-
عرض كامل الموضوع : محمد الماغوط
عاشق من فلسطين
14/12/2004, 15:00
الذين زرعوا رأسي بالشيب ..
وأحلامي بالكوابيس ...
وليلي بالأرق...
وأرصفتي بالحفاة ...
وجدراني بالنعوات ...
ووسادتي بالدموع...
وحرموني وقاري كعجوز....
وبرائتي كطفل...
وأرصفتي كمتسكع....
وزاويتي كمتسول ...
ودهشتي كمسافر...
وشوقي كعائد..
وفراستي كبدوي..
وقيثارتي كغجري..
وسرقوا مني سيفي كمحارب..
وريشتي كرسام ..
وقلمي ككاتب...
ومن ثم أعادوا الي كل شي ... وأنا في طريقي الى المقبرة ..
ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة...
Kakabouda
18/12/2004, 12:32
ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة...
أنا بقلو لمحمد الماغوط .. كفيت ووفيت
و أحخلا تحية للعاشق الملك :D :D
عاشق من فلسطين
19/12/2004, 14:13
أنا بقلو لمحمد الماغوط .. كفيت ووفيت
و أحخلا تحية للعاشق الملك
شكرا" الك وأنا حابب قلك أنو محمد الماغوط هوي أول مين قرأتلو وانا بمهدي الأول في مسيرة الشعر
Kakabouda
19/12/2004, 17:28
بصراحة يعني عين العقل بالنسبة للقضية الفلسطينية
تحياتي :D
عاشق من فلسطين
18/03/2005, 16:52
مرحبا أخواتي ..
أنا حابب حط موضوع مثبت عن محمد الماغوط (كترت عليكون المواضيع المثبتة :P )
بس لأنو هاد الشاعر كان الو تأثير كبير فيني .. وساعدني كتير للوصول الى انسانيتي ..
لذلك أنا رح نزل ل شي متوفر عندي للماغوط .. بيجوز تسألو ليش تأخرت لنزلو ... لأنو كنت عم جهز ونسق لحتى يطلع شي مرتب ..
بتمنى تقرأولو لأنو رائع وسوري ووطني بكل ما تعنيه الكلمة ... وعلى فكرة مانو صعب وأنما من القصيدة النثرية البسيطة والمتفجرة بالمشاعر والألم ..
بتمنى تستمتعو....
وعلى فكرة أنا منزل الموضوع لغاية التثقيف والمطالعة .. لذلك أتمنى لمن يرغب بالرد على الموضوع أن يكون رده أما معلومات عن الماغوط أو قصائد أو كتابات .أو تعليق نقدي مثمر .. لا يؤدي الى فتح سيرة طويلة عريضة وينقلب الموضوع تشات ..
ولا تواخذونا ..
عاشق من فلسطين
18/03/2005, 17:01
ولد في سلمية (حماة) عام 1943.
تلقى تعليمه في سلمية وحماة، وعمل في الصحافة رئيساً لتحرير مجلة الشرطة.
عضو جمعية الشعر.
أهم مؤلفاته:
1- حزن في ضوء القمر- شعر- بيروت 1959.
2- غرفة بملايين الجدران- شعر- دمشق 1964.
3- العصفور الأحدب- مسرحية- بيروت 1976.
4- الفرح ليس مهنتي- شعر- دمشق 1970.
5- الأعمال الكاملة- بيروت 1973.
6- المهرج- مسرحية- بيروت 1974.
7- المارسيليز العربي- مسرحية- بيروت 1975.
8- سأخون وطني - شعر - بيروت 1987 .
9- الأرجوحة- رواية- لندن 1992.
10- حكايا الليل .
11- تحت القسم ( مقالات سياسية)
هذا عدا عن مسرحيات ( ضيعة تشرين - كاسك يا وطن ) وديوانه الجديد شرق عدن غرب الله ..
