dot
08/07/2006, 15:47
د.مراد الصوادقي
ما نقرأه من كتابات عن المرأة في مجتمعنا ,يؤلم حقا ويؤذي المرأة ويتوهم من يكتبها بأنها تؤدي دورا لصالح المرأة ودفاعا عنها, وفي واقع أمرها, إنها ضد المرأة’ لأنها تضفي عليها صفات سلبية وتجردها من كل ما هو إيجابي. ويبدو في هذه الكتابات الظلم وعدم الإنصاف للمرأة وعدم تقديمها للعالم بصدق وأمانة ووضوح وإنما يتم الإمعان بتشويه واقعها ودورها الاجتماعي والإنساني. فترى العالم يتحدث عن المرأة في مجتمعنا مثلما تتحدث كتاباتنا عنها.
إنه لمن المحزن حقا أن لا تذكر المرأة محاسن حياتها في كتاباتها عن المرأة قبل أن تذكر مساوئها. وكأنها كتابات تحاول أن نخرج من الزمن المعاصر لنسقط بعيدا عن مسيرة التاريخ ودروب الحضارة والارتقاء و نراوح في ذات المكان ونعشق الرجوع إلى الوراء بسرعة فائقة.
سأتناول بعض الملاحظات ذات العلاقة بتفاعل المرأة والرجل في المجتمع البشري ولا أظنني سأأتي بجديد لأن الموضوع قد رافق المجتمعات البشرية منذ نشأتها وسيبقى هكذا ما دامت المجتمعات البشرية قائمة. وقد كتب فيه أعلام النهضة في مجتمعاتنا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأشبعوه أفكارا ورؤى ومقترحات. ولا أريد أن أكرر بقدر ما أشير إلى إغفالنا للأشواط التي قطعتها المرأة في سلم المشاركة الاجتماعية وممارسة حقوقها ودورها في مجتمعنا على مدى العقود الخمسة الماضية –على الأقل-برغم كل الصعوبات والممانعات في تسليط الأضواء على إنجازاتها المتنوعة في ميادين الحياة المختلفة. وللأسف تشدنا رغبة قوية في اعتبار ما عندنا سيئ وخاطئ وما عند غيرنا جيد وصحيح ونمعن في تعميمنا المنحرف لهكذا مفاهيم. ويبدو أننا ننسى بعض الحقائق ويكون من المفيد التذكير بها.
1
إن المشاكل ما بين البشر موجودة منذ الأزل وستبقى إلى الأبد ولا يمكننا أن نتخيل حياة بشرية على سطح الأرض من غير مشاكل وصراعات ومعاناة. والبشر رجل أو امرأة يدور في دوامة العناء, والتفاعل فيما بينهما لا يخلو من السلب والإيجاب. ومهما ادعينا فإن المشاكل ستبقى قائمة ولا يمكننا أن نتخيل أن هناك علاقة مثالية ما بين الرجل والمرأة على سطح الأرض. ولن نحل هذه الإشكالية مهما حاولنا لأنها جزء مهم من مسيرة الحياة البشرية المنبثقة من علاقة الرجل والمرأة. فلكل مجتمع مشاكله فيما يخص تفاعل الجنسين. ولا يمكننا أن نجزم بأن المجتمعات الأخرى خالية من عناء النساء وبأن الحرية الجنسية قد وفرت كل الحلول ومنحت المرأة غاية السعادة والأمان. نحن نسميها مشكلة في كتاباتنا وهي في حقيقتها تفاعلات متنوعة ذات نتائج مختلفة ومتعددة. ولكي نكون موضوعيين وواقعين فإن علينا الإقرار بعدم وجود مجتمع بشري مثالي يخلو من عناء المرأة والرجل على حد سواء. وجهد كل باحث ومصلح اجتماعي يكون باتجاه تخفيف المعاناة وإيجاد بعض المخارج المفيدة من أزمات التفاعل البشري.
