tiger
16/07/2006, 13:00
ليس عندي سوى الحزن وكلمات عابرة بعد ان قتلت اسرائيل أسراً بكاملها، ستة أطفال هنا، سبعة هناك أو ثمانية، وعلق الرئيس جورج بوش قائلاً أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها.
وهكذا فقتل نساء وأطفال في احتلال مستمر، وتدمير لبنان في عقاب جماعي نازي، دفاع عن النفس.
الرئيس الأميركي لا يعرف الحقيقة ولو صدمته في وجهه، والحقيقة كلها أن الولايات المتحدة التي هزمت النازية في أوروبا صنعت وحشاً اسرائيلياً نازياً جديداً وأطلقته علينا. هذه هي الحقيقة، ولا حقيقة غيرها.
الحقيقة ذبحت مع أهل فلسطين ولبنان والعراق، وبقي الحزن، والشاعر عجاج المهتار قال يوماً:
ولادي ببيتي تقاتلوا وتقتّلوا/ ومجروح أنا والنزف بعدو بأولو
لا تتهموا بقتلي بريّ وتلقطّوا/ الماشيين بجنازتي وما بيخجلوا
وجدت ما سبق في كتاب «القيل والقال والنظر في عقول الرجال» للصديق الكبير الراحل سلام الراسي، مؤرخ الأدب الشعبي، خصوصاً في جنوب لبنان. والنسخة التي عندي عليها اهداء من المؤلف بتاريخ 20/12/1993، وكنت اراجعها هرباً من الأخبار ووجدت صفحات عن الندب في لبنان، هي أصدق اليوم من يوم قيلت أو جمعت.
مع ما يحدث من فلسطين الى لبنان، والعراق لم يبق عندي رأي أو تعليق، وانما حزن على أهل يقتلون وأوطان تدمر، ونحن مسؤولون قبل القاتل.
قرأت الندبة التالية:
عيون مرجعيون تبكي/ والقرايا شاركوها
حزنها عالاريحية/ الفاقدة أمها وأبوها
لا أعتقد أن مرجعيون بكت يوماً كما تبكي اليوم، وسلام الراسي، وهو ابن ابل السقي، ندب يوماً فقال:
بعد كنّا معاوزينك
للشدايد شايلينك
كنت مشكى الضيم فينا
سبع رابض في عرينك
حيف يا حامي حمانا
السيف يسقط من يمينك
هناك عشرات الشهداء يمكن أن تقال فيهم الندبة السابقة أو الندبة التالية:
البين للغابة قصدها/ وانتخب منها أسدها
كان ببلادو علمها/ وكان بالملّة سندها
اليوم إما أن يموت اللبناني (والفلسطيني) برصاص النازيين الجدد الاسرائيليين في بلده، أو يموت مقهوراً في الخارج. وهو اذا مات مغترباً، فهناك ندبة مناسبة:
يا ميمتي عا ديرتي ما لي رجوع
تروّي ترابي دموع احبابي
يا مين يهديني عا بيّاع الدموع
تا اشتري دمعة على ترابي
من لبنان الى فلسطين والعراق، والكل سيأتي دوره، وليس عندي سوى الحزن، مع رجاء أن يرحمنا الله فنقضي قبل القضاء الأخير. وقد رحم الله سلام الراسي فاختاره الى جواره، ولم يرَ جنوبه الحبيب يذبح مرة أخرى.
لا أعرف غزة، ولكن أعرف جنوب لبنان جيداً، فلي فيه أهل وأصدقاء، وكنت في أيام السعادة الغابرة أحمل تصريحاً يثبت انني من الجنوب (مع انني لست كذلك) فأذهب مع الاصدقاء في نهاية الأسبوع للصيد في مواسمه (المطوق والسمّان في الخريف، والفرّي في الربيع). وكنت أعرف بيوت المنطقة من العباسية ودير قانون النهر حتى النفّاخية ودردغيا، وصولاً الى تل النحاس على الحدود مباشرة مع فلسطين المحتلة. أو قد ننطلق جنوباً من صور حتى رأس الناقورة ثم شرقاً الى مارون الراس، ونستمر حتى نصل الى تل النحاس من الاتجاه الآخر.
