abu alameer
01/07/2006, 13:49
جواسيس الأمة
بروفيسور عبد الستار قاسم
الجواسيس العرب الذين يقدمون معلومات لصالح أعداء الأمة أو يتعاونون معهم لغير صالح الأمة ليسوا مجرد أفراد منعزلين؛ وإنما عبارة عن ظاهرة في الوطن العربي، وهي أكثر بروزا في مناطق الصراع الساخنة مثل بلاد الشام وأرض الرافدين ووادي النيل والخليج. منذ سنوات طويلة والعربي يسمع عن قدرات استخبارية كبيرة لدول معادية، وعن معلومات هامة وخطيرة تجمعها بوساطة جواسيس محليين؛ وسمع العربي عن تغلغل كبير لأجهزة مخابرات معادية في صفوف الحكومات العربية والقصور الملكية والجمهورية.
التجسس لصالح العدو ليس حكرا على العرب، ويتبين من تاريخ الثورات والصراعات والعلاقات بين الدول أن دولا كثيرة استطاعت تجنيد جواسيس لها لدى أعدائها. جند الألمان جواسيس فرنساويين، والطليان إنكليزا، والروس أمريكان، والصرب كرواتيين، الخ. هذا النشاط التجسسي موجود عالميا، والدول تلجأ إليه في حالات الحرب والسلم. لكن المسألة في البلاد العربية تتجاوز مجرد أفراد يبيعون الأمة لتكون ظاهرة واضحة للعيان وتمارس أحيانا في وضح النهار. وصل الحد بالعرب إلى قيام قائد دولة بتسهيل مهام للموساد الإسرائيلي، وإلى آخر بتقاضي راتب شهري من قبل المخابرات الأمريكية.
خلية لبنان التجسسية كانت آخر محطة إخبارية حول نشاطات إسرائيل المخابراتية والاستخبارية، والتي ما تزال حلقاتها تنكشف عبر وزارة الدفاع اللبنانية. وسبق أن تم الكشف عن خلايا عديدة في الدول العربية أغلب أفرادها عربا قدمت خدمات كبيرة للأعداء وأودت بحياة أناس كثر من قيادات ومحاربين وأناس عزل لا علاقة لهم بأي صراع، وقادت أحيانا إلى هزيمة جيوش عربية وسقوط أراض عربية تحت الاحتلال. لقد ساهم الجواسيس بشكل كبير في ضرب الأمة بالصميم وفي تمكين العدو وتسهيل انتصاراته.
واضح من المعلومات التي تتوفر بين الحين والآخر أن هؤلاء الجواسيس لا ينحدرون فقط من فئات اجتماعية معينة وإنما يأتون من مختلف الفئات. هناك مثلا جواسيس من الفئات المسحوقة اجتماعيا ومن الفئات الثرية والحاكمة، وهناك من الجهلة ومن المثقفين، ومن الرجال ومن النساء والشباب والشابات. هناك عمال نظافة وسائقو شاحنات يعملون جواسيسا، كما أن هناك وزراء وقادة دول؛ وهناك من يتقاضون الملاليم والدراهم وهناك من يتقاضون الملايين.
لا ينحصر التجسس بمجرد البحث عن معلومة وتزويد العدو بها، وإنما يمتد ليشمل الذين يتعاونون مع العدو بهدف تنفيذ سياساته. الذي يبحث عن المعلومة بهدف إيصالها يمكن تصنيفه لغويا بالجاسوس، لكن الذي يحاول تنفيذ مآرب العدو فهو عميل وهو الأكثر خطورة. قد يوقع الجاسوس بشخص أو مجموعة أو قد يقدم معلومة حول حالة الجيش والتطور التقني للدولة، لكن العميل يودي بالأمة ككل؛ لأنه يحمل سياسة العدو على ظهره. الجاسوس يقدم معلومة ليستعملها العدو في سياساته، أما العميل فلديه المعلومة وينفذ سياسات العدو.
يهتم الأعداء بجمع المعلومات وبتوظيف العملاء، إنهم يحرصون على تدريب الجواسيس والرقي بمهاراتهم التجسسية والحماية الذاتية من أساليب التخفي والاتصال والتمويه والتزويد بالوسائل التقنية المتطورة. أما بالنسبة للعملاء، فهم يدعمونهم من أجل أن يصبحوا قادة وزعماء، لهم أتباع ومناصرون وذلك من خلال المال والإعلام. وقد تعرضت أنا نفسي إلى عرض قدمته المخابرات الإسرائيلية لي كي أصبح زعيما فلسطينيا، وقال لي رجل المخابرات: بأنه قادر على جعلي زعيما تحمله الجماهير على الأكف وترقص به. بإمكان العربي العادي المراقب للأوضاع العربية أن يميز بسهولة بين الزعيم المصنوع والزعيم غير المصنوع، وذلك من خلال ما يتوفر أمامه من وسائل إعلام، ومن خلال عبارات ينطق بها حول قضايا اجتماعية وسياسية.
