dot
31/05/2006, 16:45
من أي زمن طلع هذا الرجل الغامض، ليكشف خلوتي الطويلة، ويصلي لأجلي نظرتين وثرثرة؟! لست أدري لم انتابني شعور مباغت أن هذا الرجل قريبي! ويشبهني حد الالتصاق! قد يكون أنا، ذات الرأس، العنق، ألوان الربطة، نعومة الياقة، مثلي تماما، يستطيع بعدستي عينيه أن يلتقط الأشياء المنسية تحت قشرة الرؤوس، حتى أن دمه ثقيل جدا مثل الدم الذي يجري في أوردتي مثل الهيولى، الدم الذي تراءى لي ذات نزف مثل دماء حرذون، في ذات المكان تكوم بقامته المديدة واسترسل في حديث جاف –بنبرة حادة- عن سقراط، ومناهج التعليم، والمشوار الصباحي الذي يذرعه متغنياً بحلاوة الأرصفة من جبل الحسين الى هنا حيث نجلس منذ وجوم في الغرفة الناشز في قاع الوزارة.
همستْ في أذني زميلتي : إنه مثقف كبير، وجذاب.
همستُ في قاع روحي : جائز، لكنه يشبهني حد الالتصاق.
أخذتُ أحصي طاقة الثقافة في الكلمات الطائرة من فمه: لصوص، تعليم مدجن، شعب عرص، قطين، شيخ مسكين.
أردفتْ زميلتي: أنظر، شعره يدل على ثقافته، إنه غائر في البياض.
زرعت ظنوني في كهولة أصابعه وهو يرسم أفكاره في فضاء الغرفة، استرسل في حديثه عن أهل (شيخ مسكين) تلك القرية النابتة في درعا، تطايرت حروفه، صارت حادة، نزقة، اهتاج وهو يخاطبنا قائلاً: لقد قابلني في الجامع، برتقالي الوجه، مستكين مليء بالدهشة الخجولة، قلت له مازحاً: من أنت ؟ كأنك من أقاربي.
صمت ملياً وقال بحزن : أنا أعمل في قاع الوزارة وأحيانا ألتقي بالغرباء.
- نحن نتشابه في سمات الوجوه والقامات ويكاد الاختلاف لا يذكر بيننا يا رجل.
لم يجبني، واستدار ليلتحق بالصف الأول خلف الإمام الشامي الأصل، والله يا جماعة إن الرجل يشبهني حد الالتصاق، دمه دمي، العينان ذاتها، البشرة الوردية، دفء الروح، قررت أن أحمل ذاتي الى بيت هذا الرجل القريب مني، انتهت الصلاة، لحقت به مسرعاً، وهو يغذ الخطى صوب بيوت طينية، بائسة، متناثرة على عجين حوران الأحمر، قطع حديثه فجأة، هذا الرجل الذي يتكوم أمامي ويثرثر، راح يشعل سيجارة قصيرة القامة ويتأمل الدخان الحلزوني الصاعد، أردف قائلاً: إنه أنا يا أخي، أكيد أنني رحلت ذات يوم غائر في الماضي من قريتنا شمال الأردن لأحط هناك، في ذلك السهل الحنائي، والله يا جماعة كان قلبي يدق بقوة وأنا أركض خلفه، لكنه كان أشبه بخيال، نسمة هواء، شيء هلامي، وغاب عن أنظاري تماماً، المهم أن الرجل كأنما الدنيا انشقت وابتلعته، آه، ماذا تريدون أن أقول لكم، تصوروا فتشت (شيخ مسكين) بيتاً بيتاً ولم أجده، لم يعرفه أحد، لن أكمل، شيء مثل الخرافة.
" آه " كم كانت موجعة وهي تنسل من بين أسنانه، بين يدي أركنت رأسي المليء بالأسئلة حول هذا الكائن المحمر الوجه، الذي يشبهني حد الالتصاق، المكوم أمامي منذ نحس، في وزارة رتيبة مؤثثة بكامل غموضه، الرجل البرتقالي، ذي الدم الثقيل، ذاك الذي زار في يوم غائم (شيخ مسكين)، والذي تطايرت حروفه قنافذ، والذي همست زميلتي في أذني كثيراً عن ثقافته النادرة وحجم الثلج العميق في شعره الأشيب
همستْ في أذني زميلتي : إنه مثقف كبير، وجذاب.
همستُ في قاع روحي : جائز، لكنه يشبهني حد الالتصاق.
أخذتُ أحصي طاقة الثقافة في الكلمات الطائرة من فمه: لصوص، تعليم مدجن، شعب عرص، قطين، شيخ مسكين.
أردفتْ زميلتي: أنظر، شعره يدل على ثقافته، إنه غائر في البياض.
زرعت ظنوني في كهولة أصابعه وهو يرسم أفكاره في فضاء الغرفة، استرسل في حديثه عن أهل (شيخ مسكين) تلك القرية النابتة في درعا، تطايرت حروفه، صارت حادة، نزقة، اهتاج وهو يخاطبنا قائلاً: لقد قابلني في الجامع، برتقالي الوجه، مستكين مليء بالدهشة الخجولة، قلت له مازحاً: من أنت ؟ كأنك من أقاربي.
صمت ملياً وقال بحزن : أنا أعمل في قاع الوزارة وأحيانا ألتقي بالغرباء.
- نحن نتشابه في سمات الوجوه والقامات ويكاد الاختلاف لا يذكر بيننا يا رجل.
لم يجبني، واستدار ليلتحق بالصف الأول خلف الإمام الشامي الأصل، والله يا جماعة إن الرجل يشبهني حد الالتصاق، دمه دمي، العينان ذاتها، البشرة الوردية، دفء الروح، قررت أن أحمل ذاتي الى بيت هذا الرجل القريب مني، انتهت الصلاة، لحقت به مسرعاً، وهو يغذ الخطى صوب بيوت طينية، بائسة، متناثرة على عجين حوران الأحمر، قطع حديثه فجأة، هذا الرجل الذي يتكوم أمامي ويثرثر، راح يشعل سيجارة قصيرة القامة ويتأمل الدخان الحلزوني الصاعد، أردف قائلاً: إنه أنا يا أخي، أكيد أنني رحلت ذات يوم غائر في الماضي من قريتنا شمال الأردن لأحط هناك، في ذلك السهل الحنائي، والله يا جماعة كان قلبي يدق بقوة وأنا أركض خلفه، لكنه كان أشبه بخيال، نسمة هواء، شيء هلامي، وغاب عن أنظاري تماماً، المهم أن الرجل كأنما الدنيا انشقت وابتلعته، آه، ماذا تريدون أن أقول لكم، تصوروا فتشت (شيخ مسكين) بيتاً بيتاً ولم أجده، لم يعرفه أحد، لن أكمل، شيء مثل الخرافة.
" آه " كم كانت موجعة وهي تنسل من بين أسنانه، بين يدي أركنت رأسي المليء بالأسئلة حول هذا الكائن المحمر الوجه، الذي يشبهني حد الالتصاق، المكوم أمامي منذ نحس، في وزارة رتيبة مؤثثة بكامل غموضه، الرجل البرتقالي، ذي الدم الثقيل، ذاك الذي زار في يوم غائم (شيخ مسكين)، والذي تطايرت حروفه قنافذ، والذي همست زميلتي في أذني كثيراً عن ثقافته النادرة وحجم الثلج العميق في شعره الأشيب