-
دخول

عرض كامل الموضوع : هل كان يمكن تجنب الهزيمة عام 1967???!!!


dot
08/07/2006, 22:47
بقلم: اللواء أديب الأمير
ضابط سوري سابق

كنت أشغل منصب المسؤول عن الجبهة السورية في القيادة العربية الموحدة، والتي اتخذت مقراً لها في مدينة نصر بالقاهرة، والتي كان يقودها الفريق أول علي عامر. وكان المرحوم اللواء عبد المنعم رياض رئيسا لأركان هذه القيادة.
شكلت هذه القيادة في شباط 1964 بعد خطاب تاريخي ألقاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأعلن فيه نقلاً عن لسان مسؤول عسكري سوري، أن الجيش السوري لا يستطيع وحده حماية عملية "تحويل روافد نهر الأردن" والتي كان يفترض أن تتم على الأرض فيما بين مرتفعات الجولان وجنوبي لبنان. ولذلك أصبح من الضروري توحيد الجهود العربية كاملة وتنسيق التعاون العسكري والمالي بين الدول المشتبكة أو "المجاورة" والدول الداعمة (والنفطية أساساً).
وكان هذا التعاون والتنسيق يتضمن وضع خطة لحماية مناطق العمل لتحويل هذه الروافد، ووضع الأسس والترتيبات اللازمة لضمان تنفيذ هذه الخطة، بما في ذلك تمركز القوات اللازمة في المواقع المناسبة عبر البلدان العربية المحيطة وتشكيل القوات اللازمة لتعزيز الجيوش العربية التي ستتولى تنفيذ هذه الخطة. وبطبيعة الحال تقديم الدعم المالي الكفيل بتشكيل هذه القوات برا وجوا أساساً.
لن أدخل في تفاصيل سير العمل والتجاذب والمناورات التي حصلت ضمن إطار هذه القيادة والتي تهدف أساساً إلى اجتذاب القدر الأكبر من المعونات المالية من الدول الداعمة لتشكيل قوات جديدة أو لتجهيز قوات موجودة في الأصل، ولا إلى تصرف قيادات بعض الجيوش بهذه الأموال، وفيما إذا كان يخدم الهدف الأساسي لتشكيل وتفعيل هذه القيادة. ولكن إسرائيل بطبيعة الحال اعتبرت تشكيل هذه القيادة وفعالياتها المحتملة مؤشراً محتملاً للإخلال بميزان القوى في المنطقة. وقد يجعل ذلك إمكانية تحويل روافد نهر الأردن وارداً في الحسبان، أو أن إسرائيل - في أدنى احتمالات المواجهة - ستكون في موقف أصعب لمنع مثل هذه الإمكانية مع مرور الزمن، خاصة مع ما تمثله مشكلة المياه في إسرائيل من أهمية بالغة.
خلفيات عربية وعالمية:
خلال السنوات الأربع التي تلت تشكيل هذه القيادة وحتى أيار/ مايو 1967 كانت أجواء الجبهات العربية مع إسرائيل متوترة بشكل عام وشديدة التوتر في بعض الأحيان، جرت خلالها معارك جوية كبيرة بين القوات الجوية السورية والإسرائيلية، وكانت القيادة العربية الموحدة تحاول أن تؤثر في الأحداث لجهة استبعاد تطور المعارك إلى حرب، بانتظار تجهيز القوات المقررة، وعدم إعطاء المبررات لإسرائيل لإجهاض هذه الاستعدادات، وكان الصراع على أشده مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتصرف دون أي تنسيق أو تشاور مع القيادة العربية الموحدة.
على المستوى العربي، أعتقد أن سنوات الستينات لم تكن تختلف عن سنوات الزمن العربي الرديء الأخرى، بحيث أصبح الصراع العربي - الإسرائيلي يشكل أكثر فأكثر الحجة المناسبة لتبادل الاتهامات بين الدول العربية على خلفية هذا الصراع والذي يصل في بعض الأحيان إلى العمالة لإسرائيل أو التعاون معها ضد هذا النظام أو ذاك، لضمان فرصة أكبر لتثبيت أنظمة الحكم على حساب إضعاف الأنظمة الأخرى.
أما على نطاق السياسة الدولية فقد كانت السنوات التي سبقت حرب حزيران تتميز بهجوم غربي-أمريكي منظم بهدف كسب مواقع جديدة، وإضعاف الكتلة الاشتراكية على جميع الجبهات. وللتذكير على سبيل المثال لابد من وضع الأحداث التالية خلفية لحرب حزيران والصراع العربي - الإسرائيلي:
1. التصعيد المستمر لحرب الولايات المتحدة في فيتنام واستمرار تزايد الخسائر في صفوف القوات الأمريكية أفراداً وعتاداً.
