عاشق من فلسطين
29/03/2005, 18:30
المخابرات
وحكاية الثوابت
(الثابت القومي)
حكاية الثوابت في سورية أشبه بما حكته شهرزاد لشهريار طيلة ألف ليلة وليلة وكذلك هي حكاية الحرية السورية كحكاية الثوابت فيها :
فلا يسجن السوري إلا في وطنه، ولا يجرد من حقوقه المدنية و"الريفية" إلا في سورية .ولا تقف المخابرات على أبواب غرف النوم ،إلاكما تفعل في سورية!ففي جميع دول الأرض فإن سلّم المواطنة وميثاقها لا يبدأ أو ينتهي بالمخابرات ,إلا في سورية!ولم يسبق أن سمعت أن سورياً سجن يوماً في بريطانيا أو أستراليا أو فرنسا أو الإرجنتين أو جزر المالديف وهو يغترب فيها،لأنه أحب أو كره،أو أنه أبدى رأيا أو أنشأ صحيفة،أو أجرى مقابلة إذاعية! أو والى أو عارض النظام الملكي أو الجمهوري فيها!أو أنه انتسب إلى حزب الخضر، أو المحافظين أو حزب آلستر،أو الشين فيت كما في إيرلندا، بل هناك على النقيض من ذلك سوريون أنشأؤا أحزاباً وأصدروا صحفاً سياسية وترأسوا لجاناً برلمانية في الكثير من دول العالم…أما في سورية فإصدار صحيفة مستقلة أو إنشاء قناة فضائية حرة يوازي عند المخابرات إنقلاباً عسكرياً، أو ثورة شعبية !
السجناء العرب في السجون الإسرائيلية،هم سجناء من قومية غير إسرائيلية ومن شعب يتنازع الشرعية التاريخية والحضارية وشرعية البقاء مع شعب ودولة جلاديه،لكنه لم يسبق لهذا الطراز من السجناء المقاومين للإحتلال، الساعين لإقامة دولة الحرية، في مواجهة الدولة التي تغتصب كيانهم ودولتهم! لم يسبق لسجين من هؤلاء أن منعه الجلادون الإسرائيليون من التواصل مع الأهل والخلان عبر الصليب الأحمر،أو عبر محطات التلفزة أو عبر الزيارات التي يسمح بها!
السجين الفلسطيني يستطيع أن يضرب عن الطعام، أويجري مقابلة صحفية، وأن يظل خارج زنزانته، وأن يعقد قراناً وأن يقرأ القرآن والإنجيل،أو يستحم يومياً، ويتابع برامج التلفزة الفضائية والأرضية طيلة النهار، وأن يلعب البلياردو،ويمارس رياضة التنفس، بل يستطيع أن يؤلف كتاباً أو ينظم شعراً، وأن يلتقي بمغنية إسرائيلية،قد تكون ضابطاً في الموساد، ولكنها امرأة أنثى هي جل ما يحلم السجين أن يراه في سجون الإحتلال وسجون المخابرات: والمخابرات السورية هي الوحيدة على وجه الأرض التي تسجل دردشات السجناء وتضبط إيقاعات شخيرهم وفسائهم في المضاجع ! وتعيد التحقيق معهم وتحاكمهم لما اقترفوه في سجونهم الإنفرادية،مثلما حاكمتهم على ما فعلوه خارج السجون! وأذا أقام أحدنا مقارنة بين سجنه "الوطني"الطوعي وبين غربته في منفاه القسري بحثا ًعن كرامة افتقدها فوق ترابه الوطني ,فهام بها بحثاً, لاختار ألف مرة لو أنه هاجر وارتحل وأغمض عينيه إلى الأبد عن رؤية تراب الوطن الذي تحول إلى مقبرة وطنيةووكر للأوغاد الذين لاتنال من رعونتهم الشراكة في المولد،والنطق،وبقية الدلالات،إن لم تكن هي الأخوة في الوطن الواحد!والطائفة الواحدة… وهي غير ذلك بكل تأكيد!