إشكالية العلاقة ما بين الرجل والمرأة ليست شرقية أو غربية إنها إشكالية بشرية رافقت الوجود البشري منذ الأزل وبسبب التعقيدات المصاحبة للسلوك البشري وتشابك الدوافع البشرية وتخلقها بأساليب أكثر تعقيدا وغموضا من باقي المخلوقات, يحصل تواصل في إشكاليات التفاعل ما بين الجنسين اللذَين لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما إلا فيما ندر. فالعلاقة ما بين الاثنين عبارة عن علاقة تبادل منفعة واعتماد وتأسيس مؤسسة مشتركة تحقق رغباتهما وطموحاتهما معا. لكن هذه الشراكة تتعرض للكثير من الصعوبات والاضطرابات, بسبب تنوع الشخصيات البشرية واضطرابات السلوك وتعدد الآليات التي تتحكم بسلوكها والنتائج المترتبة عما يحصل من تداخلها مع آليات الشخصية الأخرى التي تريد أن تتفاعل معها وتتواصل. فالسلوك البشري هو من أعقد سلوكيات المخلوقات الأرضية وأشدها غموضا .
بصورة عامة فأن مؤسسة العائلة التي تم بناؤها من قبلهما لا زالت مستمرة ومفيدة لإستمرار النوع البشري. وهي الصيغة الأمثل التي أكتشفها البشر منذ بدايات وجوده على الأرض. فقد أسس آدم وحواء النواة الأولى للعائلة البشرية واستمرت مسيرة التفاعل ما بين أفراد البشر لصياغات عائلية متنوعة تطورت لتكوّن مجتمعات وشعوب وأمم. فالهدف المشترك والسامي للمرأة والرجل هو العائلة ومن المفيد أن نسلط الأضواء على هذا الهدف الاجتماعي الإنساني الذي يحقق وجودنا الصحيح على وجه الأرض. أما ما يخرج عن هذا الإطار التفاعلي ما بين الجنسين فأنه يأخذ منحنيات واتجاهات ذات تأثيرات ومعطيات عديدة. فمنطق بناء العائلة واستثمار الغريزة التفاعلية بين الجنسين بطريقة بناءة ومفيدة لهما وللأجيال من بعدهما هو المنطق الذي ساد عبر العصور وهو الذي حقق إستمرار النوع البشري.
وفي زمننا المعاصر أصيب هذا المفهوم بتصدع وأخذنا ننحى بعيدا عن المؤسسة العائلية المتكافلة وراح الاتجاه نحو بناء علاقات رغبوية لا تمتلك مبررات التكافل والاعتماد والتواصل, بل أنها ترتبط بدرجة حرارة الرغبة و برودتها. مما أدى إلى إهمال نواة استمرار المجتمعات البشرية وتمييعها واعتبارها موضوعا متخلفا. فالزواج في بعض المجتمعات أصبح حالة غير معاصرة والحاجة إلى الرجل ما هي إلا حاجة غريزية آنية أو وقتية وحسب والعكس صحيح. أما ما ينتج عن هذا التفاعل من أطفال فإن أحد الجنسين لوحده يكون المسؤول عنهم أو الآخرين الذين يرغبون ووفقا للقوانين التي تنظم ذلك (ومن يقرأ مسلة حمورابي يجد قوانينَ بهذا الخصوص أيضا وفي ذلك الزمن) وفي أغلب الأحيان تكون المرأة الأم بحكم غريزة الأمومة صاحبة المسؤولية. وهكذا فنحن نسعى بوعي أو دون وعي منا إلى تفتيت النواة الاجتماعية تحت ذرائع لا تتفق والإرادة البشرية البقائية. لكن هذا السعي لا يمكنه أن يحقق أهدافه لأنه ضد الطبيعة وقوانين الحياة الأرضية وإرادة التواصل البشري السليم على سطح الأرض.