كنا نشتري طعامنا من متجر القرية التي نصل اليها ظهراً. وكان أهل الجنوب لا يبيعون الخبز، لأن كل أسرة تصنعه لنفسها، فكنا اذا طلبنا خبزنا، يأتون به لنا من بيوتهم، ويرفضون أخذ ثمنه على رغم الفقر المقيم في المنطقة.
وأفقت في مرجعيون يوماً في نهاية اسبوع، أرجح انها كانت في ايلول (سبتمبر) 1972 لأجد أن القوات الاسرائيلية وصلت الى قانا التي كانت مسرح مجزرة معروفة بعد ذلك، وكانت تجربتي الوحيدة مع الاحتلال وجنوده.
اليوم الجنوب يذبح مع لبنان كله، وأيضاً فلسطين والعراق، والبقية تأتي، وليس عندي للمذبوح غير ندبة، ففي كل بلد عربي هناك سبب للحزن، قائم أو قادم، والشجى يبعث الشجى، وكله قبر مالك، فاذا كان القارئ يبكي على ضحايا اليوم، فإنني انصحه بأن يبكي على ما سيأتي غداً آخذاً برأي ابن المعتز:
كلما فكر بالبين بكى/ ويحه يبكي لما لم يقعِ
أو يتذكر الاندلس وما يضيع حتى اليوم والغد:
ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً/ لم تحافظ عليه مثل الرجال
وأترك القارئ مع عجوز فلسطينية سمعتها تندب قبل 20 سنة، ولم أنس حزنها أو كلامها. هي قالت:
يا شجرة بالدار حاميك أسدْ
وتكسّرت الغصان من كتر الحسدْ
أنا زرعت الزرع جا غيري حصد
يا خسارتو صار الوطن لغيرنا
وكنت سمعت البيت الأخير يروى:
يا خسارتو ولّى الزمان وفاتنا
العمر ولّى مع الوطن، ولم يبق سوى الحزن.
جهاد الخازن
وهكذا فقتل نساء وأطفال في احتلال مستمر، وتدمير لبنان في عقاب جماعي نازي، دفاع عن النفس.
الرئيس الأميركي لا يعرف الحقيقة ولو صدمته في وجهه، والحقيقة كلها أن الولايات المتحدة التي هزمت النازية في أوروبا صنعت وحشاً اسرائيلياً نازياً جديداً وأطلقته علينا. هذه هي الحقيقة، ولا حقيقة غيرها.
الحقيقة ذبحت مع أهل فلسطين ولبنان والعراق، وبقي الحزن، والشاعر عجاج المهتار قال يوماً:
ولادي ببيتي تقاتلوا وتقتّلوا/ ومجروح أنا والنزف بعدو بأولو
لا تتهموا بقتلي بريّ وتلقطّوا/ الماشيين بجنازتي وما بيخجلوا
وجدت ما سبق في كتاب «القيل والقال والنظر في عقول الرجال» للصديق الكبير الراحل سلام الراسي، مؤرخ الأدب الشعبي، خصوصاً في جنوب لبنان. والنسخة التي عندي عليها اهداء من المؤلف بتاريخ 20/12/1993، وكنت اراجعها هرباً من الأخبار ووجدت صفحات عن الندب في لبنان، هي أصدق اليوم من يوم قيلت أو جمعت.
مع ما يحدث من فلسطين الى لبنان، والعراق لم يبق عندي رأي أو تعليق، وانما حزن على أهل يقتلون وأوطان تدمر، ونحن مسؤولون قبل القاتل.