محمد الماغوط، واحد من المبدعين الذين كتبت عنهم عشرات الكتب، وحبّرت مئات الزوايا والخواطر، وأمطرت مساحاته القفراء، بوابل من الصفحات، هنا وهناك، على امتداد العالم العربي، وتخطى حدود وطنه إلى العالم قاطبة، وتناولته الأقلام بالترجمة لأعماله الأدبية، بجميع اللغات العالمية، هذا الشاعر الذي قال: (إن أي فلاح عجوز، يروي لك (ببيتين من العتابا) كل تاريخ الشرق، وهو يدرج لفافته أمام خيمته). وقال: (سلمية الدمعة التي ذرفها الرومان، يحدّها من الشمال الرعب، ومن الجنوب الحزن، ومن الشرق الغبار، ومن الغرب الأطلال والغربان).
هذا الذي أربك بشعره جلسات مجلة شعر وبحضور شعراء مبدعين أمثال: أدونيس، يوسف الخال، أنسي الحاج، أبو شقر.. وآخرين..!
هذا الشاعر القادم من عبّ بادية الشام لابساً عباءة الفصول، مشنشلاً بالأمنيات مطارداً من النظرات الشريرة والحاقدة، ورفوف من الهمسات الفضولية محاصراً حتى من أقرب الناس إليه.
هذا البدوي المدثر بأنين الواحات، الملوَّع من منفى إلى منفى، ومن مقهى إلى آخر..، هذا الشاعر النفار النزق المشاكس والمقاتل بالكلمات، ذنبه الكبير أنه قبض عليه يوماً ما متلبساً بجريمة الكتابة، وراحت تطارده مخافر الحدود الأدبية، وحتى رجال الأنتربول وزعوا قصائده ومسرحياته وخواطره، على نقاط التماس ومدارات الهياج، إذ أهدر أبناء عشيرته دمه، وعلقت له مشانق النقد في الساحات الهزلية، لأن من يحاكمه ويرفع القضايا ضده، أمام المنصات المرقعة بالزيف والمخاتلة، هم خفافيش وزرازير المرحلة التي مضت، وبقي النسر شامخاً شموخ شامه، يرقب بعينيه الصقريتين فلول هزائم أنصاف النقدة، وظلم ذوي القربى وأشباه رجال القصيدة، ومدمني مهنة (التلاص) الأدبي؟!
محمد الماغوط الشاعر، هذا المشغول المنشغل في قضايا وطنه، الصغيرة منها والكبيرة والهموم حتى الفناء، ذنبه أنه يكتب (ما.. يشعر به بصدق..)، بلا رتوش، أو مساحيق ترضي هذا، وتزعج ذلك؟!
وانهمرت كزخ المطر الاستوائي الكتابة عنه، وله وعليه، وكان حصاد هذه الكتابات كلها تقريباً، تتلخص بعنوان شاحب وبخيل بعض الشيء هو (الماغوط شاعر السخرية، ومسرحي واقعي، واخز العبارة، رائد القصيدة النثرية، ومن أهم الأسماء الأدبية قاطبة التي كتبت قصيدة التجاوز والتخطي، متشائم حتى الاختناق، متفائل حتى النبض الأخير، يتطير من أي شيء حتى من ظله، يتبرم من الذين شوهتهم الأوسمة المزيفة. ووسامه الذي يفخر به منذ الولادة الأولى الحياة، حتى الولادة الثانية الموت، أن يحب وطنه، ووطنه يحبه، فارداً روحه لناس مجتمعه البسطاء، وأن يعبئ رئتيه بهواء ريفه النقي الجميل، البعيد عن التدجين وأرصفة اللفِّ والدوران، وأن الحياة عنده كلها هي موقف للعز فقط.؟!