2
وفي كثير من كتاباتنا نحن نجنح إلى المثالية والانفعالية في تناول الموضوع وكأنه أبيض وأسود وكأن الرجل هو المتهم الأول والمرأة بريئة ومظلومة وتعاني من بطش الرجال. وفي هذا الكثير مما ينافي واقع الحياة وطبيعتنا البشرية وما يجري بين المرأة والرجل من تفاعلات. المجتمعات البشرية عموما لا تخلو من التفاعلات الإيجابية السائدة والتفاعلات السلبية المتحققة ولكن بنسب أقل مما هو سائد. فلو أخذنا مجتمعنا العراقي على سبيل المثال, لرأينا أن المرأة لها دورها في المجتمع وعلى مختلف المستويات وهي مكرمة في بيتها وبين أهلها وفي مجتمعها وفي ذات الوقت تجد الكثير من العلاقات السلبية هنا وهناك لكن الغالب هو الجيد. ولو نظر كل منا إلى نفسه وعائلته ومن حوله لأدرك أن هناك ما هو إيجابي أكثر مما هو سلبي في علاقة الرجل العراقي بالمرأة. ترى لماذا لا ننطلق من أنفسنا وعوائلنا في الحديث عن هذا الموضوع؟ ألسنا نؤلف نواة في المجتمع الذي نحن فيه؟ لماذا نذهب إلى أشياء بعيدة ونحاول أن نتصور أكثر مما نرى ونصور بموضوعية وأمانة؟ والجواب قد يكمن بهذه السلبية التي تجتاحنا وتتمكن من رؤانا فنقع في مهاوي الإجحاف والتزييف.
وعندما نأخذ الموضوع إلى مدى أبعد ونشمل المجتمعات الإسلامية فإننا سنجد ذات الحالة, لأن الدين الإسلامي-من وجهة نظري على الأقل-قد أوجد صيغة عملية صحيحة ذات قيمة اجتماعية للتفاعل ما بين المرأة والرجل تكفل حقوقهما وتحدد وواجباتهما وتحمي العائلة والمجتمع من الأضرار. وديناميكية العلاقة التفاعلية مبنية على أفكار أساسية مطلقة المعاني والأبعاد وتتلخص بالمودة والرحمة والسكينة والمعروف. وما شذ عن ذلك فهو لا يمت إلى الإسلام بصلة مهمة. بل أن هناك تنظيم متطور لأدق تفاصيل العلاقة ما بين الجنسين في تراثنا الإسلامي.
وفي المجتمعات الأخرى علاقة المرأة بالرجل ليست مثالية , بل أنها مشحونة بالكثير من المشاكل والمعضلات, حيث تزداد نسب الطلاق وتصل إلى أعلى مستوياتها في تاريخ البشر وتجد المرأة لوحدها في البيت وتتحمل مسؤوليات على الرجل أن يشاركها بها من أجل سلامتها وسلامة الجيل الناشئ. ولهذا تجد مؤسسات الرعاية الاجتماعية والنفسية للعائلة والأطفال في ازدياد كبير جدا, إضافة إلى علاقات العنف والاعتداءات بمختلف أنواعها مما أدى إلى إنشاء العديد من بيوت حماية المرأة من الاعتداء وكذلك الأطفال وغيرها مما لا يحصى من المشكلات. فمعاناة المرأة في أي مجتمع تتأثر بالواقع الثقافي والتقاليد في ذلك المجتمع ولا يمكننا أن نتوهم بأن مجتمع ما على وجه الأرض يخلو من مشاكل اجتماعية لأننا إن توهمنا بذلك فهذا يعني إننا ننفي وجود ذلك المجتمع. بل أن لكل مجتمع بشري مشاكله الخاصة به.
إن الأمراض التي تصيب الكتابات عن المرأة والرجل في مجتمعنا هي الانفعال والتعميم المنحرف واعتبار مشكلة هنا أو هناك مشاكل شاملة ومأزق بشري خطير وتركيز الموضوع على المرأة الشرقية والمجتمع الإسلامي وننسى أهمية ثقافات المجتمعات وتقاليدها وخصوصياتها وبأننا لا يمكننا أن نخاطب كل مجتمع بذات اللغة والمنطق والأعراف والتقاليد التي نخاطب بها مجتمع آخر. فالعلاقة ما بين الرجل والمرأة يجب أن تؤخذ حالة بحالة وفقا للوضع الاجتماعي والثقافي الملازم للحالة.