الأوغاد أيها السادة لاوطن لهم،ولايستظلون يشيئ..جل ما في الأمر أنهم يدركون بالغريزة، وأمية القلم، وعصاب الإستعلاء،ومركبات الهزيمة أنهم ما داموا هزموا في مواجهة العدو المحتل،وهزموا في الإحتفاظ بأوراق الوطن ومقومات القوة الذاتية، فجرعونا مر الأيام، وصرنا عناوين للهزائم،ومطاهر الإغتسال،وخلت حياتنا الوطنية من مكونات العزة والكبرياء ، ومكونات التقدم والإرتقاء فأصبح العرب والسوريون منهم محطاً لسخرية الشعوب, يتجرعونها في موانئ الإرتحال،ومرافئ الوصول، وأصبح العربي والسوري يخضع للتصوير والتنقيب الجسدي ما تحت الإبط وما تحت السّرة, ومواطن زبيدة والنواس…!
كان جيل المهاجرين الأوائل يصل إلى بلاد الإغتراب فينادونهم "التركو" باعتبار أن أعراب تلك الأيام كانوا يصلون إلى هناك قادمين من أقاليم الدولة العثمانية،وعندما استعادوا هوية الوطن وصاروا عرباً!استلحقوهم بجنسيات الإرهاب والإصولية،والديكتاتورية !هكذا يتشوف علينا الشرق والغرب ورعاة البقر لإننا ببساطة صامتون في مواجهة جلادينا، ونتصرف كالقطعان الهائمة ووجوهها إلى الأرض!!
فأين كانت يوماً ثوابتنا القومية معينا لصناعة هويتنا وإنتاج ثقافتنا وتكريس خياراتنا: فنبصر من نوافذها مواقعنا على خرائط الآخرين، ونجدد أوراقنا للإنتساب إلى المجتمع الدولي،ونسقط إلى الأبد مجون المخابرات، ونتوقف عن إطلاق القفازات في وجوه الآخرين، فلانستلهم ثقافة النفاثات في العقد، ونراهن على جمعية المرتضى حزباً يقودنا إلى الوحدة والحرية والإشتراكية!…كما راهنا على كذبة الثوابت وأشياء أخرى، مدعين أننا حملة مشاعل تاريخية، وأن سنة الصمود والتصدي تستظلنا
متشبهين بالشعوب الروسية ضد النازية،والفيتنامي ضد الأمريكين والفلسطيني ضد اسرائيل !! المخابرات باختصار لا تشبه أحداً إلا نفسها !!
ماذا فعلت المخابرات أيها السادة؟ هل أطلقت رصاصة على الإحتلال منذ 31سنة!؟
ألم تسجل الطائرات الإسرائيلية تسعين ألف خرق جوي وبحري فوق لبنان والقوات السورية،والمخابرات صامتة.. ألا تسري إتفاقية الفصل الإسرائيلية السورية التي كتب كل حروفها العزيز هنري كيسنجر عام 1973..ألا تطبق هذه الإتفاقية أكثرمن إتفاقية وادي عربة، وكامب ديفيد، وخيمة صفوان؟؟
كل شيئ وقع،وكل شيئ جرت المساومة عليه..ولكن شيئاً لم يجر ولم يقع وهو إطلاق النار على المحتلين في الجولان !!وتظهر مقارنة صارخة بين احتلال جنوب لبنان لمدة 26 سنةوبين احتلال الجولان حيث عجز مستوطن واحد أن يدخل الجنوب على روعته وسحره سياحياً ,لإن المقاومة لم تترك لمستوطن أن يطأ أو أن يبني بيتاً واحداً في جنوب لبنان فيما تملأ المستوطنات أرض الجولان ,وتبيعنا تفاحاً,ومياه معدنية,وينعم مستعمروها بالسلام والأطمئنان وينامون ملأ جفونهم !! فكيف نبقى في لبنان تحت دعوى المقاومة وظلها,بينما لا ترانا هضابنا وسفوحنا وهي محتلة!! …. المقامون الماجدون في العراق يتحولون إلى أشلاء كي لاتعبر كذبة التحرير،وكي لا يتشّهي الموساد سمك الفرات في شارع أبي النواس…الماجدون في فلسطين يقاومون طائرات المحتلين ويجذرون ثقافة المقاومة في مواجهة معدومة التكافؤ تريد تحويل مقاومتهم إلى إرهاب ….لتحصل البوارج والجنازير والقاذفات على براءات الشرف في انتهاج الأساليب الشعبية الحداثوية الليبرالية في إنتاج الديمقراطية…فأصبح جديراً أن يحصل الجنرالات،دون سواهم, على جائزة نوبل لصناعة السلام والديمقراطية!!أليس كذلك يا عرب امريكا!!؟
مالذي قاومته المخابرات …هل واجهت في الإسكندرون والجولان وقانا،كما واجهت في طرطوس ودرعا وجسر الشغور. وهل واجهت في عنجر إلا قوى الخيار العربي الذين افتدوا سورية، وهل قاومت المخابرات إلا قوى الديمقراطية والحرية في لبنان،كي يبقى لبنان صناعة مخابراتية :كما أرادوا لحلب،واللاذقية والشام!!
