dot
01/06/2006, 19:37
صحيفة الشرق الأوسط -30/3/2006
يطرح الباحثون اليوم المرآة التي نستخدمها عشرات المرات يومياً دون إدراك عميق منا بما نفعل، كإحدى وسائل العلاج، حيث صدرت هذا الشهر دراسة لباحثين من بوسطن حول دور العلاج بالمرآة في التعامل مع حالات اضطرابات الأكل لدى النساء الشابات. وقبله في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمكن الباحثون في بريطانيا من شفاء الذين يعانون من آلام مزمنة في اليد بعد زوال الكسر فيها، ودراساتهم أيضاً أوائل العام الماضي حول علاقة حركة الأطراف بالشعور بالألم حال النظر إلى المرآة. كما تُستخدم المرآة أثناء علاج عيوب النطق لدى الأطفال. والملاحظ أن الباحثين في علم الطب يشقون طريقاً وعراً وصعباً في سبيل بلوغ تقديم خدمة أفضل للإنسانية. والسمة الغالبة على جهودهم هي البحث دونما كلل أو ملل عما يُسهم في تخفيف آلام البشر. ومن آن لآخر نسمع عن أبحاث حول جوانب لا تخطر على بال أي إنسان، يتفنن الباحثون بها في السعي لتسخيرها وتطويعها في خدمة الطب العلاجي أو التشخيصي، ولسان حال من يراقبهم هو أن جديد الطب ضرب من الفنون، ولا بأس أن بعضاً من فنونه جنون. المرأة وإن كانت أكثر من الرجل تنظر إلى نفسها في المرآة، إلا أنه يبدو كما يشير بعض الباحثين أن تكرار نظر المرأة إلى نفسها في المرآة يعيد تكرار تأكيد تصوراتها سواء ايجابية أو سلبية. لكن كثيرا من الباحثين يرون أمراً أعم، وهو أن الإنسان لم يستفد حتى الآن من المرآة في جوانب عدة من حياته، ولم يمعن النظر من خلالها إلى هيئته وذاته بالطريقة المفيدة لروحه ونفسه وجسده. ومن الدراسات الطبية الجديدة التي تناولت تأثير العلاج بالمرآة على اضطرابات الأكل، والألم، وشلل الأطراف، هي:
* المرآة واضطرابات الأكل
* في شهر مارس (آذار) الحالي أضاف الباحثون من بوسطن في ولاية ماساتشوسس الأميركية دراسة جديدة إلى سلسلة من الدراسات الطبية حول استخدامات المرآة العلاجية، تم نشرها في المجلة الدولية لاضطرابات الأكل الصادرة من الولايات المتحدة. وقالوا ضمن نتائج دراستهم ان نظرة صحيحة إلى المرآة ربما تساعد النساء في تعديل تصوراتهن لأشكالهن، وتسهم في التحلي بثقة في النفس أكبر. ووجد الباحثون أن العلاج بالتعرض للمرآة يخفف من الظنون والتصرفات السلبية من قبل النساء اللائي يعاني من مشاكل تترك أثراً في تصوراتهن حول أجسادهن لدرجة أنهن قد يُصبن بأحد اضطرابات الأكل المرضية، وهي ما تكثر آثارها وتداعياتها لدى بنات حواء. والفكرة الأساسية هي أن المرأة حينما تنظر إلى نفسها في المرآة وتصف ما تشاهد من جسمها بواقعية الوصف المجرد والأمانة في ذلك، دون الحكم على مناسبة وجمال وتناسق ما تراه، هو أمر بناء يُكسب المرأة واقعية الرؤية لجسدها، الأمر الذي يُزيل تلقائياً التصورات السلبية لديها.