ما نقرأه من كتابات عن المرأة في مجتمعنا ,يؤلم حقا ويؤذي المرأة ويتوهم من يكتبها بأنها تؤدي دورا لصالح المرأة ودفاعا عنها, وفي واقع أمرها, إنها ضد المرأة’ لأنها تضفي عليها صفات سلبية وتجردها من كل ما هو إيجابي. ويبدو في هذه الكتابات الظلم وعدم الإنصاف للمرأة وعدم تقديمها للعالم بصدق وأمانة ووضوح وإنما يتم الإمعان بتشويه واقعها ودورها الاجتماعي والإنساني. فترى العالم يتحدث عن المرأة في مجتمعنا مثلما تتحدث كتاباتنا عنها.
إنه لمن المحزن حقا أن لا تذكر المرأة محاسن حياتها في كتاباتها عن المرأة قبل أن تذكر مساوئها. وكأنها كتابات تحاول أن نخرج من الزمن المعاصر لنسقط بعيدا عن مسيرة التاريخ ودروب الحضارة والارتقاء و نراوح في ذات المكان ونعشق الرجوع إلى الوراء بسرعة فائقة.
سأتناول بعض الملاحظات ذات العلاقة بتفاعل المرأة والرجل في المجتمع البشري ولا أظنني سأأتي بجديد لأن الموضوع قد رافق المجتمعات البشرية منذ نشأتها وسيبقى هكذا ما دامت المجتمعات البشرية قائمة. وقد كتب فيه أعلام النهضة في مجتمعاتنا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأشبعوه أفكارا ورؤى ومقترحات. ولا أريد أن أكرر بقدر ما أشير إلى إغفالنا للأشواط التي قطعتها المرأة في سلم المشاركة الاجتماعية وممارسة حقوقها ودورها في مجتمعنا على مدى العقود الخمسة الماضية –على الأقل-برغم كل الصعوبات والممانعات في تسليط الأضواء على إنجازاتها المتنوعة في ميادين الحياة المختلفة. وللأسف تشدنا رغبة قوية في اعتبار ما عندنا سيئ وخاطئ وما عند غيرنا جيد وصحيح ونمعن في تعميمنا المنحرف لهكذا مفاهيم. ويبدو أننا ننسى بعض الحقائق ويكون من المفيد التذكير بها.
1
إن المشاكل ما بين البشر موجودة منذ الأزل وستبقى إلى الأبد ولا يمكننا أن نتخيل حياة بشرية على سطح الأرض من غير مشاكل وصراعات ومعاناة. والبشر رجل أو امرأة يدور في دوامة العناء, والتفاعل فيما بينهما لا يخلو من السلب والإيجاب. ومهما ادعينا فإن المشاكل ستبقى قائمة ولا يمكننا أن نتخيل أن هناك علاقة مثالية ما بين الرجل والمرأة على سطح الأرض. ولن نحل هذه الإشكالية مهما حاولنا لأنها جزء مهم من مسيرة الحياة البشرية المنبثقة من علاقة الرجل والمرأة. فلكل مجتمع مشاكله فيما يخص تفاعل الجنسين. ولا يمكننا أن نجزم بأن المجتمعات الأخرى خالية من عناء النساء وبأن الحرية الجنسية قد وفرت كل الحلول ومنحت المرأة غاية السعادة والأمان. نحن نسميها مشكلة في كتاباتنا وهي في حقيقتها تفاعلات متنوعة ذات نتائج مختلفة ومتعددة. ولكي نكون موضوعيين وواقعين فإن علينا الإقرار بعدم وجود مجتمع بشري مثالي يخلو من عناء المرأة والرجل على حد سواء. وجهد كل باحث ومصلح اجتماعي يكون باتجاه تخفيف المعاناة وإيجاد بعض المخارج المفيدة من أزمات التفاعل البشري.