عاشق من فلسطين
18/03/2005, 17:06
نحن ضيوفك أيها الماغوط
عقل العويط
(لبنان)
بأي لغة أحتفي بشاعر من طراز محمد الماغوط؟ بشاعر كهذا الشاعر "البدائي"، المكتمل اللغة منذ البداية، ذي الموهبة الرائية، العارفة كعيني الصقر، والجارحة كطعم العسل المكثف، والحقيقية كصرخة اللحم الحي، والمغدقة بدون حساب وقواعد والمنبجسة انبجاساً، والنازفة كما الينبوع الذي ينادم لياليه، ضائقاً ذرعاً بكتماناته وبانتظارات الباطن، إلى أن يحل عليه فجر الخروج إلى سيولة اللذة والشبق!
لا أدري بأي لغة أقترب من شاعر كهذا الشاعر البدوي المقامر الذي يبذل روحه برمتها على الطاولة، كثروة لا ضرورة لها، وتواً، ودفعة واحدة بلا تمهيد ومقدمات، مضافة الى حياته التي يريقها إراقة من يتلذذ بمشاهدة أيامه مسفوحة بكامل همجيتها وحواسها ونزقها وهوسها وضحكتها الساخرة، مرارتها السوداء!
لا أدري بأي لغة أقترب من شاعر، كهذا الوحش البري، الآتي من أدغاله، أعاليه الى المدن والأوطان، بكامل فؤاده وجلافته وبربريته العذبة، ومعه لغة جمة ذات صور مذهلة لا تحتاج الى براهين كي تخترق، تمتلك، تأسر، بل تنتظر بالتنهدات والرغبات المكبوتة! ولا أدري أيضا وراء أي ذهول يحتمي القارئ عندما يقرأ شاعرا كهذا الشاعر المرصود لغرائزه القصوى، والمحقون بعواصفه، والمبدد بين نيازكه وغيومه ومبتسما كرجل ميت، نازلا كسيول جارفة، كجبال تمنحها براكينها أن تسيل بلا انتباه. كجحيم مفتوحة على لمناتها من دوت أن ترعوي أو تكف أو تتراجع لحظة الى الوراء في ارتدادة أو في إعادة نظر! فأي شاعر هو هذا الشاعر، لا تحول دونه حافات، هاويات، ولا يبالى بتنكيل الهواجس ولا بهول ما يجتمع بين ضلوعه وحنايا فؤاده، مغمضآ عينيه كي لا تفز منه الرؤى، برعونة طفل يرى في لحظة صعق واحدة، فيهجم بجسده ويديه وجميع حواسه، لينام على النار ويحميها، يحتمي بها، يحتويها ويصير تابعآ لها. ومعه في هذا الهجوم ا!ؤ! شهي، قلبه الجريح الخائن، حدس الطفولة، فطريتها، بداءتها، عبثيتها، سذاجتها، براءتها، شرائط أحلامها، خيالاتها!
يفد محمد الماغوط، هكذا، مدججآ بغاباته،وعوله، أنهاره كمن يحمل خياله المراق فوق بياض الصفحات شبيهآ بسرب أفراس وخيول . تجمح بالشعر والنثر معا، الى حيث لا حدود ولا حواجز. فهل من لغة تليق بمديحه سوى الاعتراف الذي يؤكد نبوغ الأشياء، اكتنازها بذاتها! شاعر هو محمد الماغوط، كفى. فلا شيء يزاد لتجميل هذه الكلمة أو لتكريمها والترويج لها. فمثله، شاعرا لا يريد شيئا ولا يلوي على شيء. ميزته أن يأتي الى الكلمات مرة واحدة، وفي قصيدة واحدة. صحيح أنه، طبع أكثر من ديوان ومسرحية وأنه لا يزال حتى الآن يشعل حرائقه منثورة، متأججة، صحيح أنها أعمال محمد الماغوط التي صدرت له عن "دار المدى" في عام 1998، في نحيم من 060 صفحة، لكن شاعرا كهذا من صفاته أنه يقول كلمته، بصت. وإذا استعاد تلك الكلمة، فكمن يعيد التذكير بأن قصيدة واحدة تكفي. فهو يدلق سيولة روحه وأثقال كتفيه، كمياه الشتاء أو كثلوج الأعالي، لتتكئ على السطور في أعالي الأنفة والكبرياء، أو لتنزل الى الأعماق وطيات الروح. بل أكاد أقول إنه يحتمل ما يفعل، نباهته