minime1967
04/04/2005, 15:50
لماذا الجنسية النرويجية؟
تنويعات خاصة على مقالة (لماذا الجنسية الكندية) للدكتور خالص جلبي!!.
بقلم: د. أحمد أبو مطر*
نشر الدكتور خالص جلبي، منذ أسابيع قليلة مقالة مؤثرة تحت عنوان (لماذا الجنسية الكندية؟)، تحدث فيها عن الظروف العربية التي ألجأته للحصول على الجنسية الكندية، وأهمية تلك المقالة أنها تفتح جروحا عربية عديدة، عاشها و نزفها مئات الآلآف من العرب من كافة الأقطار العربية، كل واحد منهم بتنويعات مختلفة عن الآخر، لكنها مجتمعة تعطي صورا صارخة عن حجم القمع ومصادرة الحريات في أغلب الأقطار العربية، التي جعلت الحياة في تلك الأقطار لا تطاق، وفعلا هناك في الدول الأوربية والأمريكية من القوانين الصارمة ما يوفر للكلاب حياة أشرف وأفضل وأنقى من حياة المواطن العربي، ففي تلك الدول لا يستطيع مواطن أن يترك كلبه في سيارته وحده ويقفل عليه باب السيارة، وينزل للتسوق مثلا، وفي العديد من هذه الحالات ، يفتح مواطن في تلك الدول هاتفه النقال، ليتصل بالشرطة التي تأتي على وجه السرعة لإنقاذ الكلب خوفا علية من الإختناق أو إرتفاع درجة الحرارة، ويطلب صاحبه بحكم القانون للمساءلة، لإهماله بحق كلبه.. مقارنة بما يجري في الأقطار العربية، ألا يحق لنا أن نسأل: أي كلاب نحن؟ ولماذا هذه الهجرات العربية هروبا من أقطارها بمختلف الوسائل، رغم أن البعض يدرك مسبقا إحتمال موته قبل وصوله للبلاد الموعود بالوصول إليها، وقد لاقى الآلآف الموت غرقا في أعماق البحار والمحيطات . وقد أثارت في نفسي مقالة الدكتور خالص جلبي المواجع والأحزان التي عشتها عشرات السنين مثل مئات الآلآف من الفلسطينيين أبناء المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة ، من جراء حملنا الذي لا بديل له، ما يسمى (وثيقة السفر المصرية للاجئين الفلسطينيين)، وقد كانت هذه الوثيقة وما زالت لعنة يحملها اللاجىء الفلسطيني، وتجلب له معها مسبقا سوء المعاملة والإهانة والإحتقار .. لذلك وجدت من المفيد لبيان لعنة هذا الوطن الموصوف بـ(العربي)، أن أسجل هذه التنويعات الجديدة تحت عنوان (لماذا الجنسية النرويجية)، لأنني كما قلت سابقا في إحدى المقابلات التلفزيونية: (لا يعتقدن أحد أنني أنا اللاجىء الفلسطيني من بئر السبع، جئت إلى النرويج القريبة من القطب الشمالي، لأنني أهوى التزلج على الجليد.. إسأل عن الظروف التي ألجأ تني لذلك) .....فماذا عن هذه الوثيقة اللعنة التي كانت كل الأقطار العربية، بدون إستثناء بما فيها مصر التي أصدرت الوثيقة، تتعامل مع حامل الوثيقة فعلا كحامل فيروس الإيدز رغم أن الإيدز لم يكن قد أعلن عن إكتشافه آنذاك، ويتميز حامل فيروسه بأنه لايستطيع أحد في المطارات معرفته، في حين أن حامل وثيقة السفر المصرية أو اللبنانية أو السورية، لا يمكنه إخفاءها إلا إذا حبس نفسه في مخيم إقامته، دون أن يفكر في مغادرته والإقتراب من حدود أو مطارات عربية!!. ومن باب التأكيد فإن اللعنة وسوء الطالع الذي سأحكي تنويعاته بالنسبة لتجربة عذاباتي مع الوثيقة المصرية، ينطبق بشكل أو آخر مع عذابات الفلسطيني حامل الوثيقة اللبنانية أو السورية أو العراقية.
كانت الوثائق المصرية تصدر لنا نحن اللاجئين أبناء المخيمات في قطاع غزة ، إما من القاهرة أو من مكاتب ما كان يسمى (إدارة الحاكم العسكري المصري لقطاع غزة). على صفحة غلافها الأول مكتوب من أعلى (جمهورية مصر العربية) ثم رسم النسر وأسفله (وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين). وفي الصفحة الثانية التي على اليسار، أي صفحة الغلاف الداخلية، مكتوب باللغتين العربية والإنجليزية (هذه الوثيقة لا تسمح لحاملها بدخول جمهورية مصر العربية بدون تأشيرة دخول مسبقة)... من يصدق ذلك؟ وثيقة سفر صادرة عن السلطات المصرية، وفي أحيان كثيرة من القاهرة، ولا يسمح لحاملها بدخول مصر بدون حصوله على تأشيرة دخول مسبقة من إحدى السفارات المصرية، والسفارة لا صلاحية لها بمنح التأشيرة قبل العودة لوزارة الداخلية في القاهرة، أي إدارة المخابرات العامة!!. تعاقدت مع وزارة التربية والتعليم الكويتية، عقب هزيمة حزيران 1967 مباشرة للعمل مدرسا في الكويت، وللأمانة التاريخية، فإن حكومة الكويت كانت إستثناءا في معاملة حملة الوثائق الفلسطينية، طالما أنت تحمل الشهادات والخبرة المطلوبة للتعاقد في مجال تخصصك، فقد تقدمت للبعثة التعليمية الكويتية في الأردن، وكانت غالبية المتقدمين للبعثة من الأردنيين حملة الجنسية الأردنية، ورغم ذلك تم إختياري من قبل البعثة للتعاقد، وفي الوقت ذاته لم يحالف الحظ زملاءا أردنيين، درسنا وتخرجنا معا، فقد كان المعيار هو التقدير الذي تخرجت به، ونجاحك في المقابلة الخاصة، أي أن وثيقة السفر المصرية لم تكن حائلا بين تعاقدي مع البعثة التعليمية الكويتية، حيث سافرت الكويت، وعملت فيها ثماني سنوات بين التدريس والصحافة. أثناء ذلك سجّلت أطروحة درجة الماجستير في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وكان المشرف على الأطروحة أستاذي المرحوم الدكتور شكري عياد، وإنتهيت من كتابة الأطروحة عام 1971، ووافق المشرف على صلاحيتها للمناقشة، ولم أتمكن من مناقشتها في جامعة القاهرة بسبب منعي من الدخول على خلفية نشاطاتي في المنظمات الفلسطينية، إلى أن قرّر الدكتور شكري عياد نقل المناقشة إلى جامعة الكويت بمشاركة مشرف آخر هو الدكتور عبد الهادي محبوبة، وحضر الدكتور شكري عياد من القاهرة والدكتور ناصر الدين الأسد من الأردن، حيث كانوا لجنة المناقشة، وبالتالي حصلت على درجة الماجستير في الآداب من جامعة الكويت عام 1974. أما المرات التي كان يسمح فيها لحامل الوثيقة المصرية بدخول القاهرة، فلا يستطيع واحد منهم نسيان المعاملة السيئة لدرجة الإهانة، وأتحدى أن يكون واحد منهم قد أنهى معاملة دخوله قبل ساعتين أو ثلاثة وسط صراخ موظف الأمن ونظرته إليك بإحتقار، وفي أغلب الحالات وهو يدقق في وثيقتك، ما ان يتقدم إليه شخص آخر، حتى يرمي وثيقتك جانبا، ليخلص معاملات القادمين الجدد خاصة إذا كانوا من الخليج العربي أو أجانب، بما فيهم الإسرائيليون بعد عام 1979. في عام 1986 كنت قادما بجواز يمني جنوبي من تونس مرورا بمطار القاهرة إلى دمشق حيث أقمت فيها بعد خروج (طرد) المقاومة الفلسطينية من لبنان، وتصادف أن تأخرت الطائرة القادمة من تونس، فأقلعت الطائرة السورية التي كنت سأسافر عليها إلى دمشق. تقدمت بجوازي اليمني الجنوبي إلى موظف الجوازات على أمل دخول القاهرة للمبيت ليلة لتأمين حجز جديد إلى دمشق.. وكان من المستحيل ذلك عندما إكتشف الموظف أنني فلسطيني ولست يمنيا، وفعلا نمت ليلة كاملة في صالات المطار حتى أمنوا لي حجزا في اليوم التالي إلى دمشق.... ومن يشك في ذلك أو يعتقد أن هذه المعاملة السيئة قد كانت في زمن مضى، فعليه أن يسأل: كيف يعامل الفلسطينيون حملة الوثيقة الآن، وهم قادمون من دول عدة في طريقهم إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.. إن المعاملة السيئة التي يعاملون بها في مطار القاهرة لا تليق بالحيوانات، حيث يحشرون في المطار إلى أن يكتمل العدد الذي يملأ الباصات المنتظرة، ويزجون في الباصات التي ترميهم على معبر رفح، ليجدوا نفس المعاملة والإنتظار أحيانا لأسابيع أمام الحواجز اإسرائيلية، قبل أن يسمح لهم بالدخول!!.
وهل كنّا في سورية، حيث يحكم (حزب البعث العربي الإشتراكي)، نعامل بصورة أفضل؟. فتحت وأمام وخلف شعار (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، كان حملة الوثائق الفلسطينية وما زالوا يعاملون بما يليق بهذا الشعار ، ففي سورية مكتب إسمه (الضابطة الجمركية) وهو المتخصص في أمور الجمارك والتهريب، وعلى غراره وإنطلاقا من نفس العقلية أسسوا مكتب (الضابطة الفدائية) وهو المكتب الخاص بشؤون المنظمات الفلسطينية، أي أن هذه المنظمات وأفرادها تماما كأمور الجمرك والتهريب. كان وما يزال من المستحيل على الفلسطيني دخول سورية أو الخروج منها بدون موافقة خطية مسبقة من هذا المكتب، وفي المطار رغم وجود الموافقة من المستحيل الدخول بدون رشوة، إسمها الملطّف ( إكرامية!). أقمت في دمشق من عام 1982، وفي أعوام 1986-1988، شهدت الساحة السورية واللبنانية تطورات فلسطينية إجرامية تمثلت في حربي المخيمات 1986 و1988 بين المنظمات الفلسطينية العاملة لحساب المخابرات السورية كجماعتي أحمد جبريل وأبو خالد العملة المنشق عن حركة فتح، وبين حركة فتح، وسالت فيها دماء فلسطينة وسقط فيها قتلى فلسطينيون ليسوا أقل ممن سقطوا في مذابح صبرا وشاتيلا... وكل ذلك بأوامر ورعاية المخابرات السورية، إنتقاما من ياسر عرفات الذي تم طرده من سورية عام 1983، وفورا أوعزت المخابرات السورية لعملائها بالإنشقاق، فكان إنشقاق أبو موسى وأبو خالد العملة!!. على خلفية هذه الأحداث وكتاباتي الصحفية حولها، أبلغتني الضابطة الفدائية عبر مسؤولها آنذاك العميد عبد الرحمن قاسمو، بالطرد من سورية في تموز 1990.
فأين أذهب بالوثيقة الفلسطينية اللعنة؟ عبر صديق فلسطيني له علاقات مع المخابرات المصرية، دخلت القاهرة كزيارة، ولكن عجزت عن الحصول على موافقة إقامة في مصر.. فغادرتها إلى تونس، وكان أيضا من المستحيل الإقامة هناك، لأنه على خلفية غزو وإحتلال الكويت من الطاغية البائد صدام، طلبت السلطات التونسية من القيادة الفلسطينية تخفيض عدد الفلسطينيين في تونس لأكثر من النصف، فبدأت بإرسالهم إلى معسكرات في صحراء (السارة) الليبية. كان لا مفر من الإقامة في قبرص، وفجأة على خلفية غزو وإحتلال الكويت أيضا، وموقف قيادة المنظمة الداعم للطاغية صدام، أوقفت السلطات القبرصية منح إقامات للفلسطينيين والعراقيين... فأين تذهب بوثيقة السفر الفلسطينية – اللعنة؟. كان لا بد من اللجوء إلى أحفاد الفايكنج، النرويجيين حاليا... وصلت أوسلو طالبا اللجوء السياسي في السابع عشر من تموز 1991، ولم يصدق موظفو وزارة العدل أن يكون شخصا يحمل هذه المؤهلات والشهادات والخبرة، ويهرب من بلاد العرب طالبا اللجوء، إلى أن شاهدوا وثيقة السفر المصرية، فإذا هم يعرفون مسبقا حجم العذاب الذي يعانيه اللاجىء الفلسطيني بهذه الوثيقة.. وقد كان أحفاد الفايكنج، الذين زارهم وتحدث عنهم الرحالة العربي (أحمد بن فضلان) قبل ألف وثمانين عاما، أرحم من كل العرب المسلمين!. منحت حق اللجوء وفي الموعد المحدد حملت الجنسية النرويجية التي أشعرتني لأول مرة في حياتي بحريتي وكرامتي ... ويقولون عن الأوروبيين والأمريكان أنهم كفرة ملحدون، ويدعون عليهم بالموت والهلاك في كل خطبة جمعة، ويدعون الله أن ينصر المسلمين عليهم.. ألم يسأل هؤلاء الدعاة، لماذا لم يستجب الله لدعائهم طوال الألف عام الماضية؟ وبالعكس، كل عام ينصر الله هؤلاء "النصارى والملحدين"، إما بإكتشافات علمية جديدة أو بإذلال أنظمة الحكام المسلمين الذين هم مسلمون بالإسم والوراثة فقط، أو إسقاط نظام من أنظمتهم، كما حصل مع نظام الطاغية صدام ... ألا نقول أن النصر من عند الله!!...إذن لله حكمة في نصر هؤلاء النصارى، لأنهم يقيمون في بلادهم تسامحا مقابل عنصريتنا، ويقيمون عدلا مقابل ظلمنا، ويجيرون من يستجير ببلادهم مقابل السجون والقتل والموت في بلادنا... هل تعلمون أن لكل مسجد في النرويج ميز انية رسمية من الحكومة النرويجية؟ وهل تعلمون أن عدد المساجد في النرويج يزيد عن خمسين مسجدا، وبالتالي فهي قياسا على نسبة عدد السكان المسلمين، أكثر من الكنائس؟. هل تعلمون أنه قبل أربعة أعوام، طلب رواد مسجد باكستاني تركيب ميكروفونات على مئذنة المسجد، لرفع الآذان يوم الجمعة، فرفضت السلطات البلدية بحجة أن الآذان العالي بالميكروفون يزعج السكان ، فما كان من الكنيسة النرويجية نفسها إلا أن إحتجت على القرار متسائلة: لماذا رفع الآذان لعدة دقائق من كل يوم جمعة يزعج السكان؟ ألا يزعجهم دق أجراس الكنائس كل يوم أحد؟ وإستنادا إلى محاججة الكنيسة هذه، حصل أعضاء المسجد على الحق في تركيب الميكروفون ورفع آذان صلاة الجمعة!!. هل تعلمون أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين لايعملون، ويستلمون راتبا شهريا من الضمان الإجتماعي...هل عرفتم الآن لماذا ينصرهم الله، ويهزم العرب والمسلمين؟؟. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة) فحسب معاملتهم هم مسلمون في الواقع، وحسب معاملاتنا نحن مسلمون بالإسم والوراثة فقط، لذلك نستحق الهزائم التي نعيشها منذ مئات السنين!!.
وضمن نفس السياق، فإن الفلسطينيين حملة الوثيق اللبنانية، عوملوا وما زالوا بعنصرية، لم يواجهها فلسطينيو إسرائيل ... يكفي أن نذكّر بأن الفلسطيني في لبنان وحسب القانون اللبناني ممنوع من مزاولى خمسة وسبعين مهنة، أي لم يتبق له سوى مهنتي الزبالة والعتالة... والمبكي أن كافة الأحزاب اللبنانية القومية، والإسلامية كحزب الله التي تتحدث عن العدالة والجهاد والقدس ليلا نهارا، تعرف هذه الممارسات العنصرية ضد الفلسطيني، وتباركها عبر سكوتها، ففي الأعراف العربية، السكوت علامة الرضى.
والغريب المضحك المبكي، أن كل المطارات التي كانت ترفضني وتطردني بسبب حملي لوثيقة السفر الفلسطينية، أدخلها الآن بكبرياء وأنفي أعلى من جبهتي، بسبب حملي الجنسية النرويجية.. ولا يستطيع أي موظف في أي مطار عربي أن يسألني أو يمنعني من الدخول، لأنه إن حصل ذلك قامت قيامة في سفارة النرويج في ذلك البلد!!. وبعد ذلك هل هناك من يسألني: الجنسية النرويجية لماذا؟؟
* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو. ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
Top
تنويعات خاصة على مقالة (لماذا الجنسية الكندية) للدكتور خالص جلبي!!.