إشكالية العلاقة ما بين الرجل والمرأة ليست شرقية أو غربية إنها إشكالية بشرية رافقت الوجود البشري منذ الأزل وبسبب التعقيدات المصاحبة للسلوك البشري وتشابك الدوافع البشرية وتخلقها بأساليب أكثر تعقيدا وغموضا من باقي المخلوقات, يحصل تواصل في إشكاليات التفاعل ما بين الجنسين اللذَين لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما إلا فيما ندر. فالعلاقة ما بين الاثنين عبارة عن علاقة تبادل منفعة واعتماد وتأسيس مؤسسة مشتركة تحقق رغباتهما وطموحاتهما معا. لكن هذه الشراكة تتعرض للكثير من الصعوبات والاضطرابات, بسبب تنوع الشخصيات البشرية واضطرابات السلوك وتعدد الآليات التي تتحكم بسلوكها والنتائج المترتبة عما يحصل من تداخلها مع آليات الشخصية الأخرى التي تريد أن تتفاعل معها وتتواصل. فالسلوك البشري هو من أعقد سلوكيات المخلوقات الأرضية وأشدها غموضا .
بصورة عامة فأن مؤسسة العائلة التي تم بناؤها من قبلهما لا زالت مستمرة ومفيدة لإستمرار النوع البشري. وهي الصيغة الأمثل التي أكتشفها البشر منذ بدايات وجوده على الأرض. فقد أسس آدم وحواء النواة الأولى للعائلة البشرية واستمرت مسيرة التفاعل ما بين أفراد البشر لصياغات عائلية متنوعة تطورت لتكوّن مجتمعات وشعوب وأمم. فالهدف المشترك والسامي للمرأة والرجل هو العائلة ومن المفيد أن نسلط الأضواء على هذا الهدف الاجتماعي الإنساني الذي يحقق وجودنا الصحيح على وجه الأرض. أما ما يخرج عن هذا الإطار التفاعلي ما بين الجنسين فأنه يأخذ منحنيات واتجاهات ذات تأثيرات ومعطيات عديدة. فمنطق بناء العائلة واستثمار الغريزة التفاعلية بين الجنسين بطريقة بناءة ومفيدة لهما وللأجيال من بعدهما هو المنطق الذي ساد عبر العصور وهو الذي حقق إستمرار النوع البشري.
وفي زمننا المعاصر أصيب هذا المفهوم بتصدع وأخذنا ننحى بعيدا عن المؤسسة العائلية المتكافلة وراح الاتجاه نحو بناء علاقات رغبوية لا تمتلك مبررات التكافل والاعتماد والتواصل, بل أنها ترتبط بدرجة حرارة الرغبة و برودتها. مما أدى إلى إهمال نواة استمرار المجتمعات البشرية وتمييعها واعتبارها موضوعا متخلفا. فالزواج في بعض المجتمعات أصبح حالة غير معاصرة والحاجة إلى الرجل ما هي إلا حاجة غريزية آنية أو وقتية وحسب والعكس صحيح. أما ما ينتج عن هذا التفاعل من أطفال فإن أحد الجنسين لوحده يكون المسؤول عنهم أو الآخرين الذين يرغبون ووفقا للقوانين التي تنظم ذلك (ومن يقرأ مسلة حمورابي يجد قوانينَ بهذا الخصوص أيضا وفي ذلك الزمن) وفي أغلب الأحيان تكون المرأة الأم بحكم غريزة الأمومة صاحبة المسؤولية. وهكذا فنحن نسعى بوعي أو دون وعي منا إلى تفتيت النواة الاجتماعية تحت ذرائع لا تتفق والإرادة البشرية البقائية. لكن هذا السعي لا يمكنه أن يحقق أهدافه لأنه ضد الطبيعة وقوانين الحياة الأرضية وإرادة التواصل البشري السليم على سطح الأرض.
