tiger
20/06/2006, 16:45
بعد 30 سنة في لندن عاد اليّ صيف 1976 عندما ذبل الحشيش الأخضر في الحدائق العامة وتحول لونه الى الأصفر، فقد شهد هذا الشهر أياماً والحرارة في لندن لا تهبط عن 30 درجة مئوية خلال ساعات النهار، وهي حرارة تمثل ربيع الرياض وعواصم عربية أخرى، الا انها تعني أن يصاب الانكليز بضربة شمس.
قبل 30 سنة كان سليم اللوزي، رحمه الله، في لندن يعد لاصدار مجلة «ايفنتس» أي «الحوادث» بالانكليزية، ليكون له مقر لعمله بعد أن توقع أن تطول الحرب الأهلية في لبنان، وان تشتد وتسوء، ما لا يضمن استمرار صدور مجلته التي كانت في حينه أولى المجلات العربية.
كان سليم اللوزي اشترى بيتاً في لندن، وعاد الى بيروت واستلمت المفاتيح من المحامي في غيابه، وسكنت في البيت مع اسرتي، حتى عاد وأسرته وسكنا معاً، قبل أن اشتري بيتاً مجاوراً انتقلت اليه. وهو في صيف 1976 استأجر مكاتب موقتة في سافيل رو، اشهر شوارع خياطي ثياب الرجال في العالم، وكنت أساعده بحكم الصداقة وخبرتي في العمل باللغة الانكليزية.
كان عندنا ساع هو شاب لبناني في نهاية سنوات المراهقة أو مطلع العشرينات اسمه محمود. وكان سليم اللوزي يعطي الساعي 50 جنيهاً استرلينياً في الاسبوع نقداً، إلا أن محموداً بدأ يتأخر أو يختفي عن المكتب ونطلبه فلا نجده. وكل من عرف سليم اللوزي كان يعرف أنه من النوع العصبي، وزاد عليه الغضب مع الحرب، فكانت زوجته أميّة، جارة العمر، الوجه الحسن لعلاقاته المهنية والعملية.
وقال لي سليم اللوزي يوماً انه ضاق ذرعاً بتصرفات محمود وطلب مني أن أحذره، وقد فعلت، وقلت له ان «الاستاذ» يريد مساعدته إلا أنه لا يساعد نفسه. ورد محمود بما ترجمته الى الفصحى: يا معلمي أنت لا تعرف ماذا يحدث. هناك نساء عاريات. وسألته مستغرباً: أين النساء العاريات؟ فقال «في الجنينة»، وكان يقصد حديقة عامة قريبة منها هي «غرين بارك».
نقلت الى سليم اللوزي حديثي مع محمود فصرخ أن يأتوا لكل منا بسندويش، وأسرع بي الى الحديقة.
طبعاً لم تكن هناك نساء عاريات وانما نساء في مراحل متقدمة من شبه العري، فالحرارة العالية جعلت الموظفات في المنطقة من سكرتيرات وغيرهن يقصدن الحدائق العامة في ساعة الغداء، للتمتع بأشعة الشمس، فكانت الواحدة تكشف ما تستطيع عن صدرها أو ساقيها. وكنت أقول «حور كواشف عن ساقٍ وولدان»، من دون أن يكنّ «الحور من دمّرٍ أو حول هامتها» اللواتي تغزل بهن أحمد شوقي.
وأصبح سليم اللوزي يطلب كل يوم سندويشات للغداء والنزهة في الحديقة، وهو سعيد بما يرى وغاضب لأنه ليس في العشرين من عمره، فكان يقول لي ممازحاً: ألم أقل لك انني سابق عصري.
سليم اللوزي غضب مرة لأن البنات في مصعد البناية حيث مكاتب «ايفنتس» كن طويلات، أو أطول منه. واكتشفنا بعد حين أن هناك مكتباً لعارضات الأزياء، لذلك فأكثر الزائرات يزدن طولاً على 175 سنتيمتراً، وربما 180.
الحرارة في صيف 1976 استمرت اسابيع، وقلت للصحافي الكبير يوماً: يا أستاذ سليم، معدتي تؤلمني من أكل السندويشات. دعنا نأكل الغداء في مطعم ولو مرة كما كنا نفعل، إلا أنه رفض، وقال انه لا يصدق انني شريف أو عفيف.
ربما كنت سجلت ما سبق قبل 20 سنة أو نحوها، الا انه عاد اليّ مع عودة الطقس الحار الى لندن، والفرق هذه المرة أن الحرارة زادت، بعد أن زادت اعمار الاصدقاء جميعاً 30 سنة، فإذا سمع احدهم من يقول له أنه «لسّه شباب» فالمعنى انه ليس كذلك.