بقلم: د. أحمد أبو مطر*
نشر الدكتور خالص جلبي، منذ أسابيع قليلة مقالة مؤثرة تحت عنوان (لماذا الجنسية الكندية؟)، تحدث فيها عن الظروف العربية التي ألجأته للحصول على الجنسية الكندية، وأهمية تلك المقالة أنها تفتح جروحا عربية عديدة، عاشها و نزفها مئات الآلآف من العرب من كافة الأقطار العربية، كل واحد منهم بتنويعات مختلفة عن الآخر، لكنها مجتمعة تعطي صورا صارخة عن حجم القمع ومصادرة الحريات في أغلب الأقطار العربية، التي جعلت الحياة في تلك الأقطار لا تطاق، وفعلا هناك في الدول الأوربية والأمريكية من القوانين الصارمة ما يوفر للكلاب حياة أشرف وأفضل وأنقى من حياة المواطن العربي، ففي تلك الدول لا يستطيع مواطن أن يترك كلبه في سيارته وحده ويقفل عليه باب السيارة، وينزل للتسوق مثلا، وفي العديد من هذه الحالات ، يفتح مواطن في تلك الدول هاتفه النقال، ليتصل بالشرطة التي تأتي على وجه السرعة لإنقاذ الكلب خوفا علية من الإختناق أو إرتفاع درجة الحرارة، ويطلب صاحبه بحكم القانون للمساءلة، لإهماله بحق كلبه.. مقارنة بما يجري في الأقطار العربية، ألا يحق لنا أن نسأل: أي كلاب نحن؟ ولماذا هذه الهجرات العربية هروبا من أقطارها بمختلف الوسائل، رغم أن البعض يدرك مسبقا إحتمال موته قبل وصوله للبلاد الموعود بالوصول إليها، وقد لاقى الآلآف الموت غرقا في أعماق البحار والمحيطات . وقد أثارت في نفسي مقالة الدكتور خالص جلبي المواجع والأحزان التي عشتها عشرات السنين مثل مئات الآلآف من الفلسطينيين أبناء المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة ، من جراء حملنا الذي لا بديل له، ما يسمى (وثيقة السفر المصرية للاجئين الفلسطينيين)، وقد كانت هذه الوثيقة وما زالت لعنة يحملها اللاجىء الفلسطيني، وتجلب له معها مسبقا سوء المعاملة والإهانة والإحتقار .. لذلك وجدت من المفيد لبيان لعنة هذا الوطن الموصوف بـ(العربي)، أن أسجل هذه التنويعات الجديدة تحت عنوان (لماذا الجنسية النرويجية)، لأنني كما قلت سابقا في إحدى المقابلات التلفزيونية: (لا يعتقدن أحد أنني أنا اللاجىء الفلسطيني من بئر السبع، جئت إلى النرويج القريبة من القطب الشمالي، لأنني أهوى التزلج على الجليد.. إسأل عن الظروف التي ألجأ تني لذلك) .....فماذا عن هذه الوثيقة اللعنة التي كانت كل الأقطار العربية، بدون إستثناء بما فيها مصر التي أصدرت الوثيقة، تتعامل مع حامل الوثيقة فعلا كحامل فيروس الإيدز رغم أن الإيدز لم يكن قد أعلن عن إكتشافه آنذاك، ويتميز حامل فيروسه بأنه لايستطيع أحد في المطارات معرفته، في حين أن حامل وثيقة السفر المصرية أو اللبنانية أو السورية، لا يمكنه إخفاءها إلا إذا حبس نفسه في مخيم إقامته، دون أن يفكر في مغادرته والإقتراب من حدود أو مطارات عربية!!. ومن باب التأكيد فإن اللعنة وسوء الطالع الذي سأحكي تنويعاته بالنسبة لتجربة عذاباتي مع الوثيقة المصرية، ينطبق بشكل أو آخر مع عذابات الفلسطيني حامل الوثيقة اللبنانية أو السورية أو العراقية.