2
وفي كثير من كتاباتنا نحن نجنح إلى المثالية والانفعالية في تناول الموضوع وكأنه أبيض وأسود وكأن الرجل هو المتهم الأول والمرأة بريئة ومظلومة وتعاني من بطش الرجال. وفي هذا الكثير مما ينافي واقع الحياة وطبيعتنا البشرية وما يجري بين المرأة والرجل من تفاعلات. المجتمعات البشرية عموما لا تخلو من التفاعلات الإيجابية السائدة والتفاعلات السلبية المتحققة ولكن بنسب أقل مما هو سائد. فلو أخذنا مجتمعنا العراقي على سبيل المثال, لرأينا أن المرأة لها دورها في المجتمع وعلى مختلف المستويات وهي مكرمة في بيتها وبين أهلها وفي مجتمعها وفي ذات الوقت تجد الكثير من العلاقات السلبية هنا وهناك لكن الغالب هو الجيد. ولو نظر كل منا إلى نفسه وعائلته ومن حوله لأدرك أن هناك ما هو إيجابي أكثر مما هو سلبي في علاقة الرجل العراقي بالمرأة. ترى لماذا لا ننطلق من أنفسنا وعوائلنا في الحديث عن هذا الموضوع؟ ألسنا نؤلف نواة في المجتمع الذي نحن فيه؟ لماذا نذهب إلى أشياء بعيدة ونحاول أن نتصور أكثر مما نرى ونصور بموضوعية وأمانة؟ والجواب قد يكمن بهذه السلبية التي تجتاحنا وتتمكن من رؤانا فنقع في مهاوي الإجحاف والتزييف.
وعندما نأخذ الموضوع إلى مدى أبعد ونشمل المجتمعات الإسلامية فإننا سنجد ذات الحالة, لأن الدين الإسلامي-من وجهة نظري على الأقل-قد أوجد صيغة عملية صحيحة ذات قيمة اجتماعية للتفاعل ما بين المرأة والرجل تكفل حقوقهما وتحدد وواجباتهما وتحمي العائلة والمجتمع من الأضرار. وديناميكية العلاقة التفاعلية مبنية على أفكار أساسية مطلقة المعاني والأبعاد وتتلخص بالمودة والرحمة والسكينة والمعروف. وما شذ عن ذلك فهو لا يمت إلى الإسلام بصلة مهمة. بل أن هناك تنظيم متطور لأدق تفاصيل العلاقة ما بين الجنسين في تراثنا الإسلامي.
وفي المجتمعات الأخرى علاقة المرأة بالرجل ليست مثالية , بل أنها مشحونة بالكثير من المشاكل والمعضلات, حيث تزداد نسب الطلاق وتصل إلى أعلى مستوياتها في تاريخ البشر وتجد المرأة لوحدها في البيت وتتحمل مسؤوليات على الرجل أن يشاركها بها من أجل سلامتها وسلامة الجيل الناشئ. ولهذا تجد مؤسسات الرعاية الاجتماعية والنفسية للعائلة والأطفال في ازدياد كبير جدا, إضافة إلى علاقات العنف والاعتداءات بمختلف أنواعها مما أدى إلى إنشاء العديد من بيوت حماية المرأة من الاعتداء وكذلك الأطفال وغيرها مما لا يحصى من المشكلات. فمعاناة المرأة في أي مجتمع تتأثر بالواقع الثقافي والتقاليد في ذلك المجتمع ولا يمكننا أن نتوهم بأن مجتمع ما على وجه الأرض يخلو من مشاكل اجتماعية لأننا إن توهمنا بذلك فهذا يعني إننا ننفي وجود ذلك المجتمع. بل أن لكل مجتمع بشري مشاكله الخاصة به.
إن الأمراض التي تصيب الكتابات عن المرأة والرجل في مجتمعنا هي الانفعال والتعميم المنحرف واعتبار مشكلة هنا أو هناك مشاكل شاملة ومأزق بشري خطير وتركيز الموضوع على المرأة الشرقية والمجتمع الإسلامي وننسى أهمية ثقافات المجتمعات وتقاليدها وخصوصياتها وبأننا لا يمكننا أن نخاطب كل مجتمع بذات اللغة والمنطق والأعراف والتقاليد التي نخاطب بها مجتمع آخر. فالعلاقة ما بين الرجل والمرأة يجب أن تؤخذ حالة بحالة وفقا للوضع الاجتماعي والثقافي الملازم للحالة.