اليهن الجواز !
- ما من جواز .
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !
- يا للضياع !
وتظل تنهشك الوحوش ،
هذى العيون الخاليات من الرموش !
لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..
- كل ابن كلب -
" من أنت ؟ " .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب !
وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !
- يا .. كلاب ..
كبدى خذوه ..
يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ،
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!
- لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية
أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !
انا لتعجزنا الحياة ..
فنلومها .. لا عجزنا ،
ونروح نندب حظنا ،
ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !
- هو عصرنا !
- لكننا لسنا به الفرسان ..
نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ،
والأرض بالأبطال ملأى حولنا !
- ملأى .. ولكن باللصوص !
- الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ !
لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : " عظيم أو قمىء " !
- إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !
أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ،
عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ !
أرأيت يوما ضفدعه ..
ما بين فكى أفعوان ؟!
من ها هنا بدء الحكاية
يا قريتى .. يا عالمى ..
يا عالمى .. يا قريتى .. !!
( 8 )
" ياسيداتى يا أميراتى الحسان ..
إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء !
لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،
فى مذود يوما ولدت !
فى قريتى " أخطاب " .. حيث الناس من هول الحياة ،
موتى على قيد الحياة !
لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ،
ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،
ولا الملائك باركوا مهدى ..
ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة !
قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..
حتى الفجر !
وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..
بدروبها من ألف جيل
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت ..
فالناس من هول الحياة ..
موتى على قيد الحياة !
( 9 )
وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ،
لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،
وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ،
وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،
وعلى القبور ،
وأنا أدندن أغنية :
" يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين " !
وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..
كانت بفكَّىْ أفعوان !
عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،
غابت وغاب الأفعوان :
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ !
( 10 )
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ،
عن ظهر قلب .
ونسيتها عن قلب ظهر !
إلا علامات على جسمى لضرب .
- بهراوة عمياء - مثل بقية الوشم القديم ،
وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،
والفعل - فعل الأمر - " اقرأ ! "
فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم ..
والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر ..
ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت :
" قَرَّباَ مربط النعامة منى ..
لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى " !

HashtNasht
21/07/2006, 06:40
( 11 )

لكنهم قتلوا النعامة !

كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،

كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..

قصوا الشوارب والشعور ،

ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ،

كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى

أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،

كم مرة غنت بهية ..

ياسينها المقتول من فوق الهجين !

ياهول معركة الأفاعى والضفادع .

( 12 )

ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..

ورحلت يوماً للمدينة ،

فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة

كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب ..

وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !

لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ،

غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،

غير الزحام ،

وضجيج آلاف الطبول ،

ونذير أجراس الترام .

يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ،

وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،

ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،

وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..

حيرى تفتش عن رغيف !

والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :

( من يشترى ؟ - وبكم تبيع ؟ !

يفتح اللّه - اتفقنا ! - يابلاش ! )

وهنا يباع ويشترى ..

ياسيداتى .. كل شىء !

حتى الترام يباع فى وضح النهار ..

للقادمين من القرى .. !

يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..

لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن !

( 13 )

كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟

بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،

بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟

كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟

من هؤلاء ؟ !

ما هؤلاء ؟ !

وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ،

وتغوص كى تطفو - صغيراً أنت كنت - !

ما غير هذا حوت يونس ،

ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !

وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..

حتى لُفظت إلى الرصيف ،

فجعلت تهتف من هناك ..

وبمثل صوت الضفدعه ،

كيخوت وحدك .. بالرغيف ..

وسقوط " باشا " كان فى اخطاب فى القصر الكبير ،

واذا بكف كالجبل ..

تهوى عليك .. على قفاك ..

كى تنكفىء ..

فوق الرصيف !

كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !

هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،

جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..

ومدرعات .

محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ،

لا من حديد !

حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !

ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..

من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..

فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد

يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى ..

كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء !

( 14 )

ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب .

يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !

والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد !

الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ !

الحرف قديس - إذا ما كنت قديساً - وداعر ..

ان كنت بين الناس داعر !

يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر !

- ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..

قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،

فإذاك تخلط أى شَىء ..

بأى شىء !

واذا طواحين الهواء عمالقة ،

واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،

واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ،

واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) !

يا للخديعه الكذب ..

يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..

كل الحذار من الكُتُب !

( 15 )

- أنكون ..

ياترى أم لا نكون !

أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..

كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،

أم نخوض البحر فى هول الصراع ..

عزلا .. دون شراع ،

أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ !

يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون ..

أنكون ..

ياترى أم لانكون !

- يا سؤالا حائراً منذ قرون ،

هائما ليس يقر !

- أيها الهاتف من أنت ؟ !

- أنا بصقة قبر !

- أنا خفاش عجوز ،

يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،

أيها الضارب فى التيه بليل ..

كيف فى التيه المفر ؟

يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر !

- انتحر ؟ !

- راحة الراحات ، ترياق الألم ،

وخلاصات خلاصات الحكم ..

أنت لاتملك غير الكلمات ،

حيلة العاجز عن كل الحيل

( كلمات .. كلمات .. كلمات )

غُصْنُ صفصاف هزيل ..

أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !

أوشك الديك يصيح ،

وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،

فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر ..

وليكن وشْك لقاء !

- أيها الهاتف قف ..

أيها الهاتف قف ..

......................

أنكون ..

يا ترى ..

أم لا نكون !!

( 16 )

(فتوى ! )

- أعطوا لقيصر ما لقيصر ،

وللاله ..

ما للاله !

- فما الذى تعطى لنا ؟ !

- ماذا تبقى عندكم ؟

- لم يبقى شىء ..

- فاهنأوا .. طوبى لكم !

( 17 )

ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..!

صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ،

وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ،

لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !

ياسيداتى معذرة ..

ان كنت قد جانبت آداب اللياقة .

أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان " ابن هانىء " ..

فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..

ما لاتريد ،

أو أن تريد ولا تقول !

قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل ..

ان خفت ) .. لكنى أقول :

الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !

قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..

لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل :

" الملك عريان " .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه ..

فليلقنى خلف الجبل !

انى هنالك منتظر ..

والعار للعميان قلبا أو بصر ،

وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !

butterfly
21/07/2006, 12:47
:D :( :mimo: