dot
05/07/2006, 17:28
د. هيثم مناع
أطباء بلا حدود، معلمون بلا حدود، محامون بلا حدود، صحافيون بلا حدود.. دخلت كلمة بلا حدود القاموس اليومي باعتبارها مرتبطة بفكرة النجدة للأشخاص أو الجماعات البشرية المنكوبة أو المنتهكة حقوقهم. وبهذا المعنى، أخذت بعدا إيجابيا في الوعي العام.
إلا أن الوضع البشري عودنا على توظيف المفاهيم أو تحريف الأوضاع بشكل نعيش فيه الفكرة في حالات سلبية ومظلمة تنغص على من يحبها النقاء الأولي الذي نشأت معه. بهذا المعنى نتمنى أن يكون العنوان صرخة رفض لوضع قائم أكثر منه محاولة وصف لظاهرة خطيرة جدا أصبحت من مقومات “الحرب على الإرهاب”؟.
لا يعود الفضل في وجود سجون سرية دون حدود الجنسية للإدارة الأمريكية، فسمعة السجن 1391 سبقت أحداث 11 سبتمبر، هذا الحصن الإسمنتي المزروع على تلة تشرف على أحد “الكيبوتزات” في إسرائيل، تحجبه كلياً جدران عالية متسترة بأشجار السرو.
مبنى السجن 1391 قريب من “الخط الأخضر” وهو لا يظهر على الخرائط، كما أنه حذف من الصور الجوية، وقد أزيلت مؤخراً اللوحة التي تحمل رقمه. ومنعت الرقابة على وسائل الإعلام كل إشارة إلى موقعه الجغرافي باسم السرية. أما ما يجري داخل جدران “المبنى 1391”، فيعتبر خرقاً أكثر فداحة للقانون الدولي إذ انه لم يخضع لأي عملية تفتيش مستقلة حتى من جانب الصليب الأحمر. وباستثناء قلة قليلة من كبار المسئولين في الحكومة وفي الدوائر الأمنية، لا أحد يعرف كم هو عدد الأشخاص المعتقلين في المبنى 1391. وفقا لأكثر من منظمة حقوقية، ثمة عدة سجون من هذا النمط متحركة وفق الطلب في الدولة العبرية.
في الأيام الأولى لحرب أفغانستان، أنشأت القوات الأمريكية في صحراء قندهار سجنا بلا حدود جرى نقل عدد من المعتقلين من كل الجنسيات إليه من داخل أفغانستان ومن سجن مؤقت في باكستان (بطائرة عسكرية أمريكية وفي ظروف لا إنسانية). كذلك كانت القوات الأمريكية تشتري من يتم المقايضة عليه من “الأفغان العرب” بأسعار مختلفة تنزل أحيانا إلى الخمسين دولار لتزجهم فيه. ولدينا أسماء عدد من السجناء الأفغان الذين ماتوا تحت التعذيب فيه. ووفق شهادة مسجلة لخالد بن مصطفى، الفرنسي الذي باعته السلطات الباكستانية للجيش الأمريكي، كانت القوات الأمريكية تضع المعتقلين تحت المطر في شهر يناير /كانون الثاني مكبلين على بطونهم يتلقون الضربات والركلات كلما حاولوا الحركة. “كل الاعتداءات كانت عادية بما في ذلك التحرش الجنسي، الكهرباء، التعليق من السطح، الحرمان من النوم والطعام، قضاء الحاجة كان في سطل واحد مخصص لخمسين إلى ستين معتقل، الأغطية التي توزع علينا قذرة مليئة بالبق والحشرات، والاستجواب لا يتوقف”. هذه بعض مواصفات هذا السجن الذي تقاسم مع سجن باغرام عمليات الاستجواب منذ ذلك الحين لأشخاص تم اقتيادهم من عدة بلدان ضمنها أقطار عربية.