بالنظر إلى الوضع العربي الآن، يبدو أن العرب كالغربال يخترقهم الأعداء من مختلف الجوانب والاتجاهات. الوطن العربي يقع تحت طائلة الاختراقات الأمنية الخطيرة إلى درجة أن أمن الأمة مفقود بصورة عامة. والأمن هنا لا يعني الأمن ضد السارقين ومخترقي القوانين المحلية؛ وإنما في مواجهة الأعداء الذين يريدون أمة العرب مطواعة خاضعة تستجدي الغذاء وتلهث وراء النساء. استطاعت دول عديدة تجنيد جواسيس وعملاء لها، وهي تستطيع التأثير في الأمن العربي بطرق كثيرة ومتنوعة.
لماذا انحدرنا نحن العرب إلى هذا الحد من الانهيار؛ بحيث لم تعد للأمة في أعين الكثيرين أي قيمة أو معنى؟ الإجابة ليست سهلة وهي بحاجة إلى إجراء دراسات علمية مستفيضة. لكن هل هناك من يمتلك غيرة على هذه الأمة لتمويل أبحاث من هذا القبيل؟ وإذا حصل أن أجريت أبحاث، من الذي سيسمح بنشرها، ومن الذي سيستفيد منها لمحاربة الظاهرة؟ المعوقات كثيرة، لكن الموضوع مهم، وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق الباحثين والدارسين حتى لو لم يتوفر التمويل. وهنا أشير إلى كتيب من 60 صفحة كتبته حول هموم الأمن الفلسطيني ضمنته معلومات هامة حول ظاهرة الجواسيس وحول طرق عمل الفصائل الفلسطينية. لم تتعامل الفصائل الفلسطينية مع الكتيب لأنه يشير إلى عيوب خطيرة في طريقة عملها الأمني تؤدي إلى تسهيل مهمة إسرائيل في ضرب المقاومين الفلسطينيين. وبالرغم من ذلك، يجب أن تستمر المحاولات من أجل تحسين الأوضاع الأمنية العربية.
في دراسة الظاهرة، أرى أنه من المهم التركيز على عناصر المال والنساء والجاه التي يبدو أن العربي ضعيف أمامها. ربما هذه نقاط ضعف لدى النفس البشرية، لكن يبدو أن التربية العربية تُفاقم من هذا الضعف إلى درجة أن العربي لا يتريث طويلا حتى يخضع.
بروفيسور عبد الستار قاسم
الجواسيس العرب الذين يقدمون معلومات لصالح أعداء الأمة أو يتعاونون معهم لغير صالح الأمة ليسوا مجرد أفراد منعزلين؛ وإنما عبارة عن ظاهرة في الوطن العربي، وهي أكثر بروزا في مناطق الصراع الساخنة مثل بلاد الشام وأرض الرافدين ووادي النيل والخليج. منذ سنوات طويلة والعربي يسمع عن قدرات استخبارية كبيرة لدول معادية، وعن معلومات هامة وخطيرة تجمعها بوساطة جواسيس محليين؛ وسمع العربي عن تغلغل كبير لأجهزة مخابرات معادية في صفوف الحكومات العربية والقصور الملكية والجمهورية.
التجسس لصالح العدو ليس حكرا على العرب، ويتبين من تاريخ الثورات والصراعات والعلاقات بين الدول أن دولا كثيرة استطاعت تجنيد جواسيس لها لدى أعدائها. جند الألمان جواسيس فرنساويين، والطليان إنكليزا، والروس أمريكان، والصرب كرواتيين، الخ. هذا النشاط التجسسي موجود عالميا، والدول تلجأ إليه في حالات الحرب والسلم. لكن المسألة في البلاد العربية تتجاوز مجرد أفراد يبيعون الأمة لتكون ظاهرة واضحة للعيان وتمارس أحيانا في وضح النهار. وصل الحد بالعرب إلى قيام قائد دولة بتسهيل مهام للموساد الإسرائيلي، وإلى آخر بتقاضي راتب شهري من قبل المخابرات الأمريكية.
خلية لبنان التجسسية كانت آخر محطة إخبارية حول نشاطات إسرائيل المخابراتية والاستخبارية، والتي ما تزال حلقاتها تنكشف عبر وزارة الدفاع اللبنانية. وسبق أن تم الكشف عن خلايا عديدة في الدول العربية أغلب أفرادها عربا قدمت خدمات كبيرة للأعداء وأودت بحياة أناس كثر من قيادات ومحاربين وأناس عزل لا علاقة لهم بأي صراع، وقادت أحيانا إلى هزيمة جيوش عربية وسقوط أراض عربية تحت الاحتلال. لقد ساهم الجواسيس بشكل كبير في ضرب الأمة بالصميم وفي تمكين العدو وتسهيل انتصاراته.
