-
دخول

عرض كامل الموضوع : انجلترا خدعت نفسها وصورت رجال أريكسون أبطالاً


dot
04/07/2006, 16:52
لندن - عمر حنين:

هل فجرت هزمية انجلترا في مباريات كأس العالم في كرة القدم في ألمانيا أزمة سياسية وقومية كبيرة؟ هذا هو السؤال الذي تحاول بريطانيا كلها الإجابة عنه في محاولة لتحليل ما جرى بعد المرارة التي لحقت بالانجليز وأثارت علامات تعجب وصدمة لروح الأمة.
وقد أدى تحطم آمال الفريق الانجليزي على صخرة البرتغال من خلال ركلات الجزاء الترجيحية الى إسدال الستار على أربعة أسابيع من “الهستيريا الوطنية” كما يطلق عليها بعض المعلقين هنا.
وكانت آمال الانجليز كبيرة للغاية وربما على نحو مبالغ فيه، وساعد في إثارة هذا الجو المحموم حول التطلعات الفائقة من الفريق الانجليزي كبار الساسة هنا، فمثلاً كان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني قد ركب هذه الموجة من التوقعات المبالغ فيها حيث أعطى مساعدوه الانطباع بأنه يريد أن يجعل من انتصار انجلترا في المونديال عيداً قومياً.
لمحت الصحف البريطانية بناء على تسريبات رسمية بأن بلير يريد أن يبدأ موكب النصر للفريق من قصره في عشرة دونينغ ستريت، هذا مع علمهم بتواضع مستوى فريقهم.
وكذلك فإن هستيريا الأعلام القومية لانجلترا قد أسهم في إشعالها بعض الوزراء برفع هذا العلم، الذي يختلف عن علم المملكة المتحدة كلها على سياراتهم الرسمية، وحتى زعيم المعارضة ديفيد كاميرون الذي يستخدم الدراجة في تنقلاته رفع العلم الانجليزي عليها. وقام بعض المسؤولين بترسيخ الانطباع بأن بلير سيتوجه الى ألمانيا إذا ما تخطى الفريق الانجليزي تصفيات الربع النهائي للبطولة لكي يشاهد بنفسه المباريات النهائية لتشجيع اللاعبين الانجليز.
ومن ناحية أخرى، ثارت أزمة كبيرة بعد أن أعلن الوزير الأول في اقليم اسكتلندا جاك ماكونيل انه لن يقوم بتشجيع الفريق الانجليزي، ولكن سيؤيد فوز الإكوادور عليها أو حتى البرتغال.
واتهم الساسة الانجليز الوزير بأنه “خائن” ويشجع التيارات الانفصالية الاسكتلندية.
وثارت تساؤلات مماثلة في اقليم ويلز حيث لم يكن الناس هناك يبدون حماساً كبيراً لتشجيع الفريق الانجليزي. ووقعت حوادث فردية شهدت اعتداءات على سيارات وممتلكات بعض الانجليز المقيمين في اسكتلندا وويلز.
وبعد صحوة الهزيمة بدأ بعض المعلقين المنصفين يتحدثون عن الإفراط في تقدير امكانات الفريق الانجليزي برغم تواضعها وخاصة لأن انجلترا لم تحقق أي انتصار دولي في كرة القدم منذ 40 عاماً عندما فازوا على ألمانيا في نهائي مونديال عام 1966.
ومن ناحية أخرى، فإن انجلترا كلها مارست أساليب خداع النفس لأنها كانت تعلم أن مستوى الفريق يعتبر متواضعاً بالمقارنة الى عمالقة اللعبة في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا على سبيل المثال، وبرغم طابع النجومية لبعض اللاعبين الانجليز مثل القائد السابق ديفيد بيكهام ومايكل أوين وواين روني إلا أن هناك لاعبين دوليين قد يتفوقون عليهم من حيث الامكانات.
وقد أسهمت أيضاً مكاتب المراهنات هنا في إذكاء هذه الروح الهستيرية التي سبقت الهزيم فقد أعلن ان مجموع المراهنات على الفريق الانجليزي بلغت نحو مليار جنيه استرليني بالنسبة للفوز على البرتغال وكذلك للصعود الى التصفيات الأخيرة وربما الفوز بالكأس في النهائية.
وهناك أيضاً من يوجهون اللوم اليوم الى مدرب الفريق أريكسون وذلك في إطار تحليل أسباب الهزيمة ومراجعة النفس بعد حالة الإحباط الشديدة التي تلت ذلك. والتركيز على أنه سويدي لا يحب انجلترا.
ويقول هؤلاء الذين يدينون أريكسون بأنه ارتكب أخطاء فادحة استراتيجية في اختياره لأعضاء الفريق وكذلك توزيع المواقع عليهم حيث كان روني وحده في خط الهجوم من دون أي دعم له. ولذلك فإن هذا اللاعب المشاغب (20 عاماً) لم يتمكن من خطف الكرة إلا نادراً.
وبرغم الأداء السيئ وغير المتألق للفريق منذ البداية إلا أن أساليب التشجيع المبالغ فيها لم تحاول أن توضح للجماهير العريضة أن مستوى اللاعبين الانجليز متواضع حقاً برغم أنهم من أكثر نجوم الكرة الذين يتلقون مرتبات وحوافز ضخمة في العالم. ومع الشهرة الكبيرة العالمية للفرق الانجليزية في اللعبة إلا أن الناس هنا وفي الخارج يغفلون الحقيقة الكبرى وهي أن معظم اللاعبين البارزين فيها من خارج بريطانيا رغم شرائهم من خلال صفقات كبيرة تقدر بالملايين من الجنيهات ولهذا أصبحت مباريات الدوري الانجليزي بمثابة استعراض ليس فقط للاعبين الانجليز ولكن للاعبين من مختلف دول العالم بسبب مقدرة الأندية الانجليزية المالية على شراء أفضل النجوم العالميين.
ويشير بعض المعلقين الى المشكلة الكثيرة التي سيواجهها وزير المالية القوي النفوذ غوردون براون عندما يخلف بلير في الحكم حيث إنه اسكتلندي حتى النخاع، ولذلك فإن مشجعي الفريق الانجليزي يعتقدون أنه ليس من المناسب أن يتولى اسكتلندي هذا المنصب الرفيع ليحكم الغالبية الكبرى وهي انجلترا (80 في المائة من سكان بريطانيا انجليز)، ولذلك فإن براون كان حريصاً مثل بعض رجال السياسة هنا أن يعلن تشجيعه للفريق الانجليزي خلال مباريات المونديال على طول الخط بل إنه مضى الى حد أبعد من ذلك فقد وجه الدعوة لمجموعة منتقاة من الصحافيين البريطانيين لمشاهدة إحدى مباريات انجلترا خلال التصفيات الأولى على شاشة التلفزيون في مقره الرسمي لكي يؤكد ولاءه الشديد لانجلترا برغم دمائه الاسكتلندية.