dimozi
03/04/2005, 15:51
أدام الله عز محركات البحث على الشبكة الدولية , أدام الله عز جووجل
عندما أتحدث عن بلد ما أو مدينة ما , لا أحب استعمال لغة الأرقام و التاريخ و الجغرافيا , بل كل ما يهمني هو أن أستطيع أن أوصل لكم مجموعة من المشاعر التي أحسسها في ذلك البلد , أشياء لا يستطيع أن يحس بها المرء إلا إذا عاشها و جربها , لو أردتم مقالاً يتحدث بلغة الدقة و المعالم , أنصحكم بالكتب السياحية و الأطالس , أو بمحركات البحث و المواقع الرسمية للمدن , تنهلون منها خرائط و صورا , و إن أحببتم أن تسمعوا وجهة نظري و بعض تجربتي , فتابعوا هذا المقال , و كما أحب أن أوضح , هذا المقال يتضمن رأيي فقط, معلومات استقيتها من تجربتي و سمعي المتداول بين الناس , و أحب أن أنبهكم إلى أن بعض المحتويات قد لا تكون على مستوى من الدقة أو المرجعية الموثقة .
أحب أن أدعوها محيط الرمال , أو هي الفكرة الأولى التي خطرت في بالي عندما رأيت أرض دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة من شباك الطائرة , فكرة تغيرت كثيرا فيما بعد , و لكنها قد تبدوا منطقية للوهلة الأولى .
في المطار لم يقبلوا بي في القسم الديبلوماسي عندما قدمت لهم جواز سفري , مع أني أوضحت لهم مرارا بأني سفير للأخوية , و في النهاية تهرب أحدهم من الموضوع بحجة أن الموقع محجوب هنا , فوقفت في الصف مع بقية الواصلين , على شباك كتب عليه جنسات أخرى , و دمعة حزن تسيل على خدي.
لن أتحدث عن الدولة بكليتها , بل عن العاصمة أبو ظبي , التي عشت فيها بشكل متصل و متقطع ما يقارب الخمس سنوات .
أبو ظبي جزيرة على ساحل دولة الإمارات , لم تكن مستوطنة حتى عهد قريب , أي إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي , دعاها الصيادون المحليّون بهذا الأسم لكثرة الظباء فيها , كان فيها نبع ماء و كانت محطة استراحة لقوارب صيد السمك و اللؤلؤ في الخليج العربي , و عندما ابتدئ بتأسيس الدولة اختيرت هذه الجزيرة لتحتضن أسس المدينة العصرية التي تعرفون اليوم .
في أبو ظبي , كما في عموم أرجاء الدولة , تعيش الكثير من الجاليات العربية و غير العربية إلى جانب أهل الإمارات , باختلاط غير كبير , و أرى أن مدينة أبوظبي خليط عجيب من البشر , و يقال أن أبو ظبي تجمع البشر من كل دول العالم قاطبة , و أن لايوجد دولة في العالم ليس لديها أي مواطن لا يقيم في أبو ظبي , و أعتقد أن أصغر جالية في أبو ظبي مكونة من تسع أشخاص فقط من دولة ((ليثوانيا)) و هي دولة انفصلت عن الإتحاد السوفيتي سابقا , و للمصادفة البحتة أعرف خمسة من هؤلاء التسعة ( أربعة كانوا جيراني في البناء ) و الخامسة من زمالة عمل قديم , عندما تسير في الشارع في أبو ظبي , يندر أن تسمع اللغة العربية , لكثرة الأجانب فيها , و تلاحظ ظاهرة التخصص في بعض المهن و احتكارها من قبل بعض الجاليات , فالأغلبية الساحقة من سائقي التاكسي هم إما باكستانيون أو أفغان , و يندر العرب و الهنود في هذه المهنة , بينما ينتشر الهنود في كل المهن , و العرب كذلك , و يغلب على الأوروبيين مهن مثل الهندسة و الإدارة .