يشكل معتقل غوانتانامو أكبر تجمع للسجناء وفقا للجنسية في العالم. فقد فاق عدد البلدان التي ينتمي لها السجناء 42 بلدا، من أربع قارات. وما زال عدد الذين يقبعون في غوانتانامو يقارب الخمسمائة للعام الخامس دون وضع قضائي مقبول في القوانين الدولية والالتزامات الأمريكية.
“إن كان سجني مظلمة، فسجن سامي الحاج ظلم مضاعف، أنا توجهت إلى أفغانستان بفضول التعرف على إمارة طالبان، هو توجه لها ضمن نطاق عمله، وقد اعتقل مع الكاميرا والمعدات التقنية ملبسا بجرم مهنته، ورغم كوننا في السجن نعاني نفس الظروف كنت أخفف عنه لأنني على يقين بأن وضعه النفسي أصعب، لا يوجد أكثر من الظلم هكذا سببا للألم” يقول خالد بن مصطفى الذي أمضى وقتا طويلا مع سامي الحاج في غوانتانامو قبل أن يفرج عنه.
في شهادة لمعتقل سابق مقدمة للجنة العربية لحقوق الإنسان: “كم جرى اقتيادي لغرفة صغيرة فيها مكبرات للصوت تناسب ملعبا لكرة القدم. كنت أوضع مكبلا على ظهري وتوجه أضواء كاشفة قوية على عيوني مع أصوات غير محتملة من مكبرات الصوت لعدة ساعات، وأكثر من مرة اضطررت لقضاء حاجتي في هذا الوضع بملابسي لعدم استماع أحد لكل ما يبدر عني من صياح ألم أو مطالبات”… “لم أمسك بأداة قاسية لمدة ثلاث سنوات فأدوات الطعام كرتونية أو من البلاستيك المطاط كذلك القلم والنظارات كانت مطاطية غير زجاجية وكانت تسبب لي الصداع عند استعمالها”… “مشعل /معتقل سعودي بهذا الاسم/ حاول الانتحار بغطاء نومه ولم ينجح فأصيب بشلل وعاهات دائمة ولم نعد نراه”.
محاولة الانتحار هذه هي إحدى أكثر من أربعين تعترف سلطات السجن بوقوعها، وهي نتيجة مباشرة لممارسة أسوأ أشكال الإهانة والتحطيم النفسيين للسجناء، فللمرة الرابعة في التاريخ المعاصر (بعد معسكرات ستالين وهتلر ومعتقلات الدولة العبرية) يتم استعمال الملفات الطبية للمعتقلين كوسيلة في التحقيقات حيث يستفيد المحقق من التقييم الطبي والنفسي للضغط على السجين في نقاط ضعفه الجسدية والنفسية. كذلك ورغم القطيعة عن العالم، التحقيق غير محدود بالزمان أو الحالة الصحية أو أهمية السجين. من البديهي أن معلومات أي سجين معزول عن العالم أكثر من أربع سنوات تصبح قديمة وأن القيمة الأمنية والفائدة المعلوماتية لأكثر من 400 من السجناء في غوانتانامو تعادل الصفر أو تكاد.
وفق المستشارين القانونيين للإدارة الأميركية، “المقصود بالتعذيب هو إنزال أذى بدني بشخص بشكل يؤدي إلى تعطل عضو من أعضاء جسمه. أما إذا لم يحدث تعطل أو تلف لأحد أعضاء الجسم فإن وسائل الاستجواب المستخدمة لا تعتبر تعذيبا كما لا تخالف أي قانون أميركي أو دولي أو أية معاهدات معمول بها بهذا الشأن” ؟
رغم أن “غوانتانامو” خارج الأراضي الأمريكية، لم تكتف الإدارة الحالية بمركز التحقيق والاستجواب هذا، وقامت بإنشاء أو استئجار عدة سجون سرية في أوربة وبلدان عربية وإسلامية منها بولونيا ورومانيا والأردن ومصر.