كانت الوثائق المصرية تصدر لنا نحن اللاجئين أبناء المخيمات في قطاع غزة ، إما من القاهرة أو من مكاتب ما كان يسمى (إدارة الحاكم العسكري المصري لقطاع غزة). على صفحة غلافها الأول مكتوب من أعلى (جمهورية مصر العربية) ثم رسم النسر وأسفله (وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين). وفي الصفحة الثانية التي على اليسار، أي صفحة الغلاف الداخلية، مكتوب باللغتين العربية والإنجليزية (هذه الوثيقة لا تسمح لحاملها بدخول جمهورية مصر العربية بدون تأشيرة دخول مسبقة)... من يصدق ذلك؟ وثيقة سفر صادرة عن السلطات المصرية، وفي أحيان كثيرة من القاهرة، ولا يسمح لحاملها بدخول مصر بدون حصوله على تأشيرة دخول مسبقة من إحدى السفارات المصرية، والسفارة لا صلاحية لها بمنح التأشيرة قبل العودة لوزارة الداخلية في القاهرة، أي إدارة المخابرات العامة!!. تعاقدت مع وزارة التربية والتعليم الكويتية، عقب هزيمة حزيران 1967 مباشرة للعمل مدرسا في الكويت، وللأمانة التاريخية، فإن حكومة الكويت كانت إستثناءا في معاملة حملة الوثائق الفلسطينية، طالما أنت تحمل الشهادات والخبرة المطلوبة للتعاقد في مجال تخصصك، فقد تقدمت للبعثة التعليمية الكويتية في الأردن، وكانت غالبية المتقدمين للبعثة من الأردنيين حملة الجنسية الأردنية، ورغم ذلك تم إختياري من قبل البعثة للتعاقد، وفي الوقت ذاته لم يحالف الحظ زملاءا أردنيين، درسنا وتخرجنا معا، فقد كان المعيار هو التقدير الذي تخرجت به، ونجاحك في المقابلة الخاصة، أي أن وثيقة السفر المصرية لم تكن حائلا بين تعاقدي مع البعثة التعليمية الكويتية، حيث سافرت الكويت، وعملت فيها ثماني سنوات بين التدريس والصحافة. أثناء ذلك سجّلت أطروحة درجة الماجستير في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وكان المشرف على الأطروحة أستاذي المرحوم الدكتور شكري عياد، وإنتهيت من كتابة الأطروحة عام 1971، ووافق المشرف على صلاحيتها للمناقشة، ولم أتمكن من مناقشتها في جامعة القاهرة بسبب منعي من الدخول على خلفية نشاطاتي في المنظمات الفلسطينية، إلى أن قرّر الدكتور شكري عياد نقل المناقشة إلى جامعة الكويت بمشاركة مشرف آخر هو الدكتور عبد الهادي محبوبة، وحضر الدكتور شكري عياد من القاهرة والدكتور ناصر الدين الأسد من الأردن، حيث كانوا لجنة المناقشة، وبالتالي حصلت على درجة الماجستير في الآداب من جامعة الكويت عام 1974. أما المرات التي كان يسمح فيها لحامل الوثيقة المصرية بدخول القاهرة، فلا يستطيع واحد منهم نسيان المعاملة السيئة لدرجة الإهانة، وأتحدى أن يكون واحد منهم قد أنهى معاملة دخوله قبل ساعتين أو ثلاثة وسط صراخ موظف الأمن ونظرته إليك بإحتقار، وفي أغلب الحالات وهو يدقق في وثيقتك، ما ان يتقدم إليه شخص آخر، حتى يرمي وثيقتك جانبا، ليخلص معاملات القادمين الجدد خاصة إذا كانوا من الخليج العربي أو أجانب، بما فيهم الإسرائيليون بعد عام 1979. في عام 1986 كنت قادما بجواز يمني جنوبي من تونس مرورا بمطار القاهرة إلى دمشق حيث أقمت فيها بعد خروج (طرد) المقاومة الفلسطينية من لبنان، وتصادف أن تأخرت الطائرة القادمة من تونس، فأقلعت الطائرة السورية التي كنت سأسافر عليها إلى دمشق. تقدمت بجوازي اليمني الجنوبي إلى موظف الجوازات على أمل دخول القاهرة للمبيت ليلة لتأمين حجز جديد إلى دمشق.. وكان من المستحيل ذلك عندما إكتشف الموظف أنني فلسطيني ولست يمنيا، وفعلا نمت ليلة كاملة في صالات المطار حتى أمنوا لي حجزا في اليوم التالي إلى دمشق.... ومن يشك في ذلك أو يعتقد أن هذه المعاملة السيئة قد كانت في زمن مضى، فعليه أن يسأل: كيف يعامل الفلسطينيون حملة الوثيقة الآن، وهم قادمون من دول عدة في طريقهم إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.. إن المعاملة السيئة التي يعاملون بها في مطار القاهرة لا تليق بالحيوانات، حيث يحشرون في المطار إلى أن يكتمل العدد الذي يملأ الباصات المنتظرة، ويزجون في الباصات التي ترميهم على معبر رفح، ليجدوا نفس المعاملة والإنتظار أحيانا لأسابيع أمام الحواجز اإسرائيلية، قبل أن يسمح لهم بالدخول!!.