قد تطاولت أبو ظبي في العمران , حتى أنها تعد من أسرع مدن العالم نموا , و حركة البناء فيها مخيفة هائلة , و يقال أنها هدمت و بنيت سبع مرات في ثلاثين عام فقط , و من يزور أبو ظبي متقطعا يلاحظ الفرق في حجم المدينة و جديد أبنيتها و أسواقها بين الزيارة و الأخرى مهما قصرت المدة الزمنية , و أذكر أني حين وصلت أبو ظبي أول مرة قيل لي و أنا أمر بشارع الكورنيش , الأرض التي تسير عليها اليوم كانت العام الماضي بحرا مخصصا لفندق الهيلتون , و قد بني هذا الطريق الجديد امتدادا لشارع الكورنيش القديم , فاستحال طول الشارع 13 كيلو متر بعد أن كان ستة , و هو طريق طويل مطل على البحر و على كاسر أمواج أبو ظبي , و اليوم أصبح الشارع الذي أتحدث عنه أكثر عمقا داخل الأرض و أقيم بعده كورنيش جديد أفتتح من حوالي الشهر , و هو يقع الآن في ما كان في الماضي بحرا أيضا .
تعودت في أيام إقامتي في أبو ظبي على الذهاب إلى الكورنيش يوميا على دراجتي الحبيبة , و هناك طريق مرصوفة مخصصة للدراجات , فما إن تميل الشمس تجاه البحر حتى أخرج بدراجتي فأقطع الكورنيش كاملا ذهابا و إيابا , متفرجا على الناس يمشون و يركضون و يمارسون مختلف الرياضات و التأمل , التزحلق على الألواح و الزلاجات , و يمارسون صيد الأسماك حتى أو القراءة تحت الأشجار الكثيرة في حدائق الكورنيش التي تمتد على طول الشارع .
و للشوارع في أبو ظبي قصص طريفة ناحية الأسماء , ففي حين تكون في الدولة مرقمة بحسب أتجاهاتها و مناطقها , و يتبع هذه الطريقة في الاستدلال الأوروبيون وحدهم , يخترع العرب أسماءا غير موجودة للشوارع و يتداولونها بينهم , فشارع النجدة سماه العرب كذلك لأن قسما لشرطة النجدة كان قد بني قديما هناك و زال القسم منذ زمن بعيد ولا زال الأسم حتى اليوم , بينما هو عند الأوروبيين مجرد شارع برقم معين , و كذلك شارع إلكترا الذي دعي كذلك لإنتشار محلات الأجهزة الإلكترونية فيه , و تندرج تحت هذا العرف أغلب أسماء شوارع أبوظبي , كالدفاع و الجوازات و المازدا ( الذي لا يعرفه بهذا الأسم غير المقيمين العرب القدماء جدا) .
و على ذكر الشوارع , فأنا من أشد المعجبين بنظام السير في أبو ظبي , و لم أرى أو أسمع في العالم مثيلا له , فالشوارع شيدة التنظيم و الاتساع , و هيي تتعامد مع بعضها و تتوازى بحيث أنك تستطيع أن تحفظها بسهولة شديدة فلا يصعب عليك الاستدلال على الأماكن , و نظام الإشارات الضوئية مصمم بحيث يقلل زمن الوصول إلى الغاية المحددة إذا أتخذت طرقا مستقيمة , فعندما لا تغير شارعك تجد كل الإشارات مفتوحة أمامك .
الأوضاع الإجتماعية في أبو ظبي لا تدعو إلى الارتياح الشديد , فتعاظم الثروة بشكل سريع و تركزها في أيدي فئات محدودة أثر سلبا على الحياة الاجتماعية لأهل الدولة , فعم الكسل و البطالة أهل أبو ظبي , و عدم الانضباط و التراخي في الحياة و خاصة الشباب منهم , مع إهمال واضح للتعليم و الثقافة , بعكس البنات اللواتي يجتهدن في إكمال دراستهن أملا بالهروب للخارج أو لنيل وظائف بمرتبات عالية تمنحهم بعض الحرية و الاستقلال . و ينتشر في أوساط مواطني الدولة العديد من الأمراض الاجتماعية كالعنوسة و إهمال الأطفال و التسيب و المثيلية الجنسية , التي تنتشر أحيانا بأرقام مخيفة في المدارس الرسمية و الأوساط المحافظة , بسبب الكبت الشديد و الانغلاق من جهة , و الاحتكاك الطفيف بعالم الغرب المنفتح بشكل مخيف أيضا من جهة أخرى , و المخدرات أيضا لها حصة واسعة في هذه الأوساط , بدون إهمال حب الظهور و الإسراف في الشراء بدون هدف غير الظهور حتى لو ترافق ذلك بغير قدرة مادية .