التقاطع بين السجون السرية والتحقيق في بلد عربي وأوربي وإسلامي كان من نصيب المهندس الموريتاني محمدو ولد صلاحي المختص بالالكترونيات. اعتقل محمدو ابن 34 عاما في ألمانيا سنة 2000 بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة ومثل أمام قاضي التحقيق الذي أمر بإطلاق سراحة لعدم توفر أدلة ضده ليعود إلى موريتانيا في نفس العام حيث تم اعتقاله مرتين من قبل نظام ولد الطايع والتحقيق معه. وفي المرة الثالثة تم تسليمه إلى السلطات الأمريكية إثر زيارة أجراها مدير أمن الدولة دداهى ولد عبد الله لواشنطن بعد إيهام أهله أنه معتقل في موريتانيا لحين انتهاء التحقيق معه. ووفقا لشهادة معتقل في غوانتانامو استمع للقصة من ولد صلاحي نفسه، “نقل محمدو إلى سجن سري في المملكة الأردنية حيث جرى التحقيق معه مطولا وفي ظروف لا إنسانية، ثم جرى نقله إلى سجن باغرام في أفغانستان لتستمر عمليات التحقيق والاستجواب قبل أن يجري أخيرا نقله إلى غوانتانامو حيث ما زال هناك”.
بعد تصاعد حملات الاحتجاج الدولية، وافقت الإدارة الأمريكية على استجواب عدد من المسئولين الأمريكيين أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة التعذيب حول إدارة عدد من السجون السرية حول العالم، حيث يجري نقل المعتقلين من أماكن أخرى وتعذيبهم،وكيفية معالجة الحكومة الأمريكية للانتهاكات التي وقعت في معتقل أبو غريب في بغداد. وقدر ترأس محامي وزارة الخارجية جون بيللينغر فريقا من 25 شخصية رسمية لهذا الغرض وكانت النتيجة طلب لجنة مكافحة التعذيب من الإدارة الأمريكية إغلاق السجون السرية و”اتخاذ إجراءات حازمة لإزالة كل أنواع التعذيب” التي تمارسها قواتها الأمنية في أفغانستان والعراق وإقفال مراكز الاعتقال السرية التي تحتجز فيها مشتبها فيهم في قضايا إرهاب ولاسيما معتقل غوانتانامو”.
السمعة السيئة التي نالها أبو غريب في ظل صدام والاحتلال، لا يمكن أن تنسينا ملف مئات المعتقلين العرب في السجون العراقية والأمريكية في العراق. ومهما كان السبب أو الدافع للاعتقال، فإن هناك شروط حد أدنى لمعاملة السجناء لا يحق لأحد أن يجمدها بدعوى مناهضة الإرهاب.
السجناء بلا حدود ليسوا حصرا بالإدارة الأمريكية وحلفائها، ففي سورية أكثر من مائتي معتقل من ثماني دول عربية معظمهم من السعودية وفلسطين ولبنان، بعضهم من عقابيل العلاقات السورية اللبنانية وبعضهم من نتائج احتلال العراق وتوافد متطوعين عرب لبلدان الجوار العراقي. كذلك في إيران تم إحصاء أكثر من سبعين اسما من الفارين من أفغانستان من جنسيات مختلفة هم موضوع مساومات وتفاوض. ولم نستطع تحديد عدد المعتقلين السودانيين في مصر.
المملكة العربية السعودية لها حصتها في الموضوع. ولدينا معلومات بوجود أكثر من ستين يمنيا معتقلا في السجون السعودية كان آخرهم الشيخ محمد بن موسى العامري الناشط في جمعية الإحسان.
عند وصوله لمطار الملك خالد في 15/9/2004، لم يكن في رأس المواطن اليمني محمد جبران سوى قضية واحدة: كيف يشرح لزوجته الأولى زواجه الثاني في دمشق، في حين كان عند المباحث السعودية أسئلة أخرى تتعلق بإقامته التي طالت في العاصمة السورية. منذ ذاك الحين زار صاحبنا عدة أماكن استجواب واعتقال منها سجن الخرج وآخرها سجن الملز، مجاهيل هامة لم يساعده الإضراب عن الطعام في التعرف عليها: ما هي تهمته ولم لم يحاكم ولماذا لا تسأل سفارة بلده عنه؟
أطباء بلا حدود، معلمون بلا حدود، محامون بلا حدود، صحافيون بلا حدود.. دخلت كلمة بلا حدود القاموس اليومي باعتبارها مرتبطة بفكرة النجدة للأشخاص أو الجماعات البشرية المنكوبة أو المنتهكة حقوقهم. وبهذا المعنى، أخذت بعدا إيجابيا في الوعي العام.