وفي سبيل التحقق من تأثير النظر الصحيح إلى المرآة، قامت الدكتورة شيري ديلنسكي وزملاؤها من مستشفى ماساتشوسس العام في بوسطن بمتابعة 45 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 17 و31 سنة، ممن لديهن اضطرابات في صورة أجسادهن خاصة في ما يتعلق بالحجم والشكل، والذي يؤثر عليهن بشكل عميق في جانب شعورهن بقيمة الذات. وقد تم تقسيمهن إلى مجموعتين، تلقت كلتاهما ثلاث جلسات من أحد نوعي العلاج، الأولى تلقت علاجا بالمرآة تضمن الوقوف أمام وحدة مكونة من ثلاث مرايا، وطلبت منهن المُعالجة وصف أجسادهن بواقعية دون انتقاد، والتركيز في ذلك على كامل الجسم، ووصف ما يحببن أو يكرهن منه. وكواجب منزلي، طُلب منهن تدوين ملاحظات حول عدد مرات قياسهن لوزن الجسم ونظرهن إلى المرآة. وتلقت النساء في المجموعة الأخرى جلسات تم فيها فقط مناقشة تصوراتهن لشكل الجسم.
النتيجة التي وجدتها الباحثة، أن النساء من المجموعة الأولى أظهرن تحسناً عاماً في تصورهن العام لأجسادهن، وفي ثقتهن بالنفس، وفي الرغبة باتباع الحمية الغذائية، وفي تخفيف درجة الشعور بالاكتئاب، مقارنة بالمجموعة الأخرى. وتنوي الباحثة إكمال الدراسة لتشمل الحالات المرضية في اضطرابات الأكل كأنوركسيانيرفوزا وبيوليما.
* المرآة والألم
* وجد الباحثون من جامعة باث في بريطانيا في نوفمبر الماضي أن بعضاً ممن يعانون من آلام مزمنة في الأطراف يستفيدون باستخدام المرآة في تخفيف ألمهم عبر تعدل تصورات الدماغ حول الجسم.
وتعتبر حالات متلازمة الألم المزمن الموضعي المعقد وحالات تكرار الإصابة من الحالات الشائعة نسبياً، فثلث المصابين بكسور في معصم اليد يعانون من آلام مبهمة السبب لا يمكن تعليلها وتستمر في اليد أو العضد أو الكتف بعد خلع جبيرة الكسر. ويكون الألم أحياناً من السوء لدرجة أن بعض المرضى يتمنون لو تبتر يدهم على حد وصف الدكتورة كاندي ماك كاب الباحثة الرئيسة في الدراسة التي نشرتها في حينه مجلة الطب الإكلينيكي البريطانية. الباحثون من جامعة باث والمستشفى القومي الملكي للأمراض الروماتيزمية استخدموا وسيلة خداع بصري للدماغ، عبر تكوين صورة يراها المرء من نفسه مركبة من تكرار أحد نصفي جسمه السليم. فإذا ما كان النصف السليم هو الشق الأيمن الجسم، فإن المرء يرى صورة نفسه كاملة، أي وجه كامل من شقين ويد يمنى ويد يسرى، لكن الصورة في الحقيقة هي لنصف جسمه الأيمن، أما ما يظهر كأنه النصف الأيسر من الجسم هو في الحقيقة نسخة كربونية معكوسة للجزء الأيمن أيضاً، بمعنى آخر فإن المريض لن يرى نصف الجسم المصاب عند الجلوس أمام المرآة. وتمت التجربة العلاجية لتأثر النظر إلى المرآة بالطلب من كل مريض الجلوس أمامها بحيث أن محصلة ما يراه المريض من نفسه على سطح المرآة هو جسم مكون من أجزاء سليمة لا إصابة فيها. وطلب حينها الباحثون من المرضى أن ينظروا بتركيز شديد إلى صورتهم السليمة والكاملة، ويحاولوا بعمق أن يقنعوا أنفسهم بأن ما يرونه من جسم سليم هو حقيقة حالهم، أي أن يؤمنوا أنهم غير مصابين بأي شيء بدليل أنهم يرون أنفسهم سليمين. ويحتاج الأمر منا أن نتخيله حقيقة، إنسان يرى على المرآة نصفين سليمين لجسمه السليم في جهة والمصاب في أخرى. ويقول الباحثون أن من بين ثمانية مرضى شملتهم التجربة فإن ثلاثة زالت أعراض الألم في الحال لديهم، والباقون تطلب الأمر مزيداً من الوقت للشعور بذلك وتحقيقه. وكما تقول الدكتورة ماك كاب فإنه ما ان تم إبعاد المرآة حتى عاد الشعور بالألم. لكن بتكرار جلسات علاج المرآة تم شفاء ستة من ثمانية، وكان الاثنان اللذان لم يُشفيا يعانيان من تقرحات وجروح، أي ثمة لديهم أسباب حقيقية للشعور بالألم. وتمكنت بعد هذه التجربة من علاج الكثير من حالات النوعين المتقدمين.