و تجد في أبو ظبي كل شيء و ترى كل شيء , من أجمل سيارات العالم و أغنى أناسه , إلى أفقر البشر الذين لا يستطيعون تدبر أمر كفاف يومهم , و أذكر أن كان هناك هندي عجوز يعمل قي ترقيع الأحذية على بسطة تحت إحدى البنايات قرب شجرة , كنت أحس أنه مزروع منذ الأزل بقرب هذه الشجرة , يتقاضى أجرا زهيدا من إصلاح الأحذية لأمثاله من المعدمين , كنت أستغرب كيف يستطيع الحياة بهذه الظروف المناخية القاسية تحت الشمس اللاهبة الحر الشديد , و قصة الحر في أبو ظبي عجيبة , و في السنة فصلان هنا لا غير , هما الصيف و الصيف , صيف معتدل خفيف الظل يبدأ في أول تشرين الثاني تقريبا و ينتهي في أول نيسان , وصيف قائظ حار متعب شديد الرطوبة لا يحتمل في باقي السنة , و أذكر مرة أني كنت أسير في الشارع تحت درجة حرارة تقارب الستين و كانت الرطوبة من القوة بحيث تستطيع أن ترى خيوط الماء معلقة في الهواء و من شدة الرطوبة بدأت السماء تمطر غزيرا و شدة الحرارة كانت تمنع الماء من النزول إلى الأرض فما تكاد حبة الماء تلامس سطع الأرض حتى تتبخر من جديد .
كان الناس في أبو ظبي يكثرون من السفر إلى دبي , للتبضع و التنزه في الإجازات , و بعد أن أقيمت في أبو ظبي العديد من الأسواق الهائلة الحجم خف السفر إلى دبي , مثل أبو ظبي مول و المارينا مول , و زاد عدد أماكن التسلية بشكل كبير في السنوات الماضية , ترافق ذلك مع حركة عمران واسعة بسبب ضغوط دولية ( كما يقال ) على الدولة لضخ ما يقارب عشرة مليارات دولار سنويا على شكل مشاريع , بعد فترة من الانكماش و ارتفاع الأسعار و هبوط الرواتب , و يعزى التضخم الشديد في حجم الأعمال أيضا إلى محاولة التنافس مع دبي في جذب الاستثمارات السياحية و المصرفية و التجارية , و الجدير بالذكر أن أبو ظبي تتجه إلى تنويع مصادر الدخل لتعتمد على غير النفط , كالصناعة الزراعة و أخذت خطوات جبارة في هذا المجال , و خاصة في المجال الزراعي , حيث حول المرحوم الشيخ زايد أبو ظبي من صحراء قاحلة إلى واحة غنّاء تخضرّ يوما بعد يوم ,
و يقال أن أحد الإنكليز هزء من الشيخ زايد يوما عندما طلب من الحكومة الإنكليزية مهندسين زراعيين , و سأله عن حاجة الصحراء إلى مهندسين زراعيين , فوعده الشيخ زايد بتصدير منتجات أبو ظبي إلى إنكلترة نفسها , و اليوم تصدر أبو ظبي الفواكهة إلى إنكلترة و الزهور إلى هولندا , و تغطي كميات كبيرة من حاجاتها المحلية المتزايدة من إنتاجها المحلي .
و تختلف أوضاع الجاليات في أبو ظبي كثيرا , و الترابط بينها يتراوح من الشديد إلى المعدوم , فمعروف عن بعض الجاليات مساعدتها لبعضها و تأمين السكن و الوظائف للقادمين الجدد و إقامة المراكز الثقافية, مثل الجالية الهندية و الإنكليزية و السودانية و اللبنانية من الجانب العربي , و يندر الانسجام بين أفراد بعض الجاليات كالمصرية و الباكستانية و خاصة السورية , التي لا يجمعهم غير المصادفات في الأسواق و دور العبادة , بل يتميزون بالعداء لبعض و شدة النميمة بينهم .
هذا ما خطر ببالي حاليا , قد أعود إلى نفس الموضوع لاحقا مع أفكار أخرى .
أرجو أن تكونوا قد استمتعتم بما كتبت .
و إلى لقاء قريب
كان معكم من أبو ظبي , مراسل Akhawia.net وأحد سفراءها في أبو ظبي و حمص .