إلا أن الوضع البشري عودنا على توظيف المفاهيم أو تحريف الأوضاع بشكل نعيش فيه الفكرة في حالات سلبية ومظلمة تنغص على من يحبها النقاء الأولي الذي نشأت معه. بهذا المعنى نتمنى أن يكون العنوان صرخة رفض لوضع قائم أكثر منه محاولة وصف لظاهرة خطيرة جدا أصبحت من مقومات “الحرب على الإرهاب”؟.
لا يعود الفضل في وجود سجون سرية دون حدود الجنسية للإدارة الأمريكية، فسمعة السجن 1391 سبقت أحداث 11 سبتمبر، هذا الحصن الإسمنتي المزروع على تلة تشرف على أحد “الكيبوتزات” في إسرائيل، تحجبه كلياً جدران عالية متسترة بأشجار السرو.
مبنى السجن 1391 قريب من “الخط الأخضر” وهو لا يظهر على الخرائط، كما أنه حذف من الصور الجوية، وقد أزيلت مؤخراً اللوحة التي تحمل رقمه. ومنعت الرقابة على وسائل الإعلام كل إشارة إلى موقعه الجغرافي باسم السرية. أما ما يجري داخل جدران “المبنى 1391”، فيعتبر خرقاً أكثر فداحة للقانون الدولي إذ انه لم يخضع لأي عملية تفتيش مستقلة حتى من جانب الصليب الأحمر. وباستثناء قلة قليلة من كبار المسئولين في الحكومة وفي الدوائر الأمنية، لا أحد يعرف كم هو عدد الأشخاص المعتقلين في المبنى 1391. وفقا لأكثر من منظمة حقوقية، ثمة عدة سجون من هذا النمط متحركة وفق الطلب في الدولة العبرية.
في الأيام الأولى لحرب أفغانستان، أنشأت القوات الأمريكية في صحراء قندهار سجنا بلا حدود جرى نقل عدد من المعتقلين من كل الجنسيات إليه من داخل أفغانستان ومن سجن مؤقت في باكستان (بطائرة عسكرية أمريكية وفي ظروف لا إنسانية). كذلك كانت القوات الأمريكية تشتري من يتم المقايضة عليه من “الأفغان العرب” بأسعار مختلفة تنزل أحيانا إلى الخمسين دولار لتزجهم فيه. ولدينا أسماء عدد من السجناء الأفغان الذين ماتوا تحت التعذيب فيه. ووفق شهادة مسجلة لخالد بن مصطفى، الفرنسي الذي باعته السلطات الباكستانية للجيش الأمريكي، كانت القوات الأمريكية تضع المعتقلين تحت المطر في شهر يناير /كانون الثاني مكبلين على بطونهم يتلقون الضربات والركلات كلما حاولوا الحركة. “كل الاعتداءات كانت عادية بما في ذلك التحرش الجنسي، الكهرباء، التعليق من السطح، الحرمان من النوم والطعام، قضاء الحاجة كان في سطل واحد مخصص لخمسين إلى ستين معتقل، الأغطية التي توزع علينا قذرة مليئة بالبق والحشرات، والاستجواب لا يتوقف”. هذه بعض مواصفات هذا السجن الذي تقاسم مع سجن باغرام عمليات الاستجواب منذ ذلك الحين لأشخاص تم اقتيادهم من عدة بلدان ضمنها أقطار عربية.
يشكل معتقل غوانتانامو أكبر تجمع للسجناء وفقا للجنسية في العالم. فقد فاق عدد البلدان التي ينتمي لها السجناء 42 بلدا، من أربع قارات. وما زال عدد الذين يقبعون في غوانتانامو يقارب الخمسمائة للعام الخامس دون وضع قضائي مقبول في القوانين الدولية والالتزامات الأمريكية.