الشعرية- الملائ حرفأ شعريآ، نثريآ،، سردآ، بلاغة، كما الملأى عدوانية وشراسة ورقة، جموح تشبيهات، مؤلم وخيال لا يخلو من هول الحكمة الباردة وفظاءتها، بل، من صلف العقل معا. واليوم، بعد اثنين وأربعين عاما على صدور ديوانه الأ ل، "حزن في ضوء القمر" (1959)، لا يزال محمد الماغوط حاضرا بيننا، حتى قعر هجسه وجسدانية لذائذه وأعماق بوهيممته وصرخات ولجلجات أنفاسه، مستخفا بما يراد للشاعر أحيانا أن يكون، كائنا عاقلا، أنيقا في (..-؟-.،هو حاض! في ها كئت أنمذاك)، إذ يكفي أنه كتب ليكون فحسب. فشعره لا يحتاج الى براهين دائمة، متجددة فبرهان واحد يكفي لأنه شاعر تلتهمه روحه ويلتهمها، لتروح تبدد نفسها فوق بياض كريم لا يوازيه في نصاعته إلا بياض كلماته وأنينها، وإن محمولة أحيانا على (تبلي!، توض!يع) وإنشاء، بحبوحة ألفاظ وإضافات وإفاضات. إنه من عهد الينابيع، بياض الفجر، فلا بأس إذا كان شعره هادرآ، فوارآ، هاجمآ بشراسة وحش جريح.
لماذا أتحدث عن محمد الماغوط بهذه اللغة؟ عن هذا الشاعر الذي يقول "عيناي زرقاوان من كثرة ما نظرت الى السماء وبكيت" ؟ عن هذا الذي يصرخ "آه كم أود أن أكون عبدآ حقيقيآ بلا حب ولا مال ولا وطن"؟ عن حارس الليل هذا، عن هذا الطفل الكبير، البدائي، الشرس، العاشق، الرقيق، الشبع، الغريب، المجهول، الساهر، المتسكع!، المسافر، المهرج، المعربد، الشتام، الصارخ، المعترف، السكير، المتشرد، الحزين، اليائس، المدخن، الباحث عن الحرية، العاهر، الحقيقي، العاري، المستشعر لغة اللحم الحي، الشرقي، البدوي، الوحيد، القاسي، الهاشل، الخائب، الثائر، المتمرد،، المتألم كالماء حول السفينة...؟. لان تجربته الشعرية ومنذ زمن الستينات الباهر، هو وأنسي الحاج (على ما لدى الثاني من وهج شعري كياني يرتبط بتجربته، ومن خصوصية كاملة في الهجس، الرؤيا، اللغة، الثقافة، ابتعاد المرمى)، - أكثر من أي شعر لبناني أو عربي، حديث، آخر! التجربتان اللتان جعلتاني آو من (وقبلهما، زمنا، بدر شاكر السياب من موقع شعري آخر، مختلف، موزون، مفعل) بأن الشعر العربي "الحديث"- وقصيدة النثر تحديدا- جدير الى هذا الحد بربط معنى الشعر به.، أعني أن هذا النوع من شعر الحداثة العربية بالذات، شعر التجربة الذاتية (حصه آ)، متمثلآ، هنا، لشعر محمد الماغوط، هو، فى العربية، الشعر الذي أراه يخرج من البكر الالثيذ ارتباطا بالرنا،، الأكثر ذهابآ في جو هر
التجربة الذاتية وتجذرآ فيها. أي أنه شعر ينبع في طبقات العتمة الداخلية، ينبجس منها، ممسكآ بتلابيب البداهات الروحية القصوى، آتيآ من فرادة الأماكن التي تجتمع فيها حقائق الباطن والأسرار واللالئ والدهشات. ثمة تجاوب شعرية عربية كبرى، أخرى، مختلفة وكثيفة ومتنوعة، "هذا النوع" من الشعر يؤتى له أن يكتب، مرة أو مرارآ، وأن يكتب مجددآ على أيدي رواده، وأن تنتظر جديده في السبعينات، الثمانينات، التسعينات الى ما شاء الشعر، على أيدي شعراء آخرين، جدد أيضآ، بلا تكرار، ليصيب، في رأيي الشخصي، في مكمن مختلف عن غيره، مقتل "الحقائق" التي أحمث أن يقترن بها التعريف بالشعر، التعرف إليه.، هي" حقائق" الشعر الكوني في كل لغة وفي كلى مكان وزمان.