و أسلموا
تحياتي الخضراء
Dimozi
عندما أتحدث عن بلد ما أو مدينة ما , لا أحب استعمال لغة الأرقام و التاريخ و الجغرافيا , بل كل ما يهمني هو أن أستطيع أن أوصل لكم مجموعة من المشاعر التي أحسسها في ذلك البلد , أشياء لا يستطيع أن يحس بها المرء إلا إذا عاشها و جربها , لو أردتم مقالاً يتحدث بلغة الدقة و المعالم , أنصحكم بالكتب السياحية و الأطالس , أو بمحركات البحث و المواقع الرسمية للمدن , تنهلون منها خرائط و صورا , و إن أحببتم أن تسمعوا وجهة نظري و بعض تجربتي , فتابعوا هذا المقال , و كما أحب أن أوضح , هذا المقال يتضمن رأيي فقط, معلومات استقيتها من تجربتي و سمعي المتداول بين الناس , و أحب أن أنبهكم إلى أن بعض المحتويات قد لا تكون على مستوى من الدقة أو المرجعية الموثقة .
أحب أن أدعوها محيط الرمال , أو هي الفكرة الأولى التي خطرت في بالي عندما رأيت أرض دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة من شباك الطائرة , فكرة تغيرت كثيرا فيما بعد , و لكنها قد تبدوا منطقية للوهلة الأولى .
في المطار لم يقبلوا بي في القسم الديبلوماسي عندما قدمت لهم جواز سفري , مع أني أوضحت لهم مرارا بأني سفير للأخوية , و في النهاية تهرب أحدهم من الموضوع بحجة أن الموقع محجوب هنا , فوقفت في الصف مع بقية الواصلين , على شباك كتب عليه جنسات أخرى , و دمعة حزن تسيل على خدي.
لن أتحدث عن الدولة بكليتها , بل عن العاصمة أبو ظبي , التي عشت فيها بشكل متصل و متقطع ما يقارب الخمس سنوات .
أبو ظبي جزيرة على ساحل دولة الإمارات , لم تكن مستوطنة حتى عهد قريب , أي إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي , دعاها الصيادون المحليّون بهذا الأسم لكثرة الظباء فيها , كان فيها نبع ماء و كانت محطة استراحة لقوارب صيد السمك و اللؤلؤ في الخليج العربي , و عندما ابتدئ بتأسيس الدولة اختيرت هذه الجزيرة لتحتضن أسس المدينة العصرية التي تعرفون اليوم .
في أبو ظبي , كما في عموم أرجاء الدولة , تعيش الكثير من الجاليات العربية و غير العربية إلى جانب أهل الإمارات , باختلاط غير كبير , و أرى أن مدينة أبوظبي خليط عجيب من البشر , و يقال أن أبو ظبي تجمع البشر من كل دول العالم قاطبة , و أن لايوجد دولة في العالم ليس لديها أي مواطن لا يقيم في أبو ظبي , و أعتقد أن أصغر جالية في أبو ظبي مكونة من تسع أشخاص فقط من دولة ((ليثوانيا)) و هي دولة انفصلت عن الإتحاد السوفيتي سابقا , و للمصادفة البحتة أعرف خمسة من هؤلاء التسعة ( أربعة كانوا جيراني في البناء ) و الخامسة من زمالة عمل قديم , عندما تسير في الشارع في أبو ظبي , يندر أن تسمع اللغة العربية , لكثرة الأجانب فيها , و تلاحظ ظاهرة التخصص في بعض المهن و احتكارها من قبل بعض الجاليات , فالأغلبية الساحقة من سائقي التاكسي هم إما باكستانيون أو أفغان , و يندر العرب و الهنود في هذه المهنة , بينما ينتشر الهنود في كل المهن , و العرب كذلك , و يغلب على الأوروبيين مهن مثل الهندسة و الإدارة .