“إن كان سجني مظلمة، فسجن سامي الحاج ظلم مضاعف، أنا توجهت إلى أفغانستان بفضول التعرف على إمارة طالبان، هو توجه لها ضمن نطاق عمله، وقد اعتقل مع الكاميرا والمعدات التقنية ملبسا بجرم مهنته، ورغم كوننا في السجن نعاني نفس الظروف كنت أخفف عنه لأنني على يقين بأن وضعه النفسي أصعب، لا يوجد أكثر من الظلم هكذا سببا للألم” يقول خالد بن مصطفى الذي أمضى وقتا طويلا مع سامي الحاج في غوانتانامو قبل أن يفرج عنه.
في شهادة لمعتقل سابق مقدمة للجنة العربية لحقوق الإنسان: “كم جرى اقتيادي لغرفة صغيرة فيها مكبرات للصوت تناسب ملعبا لكرة القدم. كنت أوضع مكبلا على ظهري وتوجه أضواء كاشفة قوية على عيوني مع أصوات غير محتملة من مكبرات الصوت لعدة ساعات، وأكثر من مرة اضطررت لقضاء حاجتي في هذا الوضع بملابسي لعدم استماع أحد لكل ما يبدر عني من صياح ألم أو مطالبات”… “لم أمسك بأداة قاسية لمدة ثلاث سنوات فأدوات الطعام كرتونية أو من البلاستيك المطاط كذلك القلم والنظارات كانت مطاطية غير زجاجية وكانت تسبب لي الصداع عند استعمالها”… “مشعل /معتقل سعودي بهذا الاسم/ حاول الانتحار بغطاء نومه ولم ينجح فأصيب بشلل وعاهات دائمة ولم نعد نراه”.
محاولة الانتحار هذه هي إحدى أكثر من أربعين تعترف سلطات السجن بوقوعها، وهي نتيجة مباشرة لممارسة أسوأ أشكال الإهانة والتحطيم النفسيين للسجناء، فللمرة الرابعة في التاريخ المعاصر (بعد معسكرات ستالين وهتلر ومعتقلات الدولة العبرية) يتم استعمال الملفات الطبية للمعتقلين كوسيلة في التحقيقات حيث يستفيد المحقق من التقييم الطبي والنفسي للضغط على السجين في نقاط ضعفه الجسدية والنفسية. كذلك ورغم القطيعة عن العالم، التحقيق غير محدود بالزمان أو الحالة الصحية أو أهمية السجين. من البديهي أن معلومات أي سجين معزول عن العالم أكثر من أربع سنوات تصبح قديمة وأن القيمة الأمنية والفائدة المعلوماتية لأكثر من 400 من السجناء في غوانتانامو تعادل الصفر أو تكاد.
وفق المستشارين القانونيين للإدارة الأميركية، “المقصود بالتعذيب هو إنزال أذى بدني بشخص بشكل يؤدي إلى تعطل عضو من أعضاء جسمه. أما إذا لم يحدث تعطل أو تلف لأحد أعضاء الجسم فإن وسائل الاستجواب المستخدمة لا تعتبر تعذيبا كما لا تخالف أي قانون أميركي أو دولي أو أية معاهدات معمول بها بهذا الشأن” ؟
رغم أن “غوانتانامو” خارج الأراضي الأمريكية، لم تكتف الإدارة الحالية بمركز التحقيق والاستجواب هذا، وقامت بإنشاء أو استئجار عدة سجون سرية في أوربة وبلدان عربية وإسلامية منها بولونيا ورومانيا والأردن ومصر.