" ولدت عاريا وشببت عاريآ كالرمح كالإنسان البدائي"،
يقول محمد الماغوط، و"يخيل إلي أنني أكثر الأموات كلاما، لقد جئت متأخرا على هذا العالم/ كزائر غريب بعد منتصف الليل"أ؟ لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء، ف "أيها المارة/ اخلوا الشوارع من العذارى/ والنساء المحجبات.../ سأخرج من بيتي عاريا لأعود الى غابتي".
فبمثل نزف هاتين الوحشية والبدائية، وبمثل هذا العدوان الزاخر بغريزة الشعر، يكتب الماغوط حياته، نثره، شعره، قد صعقني ما يكتبه فأحببته عندما قرأته للمرة الأولى، منذ ان كنت في الصفوف الثانوية، ولا أزال أحبه. فهذا الذي قال يوما: "سئمتك أيها الشعر، أيها الجيفة الخالدة/ لبنان يحترق/ يثب كفرس جريحة عند مدخل الصحراء" و "ضمني بقوة يا لبنان/ ألذ أكثر من التبغ والحدائق" و "لا أشعار بعد اليوم/ إذا صرعوك يا لبنان/ وانتهت ليالي الشعر، التسكع/ سأطلق الرصاص على حنجرتي"، مثله، شاعرا، لا يحتاج الى أن نستضيفه، لأننا ضيوفه على صفحات كانت ولا تزال- في عهد بيروت ولبنان وعهدهما- بيته وموئله. بل موئل المغامرة الشعرية والحرية.وحتى آخرهما.
******
جرح فاغر
على رصيف دمشق
أكرم قطريب
(سوريا/نيويورك)
الكتاب الذي استعرته آنذاك من مكتبة المجلس الأعلى في مدينتي السلمية، كنت أضعه تحت الوسادة قبل أن أنام. كتاب بغلاف رمادي، أتذكر منه ورقه الأصفر محمولا بملامح بشر هائمة على وجهها ونداءآت وعذابات مضمرة، ومشاهد متلاشية لريح تنبعث من الشرق لا تنام... فلا أنام: "الفرح ليس مهنتي" بعد أسابيع أعدته.