هل أعادت المخابرات الوحدة العربية أو سعت إليها، بعد أن أصبحت ضرورة بقاء بعد هزيمة حزيران،وهل رأتها خياراًمصيرياً عام 1970في أيلول الأسود، وبعد الإنقلاب على العقلية "المناورة المتسلطه"!!!وكانت كل ضرورات التاريخ من أجل الوحدة ،قد انتفضت وارتسمت بعد أيلول الأسود،وبعد وفاة جمال عبد الناصر!…هل استثمرت المخابرات الجهد الخلاق وتضحيات الدماء الذكية التي قدمها جنود الشعب في حرب تشرين عام1973،أم أنها حولتها إلى غنائم وقصور ومزارع ,استباحت بها مساحة الوطن، واستثمرتها نياشين ومطبوعات تجدد لها تفويضاً بالشرعية التاريخية والثورية !…ثم ألم تصل كل أطراف حرب تشرين إلى كامب ديفيد سويا أو في قطارين مختلفين!!
وعلى الجانب الآخر،نستذكر الحقيقة الإستراتيجية التي ما انفكت إسرائيل تدافع عنها في كل حروبها, وهي الحفاظ على التفوق النوعي العسكري المطلق، واعتبار أن خسارة حرب واحدة تكلف إسرائيل بقاءها, بينما اعتبر الطرف المخابراتي أن الفوز بحرب واحدة(إن حصل)هو فرض كفاية يعفي من حروب التحرير كلها،ويغفر الهزائم السابقة واللاحقة !!…لكم المجد يامن ارتحلتم من شهدائنا فداءً في تشرين وما قبله !..وليعي أبناؤكم أن أزكى ما قدمه آباؤهم إنما يختزل اليوم في وديعة رابين …وفي غياب الإرادة عن توظيف دمائكم في مشاريع الوطن, انتهى الأمر بالذين لم يقاتلو بعدكم ..وانصرفوا يستثمرون دمائكم شركات وطنية متعددة الجنسيات،وحانات ومزارع وسفن وطائرات وغواني وراقصات…هذه حكاية وطن لم يحاسب من ولدوا على أرضه سفاحاً فينتزع منهم دعوى الإنتماء إليه…ومن افتدوه بدمائهم ويتم أطفالهم فيظّلهم في الملكوت…
عن كل ماجرى،هل كان الشهداء يعرفون …!!