2. قلب أو محاولة قلب الأنظمة الحرة والمتعاطفة مع الاتحاد السوفييتي (نكروما في غانا وسوكارنو في اندونيسيا .. . وفي قبرص واليونان .. .الخ).
3. السبق السوفييتي في غزو الفضاء، والذي وضع الولايات المتحدة أمام شعبها والعالم في موقف حرج من الناحية العلمية بما يشكل مغنطيساً جاذباً لقوى محايدة لتكون أقرب إلى التعاطف مع السياسة السوفييتية، وليكون نظامها الداخلي أقل صدقية في ادعاءاته بالتفوق ..
4. بالعودة إلى ظروفنا يجب ألا ننسى أن الجزء الأهم من الجيش المصري كان منشغلاً في جبال اليمن، وأن التهويل بامتلاك عبد الناصر لأكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط لم يكن ليخدع أحداً، وأن إسرائيل تعرف ذلك أكثر من غيرها.
ولكن ماذا يجري عندنا؟
في القاهرة وفي القيادة العربية الموحدة - وكان فيها ضباط كبار من مختلف الدول العربية - مر شهر أيار/ مايو طويلاً ونحن نناقش إمكانية نشوب حرب بالرغم من أننا لا نملك أي حصة - مهما صغرت - في قرار خوضها أو منعها. بطبيعة الحال كان هناك العديد من الآراء، فبعضهم استبعد الحرب لأن إسرائيل لا تستطيع أن تخوض الحرب على جبهتين أو ربما أكثر، والبعض الآخر حلم بأن تتدخل قوى خارجية لضمان أو فرض تسوية - أو تسويات - تمنع قيام الحرب.
وقد وضعت نفسي في موقع صاحب القرار في إسرائيل، فوجدت أن الحرب ليس خياراً مناسباً إسرائيلياً فقط، بل إنها فرصة تاريخية لا تفوت لفرض حلولي الإسرائيلية كاملة على المنطقة عن طريق تدمير القوات المسلحة العربية بحيث لا تقوم لها قائمة لأمدٍ بعيد:
1. فالتوجه الأمريكي العالمي يتناسب تماماً مع توجيه ضربة إلى مواقع هامة من بؤر النفوذ السوفييتي في منطقة حساسة من العالم.
2. الدعم الأمريكي - إن لم يكن التحالف - مضمون بالنظر إلى طبيعة وحدة الأهداف والمصير الأمريكي - الإسرائيلي، وهو بتحييد أي تدخل سوفييتي في الميدان.
3. أما التعاون الذي بدأ يطبخ على عجل بين الدول العربية عسكرياً فلم يعط أكله بعد، مما يستدعي خوض الحرب فوراً ودون تأخير.
4. أما الوضع العسكري وخاصة انشغال الجيش المصري في اليمن، فهو في أحط حالات الجاهزية.
5. إمكانية خوض حرب على أكثر من جبهة يؤخذ بالحسبان إذا كانت تلك الجبهات قادرة على تهديد إسرائيل، وذلك بتنفيذ هجوم على أراضي الأخيرة يهدد أمن بلادها أو سكانها عندما تكون مشغولة بالهجوم على جبهة أخرى. وطالما أن هذا كان غير ممكن عسكرياً فإن إسرائيل تستطيع أن تنهي حربها على كل جبهة على حدة دون أن تخشى أي تهديد، اللهم إلا بعض صليات من المدفعية متوسطة أو بعيدة المدى لا تؤثر في سير العمليات الكبرى.
6. هذا إذا استثنينا الأوضاع الداخلية في البلدان العربية المحيطة، وحقيقة نواياها كل واحدة تجاه الأخرى، حتى لو استبعدنا إمكانية التوريط وخاصة لناحية تهميش الدور القيادي للرئيس عبد الناصر. وبالنسبة للدول الداعمة السكوت إن لم يكن الموافقة على ضرب المشروع العربي أساساً.
