توت توت توت
15/06/2006, 08:10
الإنسان والدين في المنطقة العربية
بقلم عمران سلمان
__________________________________________________ _
أتساءل دوما لماذا تصبح قيمة الانسان في المنطقة العربية أرخص حتى من الكلام والقراطيس؟ يموت ألف إنسان في غرق عبارة مصرية بسبب الإهمال والفساد، ولا يتحرك أحد، ويقتل في العراق كل يوم العشرات والمئات بسبب التفجيرات والعمليات الانتحارية ولا يبكي أحد، ويطوي عشرات الملايين بطونهم من الجوع والفاقة، ولا أحد يكترث بهم، بينما يندفع الآلاف والملايين من الناس إلى الشوارع بسبب رسوم كاريكاتورية للنبي محمد!
وحتى إذا انطلقنا من أن الرسل والأنبياء لهم مكانة خاصة في نفوس الناس، أفليسوا في النهاية هم بشر، وأليست التعاليم أو الأديان التي جاءوا بها هي في نهاية المطاف كلام كتب في قراطيس، لا أحد يعلم يقينا صدقه من عدمه؟
كيف يمكن أن يكون الإنسان وهو كائن حي وواقع ملموس ومعاش، أقل قيمة من كلام معلق بين الحقيقة والوهم؟
من حق أي إنسان أن يؤمن بما يشاء، ومن حقه أن يدافع حتى الموت عما يؤمن به، ولكنه في اللحظة التي يتخلى فيها طوعا عن آدميته ويستبدلها بما دون ذلك، فإنه يلغي ذاته ويجعلها مجرد تنويع وجودي.
إن الأديان تكتسب قيمتها من الإنسان نفسه، لأنها موجهة له، وهو هدفها النهائي، وليس العكس. إن الدين لا وجود له ولا معنى له من دون إنسان، وبالتالي فإن هذا الإنسان هو أعظم وأسمى بما لا يقاس من أي دين. وحين يعذب الإنسان أو يقتل فإن على الأديان أن تغرب صاغرة عن وجه أقرب مخلوق تواجهه.
لا يمكن تبرير قتل إنسان بسبب الدفاع عن الدين، لأن ذلك ضد منطق الأشياء. إذا قتل إنسان فَقَدَ الدين أي مبرر أخلاقي لوجوده. لذلك يمكن التغاضي عن أي دين في سبيل إنقاذ حياة إنسان، وليس العكس.
غير أن المؤسف أنه في البلدان العربية وهي بلدان واقعة في معظمها تحت سطوة الدين، فإن الآية تبدو معكوسة. فالدين يحتل أعلى سلم الأولويات، بينما يحتل الإنسان أدناها. يهان الإنسان ويقتل ويمثّل به، من أجل أن تظل الأيقونات الدينية محفوظة.
في الجزائر قتل في عقد التسعينات وحده ما لا يقل عن 200 ألف إنسان وذلك كي يحافظ إسلاميو جبهة الإنقاذ والجماعات الإرهابية الأخرى على نقاء إسلامهم، وقتل قرابة المليوني شخص في الحرب الأهلية في السودان، لأنه لا يجوز أن يفرض الأرواحيون (الوثنيون) والمسيحيون في الجنوب مطالبهم على إسلاميي الشمال.
وفي العراق قتل حتى الآن عشرات الآلاف لأن مسلحي الطائفة السنية اعتبروا أن قتل الشيعة والخلاص منهم فيه تقرب لإلههم وخدمة لمذهبهم الديني.
وما بين هذا وذاك حصدت الهجمات الإرهابية في العواصم العربية والأجنبية أرواح عشرات الآلاف من البشر، رجالا ونساء وأطفالا، لأن هناك من اعتقد أن إزهاق أرواح هؤلاء هي تذكرته للدخول إلى الجنة المزعومة وملاقاة الحور العين.
لذلك حين يُسحق الإنسان ويُجَرَّد من أي قيمة، وحين يكون كل هذا القتل والدمار باسم الإسلام ـ فإنه لا يحق لأتباعه أن يطاردوا رساما في صحيفة دانماركية، أراد أن ينتقم لذاته المقهورة من أفعال الإسلاميين عبر الرسم ـ وحينها يفقد الإسلام أو أي دين آخر أي قيمة له في الواقع.
إني أشعر بأن موجة التدين العارمة التي تضرب بأطنابها اليوم العالمين الغربي والشرقي ما هي إلا نزيع الروح الأخير، وأن المستقبل لا يحمل الكثير من الخير للأديان. وعلى العلمانيين والملحدين والتنويريين واللاأدريين من كل ملة (وخاصة المسلمين) أن يجهروا بآرائهم وأفكارهم، من أجل إعادة مارد الدين إلى قمقمه، ومن جانبي فإني سأخصص مقالاتي القادمة حصرا لهذا الموضوع.
