-
دخول

عرض كامل الموضوع : صدام ... والإعدام


tiger
24/06/2006, 14:34
أحسنت. قالها وابتسم. لم يصرخ ولم يتوسل. اعتقد دائماً بأن التاريخ يرصده. يلاحقه ويدوّن الملاحظات. لم يبق لديه غير صورته. لن يهدي أعداءه مشهد ضعف أو ارتباك. لم تفاجئه هيئة الادعاء العام بطلب الاعدام. لا هي على استعداد لتبرئته ولا هو بريء. وقد يكون سخر في داخله. وقد يكون تساءل: إذا كانت قضية الدجيل تستحق الاعدام فماذا عن قضايا أكبر وأخطر؟

يصعب التكهن بما جال في رأس صدام حسين حين اعادوه الى زنزانته. لم يجرحه طلب الاعدام. آلمه ان يجرؤ عراقي على اشهار هذا الطلب. في قلبه جروح عميقة من مشاهد لم يتوقعها يوماً. رجل عراقي «يزعم» انه رئيس المحكمة. يسأله كأنه صاحب السلطان. يحدد له موعد بدء الكلام وموعد الصمت. يقاطعه وينتهره ويأمره. عبثاً حاول تذكير الرجل بأنه يخاطب الرئيس الشرعي للبلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة والرجل الذي كانت الأوسمة تتسابق للإقامة على صدره.
كيف تغير العراق وكيف تغير العراقيون؟ يذكر جيداً. حين كان يطل عليهم كان الصمت يعتقل أنفاسهم. لم يجرؤ أحد ذات يوم على طرح سؤال غامض. لم يجرؤ أحد على ارتكاب علامة استفهام. لم يغامر أحد بمقاطعته. لم يغامر أحد برفع سبابته احتجاجاً. كانوا يطلبون الكلام لإمطار القائد بمشاعر الولاء والثناء. كان الكلام للمبايعة والهتاف للتأييد وكانت الأيدي للتصفيق.

يبتسم بمرارة. مسكين القاضي. يطلب الاعدام بعد تنفيذه. يُعدم حاكم العراق لحظة مصادرة القصر منه. يُعدم حين تهرب الاختام من يديه. حين يتبدد شمل الحراس وآلة الرعب. يُعدم فور خسارته قدرته على انزال حكم الاعدام بالآخرين. جاء القاضي متأخراً جداً. نُفذ حكم الاعدام حين اقتلعوا ذلك التمثال الذي كانوا يخافون المرور على مقربة منه. حكم الاعدام لفظه قاض اسمه جورج بوش ونفذته تلك الآلة العسكرية التي لا ترحم.

يدور في زنزانته. الاعدام ليس زائراً غريباً ولا ضيفاً جديداً. لقب الرئيس السابق ليس نبتة عراقية. استحقه عبدالرحمن عارف لأنه خاف وسلم المفاتيح. واستحقه أحمد حسن البكر لأنه انصاع لأوامري بافساح المجال للقائد الذي انتظرته الأمة طويلاً. تاريخ العراق شديد الوضوح. لا يموت الحاكم تحت ركام الشيخوخة. ولا بالسكتة القلبية. يموت بضربة سيف أو طعنة خنجر أو وجبة مسمومة. الرصاص جاء لاحقاً ومتأخراً. وجثة الحاكم تعلق وتقصّب وتسحل وتوارى بقاياها في مكان بلا عنوان.

منذ تلك اللحظة التي اطلق فيها النار على عبدالكريم قاسم صار الإعدام حاضراً أو وارداً. السلطة وليمة مجنونة. دائماً هناك من يحلم بزرع الرصاص في جسدك. بزرع السم في طعامك. دائماً هناك من يحلم بإعدامك أو يحاول. ولا رحمة في الوليمة. تبادر الى إعدامهم أو تتأخر. ينفذون بك الحكم ويحتفلون.

ينتابه حلم مجنون. لو يسعفه الحظ في استعادة الحكم ليوم واحد. يضحك. يكفي أن تبث إذاعة بغداد أن السيد الرئيس القائد يرأس اجتماعاً لمجلس قيادة الثورة. ستفوح رائحة الويل. من قدموا من وراء الحدود سيسارعون الى المغادرة ان تمكنوا. المنطقة الخضراء ستتحول في غضون ساعات صحراء مقفرة. سيعلق جثة جلال طالباني على مدخل القصر. من أباح له استخدام لقب الرئيس. سيوكل الى علي الكيماوي مهمة التعامل مع مختلف المحافظات. سيختنق دجلة بالجثث العائمة وسيتغاوى بثيابه الوردية. ستستيقظ كل التماثيل التي اعدمت.

يوم يُعدم صدّام قد يبتهج كثيرون بحلول عصر العدالة. مصير الرجل لم يعد مهماً. أقسى عقاب يمكن انزاله به هو قيام دولة تمنع إعدام العراق. دولة تتسع لكل العراقيين وتمنع بلاد ما بين النهرين من ارتكاب صدّام جديد خصوصاً أن الممارسات الحالية والإعدامات اليومية توحي بوجود ألف صدّام ينتظرون فرصتهم.

غسان شربل