أما في الوشائج الأخوية بين العراق وسورية فسيفرد التاريخ لها فصلاً أسوداً تأنف من سخريته مطاهر الكوميديا الإلهية: فقد أرسل العراقيون جنودهم ليقاتلوا العدو الإسرائيلي عام 1967وعام 1973،ثم عادوا وأعلنوا عن استعدادهم لحشد جيوش على حدود فلسطين عبر سورية وعبر الأردن…!ولهذا الموضوع أزمان ومناسبات أخرى!وشاء التاريخ والجغرافيا أن يعيش الشعبان السوري والعراقي هبة لنهر واحد هو الفرات, و شكلا عمقاً إقتصادياً وعسكرياًلبعضهما البعض،وظل يحكمهما (حزب واحد!!!) في البلدين! ويعلنان سياسة واحدة تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي!… ولكن تلك "الثوابت"لم تفلح في وقف الحرب الضروس التي شنتها المخابرات السورية ضد الجيش والشعب العراقي عندما أغلقت فيها المخابرات الحدود البريةمع العراق، واستصدرت جوازات سفر تحظر فيها على السوريين أن يعبروا بها إلى شواطئ البقاء الممتددة بطول ضفتي الفرات! ثم أقدمت على مصادرة منشآت شركة نفط العراق الممتده عبر سورية, بعد أن أممها العراق عام 1982مباشرة،علماً أنه حتى ذلك التاريخ،كانت عائدية الشركة بريطانية التابعية منذ نشوئهاقيل ثلاثين سنة من ذلك التاريخ ،ولم يمسها أحد بسوء في الأراضي السورية,ما عدا أهلنا وعمالنا عام1956،عام السويس ,وفقط, لأنها كانت شركة بريطانية!وقبل ذلك كانت المخابرات ، قد اتخذت موقفاً متشدداً، ضد العراق عندما وقفت إلى جانب إيران ,بخلاف كل العرب الذين وقفوا مع العراق،على الأقل، بما تمليه الأخوة. والدماء العراقية السورية المشتركة التي سفحت في الجولان وفي الشمال العراقي يوماً وحتى لايتعرض أمننا المائي المشترك مع العراق إلى خطر وحتى نتمكن, كلينا, من إقامة الجبهة الشرقية من العراق وسورية ضد إسرائيل قبل حرب تشرين وبعد أن خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي،وكانت كل ضرورات الثوابت ترسو على الوحدة والتنسيق مع العراق ولكن ذلك ظل دينا في ذمة المخابرات,وعلى حساب فواتير الثوابت التي ماانتهت بعد!!
لقد وقفت المخابرات مع إيران بحجة أن الثورة اسقطت الشاه وحولت السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية!ولكنها عادت ووقفت ضد العراق,وارسلت جيشاً ليقاتل العراق في الكويت وكانت الحجة هى أن نصبح شركاء للولايات المتحدة ,حتى لا تنفرد بشؤون المنطقة !ولم يكن لدينا خيار سوى أن نرسل جنودنا ليقاتلوا تحت إمرة القيادة الأمريكية وكأن الولايات المتحدة قد أرست شراكة أمريكية-سورية لتحرير الجولان!!
واليوم وقد أدى وقوف المخابرات ضد العراق وقيامها بإيقاع أول حظر بري ونفطي شامل ضده عام 1982 وتأميم ممتلكاته,بعد أن كانت المخابرات قد انسحبت من معركة بيروت عندما احتلها الإسرائيليون وبقيت منظمة التحرير تقاتل لوحدها,بحجة أن المخابرات ذهبت إلى لبنان كشرطي " ولم تذهب لتحارب إسرائيل من لبنان "!!
واليوم وقد صدر القرار 1559 استسنه أصحابه لإخراج السوريين من لبنان ,وتوطين الفلسطينين حيث هم في سورية ولبنان, توطئة لإقامة دولة فلسطينية بمن بقى من فلسطيني الداخل,بعد تنفيذ الهولوكست الفلسطيني, وإنقاص عدد الفلسطينيين إلى النصف إضافة إلى نزع سلاح حزب الله وبالتالي, إضعاف الموقف التفاوضي لسورية إلى حدوده القصوى…مما يجعل المفاوضات التي ستجرى مفاوضات انعدام التوازن في ميزان القوى بين سورية وإسرائيل,وبالتالي فلا عودة للجولان,ولا مياه لسورية من الجولان ولا تفاح ولا فواكه إلا بالدفع مقدماً!!وفي إطار الشراكة المتوسطيه!!!
وعليه فمن الذي يعيد لنا صداقة فرنسا وحلفائنا الأوربيين…هل هي الكويت؟!
وعليه فمن يمنع تطبيق القرار 1559…هل هي المخابرات!
ومن يعيد لنا حلفاءنا التاريخيين في لبنان…هل هو فوزي الشعيبي!
ومن يمنع توطين الفلسطينيين في سورية ولبنان…هل هو ناصر قنديل أم عاصم قانصوه!
ومن سيطرد أمريكا من العراق ويمنع السيستاني من أن يجلس مكان صدام حسين… هل هى " الثوابت"!
كم سيقف التاريخ طويلاً ليتحدث عن الهدر الزمني والهدر القومي والهدر الوطني وهدر الحريات وهدر الشعوب وهدر الثوابت,لكي تبقى وتستمر نواميس خوفو وخفرع ومنقرع!!