قد تطاولت أبو ظبي في العمران , حتى أنها تعد من أسرع مدن العالم نموا , و حركة البناء فيها مخيفة هائلة , و يقال أنها هدمت و بنيت سبع مرات في ثلاثين عام فقط , و من يزور أبو ظبي متقطعا يلاحظ الفرق في حجم المدينة و جديد أبنيتها و أسواقها بين الزيارة و الأخرى مهما قصرت المدة الزمنية , و أذكر أني حين وصلت أبو ظبي أول مرة قيل لي و أنا أمر بشارع الكورنيش , الأرض التي تسير عليها اليوم كانت العام الماضي بحرا مخصصا لفندق الهيلتون , و قد بني هذا الطريق الجديد امتدادا لشارع الكورنيش القديم , فاستحال طول الشارع 13 كيلو متر بعد أن كان ستة , و هو طريق طويل مطل على البحر و على كاسر أمواج أبو ظبي , و اليوم أصبح الشارع الذي أتحدث عنه أكثر عمقا داخل الأرض و أقيم بعده كورنيش جديد أفتتح من حوالي الشهر , و هو يقع الآن في ما كان في الماضي بحرا أيضا .
تعودت في أيام إقامتي في أبو ظبي على الذهاب إلى الكورنيش يوميا على دراجتي الحبيبة , و هناك طريق مرصوفة مخصصة للدراجات , فما إن تميل الشمس تجاه البحر حتى أخرج بدراجتي فأقطع الكورنيش كاملا ذهابا و إيابا , متفرجا على الناس يمشون و يركضون و يمارسون مختلف الرياضات و التأمل , التزحلق على الألواح و الزلاجات , و يمارسون صيد الأسماك حتى أو القراءة تحت الأشجار الكثيرة في حدائق الكورنيش التي تمتد على طول الشارع .
و للشوارع في أبو ظبي قصص طريفة ناحية الأسماء , ففي حين تكون في الدولة مرقمة بحسب أتجاهاتها و مناطقها , و يتبع هذه الطريقة في الاستدلال الأوروبيون وحدهم , يخترع العرب أسماءا غير موجودة للشوارع و يتداولونها بينهم , فشارع النجدة سماه العرب كذلك لأن قسما لشرطة النجدة كان قد بني قديما هناك و زال القسم منذ زمن بعيد ولا زال الأسم حتى اليوم , بينما هو عند الأوروبيين مجرد شارع برقم معين , و كذلك شارع إلكترا الذي دعي كذلك لإنتشار محلات الأجهزة الإلكترونية فيه , و تندرج تحت هذا العرف أغلب أسماء شوارع أبوظبي , كالدفاع و الجوازات و المازدا ( الذي لا يعرفه بهذا الأسم غير المقيمين العرب القدماء جدا) .
و على ذكر الشوارع , فأنا من أشد المعجبين بنظام السير في أبو ظبي , و لم أرى أو أسمع في العالم مثيلا له , فالشوارع شيدة التنظيم و الاتساع , و هيي تتعامد مع بعضها و تتوازى بحيث أنك تستطيع أن تحفظها بسهولة شديدة فلا يصعب عليك الاستدلال على الأماكن , و نظام الإشارات الضوئية مصمم بحيث يقلل زمن الوصول إلى الغاية المحددة إذا أتخذت طرقا مستقيمة , فعندما لا تغير شارعك تجد كل الإشارات مفتوحة أمامك .
الأوضاع الإجتماعية في أبو ظبي لا تدعو إلى الارتياح الشديد , فتعاظم الثروة بشكل سريع و تركزها في أيدي فئات محدودة أثر سلبا على الحياة الاجتماعية لأهل الدولة , فعم الكسل و البطالة أهل أبو ظبي , و عدم الانضباط و التراخي في الحياة و خاصة الشباب منهم , مع إهمال واضح للتعليم و الثقافة , بعكس البنات اللواتي يجتهدن في إكمال دراستهن أملا بالهروب للخارج أو لنيل وظائف بمرتبات عالية تمنحهم بعض الحرية و الاستقلال . و ينتشر في أوساط مواطني الدولة العديد من الأمراض الاجتماعية كالعنوسة و إهمال الأطفال و التسيب و المثيلية الجنسية , التي تنتشر أحيانا بأرقام مخيفة في المدارس الرسمية و الأوساط المحافظة , بسبب الكبت الشديد و الانغلاق من جهة , و الاحتكاك الطفيف بعالم الغرب المنفتح بشكل مخيف أيضا من جهة أخرى , و المخدرات أيضا لها حصة واسعة في هذه الأوساط , بدون إهمال حب الظهور و الإسراف في الشراء بدون هدف غير الظهور حتى لو ترافق ذلك بغير قدرة مادية .