وهل كنّا في سورية، حيث يحكم (حزب البعث العربي الإشتراكي)، نعامل بصورة أفضل؟. فتحت وأمام وخلف شعار (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، كان حملة الوثائق الفلسطينية وما زالوا يعاملون بما يليق بهذا الشعار ، ففي سورية مكتب إسمه (الضابطة الجمركية) وهو المتخصص في أمور الجمارك والتهريب، وعلى غراره وإنطلاقا من نفس العقلية أسسوا مكتب (الضابطة الفدائية) وهو المكتب الخاص بشؤون المنظمات الفلسطينية، أي أن هذه المنظمات وأفرادها تماما كأمور الجمرك والتهريب. كان وما يزال من المستحيل على الفلسطيني دخول سورية أو الخروج منها بدون موافقة خطية مسبقة من هذا المكتب، وفي المطار رغم وجود الموافقة من المستحيل الدخول بدون رشوة، إسمها الملطّف ( إكرامية!). أقمت في دمشق من عام 1982، وفي أعوام 1986-1988، شهدت الساحة السورية واللبنانية تطورات فلسطينية إجرامية تمثلت في حربي المخيمات 1986 و1988 بين المنظمات الفلسطينية العاملة لحساب المخابرات السورية كجماعتي أحمد جبريل وأبو خالد العملة المنشق عن حركة فتح، وبين حركة فتح، وسالت فيها دماء فلسطينة وسقط فيها قتلى فلسطينيون ليسوا أقل ممن سقطوا في مذابح صبرا وشاتيلا... وكل ذلك بأوامر ورعاية المخابرات السورية، إنتقاما من ياسر عرفات الذي تم طرده من سورية عام 1983، وفورا أوعزت المخابرات السورية لعملائها بالإنشقاق، فكان إنشقاق أبو موسى وأبو خالد العملة!!. على خلفية هذه الأحداث وكتاباتي الصحفية حولها، أبلغتني الضابطة الفدائية عبر مسؤولها آنذاك العميد عبد الرحمن قاسمو، بالطرد من سورية في تموز 1990.
فأين أذهب بالوثيقة الفلسطينية اللعنة؟ عبر صديق فلسطيني له علاقات مع المخابرات المصرية، دخلت القاهرة كزيارة، ولكن عجزت عن الحصول على موافقة إقامة في مصر.. فغادرتها إلى تونس، وكان أيضا من المستحيل الإقامة هناك، لأنه على خلفية غزو وإحتلال الكويت من الطاغية البائد صدام، طلبت السلطات التونسية من القيادة الفلسطينية تخفيض عدد الفلسطينيين في تونس لأكثر من النصف، فبدأت بإرسالهم إلى معسكرات في صحراء (السارة) الليبية. كان لا مفر من الإقامة في قبرص، وفجأة على خلفية غزو وإحتلال الكويت أيضا، وموقف قيادة المنظمة الداعم للطاغية صدام، أوقفت السلطات القبرصية منح إقامات للفلسطينيين والعراقيين... فأين تذهب بوثيقة السفر الفلسطينية – اللعنة؟. كان لا بد من اللجوء إلى أحفاد الفايكنج، النرويجيين حاليا... وصلت أوسلو طالبا اللجوء السياسي في السابع عشر من تموز 1991، ولم يصدق موظفو وزارة العدل أن يكون شخصا يحمل هذه المؤهلات والشهادات والخبرة، ويهرب من بلاد العرب طالبا اللجوء، إلى أن شاهدوا وثيقة السفر المصرية، فإذا هم يعرفون مسبقا حجم العذاب الذي يعانيه اللاجىء الفلسطيني بهذه الوثيقة.. وقد كان أحفاد الفايكنج، الذين زارهم وتحدث عنهم الرحالة العربي (أحمد بن فضلان) قبل ألف وثمانين عاما، أرحم من كل العرب المسلمين!. منحت حق اللجوء وفي الموعد المحدد حملت الجنسية النرويجية التي أشعرتني لأول مرة في حياتي بحريتي وكرامتي ... ويقولون عن الأوروبيين والأمريكان أنهم كفرة ملحدون، ويدعون عليهم بالموت والهلاك في كل خطبة جمعة، ويدعون الله أن ينصر المسلمين عليهم.. ألم يسأل هؤلاء الدعاة، لماذا لم يستجب الله لدعائهم طوال الألف عام الماضية؟ وبالعكس، كل عام ينصر الله هؤلاء "النصارى والملحدين"، إما بإكتشافات علمية جديدة أو بإذلال أنظمة الحكام المسلمين الذين هم مسلمون بالإسم والوراثة فقط، أو إسقاط نظام من أنظمتهم، كما حصل مع نظام الطاغية صدام ... ألا نقول أن النصر من عند الله!!...إذن لله حكمة في نصر هؤلاء النصارى، لأنهم يقيمون في بلادهم تسامحا مقابل عنصريتنا، ويقيمون عدلا مقابل ظلمنا، ويجيرون من يستجير ببلادهم مقابل السجون والقتل والموت في بلادنا... هل تعلمون أن لكل مسجد في النرويج ميز انية رسمية من الحكومة النرويجية؟ وهل تعلمون أن عدد المساجد في النرويج يزيد عن خمسين مسجدا، وبالتالي فهي قياسا على نسبة عدد السكان المسلمين، أكثر من الكنائس؟. هل تعلمون أنه قبل أربعة أعوام، طلب رواد مسجد باكستاني تركيب ميكروفونات على مئذنة المسجد، لرفع الآذان يوم الجمعة، فرفضت السلطات البلدية بحجة أن الآذان العالي بالميكروفون يزعج السكان ، فما كان من الكنيسة النرويجية نفسها إلا أن إحتجت على القرار متسائلة: لماذا رفع الآذان لعدة دقائق من كل يوم جمعة يزعج السكان؟ ألا يزعجهم دق أجراس الكنائس كل يوم أحد؟ وإستنادا إلى محاججة الكنيسة هذه، حصل أعضاء المسجد على الحق في تركيب الميكروفون ورفع آذان صلاة الجمعة!!. هل تعلمون أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين لايعملون، ويستلمون راتبا شهريا من الضمان الإجتماعي...هل عرفتم الآن لماذا ينصرهم الله، ويهزم العرب والمسلمين؟؟. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة) فحسب معاملتهم هم مسلمون في الواقع، وحسب معاملاتنا نحن مسلمون بالإسم والوراثة فقط، لذلك نستحق الهزائم التي نعيشها منذ مئات السنين!!.
وضمن نفس السياق، فإن الفلسطينيين حملة الوثيق اللبنانية، عوملوا وما زالوا بعنصرية، لم يواجهها فلسطينيو إسرائيل ... يكفي أن نذكّر بأن الفلسطيني في لبنان وحسب القانون اللبناني ممنوع من مزاولى خمسة وسبعين مهنة، أي لم يتبق له سوى مهنتي الزبالة والعتالة... والمبكي أن كافة الأحزاب اللبنانية القومية، والإسلامية كحزب الله التي تتحدث عن العدالة والجهاد والقدس ليلا نهارا، تعرف هذه الممارسات العنصرية ضد الفلسطيني، وتباركها عبر سكوتها، ففي الأعراف العربية، السكوت علامة الرضى.
والغريب المضحك المبكي، أن كل المطارات التي كانت ترفضني وتطردني بسبب حملي لوثيقة السفر الفلسطينية، أدخلها الآن بكبرياء وأنفي أعلى من جبهتي، بسبب حملي الجنسية النرويجية.. ولا يستطيع أي موظف في أي مطار عربي أن يسألني أو يمنعني من الدخول، لأنه إن حصل ذلك قامت قيامة في سفارة النرويج في ذلك البلد!!. وبعد ذلك هل هناك من يسألني: الجنسية النرويجية لماذا؟؟
* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو. ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
Top