حبيب صالح
وحكاية الثوابت
(الثابت القومي)
حكاية الثوابت في سورية أشبه بما حكته شهرزاد لشهريار طيلة ألف ليلة وليلة وكذلك هي حكاية الحرية السورية كحكاية الثوابت فيها :
فلا يسجن السوري إلا في وطنه، ولا يجرد من حقوقه المدنية و"الريفية" إلا في سورية .ولا تقف المخابرات على أبواب غرف النوم ،إلاكما تفعل في سورية!ففي جميع دول الأرض فإن سلّم المواطنة وميثاقها لا يبدأ أو ينتهي بالمخابرات ,إلا في سورية!ولم يسبق أن سمعت أن سورياً سجن يوماً في بريطانيا أو أستراليا أو فرنسا أو الإرجنتين أو جزر المالديف وهو يغترب فيها،لأنه أحب أو كره،أو أنه أبدى رأيا أو أنشأ صحيفة،أو أجرى مقابلة إذاعية! أو والى أو عارض النظام الملكي أو الجمهوري فيها!أو أنه انتسب إلى حزب الخضر، أو المحافظين أو حزب آلستر،أو الشين فيت كما في إيرلندا، بل هناك على النقيض من ذلك سوريون أنشأؤا أحزاباً وأصدروا صحفاً سياسية وترأسوا لجاناً برلمانية في الكثير من دول العالم…أما في سورية فإصدار صحيفة مستقلة أو إنشاء قناة فضائية حرة يوازي عند المخابرات إنقلاباً عسكرياً، أو ثورة شعبية !
السجناء العرب في السجون الإسرائيلية،هم سجناء من قومية غير إسرائيلية ومن شعب يتنازع الشرعية التاريخية والحضارية وشرعية البقاء مع شعب ودولة جلاديه،لكنه لم يسبق لهذا الطراز من السجناء المقاومين للإحتلال، الساعين لإقامة دولة الحرية، في مواجهة الدولة التي تغتصب كيانهم ودولتهم! لم يسبق لسجين من هؤلاء أن منعه الجلادون الإسرائيليون من التواصل مع الأهل والخلان عبر الصليب الأحمر،أو عبر محطات التلفزة أو عبر الزيارات التي يسمح بها!
السجين الفلسطيني يستطيع أن يضرب عن الطعام، أويجري مقابلة صحفية، وأن يظل خارج زنزانته، وأن يعقد قراناً وأن يقرأ القرآن والإنجيل،أو يستحم يومياً، ويتابع برامج التلفزة الفضائية والأرضية طيلة النهار، وأن يلعب البلياردو،ويمارس رياضة التنفس، بل يستطيع أن يؤلف كتاباً أو ينظم شعراً، وأن يلتقي بمغنية إسرائيلية،قد تكون ضابطاً في الموساد، ولكنها امرأة أنثى هي جل ما يحلم السجين أن يراه في سجون الإحتلال وسجون المخابرات: والمخابرات السورية هي الوحيدة على وجه الأرض التي تسجل دردشات السجناء وتضبط إيقاعات شخيرهم وفسائهم في المضاجع ! وتعيد التحقيق معهم وتحاكمهم لما اقترفوه في سجونهم الإنفرادية،مثلما حاكمتهم على ما فعلوه خارج السجون! وأذا أقام أحدنا مقارنة بين سجنه "الوطني"الطوعي وبين غربته في منفاه القسري بحثا ًعن كرامة افتقدها فوق ترابه الوطني ,فهام بها بحثاً, لاختار ألف مرة لو أنه هاجر وارتحل وأغمض عينيه إلى الأبد عن رؤية تراب الوطن الذي تحول إلى مقبرة وطنيةووكر للأوغاد الذين لاتنال من رعونتهم الشراكة في المولد،والنطق،وبقية الدلالات،إن لم تكن هي الأخوة في الوطن الواحد!والطائفة الواحدة… وهي غير ذلك بكل تأكيد!