و تجد في أبو ظبي كل شيء و ترى كل شيء , من أجمل سيارات العالم و أغنى أناسه , إلى أفقر البشر الذين لا يستطيعون تدبر أمر كفاف يومهم , و أذكر أن كان هناك هندي عجوز يعمل قي ترقيع الأحذية على بسطة تحت إحدى البنايات قرب شجرة , كنت أحس أنه مزروع منذ الأزل بقرب هذه الشجرة , يتقاضى أجرا زهيدا من إصلاح الأحذية لأمثاله من المعدمين , كنت أستغرب كيف يستطيع الحياة بهذه الظروف المناخية القاسية تحت الشمس اللاهبة الحر الشديد , و قصة الحر في أبو ظبي عجيبة , و في السنة فصلان هنا لا غير , هما الصيف و الصيف , صيف معتدل خفيف الظل يبدأ في أول تشرين الثاني تقريبا و ينتهي في أول نيسان , وصيف قائظ حار متعب شديد الرطوبة لا يحتمل في باقي السنة , و أذكر مرة أني كنت أسير في الشارع تحت درجة حرارة تقارب الستين و كانت الرطوبة من القوة بحيث تستطيع أن ترى خيوط الماء معلقة في الهواء و من شدة الرطوبة بدأت السماء تمطر غزيرا و شدة الحرارة كانت تمنع الماء من النزول إلى الأرض فما تكاد حبة الماء تلامس سطع الأرض حتى تتبخر من جديد .
كان الناس في أبو ظبي يكثرون من السفر إلى دبي , للتبضع و التنزه في الإجازات , و بعد أن أقيمت في أبو ظبي العديد من الأسواق الهائلة الحجم خف السفر إلى دبي , مثل أبو ظبي مول و المارينا مول , و زاد عدد أماكن التسلية بشكل كبير في السنوات الماضية , ترافق ذلك مع حركة عمران واسعة بسبب ضغوط دولية ( كما يقال ) على الدولة لضخ ما يقارب عشرة مليارات دولار سنويا على شكل مشاريع , بعد فترة من الانكماش و ارتفاع الأسعار و هبوط الرواتب , و يعزى التضخم الشديد في حجم الأعمال أيضا إلى محاولة التنافس مع دبي في جذب الاستثمارات السياحية و المصرفية و التجارية , و الجدير بالذكر أن أبو ظبي تتجه إلى تنويع مصادر الدخل لتعتمد على غير النفط , كالصناعة الزراعة و أخذت خطوات جبارة في هذا المجال , و خاصة في المجال الزراعي , حيث حول المرحوم الشيخ زايد أبو ظبي من صحراء قاحلة إلى واحة غنّاء تخضرّ يوما بعد يوم ,
و يقال أن أحد الإنكليز هزء من الشيخ زايد يوما عندما طلب من الحكومة الإنكليزية مهندسين زراعيين , و سأله عن حاجة الصحراء إلى مهندسين زراعيين , فوعده الشيخ زايد بتصدير منتجات أبو ظبي إلى إنكلترة نفسها , و اليوم تصدر أبو ظبي الفواكهة إلى إنكلترة و الزهور إلى هولندا , و تغطي كميات كبيرة من حاجاتها المحلية المتزايدة من إنتاجها المحلي .
و تختلف أوضاع الجاليات في أبو ظبي كثيرا , و الترابط بينها يتراوح من الشديد إلى المعدوم , فمعروف عن بعض الجاليات مساعدتها لبعضها و تأمين السكن و الوظائف للقادمين الجدد و إقامة المراكز الثقافية, مثل الجالية الهندية و الإنكليزية و السودانية و اللبنانية من الجانب العربي , و يندر الانسجام بين أفراد بعض الجاليات كالمصرية و الباكستانية و خاصة السورية , التي لا يجمعهم غير المصادفات في الأسواق و دور العبادة , بل يتميزون بالعداء لبعض و شدة النميمة بينهم .
هذا ما خطر ببالي حاليا , قد أعود إلى نفس الموضوع لاحقا مع أفكار أخرى .
أرجو أن تكونوا قد استمتعتم بما كتبت .
و إلى لقاء قريب
كان معكم من أبو ظبي , مراسل Akhawia.net وأحد سفراءها في أبو ظبي و حمص .
و أسلموا
تحياتي الخضراء
Dimozi