لا شك أن إسرائيل كانت تعي جيداً كل ذلك .. . فكيف تفوت الفرصة؟
هل كان هناك قرار عربي بخوض الحرب أو بتجنب خوضها؟
كانت الخطة العربية السورية - المصرية للحرب تعتمد أساساً على قيام الجبهة غير المهاجمة بشن هجوم على إسرائيل لتهديدها استراتيجياً وتوزيع جهودها العسكرية بحيث تفشل في القيام بهجوم مثمر على إحدى الجبهتين دون أن تضحي بخسائر استراتيجية وبشرية على الجبهة الأخرى.
ودخل الأردن في الأيام الأخيرة على الخط، وذهب اللواء عبد المنعم رياض إلى الأردن لقيادة العمليات وتنسيقها على الجبهتين الرئيسيتين.
كنا نشاهد - كما جميع المصريين - أرتال الدبابات والمدفعية المصرية تتحرك إلى سيناء عبر شوارع القاهرة باستعراض مكشوف لم يكن له دلالة سوى إظهار نية المجابهة على المستوى الشعبي والعالمي، وهذا يعني التباس النوايا الحقيقية لمصر في خوض الحرب. ربما فكر العض أن هذا قد يبعث الرعب في نفوس الإسرائيليين، وهو في نفس الوقت إشارة الكبار للتدخل لمنع الحرب.
في يوم الثامن والعشرين من أيار / مايو وصلت برقية إلى القيادة العربية الموحدة من قيادة الجيش السوري تستدعيني شخصياً للعودة إلى سورية بأول طائرة.
حضّرت حقيبة يد بما يلزم من الوثائق واللوازم العسكرية ونسّبت إحضار بعض الملابس الضرورية، وتوجهت إلى المطار تاركاً ورائي زوجتي وثلاث أطفال أحدهم رضيع في أشهره الأولى. حطت الطائرة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 29/5 في مطار المزة، وتوجهت فوراً إلى القيادة.

dot
08/07/2006, 22:49
كان قد بدأ شك كبير بأن الحرب قد أصبحت على الأبواب، وحضرت في اليوم التالي اجتماعاً لعرض الخطة الهجومية السورية في حال أطلقت إسرائيل قواتها على الجبهة المصرية، وحضر الاجتماع اللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش آنذاك، وقد صدق على الخطة كما عرضها عليه اللواء عبد الرزاق دردري رئيس شعبة العمليات، ولكنه اعترض اللواء سويداني قبل مغادرته سائلاً عن الاسم الرمزي الذي يفضل إطلاقه على هذه الخطة.
فكر اللواء سويداني لثوان معدودة وقال بفخر لا يخفى: "نصر" .. اعترضت على التسمية، فدعاني اللواء سويداني - وكان من مستجدي دورتي في الكلية العسكرية - إلى مكتبه للمناقشة وتبعته، خاصة وأنني لا أعلم لماذا استدعيت إلى سورية وماذا ينتظرني من مهام.
أبديت له في مكتبه القريب من اجتماع الخطة مخاوفي الكبيرة - معللة عسكرياً - من إمكانية تحقيق أي نجاح لهذه الخطة، وهاهي بعض الأسباب:
• إن مسرح العمليات غير محضر للقيام بأية عملية هجومية، لا طرق ولا مرابض ولا قواعد انطلاق للقوات المهاجمة الأمر الذي يتطلب لإتمامه فترة زمنية طويلة تعد بالأسابيع وليس بالساعات - كما ادعى -
• إن القوات المكلفة بالهجوم لا تتمتع بأي كفاءة عسكرية وكان عمودها الفقري اللواء 80 الاحتياطي، والذي جمعت عناصره على عجل، وبعضها لم يستلم سلاحه وذخيرته بعد. بل إن الكثير من عناصره لا يزال باللباس المدني وهو لم يستدع للتدريب منذ وقت طويل.
• كانت الوسائط القتالية الأخرى اللازمة للقتال الهجومي الذي يعتمد أولاً على الحركة شبه معدومة، فالشاحنات المدنية كانت تنقل العسكر إلى مواقع لا يعلمون عنها شيئاً، ولم تحضر لأي غرض قتالي.
• لم يكن لدى قوات الهجوم أي وسائط قيادة واتصال تقريباً، كما أن القيادة العامة لا تملك مثل هذه الوسائط لتأمين سيطرة مركزية على القوات المشتركة في الهجوم.
• لم ينظم أي تعاون بين القوات المهاجمة وبين وحدات الدفاع المتمركزة في قطاع هجومها (العبور - التغطية الجوية - المرور من حقول الألغام - الاستفادة من الدعم الناري والمدفعي للقوات المدافعة). طبعاً كان هناك كلام نظري حول بعض هذه الأمور ولكنه يفتقر إلى أي مرتكز واقعي.