وترى الدكتورة ماك كاب أن الألم لدى هؤلاء المرضى ناجم عن خلل في تصور الدماغ لحقيقة حالة الجسم من ناحيتي الحركة والإحساس، أي أن الرسائل العصبية إلى الدماغ تحتوي معلومات مغلوطة عن حالة الإحساس الحقيقي لأطراف الجسم. إذْ عادة ما يُرسل الدماغ إشارات يستفسر بها عن حالة أجزاء الجسم كالحجم والوزن والوضعية، ويُجيب عليها جهاز الإحساس العصبي بإرسال معلومات حول الأمور المطلوب الإجابة عنها إلى الدماغ، الذي يقوم بتحليلها وبالتالي وضع تصورات عن الجسم. وأضافت أن عدم تحريك اليد عند وضع الجبيرة بعد الكسر هو حالة يحصل خلالها خلل في تصور الدماغ، فحينما يرسل استفساراته لا يلقى أجوبة، فيثير الشعور بالألم الذي حصل عند الكسر. وعند إزالة الجبيرة فإن كثيرا من الناس يُفيقون من الاختلال الذهني هذا، بينما يستمر حوالي الثلث منهم في الشعور بالألم بدرجات متفاوتة ولمدد مختلفة، والمرآة على حد قولها حينما تعيد ترتيب صورة الجسم في الدماغ، فإن الإحساس بالألم في الدماغ يزول.
وكان فريق البحث من جامعة باث بالتعاون مع باحثين من جامعة كاردف وإكستر قد نشروا في مجلة الروماتيزم أوائل العام الماضي نتائج تجارب تقول إنه من الممكن تكوين الشعور بإحساس أحد الأطراف عبر النظر إلى الطرف المقابل من الجسم في المرآة.
التجربة تمت بأن طلبوا من 41 شخصا من الأصحاء أن يجلسوا بجوار المرآة بحيث أنهم يتمكنون من رؤية واحد من جانبي الجسم فقط، إما الأيمن أو الأيسر. ثم تحريك كلا اليدين في نفس الاتجاه، ثم في الاتجاه المضاد، مع المحافظة على إبقاء رؤية جانب واحد فقط من الجسم. أي ببساطة عدم رؤية الطرف الآخر من الجسم أثناء تحريك اليدين.
الذي لاحظه الباحثون بعد 20 ثانية من البدء، أن أكثر من ثلثي المشاركين تولد لديهم شعور بنوع من الإحساس في اليد غير المرئية مختلف عن الشعور في اليد التي يرونها، وتراوحت أنواع ما أحسوا به بين التنميل والتخدير والحرارة والألم، بالرغم من عدم وجود أي مرض عصبي فيها.
* المرآة والشلل
* في يونيو من عام 1999 عرض الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان ديغو في مجلة لانست العلمية نتائج دراسة تقول إن العلاج بالمرآة يمكنه أن يساعد على تحسن تحريك من أصيبوا بشلل في أحد الأطراف بعد جلطة الدماغ. وتمت مقارنة تأثير المرآة بقطعة من البلاستيك حينما يحاول المصاب تحريك كلتا يديه، المشلولة والطبيعية مع تركيز النظر إلى حركة اليد الطبيعية، وذلك في جلسة لمدة 15 دقيقة مرتين يومياً، خلال ستة أيام في الأسبوع لمدة أربعة أسابيع. ومن بين 18 شخصا شاركوا في التجربة فإن ستة ممن استخدموا المرآة أبدوا تحسناً في حركة اليد المشلولة مقارنة بواحد فقط من المجموعة التي لم تستخدم المرآة.
وعلق آنذاك الدكتور إريك ألشلير قائلا: «إن الناس يحبون استخدام المرآة، وأحد المرضى ذكر لي: ان كل طرق العلاج الطبيعي تمرن عضلاتي، لكن المرآة كانت هي الوحيدة التي تمرن دماغي وأعصابي».