التقاطع بين السجون السرية والتحقيق في بلد عربي وأوربي وإسلامي كان من نصيب المهندس الموريتاني محمدو ولد صلاحي المختص بالالكترونيات. اعتقل محمدو ابن 34 عاما في ألمانيا سنة 2000 بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة ومثل أمام قاضي التحقيق الذي أمر بإطلاق سراحة لعدم توفر أدلة ضده ليعود إلى موريتانيا في نفس العام حيث تم اعتقاله مرتين من قبل نظام ولد الطايع والتحقيق معه. وفي المرة الثالثة تم تسليمه إلى السلطات الأمريكية إثر زيارة أجراها مدير أمن الدولة دداهى ولد عبد الله لواشنطن بعد إيهام أهله أنه معتقل في موريتانيا لحين انتهاء التحقيق معه. ووفقا لشهادة معتقل في غوانتانامو استمع للقصة من ولد صلاحي نفسه، “نقل محمدو إلى سجن سري في المملكة الأردنية حيث جرى التحقيق معه مطولا وفي ظروف لا إنسانية، ثم جرى نقله إلى سجن باغرام في أفغانستان لتستمر عمليات التحقيق والاستجواب قبل أن يجري أخيرا نقله إلى غوانتانامو حيث ما زال هناك”.
بعد تصاعد حملات الاحتجاج الدولية، وافقت الإدارة الأمريكية على استجواب عدد من المسئولين الأمريكيين أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة التعذيب حول إدارة عدد من السجون السرية حول العالم، حيث يجري نقل المعتقلين من أماكن أخرى وتعذيبهم،وكيفية معالجة الحكومة الأمريكية للانتهاكات التي وقعت في معتقل أبو غريب في بغداد. وقدر ترأس محامي وزارة الخارجية جون بيللينغر فريقا من 25 شخصية رسمية لهذا الغرض وكانت النتيجة طلب لجنة مكافحة التعذيب من الإدارة الأمريكية إغلاق السجون السرية و”اتخاذ إجراءات حازمة لإزالة كل أنواع التعذيب” التي تمارسها قواتها الأمنية في أفغانستان والعراق وإقفال مراكز الاعتقال السرية التي تحتجز فيها مشتبها فيهم في قضايا إرهاب ولاسيما معتقل غوانتانامو”.
السمعة السيئة التي نالها أبو غريب في ظل صدام والاحتلال، لا يمكن أن تنسينا ملف مئات المعتقلين العرب في السجون العراقية والأمريكية في العراق. ومهما كان السبب أو الدافع للاعتقال، فإن هناك شروط حد أدنى لمعاملة السجناء لا يحق لأحد أن يجمدها بدعوى مناهضة الإرهاب.
السجناء بلا حدود ليسوا حصرا بالإدارة الأمريكية وحلفائها، ففي سورية أكثر من مائتي معتقل من ثماني دول عربية معظمهم من السعودية وفلسطين ولبنان، بعضهم من عقابيل العلاقات السورية اللبنانية وبعضهم من نتائج احتلال العراق وتوافد متطوعين عرب لبلدان الجوار العراقي. كذلك في إيران تم إحصاء أكثر من سبعين اسما من الفارين من أفغانستان من جنسيات مختلفة هم موضوع مساومات وتفاوض. ولم نستطع تحديد عدد المعتقلين السودانيين في مصر.
المملكة العربية السعودية لها حصتها في الموضوع. ولدينا معلومات بوجود أكثر من ستين يمنيا معتقلا في السجون السعودية كان آخرهم الشيخ محمد بن موسى العامري الناشط في جمعية الإحسان.
عند وصوله لمطار الملك خالد في 15/9/2004، لم يكن في رأس المواطن اليمني محمد جبران سوى قضية واحدة: كيف يشرح لزوجته الأولى زواجه الثاني في دمشق، في حين كان عند المباحث السعودية أسئلة أخرى تتعلق بإقامته التي طالت في العاصمة السورية. منذ ذاك الحين زار صاحبنا عدة أماكن استجواب واعتقال منها سجن الخرج وآخرها سجن الملز، مجاهيل هامة لم يساعده الإضراب عن الطعام في التعرف عليها: ما هي تهمته ولم لم يحاكم ولماذا لا تسأل سفارة بلده عنه؟