كل من الاصدقاء يروي حكايات اين منها ما يروى عن الزير ابي ليلى المهلهل، فله غزوات نسائية في الشرق والغرب، وغير ذلك من اساطير. وهكذا كان واجتمعنا أخيراًَ لندرس أي حديقة نختار لنأكل فيها السندويشات صباح مساء، طالما أن اكثرنا متقاعد، وقررنا بعد درس المعطيات أن نلعب الشدة (الورق)، لأن التخصيب قَصْرٌ على اليورانيوم لا الرجال.
«الشباب» كما لا نزال نسمي أحدنا الآخر، تركوا الحسان في مراحل عري متقدمة في حدائق لندن، وقبعوا في صالون بيت أحدهم للعب الشدة، ولا عين تشوف ولا قلب يحزن. وهذا ما فعلوا عندما ذهبت الزوجات في اجازة الى جنوب افريقيا، واخرى الى اليابان قبل اسابيع.
كان قام من هؤلاء الشباب قبل سنوات، من اقترح أن نرسل نساءنا في اجازة الى الجزائر، واللواتي يعدن سالمات نرسلهن الى افغانستان. وقد هدأ الوضع في الجزائر بعد ذلك فأصبح الاقتراح ان نرسلهن الى العراق واذا بقيت واحدة منهن نرسلها الى افغانستان. وعندما ذكرت الصديق باقتراحه تذكر، الا انه نسي السبب، فهو من نوع الذي لا يزال يركض وراء السكرتيرة حول مكتبه، الا انه لا يعرف لماذا.
المير مجيد ارسلان كان قال يوماً للواتي ارتدين «الميني» عبارة مشهورة في لبنان هي «قصرتوا لما قصرنا».
والتقصير أصاب الجميع هذه الأيام، خصوصاً اننا من أمة مقصرة. والاخوان قصروا من دون أن يصمتوا، فالحديث حول لعب الورق هو عن الامراض، وآخر انواع الفحوصات الطبية في هارلي ستريت، أو مايو كلينيك.
قبل 30 سنة كان الاصدقاء في الثلاثين، وكنت وحدي في الثالثة، على اعتبار انني الطفل المعجزة، واليوم أصبح الواحد يتعب بأسرع مما يرتاح، وحتى لعب الشدة ينتهي، وهناك من يقول: أخ يا ظهري، فكل شيء في الجسم أصبح يؤلم، وما لا يؤلم عاطل عن العمل.
جهاد الخازن
قبل 30 سنة كان سليم اللوزي، رحمه الله، في لندن يعد لاصدار مجلة «ايفنتس» أي «الحوادث» بالانكليزية، ليكون له مقر لعمله بعد أن توقع أن تطول الحرب الأهلية في لبنان، وان تشتد وتسوء، ما لا يضمن استمرار صدور مجلته التي كانت في حينه أولى المجلات العربية.
كان سليم اللوزي اشترى بيتاً في لندن، وعاد الى بيروت واستلمت المفاتيح من المحامي في غيابه، وسكنت في البيت مع اسرتي، حتى عاد وأسرته وسكنا معاً، قبل أن اشتري بيتاً مجاوراً انتقلت اليه. وهو في صيف 1976 استأجر مكاتب موقتة في سافيل رو، اشهر شوارع خياطي ثياب الرجال في العالم، وكنت أساعده بحكم الصداقة وخبرتي في العمل باللغة الانكليزية.
كان عندنا ساع هو شاب لبناني في نهاية سنوات المراهقة أو مطلع العشرينات اسمه محمود. وكان سليم اللوزي يعطي الساعي 50 جنيهاً استرلينياً في الاسبوع نقداً، إلا أن محموداً بدأ يتأخر أو يختفي عن المكتب ونطلبه فلا نجده. وكل من عرف سليم اللوزي كان يعرف أنه من النوع العصبي، وزاد عليه الغضب مع الحرب، فكانت زوجته أميّة، جارة العمر، الوجه الحسن لعلاقاته المهنية والعملية.
وقال لي سليم اللوزي يوماً انه ضاق ذرعاً بتصرفات محمود وطلب مني أن أحذره، وقد فعلت، وقلت له ان «الاستاذ» يريد مساعدته إلا أنه لا يساعد نفسه. ورد محمود بما ترجمته الى الفصحى: يا معلمي أنت لا تعرف ماذا يحدث. هناك نساء عاريات. وسألته مستغرباً: أين النساء العاريات؟ فقال «في الجنينة»، وكان يقصد حديقة عامة قريبة منها هي «غرين بارك».