كان اللواء سويداني في وضع حرج جداً، ولم يستطع أن يدخل في نقاش جاد حول الملاحظات التي أبديتها، وهنا أسقط في يده وأطلعني - كما يقول - على سر كبير لا يعلم به أحد وعزاه إلى الرئيس عبد الناصر في اجتماع ضمهما مع رئيس الوزارة آنذاك يوسف زعين ومفاده أن "الحرب لن تقوم، وسنكسب المعركة دون قتال". وكان هذا الاجتماع منذ يومين - كما ادعى -.
لم أصدق هذه الرواية ولكنني لا أستطيع تكذيبه وجهاً لوجه، ولكنني رجوته ألا يصل هذا الكلام إلى القوات بأي شكل من الأشكال، لأن خبرا كهذا سوف ينتشر كالنار في الهشيم وسوف يتواكل القادة والمقاتلون ولا ينفذون أي إجراء يرفع من جاهزيتهم القتالية، وخاصة أنني لم أوافقه على هذا التقييم الذي خرجوا به مع الرئيس جمال عبد الناصر. وأن قرار الحرب هو قرار إسرائيلي وليس قرارنا بعد الآن.
على خط النار:
صدر القرار بتعييني رئيساً لأركان مجموعة الألوية 35 بقيادة العميد سعيد طيان وذلك بدلاً من العقيد إحسان زين الدين الذي كان لا يتمتع بالكفاءة العسكرية اللازمة لشغل هذا المنصب - حسب تصريح اللواء سويداني - ولكنني بهذه المناسبة عبرت له عن أن مثل هذه العليقة والحرب على الأبواب لا تجدي نفعاً، وأجاب معترفاً بأنهم تأخروا في مثل هذه الإجراءات، ولكن وجودي أفضل من العقيد زين الدين (وأن تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً).
لم أستغرب معالجة أمور بهذا القدر من الأهمية بمثل هذه السطحية والارتباك وسوء التقدير، وأنا أعام أن الأمر في القطاع المدني لا يختلف كثيراً، إن لم يكن أسوأ بكثير. ولكن القوات المسلحة كانت تعاني أساساً من عيوب هامة لا تستطيع معها أن تكون في حال جاهزية عالية وأركز على ثلاثة منها:
أولاً- كانت القوات المسلحة مهتمة بكل الأمور الداخلية ماعدا الجاهزية القتالية، والصراع على السلطة كان الهم اليومي للقادة ليس فقط على المستوى الأعلى، بل إنه كان حديث الساعة حتى على مستوى المقاتل العادي.
ثانياً- إن تشكيل القوات وتمركزها واختيار عناصرها وتجهيزهم وتسليحهم لم يكن بغرض المواجهة مع العدو، فهذا كان آخر اهتمامات المسؤولين.
ثالثاً- أبعدت الأكثرية الساحقة من الكفاءات القيادية عن مراكز القيادة، وسلمت إلى قادة موالين غير مؤهلين، وأحيانا أغبياء وغالباً مكروهين، الأمر الذي خلق هوة كبيرة بين القيادات والمقاتلين على مختلف المستويات.
هل من المستغرب إذاً أن أجد لدى بعض الضباط من مجموعة الألوية شعوراً بالشماتة عندما اخترقت القوات الإسرائيلية خطوط جبهتنا في شمال الجولان؟ ولم أتكتم على ذلك، بل ذكرته في تقريري عن الحرب بعد انتهائها مع التحليل المناسب وبدون ذكر الأسماء طبعاً، ورفعته إلى القيادة العامة بالطريق النظامي.
لم تصطدم قيادة مجموعة الألوية 35 مباشرة مع العدو، ولكنها كانت جاهزة لصد أي هجوم ينطلق من القطاع الجنوبي للجبهة من جنوب بحيرة طبريا، وبالفعل فقد لوحظ من مساء التاسع من حزيران - بعد أن اخترقت جبهتنا من القطاع الشمالي صباحاً - تجمعات كبيرة تتزايد مع مرور الوقت، واتخذنا قراراً بتدميرها أو على الأقل منعها من متابعة التجمع الذي بدا لنا وكأنه مؤشر على هجوم، يؤمن في حال نجاحه تطويق القوات السورية المدافعة على هضبة الجولان وذلك بالتلاقي مع الاختراق الذي حصل شمالاً.