يطرح الباحثون اليوم المرآة التي نستخدمها عشرات المرات يومياً دون إدراك عميق منا بما نفعل، كإحدى وسائل العلاج، حيث صدرت هذا الشهر دراسة لباحثين من بوسطن حول دور العلاج بالمرآة في التعامل مع حالات اضطرابات الأكل لدى النساء الشابات. وقبله في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمكن الباحثون في بريطانيا من شفاء الذين يعانون من آلام مزمنة في اليد بعد زوال الكسر فيها، ودراساتهم أيضاً أوائل العام الماضي حول علاقة حركة الأطراف بالشعور بالألم حال النظر إلى المرآة. كما تُستخدم المرآة أثناء علاج عيوب النطق لدى الأطفال. والملاحظ أن الباحثين في علم الطب يشقون طريقاً وعراً وصعباً في سبيل بلوغ تقديم خدمة أفضل للإنسانية. والسمة الغالبة على جهودهم هي البحث دونما كلل أو ملل عما يُسهم في تخفيف آلام البشر. ومن آن لآخر نسمع عن أبحاث حول جوانب لا تخطر على بال أي إنسان، يتفنن الباحثون بها في السعي لتسخيرها وتطويعها في خدمة الطب العلاجي أو التشخيصي، ولسان حال من يراقبهم هو أن جديد الطب ضرب من الفنون، ولا بأس أن بعضاً من فنونه جنون. المرأة وإن كانت أكثر من الرجل تنظر إلى نفسها في المرآة، إلا أنه يبدو كما يشير بعض الباحثين أن تكرار نظر المرأة إلى نفسها في المرآة يعيد تكرار تأكيد تصوراتها سواء ايجابية أو سلبية. لكن كثيرا من الباحثين يرون أمراً أعم، وهو أن الإنسان لم يستفد حتى الآن من المرآة في جوانب عدة من حياته، ولم يمعن النظر من خلالها إلى هيئته وذاته بالطريقة المفيدة لروحه ونفسه وجسده. ومن الدراسات الطبية الجديدة التي تناولت تأثير العلاج بالمرآة على اضطرابات الأكل، والألم، وشلل الأطراف، هي:
* المرآة واضطرابات الأكل
* في شهر مارس (آذار) الحالي أضاف الباحثون من بوسطن في ولاية ماساتشوسس الأميركية دراسة جديدة إلى سلسلة من الدراسات الطبية حول استخدامات المرآة العلاجية، تم نشرها في المجلة الدولية لاضطرابات الأكل الصادرة من الولايات المتحدة. وقالوا ضمن نتائج دراستهم ان نظرة صحيحة إلى المرآة ربما تساعد النساء في تعديل تصوراتهن لأشكالهن، وتسهم في التحلي بثقة في النفس أكبر. ووجد الباحثون أن العلاج بالتعرض للمرآة يخفف من الظنون والتصرفات السلبية من قبل النساء اللائي يعاني من مشاكل تترك أثراً في تصوراتهن حول أجسادهن لدرجة أنهن قد يُصبن بأحد اضطرابات الأكل المرضية، وهي ما تكثر آثارها وتداعياتها لدى بنات حواء. والفكرة الأساسية هي أن المرأة حينما تنظر إلى نفسها في المرآة وتصف ما تشاهد من جسمها بواقعية الوصف المجرد والأمانة في ذلك، دون الحكم على مناسبة وجمال وتناسق ما تراه، هو أمر بناء يُكسب المرأة واقعية الرؤية لجسدها، الأمر الذي يُزيل تلقائياً التصورات السلبية لديها.