واضح من المعلومات التي تتوفر بين الحين والآخر أن هؤلاء الجواسيس لا ينحدرون فقط من فئات اجتماعية معينة وإنما يأتون من مختلف الفئات. هناك مثلا جواسيس من الفئات المسحوقة اجتماعيا ومن الفئات الثرية والحاكمة، وهناك من الجهلة ومن المثقفين، ومن الرجال ومن النساء والشباب والشابات. هناك عمال نظافة وسائقو شاحنات يعملون جواسيسا، كما أن هناك وزراء وقادة دول؛ وهناك من يتقاضون الملاليم والدراهم وهناك من يتقاضون الملايين.
لا ينحصر التجسس بمجرد البحث عن معلومة وتزويد العدو بها، وإنما يمتد ليشمل الذين يتعاونون مع العدو بهدف تنفيذ سياساته. الذي يبحث عن المعلومة بهدف إيصالها يمكن تصنيفه لغويا بالجاسوس، لكن الذي يحاول تنفيذ مآرب العدو فهو عميل وهو الأكثر خطورة. قد يوقع الجاسوس بشخص أو مجموعة أو قد يقدم معلومة حول حالة الجيش والتطور التقني للدولة، لكن العميل يودي بالأمة ككل؛ لأنه يحمل سياسة العدو على ظهره. الجاسوس يقدم معلومة ليستعملها العدو في سياساته، أما العميل فلديه المعلومة وينفذ سياسات العدو.
يهتم الأعداء بجمع المعلومات وبتوظيف العملاء، إنهم يحرصون على تدريب الجواسيس والرقي بمهاراتهم التجسسية والحماية الذاتية من أساليب التخفي والاتصال والتمويه والتزويد بالوسائل التقنية المتطورة. أما بالنسبة للعملاء، فهم يدعمونهم من أجل أن يصبحوا قادة وزعماء، لهم أتباع ومناصرون وذلك من خلال المال والإعلام. وقد تعرضت أنا نفسي إلى عرض قدمته المخابرات الإسرائيلية لي كي أصبح زعيما فلسطينيا، وقال لي رجل المخابرات: بأنه قادر على جعلي زعيما تحمله الجماهير على الأكف وترقص به. بإمكان العربي العادي المراقب للأوضاع العربية أن يميز بسهولة بين الزعيم المصنوع والزعيم غير المصنوع، وذلك من خلال ما يتوفر أمامه من وسائل إعلام، ومن خلال عبارات ينطق بها حول قضايا اجتماعية وسياسية.
بالنظر إلى الوضع العربي الآن، يبدو أن العرب كالغربال يخترقهم الأعداء من مختلف الجوانب والاتجاهات. الوطن العربي يقع تحت طائلة الاختراقات الأمنية الخطيرة إلى درجة أن أمن الأمة مفقود بصورة عامة. والأمن هنا لا يعني الأمن ضد السارقين ومخترقي القوانين المحلية؛ وإنما في مواجهة الأعداء الذين يريدون أمة العرب مطواعة خاضعة تستجدي الغذاء وتلهث وراء النساء. استطاعت دول عديدة تجنيد جواسيس وعملاء لها، وهي تستطيع التأثير في الأمن العربي بطرق كثيرة ومتنوعة.
لماذا انحدرنا نحن العرب إلى هذا الحد من الانهيار؛ بحيث لم تعد للأمة في أعين الكثيرين أي قيمة أو معنى؟ الإجابة ليست سهلة وهي بحاجة إلى إجراء دراسات علمية مستفيضة. لكن هل هناك من يمتلك غيرة على هذه الأمة لتمويل أبحاث من هذا القبيل؟ وإذا حصل أن أجريت أبحاث، من الذي سيسمح بنشرها، ومن الذي سيستفيد منها لمحاربة الظاهرة؟ المعوقات كثيرة، لكن الموضوع مهم، وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق الباحثين والدارسين حتى لو لم يتوفر التمويل. وهنا أشير إلى كتيب من 60 صفحة كتبته حول هموم الأمن الفلسطيني ضمنته معلومات هامة حول ظاهرة الجواسيس وحول طرق عمل الفصائل الفلسطينية. لم تتعامل الفصائل الفلسطينية مع الكتيب لأنه يشير إلى عيوب خطيرة في طريقة عملها الأمني تؤدي إلى تسهيل مهمة إسرائيل في ضرب المقاومين الفلسطينيين. وبالرغم من ذلك، يجب أن تستمر المحاولات من أجل تحسين الأوضاع الأمنية العربية.
في دراسة الظاهرة، أرى أنه من المهم التركيز على عناصر المال والنساء والجاه التي يبدو أن العربي ضعيف أمامها. ربما هذه نقاط ضعف لدى النفس البشرية، لكن يبدو أن التربية العربية تُفاقم من هذا الضعف إلى درجة أن العربي لا يتريث طويلا حتى يخضع.