قرأت الندبة التالية:
عيون مرجعيون تبكي/ والقرايا شاركوها
حزنها عالاريحية/ الفاقدة أمها وأبوها
لا أعتقد أن مرجعيون بكت يوماً كما تبكي اليوم، وسلام الراسي، وهو ابن ابل السقي، ندب يوماً فقال:
بعد كنّا معاوزينك
للشدايد شايلينك
كنت مشكى الضيم فينا
سبع رابض في عرينك
حيف يا حامي حمانا
السيف يسقط من يمينك
هناك عشرات الشهداء يمكن أن تقال فيهم الندبة السابقة أو الندبة التالية:
البين للغابة قصدها/ وانتخب منها أسدها
كان ببلادو علمها/ وكان بالملّة سندها
اليوم إما أن يموت اللبناني (والفلسطيني) برصاص النازيين الجدد الاسرائيليين في بلده، أو يموت مقهوراً في الخارج. وهو اذا مات مغترباً، فهناك ندبة مناسبة:
يا ميمتي عا ديرتي ما لي رجوع
تروّي ترابي دموع احبابي
يا مين يهديني عا بيّاع الدموع
تا اشتري دمعة على ترابي
من لبنان الى فلسطين والعراق، والكل سيأتي دوره، وليس عندي سوى الحزن، مع رجاء أن يرحمنا الله فنقضي قبل القضاء الأخير. وقد رحم الله سلام الراسي فاختاره الى جواره، ولم يرَ جنوبه الحبيب يذبح مرة أخرى.
لا أعرف غزة، ولكن أعرف جنوب لبنان جيداً، فلي فيه أهل وأصدقاء، وكنت في أيام السعادة الغابرة أحمل تصريحاً يثبت انني من الجنوب (مع انني لست كذلك) فأذهب مع الاصدقاء في نهاية الأسبوع للصيد في مواسمه (المطوق والسمّان في الخريف، والفرّي في الربيع). وكنت أعرف بيوت المنطقة من العباسية ودير قانون النهر حتى النفّاخية ودردغيا، وصولاً الى تل النحاس على الحدود مباشرة مع فلسطين المحتلة. أو قد ننطلق جنوباً من صور حتى رأس الناقورة ثم شرقاً الى مارون الراس، ونستمر حتى نصل الى تل النحاس من الاتجاه الآخر.
كنا نشتري طعامنا من متجر القرية التي نصل اليها ظهراً. وكان أهل الجنوب لا يبيعون الخبز، لأن كل أسرة تصنعه لنفسها، فكنا اذا طلبنا خبزنا، يأتون به لنا من بيوتهم، ويرفضون أخذ ثمنه على رغم الفقر المقيم في المنطقة.
وأفقت في مرجعيون يوماً في نهاية اسبوع، أرجح انها كانت في ايلول (سبتمبر) 1972 لأجد أن القوات الاسرائيلية وصلت الى قانا التي كانت مسرح مجزرة معروفة بعد ذلك، وكانت تجربتي الوحيدة مع الاحتلال وجنوده.
اليوم الجنوب يذبح مع لبنان كله، وأيضاً فلسطين والعراق، والبقية تأتي، وليس عندي للمذبوح غير ندبة، ففي كل بلد عربي هناك سبب للحزن، قائم أو قادم، والشجى يبعث الشجى، وكله قبر مالك، فاذا كان القارئ يبكي على ضحايا اليوم، فإنني انصحه بأن يبكي على ما سيأتي غداً آخذاً برأي ابن المعتز:
كلما فكر بالبين بكى/ ويحه يبكي لما لم يقعِ
أو يتذكر الاندلس وما يضيع حتى اليوم والغد:
ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً/ لم تحافظ عليه مثل الرجال
وأترك القارئ مع عجوز فلسطينية سمعتها تندب قبل 20 سنة، ولم أنس حزنها أو كلامها. هي قالت:
يا شجرة بالدار حاميك أسدْ
وتكسّرت الغصان من كتر الحسدْ
أنا زرعت الزرع جا غيري حصد
يا خسارتو صار الوطن لغيرنا
وكنت سمعت البيت الأخير يروى:
يا خسارتو ولّى الزمان وفاتنا
العمر ولّى مع الوطن، ولم يبق سوى الحزن.
جهاد الخازن