وفي سبيل التحقق من تأثير النظر الصحيح إلى المرآة، قامت الدكتورة شيري ديلنسكي وزملاؤها من مستشفى ماساتشوسس العام في بوسطن بمتابعة 45 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 17 و31 سنة، ممن لديهن اضطرابات في صورة أجسادهن خاصة في ما يتعلق بالحجم والشكل، والذي يؤثر عليهن بشكل عميق في جانب شعورهن بقيمة الذات. وقد تم تقسيمهن إلى مجموعتين، تلقت كلتاهما ثلاث جلسات من أحد نوعي العلاج، الأولى تلقت علاجا بالمرآة تضمن الوقوف أمام وحدة مكونة من ثلاث مرايا، وطلبت منهن المُعالجة وصف أجسادهن بواقعية دون انتقاد، والتركيز في ذلك على كامل الجسم، ووصف ما يحببن أو يكرهن منه. وكواجب منزلي، طُلب منهن تدوين ملاحظات حول عدد مرات قياسهن لوزن الجسم ونظرهن إلى المرآة. وتلقت النساء في المجموعة الأخرى جلسات تم فيها فقط مناقشة تصوراتهن لشكل الجسم.
النتيجة التي وجدتها الباحثة، أن النساء من المجموعة الأولى أظهرن تحسناً عاماً في تصورهن العام لأجسادهن، وفي ثقتهن بالنفس، وفي الرغبة باتباع الحمية الغذائية، وفي تخفيف درجة الشعور بالاكتئاب، مقارنة بالمجموعة الأخرى. وتنوي الباحثة إكمال الدراسة لتشمل الحالات المرضية في اضطرابات الأكل كأنوركسيانيرفوزا وبيوليما.
* المرآة والألم
* وجد الباحثون من جامعة باث في بريطانيا في نوفمبر الماضي أن بعضاً ممن يعانون من آلام مزمنة في الأطراف يستفيدون باستخدام المرآة في تخفيف ألمهم عبر تعدل تصورات الدماغ حول الجسم.
وتعتبر حالات متلازمة الألم المزمن الموضعي المعقد وحالات تكرار الإصابة من الحالات الشائعة نسبياً، فثلث المصابين بكسور في معصم اليد يعانون من آلام مبهمة السبب لا يمكن تعليلها وتستمر في اليد أو العضد أو الكتف بعد خلع جبيرة الكسر. ويكون الألم أحياناً من السوء لدرجة أن بعض المرضى يتمنون لو تبتر يدهم على حد وصف الدكتورة كاندي ماك كاب الباحثة الرئيسة في الدراسة التي نشرتها في حينه مجلة الطب الإكلينيكي البريطانية. الباحثون من جامعة باث والمستشفى القومي الملكي للأمراض الروماتيزمية استخدموا وسيلة خداع بصري للدماغ، عبر تكوين صورة يراها المرء من نفسه مركبة من تكرار أحد نصفي جسمه السليم. فإذا ما كان النصف السليم هو الشق الأيمن الجسم، فإن المرء يرى صورة نفسه كاملة، أي وجه كامل من شقين ويد يمنى ويد يسرى، لكن الصورة في الحقيقة هي لنصف جسمه الأيمن، أما ما يظهر كأنه النصف الأيسر من الجسم هو في الحقيقة نسخة كربونية معكوسة للجزء الأيمن أيضاً، بمعنى آخر فإن المريض لن يرى نصف الجسم المصاب عند الجلوس أمام المرآة. وتمت التجربة العلاجية لتأثر النظر إلى المرآة بالطلب من كل مريض الجلوس أمامها بحيث أن محصلة ما يراه المريض من نفسه على سطح المرآة هو جسم مكون من أجزاء سليمة لا إصابة فيها. وطلب حينها الباحثون من المرضى أن ينظروا بتركيز شديد إلى صورتهم السليمة والكاملة، ويحاولوا بعمق أن يقنعوا أنفسهم بأن ما يرونه من جسم سليم هو حقيقة حالهم، أي أن يؤمنوا أنهم غير مصابين بأي شيء بدليل أنهم يرون أنفسهم سليمين. ويحتاج الأمر منا أن نتخيله حقيقة، إنسان يرى على المرآة نصفين سليمين لجسمه السليم في جهة والمصاب في أخرى. ويقول الباحثون أن من بين ثمانية مرضى شملتهم التجربة فإن ثلاثة زالت أعراض الألم في الحال لديهم، والباقون تطلب الأمر مزيداً من الوقت للشعور بذلك وتحقيقه. وكما تقول الدكتورة ماك كاب فإنه ما ان تم إبعاد المرآة حتى عاد الشعور بالألم. لكن بتكرار جلسات علاج المرآة تم شفاء ستة من ثمانية، وكان الاثنان اللذان لم يُشفيا يعانيان من تقرحات وجروح، أي ثمة لديهم أسباب حقيقية للشعور بالألم. وتمكنت بعد هذه التجربة من علاج الكثير من حالات النوعين المتقدمين.