نقلت الى سليم اللوزي حديثي مع محمود فصرخ أن يأتوا لكل منا بسندويش، وأسرع بي الى الحديقة.
طبعاً لم تكن هناك نساء عاريات وانما نساء في مراحل متقدمة من شبه العري، فالحرارة العالية جعلت الموظفات في المنطقة من سكرتيرات وغيرهن يقصدن الحدائق العامة في ساعة الغداء، للتمتع بأشعة الشمس، فكانت الواحدة تكشف ما تستطيع عن صدرها أو ساقيها. وكنت أقول «حور كواشف عن ساقٍ وولدان»، من دون أن يكنّ «الحور من دمّرٍ أو حول هامتها» اللواتي تغزل بهن أحمد شوقي.
وأصبح سليم اللوزي يطلب كل يوم سندويشات للغداء والنزهة في الحديقة، وهو سعيد بما يرى وغاضب لأنه ليس في العشرين من عمره، فكان يقول لي ممازحاً: ألم أقل لك انني سابق عصري.
سليم اللوزي غضب مرة لأن البنات في مصعد البناية حيث مكاتب «ايفنتس» كن طويلات، أو أطول منه. واكتشفنا بعد حين أن هناك مكتباً لعارضات الأزياء، لذلك فأكثر الزائرات يزدن طولاً على 175 سنتيمتراً، وربما 180.
الحرارة في صيف 1976 استمرت اسابيع، وقلت للصحافي الكبير يوماً: يا أستاذ سليم، معدتي تؤلمني من أكل السندويشات. دعنا نأكل الغداء في مطعم ولو مرة كما كنا نفعل، إلا أنه رفض، وقال انه لا يصدق انني شريف أو عفيف.
ربما كنت سجلت ما سبق قبل 20 سنة أو نحوها، الا انه عاد اليّ مع عودة الطقس الحار الى لندن، والفرق هذه المرة أن الحرارة زادت، بعد أن زادت اعمار الاصدقاء جميعاً 30 سنة، فإذا سمع احدهم من يقول له أنه «لسّه شباب» فالمعنى انه ليس كذلك.
كل من الاصدقاء يروي حكايات اين منها ما يروى عن الزير ابي ليلى المهلهل، فله غزوات نسائية في الشرق والغرب، وغير ذلك من اساطير. وهكذا كان واجتمعنا أخيراًَ لندرس أي حديقة نختار لنأكل فيها السندويشات صباح مساء، طالما أن اكثرنا متقاعد، وقررنا بعد درس المعطيات أن نلعب الشدة (الورق)، لأن التخصيب قَصْرٌ على اليورانيوم لا الرجال.
«الشباب» كما لا نزال نسمي أحدنا الآخر، تركوا الحسان في مراحل عري متقدمة في حدائق لندن، وقبعوا في صالون بيت أحدهم للعب الشدة، ولا عين تشوف ولا قلب يحزن. وهذا ما فعلوا عندما ذهبت الزوجات في اجازة الى جنوب افريقيا، واخرى الى اليابان قبل اسابيع.
كان قام من هؤلاء الشباب قبل سنوات، من اقترح أن نرسل نساءنا في اجازة الى الجزائر، واللواتي يعدن سالمات نرسلهن الى افغانستان. وقد هدأ الوضع في الجزائر بعد ذلك فأصبح الاقتراح ان نرسلهن الى العراق واذا بقيت واحدة منهن نرسلها الى افغانستان. وعندما ذكرت الصديق باقتراحه تذكر، الا انه نسي السبب، فهو من نوع الذي لا يزال يركض وراء السكرتيرة حول مكتبه، الا انه لا يعرف لماذا.
المير مجيد ارسلان كان قال يوماً للواتي ارتدين «الميني» عبارة مشهورة في لبنان هي «قصرتوا لما قصرنا».
والتقصير أصاب الجميع هذه الأيام، خصوصاً اننا من أمة مقصرة. والاخوان قصروا من دون أن يصمتوا، فالحديث حول لعب الورق هو عن الامراض، وآخر انواع الفحوصات الطبية في هارلي ستريت، أو مايو كلينيك.
قبل 30 سنة كان الاصدقاء في الثلاثين، وكنت وحدي في الثالثة، على اعتبار انني الطفل المعجزة، واليوم أصبح الواحد يتعب بأسرع مما يرتاح، وحتى لعب الشدة ينتهي، وهناك من يقول: أخ يا ظهري، فكل شيء في الجسم أصبح يؤلم، وما لا يؤلم عاطل عن العمل.
جهاد الخازن