لم تتفق القيادة معنا في تقديراتنا - على ما يبدو - وفوجئت باتصال قرب منتصف الليل، وكان على الطرف الآخر العقيد عبد الكريم الجندي رئيس المخابرات العامة، وكان ينتقد تصرفنا في القصف المدفعي، ويزعم أنه كان من المفترض أن نستأذن القيادة في ذلك. إلا أنني رفضت هذا المبدأ، مذكراً أن العدو قد أصبح في ديارنا ولا يعقل أن نراه يحضر لتطويقنا ونحن بانتظار إذن القيادة للاشتباك معه، ثم استنكرت تدخله في أمر عسكري كهذا وهو لا يملك مثل هذا الحق. حينئذ قال بأنه يتكلم من مكتب وزير الدفاع، واستلم اللواء حافظ الأسد الهاتف وحاول أن يبرد من ثورتي بالادعاء بأن العقيد الجندي يتحدث باعتبار أن هناك حديثاً عن وقف لإطلاق النار، قد يتم في الساعة الثالثة من فجر هذا اليوم العاشر من حزيران. وأجبته بأننا ننفذ الأوامر حين تلقيها، وأن توجيه اللوم والانتقاد بسبب اشتباكنا مع العدو وهو في أرضنا أمر لا يمكن قبوله.
استمرت المعركة في القطاع الشمالي والأوسط حتى ظهيرة اليوم العاشر من حزيران، وفي القطاع الجنوبي تابعنا معركة المدفعية مع الرماية المباشرة على خط الجبهة، وقد تبين فيما بعد ومن الأدبيات الإسرائيلية عن هذه الحرب، أن القيادة الإسرائيلية كانت بالفعل تحضر هجومها باختراق خطوط دفاعنا في القطاع الجنوبي وذلك بقوة لوائين في نسق الهجوم الأول، واعترف الكتاب الإسرائيليون بأن مدفعيتنا وأسلحة الرمي المباشر على خط وقف إطلاق النار قد شتت القوات المتجمعة جنوب بحيرة طبريا، وألغي قرار الهجوم هذا.
بعض الحقائق والمواقف التفصيلية التي ميزت الحرب على الجبهة السورية:
أولاً- خط الجبهة الحصين لم يكن إلا أسطورة، فالدفاعات السورية كانت عادية جداً. الخنادق والأفراد كانت مدعمة بدرجات مختلفة، وبعض المنع الإسمنتية لما كان يسمى بأسلحة الوضع، وهي قطع مدفعية أو دبابات منفردة زرعت في مواقع مناسبة للاشتباك تحسب ولا تتعلق بخطة الوحدات المدافعة حولها إلا من باب التنسيق، ولم يكن هناك خطة تحصين متكاملة تشمل كل قطاعات الجبهة.
ثانياً- لم تكن القيادة الميدانية للجبهة تمارس سيطرتها على القوات المدافعة وقوات الهجوم المعاكس التي كان من المفروض أنها تستعد لتنفيذ هجومها المعاكس على العدو المخترق، كما أن أي تنسيق لم يكن قد نظم بين المدافعين واللواء 70 المدرع الذي كان يقوده المقدم عزت جديد والذي يعتبر العمود الفقري للهجوم المعاكس.
ثالثاً- إن الظروف النفسية التي كانت مسيطرة على القوات السورية المدافعة بعد سقوط الجبهتين المصرية والأردنية في أقل من أربعة أيام، وتوجه كامل الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى الجولان كانت مدمر، ولا يمكن أن ننسى أبداً الآثار المأساوية لإعلان الرئيس جمال عبد الناصر استقالته باعتباره مسؤولاً عن خسارة الحرب وتدمير جيشه.
رابعاً- كان إعلان سقوط القنيطرة قبيل ظهيرة اليوم العشر من حزيران سبباً هاماً أفقد كل مدافع على كامل قطاع الجبهة أي أمل في جدوى وفاعلية صموده، وبالتالي فقد تخلخل الدفاع بالانسحابات الكيفية حتى انهار.
لا أريد أن أعلق كثيراً على سقوط القنيطرة - أو إعلان سقوطها - لأن تبرير السقوط - أو إعلانه - لا يزال ملتبساً وخاضعاً لتفسيرات واجتهادات لا تنتهي، ورغم مرور 39 عاماً على هذا الحدث، فإن أي إيضاح لم يصدر كما لم تنشر أية وثيقة .. . وكأن الأمر لا يتعدى انقطاع التيار الكهربائي عن حي فقير يقبع بعيداً في ريف دمشق.
__________