الأوغاد أيها السادة لاوطن لهم،ولايستظلون يشيئ..جل ما في الأمر أنهم يدركون بالغريزة، وأمية القلم، وعصاب الإستعلاء،ومركبات الهزيمة أنهم ما داموا هزموا في مواجهة العدو المحتل،وهزموا في الإحتفاظ بأوراق الوطن ومقومات القوة الذاتية، فجرعونا مر الأيام، وصرنا عناوين للهزائم،ومطاهر الإغتسال،وخلت حياتنا الوطنية من مكونات العزة والكبرياء ، ومكونات التقدم والإرتقاء فأصبح العرب والسوريون منهم محطاً لسخرية الشعوب, يتجرعونها في موانئ الإرتحال،ومرافئ الوصول، وأصبح العربي والسوري يخضع للتصوير والتنقيب الجسدي ما تحت الإبط وما تحت السّرة, ومواطن زبيدة والنواس…!
كان جيل المهاجرين الأوائل يصل إلى بلاد الإغتراب فينادونهم "التركو" باعتبار أن أعراب تلك الأيام كانوا يصلون إلى هناك قادمين من أقاليم الدولة العثمانية،وعندما استعادوا هوية الوطن وصاروا عرباً!استلحقوهم بجنسيات الإرهاب والإصولية،والديكتاتورية !هكذا يتشوف علينا الشرق والغرب ورعاة البقر لإننا ببساطة صامتون في مواجهة جلادينا، ونتصرف كالقطعان الهائمة ووجوهها إلى الأرض!!
فأين كانت يوماً ثوابتنا القومية معينا لصناعة هويتنا وإنتاج ثقافتنا وتكريس خياراتنا: فنبصر من نوافذها مواقعنا على خرائط الآخرين، ونجدد أوراقنا للإنتساب إلى المجتمع الدولي،ونسقط إلى الأبد مجون المخابرات، ونتوقف عن إطلاق القفازات في وجوه الآخرين، فلانستلهم ثقافة النفاثات في العقد، ونراهن على جمعية المرتضى حزباً يقودنا إلى الوحدة والحرية والإشتراكية!…كما راهنا على كذبة الثوابت وأشياء أخرى، مدعين أننا حملة مشاعل تاريخية، وأن سنة الصمود والتصدي تستظلنا
متشبهين بالشعوب الروسية ضد النازية،والفيتنامي ضد الأمريكين والفلسطيني ضد اسرائيل !! المخابرات باختصار لا تشبه أحداً إلا نفسها !!
ماذا فعلت المخابرات أيها السادة؟ هل أطلقت رصاصة على الإحتلال منذ 31سنة!؟
ألم تسجل الطائرات الإسرائيلية تسعين ألف خرق جوي وبحري فوق لبنان والقوات السورية،والمخابرات صامتة.. ألا تسري إتفاقية الفصل الإسرائيلية السورية التي كتب كل حروفها العزيز هنري كيسنجر عام 1973..ألا تطبق هذه الإتفاقية أكثرمن إتفاقية وادي عربة، وكامب ديفيد، وخيمة صفوان؟؟
كل شيئ وقع،وكل شيئ جرت المساومة عليه..ولكن شيئاً لم يجر ولم يقع وهو إطلاق النار على المحتلين في الجولان !!وتظهر مقارنة صارخة بين احتلال جنوب لبنان لمدة 26 سنةوبين احتلال الجولان حيث عجز مستوطن واحد أن يدخل الجنوب على روعته وسحره سياحياً ,لإن المقاومة لم تترك لمستوطن أن يطأ أو أن يبني بيتاً واحداً في جنوب لبنان فيما تملأ المستوطنات أرض الجولان ,وتبيعنا تفاحاً,ومياه معدنية,وينعم مستعمروها بالسلام والأطمئنان وينامون ملأ جفونهم !! فكيف نبقى في لبنان تحت دعوى المقاومة وظلها,بينما لا ترانا هضابنا وسفوحنا وهي محتلة!! …. المقامون الماجدون في العراق يتحولون إلى أشلاء كي لاتعبر كذبة التحرير،وكي لا يتشّهي الموساد سمك الفرات في شارع أبي النواس…الماجدون في فلسطين يقاومون طائرات المحتلين ويجذرون ثقافة المقاومة في مواجهة معدومة التكافؤ تريد تحويل مقاومتهم إلى إرهاب ….لتحصل البوارج والجنازير والقاذفات على براءات الشرف في انتهاج الأساليب الشعبية الحداثوية الليبرالية في إنتاج الديمقراطية…فأصبح جديراً أن يحصل الجنرالات،دون سواهم, على جائزة نوبل لصناعة السلام والديمقراطية!!أليس كذلك يا عرب امريكا!!؟
مالذي قاومته المخابرات …هل واجهت في الإسكندرون والجولان وقانا،كما واجهت في طرطوس ودرعا وجسر الشغور. وهل واجهت في عنجر إلا قوى الخيار العربي الذين افتدوا سورية، وهل قاومت المخابرات إلا قوى الديمقراطية والحرية في لبنان،كي يبقى لبنان صناعة مخابراتية :كما أرادوا لحلب،واللاذقية والشام!!