وترى الدكتورة ماك كاب أن الألم لدى هؤلاء المرضى ناجم عن خلل في تصور الدماغ لحقيقة حالة الجسم من ناحيتي الحركة والإحساس، أي أن الرسائل العصبية إلى الدماغ تحتوي معلومات مغلوطة عن حالة الإحساس الحقيقي لأطراف الجسم. إذْ عادة ما يُرسل الدماغ إشارات يستفسر بها عن حالة أجزاء الجسم كالحجم والوزن والوضعية، ويُجيب عليها جهاز الإحساس العصبي بإرسال معلومات حول الأمور المطلوب الإجابة عنها إلى الدماغ، الذي يقوم بتحليلها وبالتالي وضع تصورات عن الجسم. وأضافت أن عدم تحريك اليد عند وضع الجبيرة بعد الكسر هو حالة يحصل خلالها خلل في تصور الدماغ، فحينما يرسل استفساراته لا يلقى أجوبة، فيثير الشعور بالألم الذي حصل عند الكسر. وعند إزالة الجبيرة فإن كثيرا من الناس يُفيقون من الاختلال الذهني هذا، بينما يستمر حوالي الثلث منهم في الشعور بالألم بدرجات متفاوتة ولمدد مختلفة، والمرآة على حد قولها حينما تعيد ترتيب صورة الجسم في الدماغ، فإن الإحساس بالألم في الدماغ يزول.
وكان فريق البحث من جامعة باث بالتعاون مع باحثين من جامعة كاردف وإكستر قد نشروا في مجلة الروماتيزم أوائل العام الماضي نتائج تجارب تقول إنه من الممكن تكوين الشعور بإحساس أحد الأطراف عبر النظر إلى الطرف المقابل من الجسم في المرآة.
التجربة تمت بأن طلبوا من 41 شخصا من الأصحاء أن يجلسوا بجوار المرآة بحيث أنهم يتمكنون من رؤية واحد من جانبي الجسم فقط، إما الأيمن أو الأيسر. ثم تحريك كلا اليدين في نفس الاتجاه، ثم في الاتجاه المضاد، مع المحافظة على إبقاء رؤية جانب واحد فقط من الجسم. أي ببساطة عدم رؤية الطرف الآخر من الجسم أثناء تحريك اليدين.
الذي لاحظه الباحثون بعد 20 ثانية من البدء، أن أكثر من ثلثي المشاركين تولد لديهم شعور بنوع من الإحساس في اليد غير المرئية مختلف عن الشعور في اليد التي يرونها، وتراوحت أنواع ما أحسوا به بين التنميل والتخدير والحرارة والألم، بالرغم من عدم وجود أي مرض عصبي فيها.
* المرآة والشلل
* في يونيو من عام 1999 عرض الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان ديغو في مجلة لانست العلمية نتائج دراسة تقول إن العلاج بالمرآة يمكنه أن يساعد على تحسن تحريك من أصيبوا بشلل في أحد الأطراف بعد جلطة الدماغ. وتمت مقارنة تأثير المرآة بقطعة من البلاستيك حينما يحاول المصاب تحريك كلتا يديه، المشلولة والطبيعية مع تركيز النظر إلى حركة اليد الطبيعية، وذلك في جلسة لمدة 15 دقيقة مرتين يومياً، خلال ستة أيام في الأسبوع لمدة أربعة أسابيع. ومن بين 18 شخصا شاركوا في التجربة فإن ستة ممن استخدموا المرآة أبدوا تحسناً في حركة اليد المشلولة مقارنة بواحد فقط من المجموعة التي لم تستخدم المرآة.
وعلق آنذاك الدكتور إريك ألشلير قائلا: «إن الناس يحبون استخدام المرآة، وأحد المرضى ذكر لي: ان كل طرق العلاج الطبيعي تمرن عضلاتي، لكن المرآة كانت هي الوحيدة التي تمرن دماغي وأعصابي».