_________________________
عمران سلمان، كاتب وصحفي بحريني
بقلم عمران سلمان
__________________________________________________ _
أتساءل دوما لماذا تصبح قيمة الانسان في المنطقة العربية أرخص حتى من الكلام والقراطيس؟ يموت ألف إنسان في غرق عبارة مصرية بسبب الإهمال والفساد، ولا يتحرك أحد، ويقتل في العراق كل يوم العشرات والمئات بسبب التفجيرات والعمليات الانتحارية ولا يبكي أحد، ويطوي عشرات الملايين بطونهم من الجوع والفاقة، ولا أحد يكترث بهم، بينما يندفع الآلاف والملايين من الناس إلى الشوارع بسبب رسوم كاريكاتورية للنبي محمد!
وحتى إذا انطلقنا من أن الرسل والأنبياء لهم مكانة خاصة في نفوس الناس، أفليسوا في النهاية هم بشر، وأليست التعاليم أو الأديان التي جاءوا بها هي في نهاية المطاف كلام كتب في قراطيس، لا أحد يعلم يقينا صدقه من عدمه؟
كيف يمكن أن يكون الإنسان وهو كائن حي وواقع ملموس ومعاش، أقل قيمة من كلام معلق بين الحقيقة والوهم؟
من حق أي إنسان أن يؤمن بما يشاء، ومن حقه أن يدافع حتى الموت عما يؤمن به، ولكنه في اللحظة التي يتخلى فيها طوعا عن آدميته ويستبدلها بما دون ذلك، فإنه يلغي ذاته ويجعلها مجرد تنويع وجودي.
إن الأديان تكتسب قيمتها من الإنسان نفسه، لأنها موجهة له، وهو هدفها النهائي، وليس العكس. إن الدين لا وجود له ولا معنى له من دون إنسان، وبالتالي فإن هذا الإنسان هو أعظم وأسمى بما لا يقاس من أي دين. وحين يعذب الإنسان أو يقتل فإن على الأديان أن تغرب صاغرة عن وجه أقرب مخلوق تواجهه.
لا يمكن تبرير قتل إنسان بسبب الدفاع عن الدين، لأن ذلك ضد منطق الأشياء. إذا قتل إنسان فَقَدَ الدين أي مبرر أخلاقي لوجوده. لذلك يمكن التغاضي عن أي دين في سبيل إنقاذ حياة إنسان، وليس العكس.
غير أن المؤسف أنه في البلدان العربية وهي بلدان واقعة في معظمها تحت سطوة الدين، فإن الآية تبدو معكوسة. فالدين يحتل أعلى سلم الأولويات، بينما يحتل الإنسان أدناها. يهان الإنسان ويقتل ويمثّل به، من أجل أن تظل الأيقونات الدينية محفوظة.
في الجزائر قتل في عقد التسعينات وحده ما لا يقل عن 200 ألف إنسان وذلك كي يحافظ إسلاميو جبهة الإنقاذ والجماعات الإرهابية الأخرى على نقاء إسلامهم، وقتل قرابة المليوني شخص في الحرب الأهلية في السودان، لأنه لا يجوز أن يفرض الأرواحيون (الوثنيون) والمسيحيون في الجنوب مطالبهم على إسلاميي الشمال.
وفي العراق قتل حتى الآن عشرات الآلاف لأن مسلحي الطائفة السنية اعتبروا أن قتل الشيعة والخلاص منهم فيه تقرب لإلههم وخدمة لمذهبهم الديني.
وما بين هذا وذاك حصدت الهجمات الإرهابية في العواصم العربية والأجنبية أرواح عشرات الآلاف من البشر، رجالا ونساء وأطفالا، لأن هناك من اعتقد أن إزهاق أرواح هؤلاء هي تذكرته للدخول إلى الجنة المزعومة وملاقاة الحور العين.
لذلك حين يُسحق الإنسان ويُجَرَّد من أي قيمة، وحين يكون كل هذا القتل والدمار باسم الإسلام ـ فإنه لا يحق لأتباعه أن يطاردوا رساما في صحيفة دانماركية، أراد أن ينتقم لذاته المقهورة من أفعال الإسلاميين عبر الرسم ـ وحينها يفقد الإسلام أو أي دين آخر أي قيمة له في الواقع.
إني أشعر بأن موجة التدين العارمة التي تضرب بأطنابها اليوم العالمين الغربي والشرقي ما هي إلا نزيع الروح الأخير، وأن المستقبل لا يحمل الكثير من الخير للأديان. وعلى العلمانيين والملحدين والتنويريين واللاأدريين من كل ملة (وخاصة المسلمين) أن يجهروا بآرائهم وأفكارهم، من أجل إعادة مارد الدين إلى قمقمه، ومن جانبي فإني سأخصص مقالاتي القادمة حصرا لهذا الموضوع.
_________________________
عمران سلمان، كاتب وصحفي بحريني