هل أعادت المخابرات الوحدة العربية أو سعت إليها، بعد أن أصبحت ضرورة بقاء بعد هزيمة حزيران،وهل رأتها خياراًمصيرياً عام 1970في أيلول الأسود، وبعد الإنقلاب على العقلية "المناورة المتسلطه"!!!وكانت كل ضرورات التاريخ من أجل الوحدة ،قد انتفضت وارتسمت بعد أيلول الأسود،وبعد وفاة جمال عبد الناصر!…هل استثمرت المخابرات الجهد الخلاق وتضحيات الدماء الذكية التي قدمها جنود الشعب في حرب تشرين عام1973،أم أنها حولتها إلى غنائم وقصور ومزارع ,استباحت بها مساحة الوطن، واستثمرتها نياشين ومطبوعات تجدد لها تفويضاً بالشرعية التاريخية والثورية !…ثم ألم تصل كل أطراف حرب تشرين إلى كامب ديفيد سويا أو في قطارين مختلفين!!
وعلى الجانب الآخر،نستذكر الحقيقة الإستراتيجية التي ما انفكت إسرائيل تدافع عنها في كل حروبها, وهي الحفاظ على التفوق النوعي العسكري المطلق، واعتبار أن خسارة حرب واحدة تكلف إسرائيل بقاءها, بينما اعتبر الطرف المخابراتي أن الفوز بحرب واحدة(إن حصل)هو فرض كفاية يعفي من حروب التحرير كلها،ويغفر الهزائم السابقة واللاحقة !!…لكم المجد يامن ارتحلتم من شهدائنا فداءً في تشرين وما قبله !..وليعي أبناؤكم أن أزكى ما قدمه آباؤهم إنما يختزل اليوم في وديعة رابين …وفي غياب الإرادة عن توظيف دمائكم في مشاريع الوطن, انتهى الأمر بالذين لم يقاتلو بعدكم ..وانصرفوا يستثمرون دمائكم شركات وطنية متعددة الجنسيات،وحانات ومزارع وسفن وطائرات وغواني وراقصات…هذه حكاية وطن لم يحاسب من ولدوا على أرضه سفاحاً فينتزع منهم دعوى الإنتماء إليه…ومن افتدوه بدمائهم ويتم أطفالهم فيظّلهم في الملكوت…
عن كل ماجرى،هل كان الشهداء يعرفون …!!
أما في الوشائج الأخوية بين العراق وسورية فسيفرد التاريخ لها فصلاً أسوداً تأنف من سخريته مطاهر الكوميديا الإلهية: فقد أرسل العراقيون جنودهم ليقاتلوا العدو الإسرائيلي عام 1967وعام 1973،ثم عادوا وأعلنوا عن استعدادهم لحشد جيوش على حدود فلسطين عبر سورية وعبر الأردن…!ولهذا الموضوع أزمان ومناسبات أخرى!وشاء التاريخ والجغرافيا أن يعيش الشعبان السوري والعراقي هبة لنهر واحد هو الفرات, و شكلا عمقاً إقتصادياً وعسكرياًلبعضهما البعض،وظل يحكمهما (حزب واحد!!!) في البلدين! ويعلنان سياسة واحدة تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي!… ولكن تلك "الثوابت"لم تفلح في وقف الحرب الضروس التي شنتها المخابرات السورية ضد الجيش والشعب العراقي عندما أغلقت فيها المخابرات الحدود البريةمع العراق، واستصدرت جوازات سفر تحظر فيها على السوريين أن يعبروا بها إلى شواطئ البقاء الممتددة بطول ضفتي الفرات! ثم أقدمت على مصادرة منشآت شركة نفط العراق الممتده عبر سورية, بعد أن أممها العراق عام 1982مباشرة،علماً أنه حتى ذلك التاريخ،كانت عائدية الشركة بريطانية التابعية منذ نشوئهاقيل ثلاثين سنة من ذلك التاريخ ،ولم يمسها أحد بسوء في الأراضي السورية,ما عدا أهلنا وعمالنا عام1956،عام السويس ,وفقط, لأنها كانت شركة بريطانية!وقبل ذلك كانت المخابرات ، قد اتخذت موقفاً متشدداً، ضد العراق عندما وقفت إلى جانب إيران ,بخلاف كل العرب الذين وقفوا مع العراق،على الأقل، بما تمليه الأخوة. والدماء العراقية السورية المشتركة التي سفحت في الجولان وفي الشمال العراقي يوماً وحتى لايتعرض أمننا المائي المشترك مع العراق إلى خطر وحتى نتمكن, كلينا, من إقامة الجبهة الشرقية من العراق وسورية ضد إسرائيل قبل حرب تشرين وبعد أن خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي،وكانت كل ضرورات الثوابت ترسو على الوحدة والتنسيق مع العراق ولكن ذلك ظل دينا في ذمة المخابرات,وعلى حساب فواتير الثوابت التي ماانتهت بعد!!
لقد وقفت المخابرات مع إيران بحجة أن الثورة اسقطت الشاه وحولت السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية!ولكنها عادت ووقفت ضد العراق,وارسلت جيشاً ليقاتل العراق في الكويت وكانت الحجة هى أن نصبح شركاء للولايات المتحدة ,حتى لا تنفرد بشؤون المنطقة !ولم يكن لدينا خيار سوى أن نرسل جنودنا ليقاتلوا تحت إمرة القيادة الأمريكية وكأن الولايات المتحدة قد أرست شراكة أمريكية-سورية لتحرير الجولان!!
واليوم وقد أدى وقوف المخابرات ضد العراق وقيامها بإيقاع أول حظر بري ونفطي شامل ضده عام 1982 وتأميم ممتلكاته,بعد أن كانت المخابرات قد انسحبت من معركة بيروت عندما احتلها الإسرائيليون وبقيت منظمة التحرير تقاتل لوحدها,بحجة أن المخابرات ذهبت إلى لبنان كشرطي " ولم تذهب لتحارب إسرائيل من لبنان "!!
واليوم وقد صدر القرار 1559 استسنه أصحابه لإخراج السوريين من لبنان ,وتوطين الفلسطينين حيث هم في سورية ولبنان, توطئة لإقامة دولة فلسطينية بمن بقى من فلسطيني الداخل,بعد تنفيذ الهولوكست الفلسطيني, وإنقاص عدد الفلسطينيين إلى النصف إضافة إلى نزع سلاح حزب الله وبالتالي, إضعاف الموقف التفاوضي لسورية إلى حدوده القصوى…مما يجعل المفاوضات التي ستجرى مفاوضات انعدام التوازن في ميزان القوى بين سورية وإسرائيل,وبالتالي فلا عودة للجولان,ولا مياه لسورية من الجولان ولا تفاح ولا فواكه إلا بالدفع مقدماً!!وفي إطار الشراكة المتوسطيه!!!
وعليه فمن الذي يعيد لنا صداقة فرنسا وحلفائنا الأوربيين…هل هي الكويت؟!
وعليه فمن يمنع تطبيق القرار 1559…هل هي المخابرات!
ومن يعيد لنا حلفاءنا التاريخيين في لبنان…هل هو فوزي الشعيبي!
ومن يمنع توطين الفلسطينيين في سورية ولبنان…هل هو ناصر قنديل أم عاصم قانصوه!
ومن سيطرد أمريكا من العراق ويمنع السيستاني من أن يجلس مكان صدام حسين… هل هى " الثوابت"!
كم سيقف التاريخ طويلاً ليتحدث عن الهدر الزمني والهدر القومي والهدر الوطني وهدر الحريات وهدر الشعوب وهدر الثوابت,لكي تبقى وتستمر نواميس خوفو وخفرع ومنقرع!!
حبيب صالح