كان الزمن صيفاً.، بقيت المسافة التي تفصلني الآن عن سبعة عشر عاماً من عمر قصيدة بقيت مدوية في داخلي، محمومة، غريبة. مسافة بقدر ما رممت روحي المضطربة آنذاك، فيها ما أحتاجه أو أكونه، ألآن، ا، ألشعيره: صدقها الوحشي. بدا الحزن لدى الماغوط مثل نوجٌ سيمري مكتوب على لوح قديم، وإصحاح رعب لا ينتهي. حزنه الذي لا حسب له ولا نسب كان ملجأه المخضل. لم تفارقه نبرته الكربلائية، متعباً، متعترا ينطوي في لحم قصائده المفردة كتغريبة هلالية معاصرة انتهى بها المكان الى جنة الدم و الهزائم، اللعنات. المارد الذي قلب طاولة الشعر العربي يتكئ الآن وراء نافدة مغبشة لم في مخ!ى!ا رصيف الشام !1 محنياً على أيامه البيضاء المنكوبة، على الجهات كأنه يسافر في قطار الشرق السريع مثل شخصيات أغاثا كريستى الغامضة، 1، كنصب لرودان يكاد أن يتحرك. قبعته تحمي ما يفضح الأيام، العمر الذي لم يبق منه سوى عكاز يميل مع ظله الذاهب الى البيت. الذي كان يقطع على قدميه مسافات دمشق كلها، كأنه يدخن، يكتفي الآن بمتابعة أخبار الحاضرة العربية السعيدة بأمهات معاركها الخاسرة، الحاضرة التي ما زالت محمولة على ظهور الجمال، كخيول البسوس، صليل الميكر، فوتات، قصائد المهلهل، هو يستمع الى أغنية ناظم الغزالي: عيرتني بالشيب وهو وقار !!. ما الذي بقي من الماغوط الذي وضع الشعر، في أيامه، على مفترق طرق، ثم أدار له ظهره الى غير رجعة إلا في قصيدة متأخرة نسبياً "سياف الزهور"، التي بدت امتداداً أفقيا، استعادياً لكل ما كتبه سابقأً، سواء في "حزن في ضوء القمر" أو "غرفة بملايين الجدران" الى "الفرح ليس مهنتي". أقول استعادياً لأنه في هذه القصيدة أكمل دائرة سبق أن اكتملت، حتى في مقالاته، التي سماها رياض نجيب الريس "مسرحاً شعرياً"، نجد فيها الصدى الملتبس لمقالات آسرة، حارة كانت كتبت على صفحات قديمة انضافت إليها آثار حطام شخصي، شعور أعمق بالوحشة. ظل الماغوط الشاعر المجروح بحق، المأسور الى غلالة الحرية، هذياناتها التي لا تفارقه مثلما لم تفارقه علبة السجائر، زجاجة الى "بلاك ليبل"، غيوم حياته لما تزل نائمة على درج البيت في انتظار أن يستيقظ ليأخذها في نزهة الى مقهى (أبو شفيق) على طريق دمّر، أو الى شبح سنية صالح الذي خيم فيه ولم يتركه، أو هناك الى أقصى ما يمكن الحديث عنه حيث الزمان و المكان في أوجهنا، كانت عيناه، خلسة، تسترقان النظر الى ماض ليس قريباً تلامحت فيه وجوه مائلة في إطار خشبي مكسور، وتواريخ مربوطة بخيط التيه شاءت أن تبقى كما هي، لكن بغيابات كثيرة، محمولة في اسانسير الله نحو السماء الثامنة، وشراشف ملائكية، أو أصيص، نول، خيطان مشدودة، تماماً، قرب الإطار الخشبي المكسور نفسه، الذي بدا فيه بدر شاكر السياب (ضيف بيروت آنذاك)، توفيق صايغ، ثم يوسف الخال الذي حمل نظرية الشعر الحديث معه الى الجنة، كما لو أن يشاهد شروق الشمس من شرفة منخفضة في الربع الخالي. سواحل وقارات من الدموع نبشها، صاغها في أيقونة مشرقية لمتاحف أعمارنا المنصوبة تشبه الصفعة التي لا تنسى. ما الذي بقي من محمد الماغوط؟ عزلته، كيان يفلت بعيداً عن الزحام، في جيبه صورة عائلية له، لسنية، شام، سلافة، حتى لتظن أنه يحمل سحنة ماورائية، كأنه في طريقه الى موعد غامض، معه كلمة سر. بكامل هيئته، جرح فاغر على رصيف دمشق. ولكي تراه عليك أن تلتفت الى سنواته السبعين، مسودات عمره، منفرداً في شارع في مدينته الحجري باحثاً عن طفولة ضائعة في الاقنية الرومانية، سهوب القمح المشتعلة في حزيران. اصدقاؤه أمام العين كلفحة البرد تاركينه يصطك، يرتجف في كلاء البيت القديم، أمام عريشة الكنب اليابسة، ضحكة أمه المدفونة في الجدار ذكرى دمعة لا تنسى. مسبحة أبيه نجوم منفرطة، منذ زمان، مطفأة في خزانة الغرفة الترابية. صوته، لطالما هو هنا، سليل وحشة، يمزجها، يومض أج!ثن من دون ان يرى لمعان السطوح الماثلة تحت المطر. ما أغواه حينذاك أنه كان يقيم داخل اللغة وداخل الحياة معاً: لغة منخلتة، متعطشة، عارية، مضطربة لكثرة ما هي ناصعة، حادة، ترتسم بقدرتها على التخفف من عبء اختزال صوتها الهادر، فاتحة شبابيكها الموصودة لصواء (نثي، أ حاز،، بئهر). لم يتنفسها من الهواء الفاسد وحسب، بل عقد قرانها مع ينالميعه المركونة في دمه، مرة، واحدة، مثل من يرمي بنفسه من دور عال، أو يميل على فوهة بركان خامد.، داخ!م لحياة ا لأنه حملها الى ا، راقه، حبره كما يرجن معطفه " أعلى كتفيه، ويلبس على عجل، كنزته الزرقاء. هو، على قول انسي الحاج في "الناقد"، شباط 1993، "عبقري صورة، لا يجاريه أحد، خصوصاً في التشبيه. خياله مطبوع بعقله الباطن.، عقله الباطن خزان كبير من الألم، الحرمان، الرغبات الرائعة". انتفاض الصورة لديه أشبه بطائر مذبوح، لكن بشكل غير كامل: يتخبط في دمه، شرايينه المقطوعة. صورة تربض بحاسة نفاها جوار أنفاسها المتقطعة، كأنها من لحم، دم مهتوك. هي حول عوالمه الأرضية، مقطع حقوله الصفراء نصف المعتمة. ترفل لا متناهية، غير مكتملة. تاريخ أيامه، جروحه، تركها كما هي، بلهجته السحيقة تبين رائحة النار، الملاءات الممزقة من نايات فجر مصاب، بقايا وحل، رياح، مزاريب صدئة.
شعريته، وان بدت الآن بعيدة، مفضوحة، إلا أن أهميتها تبدو من مقاربة أثرها، الذي تحول الى زمن قوي وسحري داخل تاريخ القصيدة العربية، بحنين دفين والتماس لا يضاهى يغرياننا كي نكتشف واحداً من أسلافنا المعاصرين، يحيا بيننا، شاماناً شعرياً تستعيد روحه بلغة أخرى ومفارقة. @
******
الغريب حتى النهاية
عادل محمود
(سوريا)
لم يستطع غريب في هذا الحجم، أن يكون غريبآ حتى النهاية، مثل شاعر اسمه محمد الماغوط. فمنذ البداية أرشد الماغوط قارئه الى مصيرهما معآ، في وطن لا يعفو لكي يغفر، بل ليخفف زحمة العبودية. الماغوط رأى، من أول لحظة تعرض لها في الخمسينات، أن العربي ليس (اكم!) لبلده (قانونيا المواطنة) بل هو عنصر في (شركة) في حجم وطن يديرها حكام، قوادون أحيانا. فتعزف الى الغربة:
لا امرأة لي، لا عقيدة/ لا مقهى، لا شتاء/ ضمني بقوة يا لبنان/ ثمانية شهور وأنا المس تجاعيد الارض والليل/ اسمع رنين المركبة الذليلة/ والثلج يتراكم على معطفي وحواجبي./ فالتراب حزين والألم يومض كالنسر/.
وقد صارت الغربة في داخله أصيلة لان الاسوأ كان على العتبة دائما.، بتأصلها راح الماغوط يضع شعره في كل زاوية كبيض خرافي لطائر لا ييأس، بغريزة الديمومة، من فاعلية الحياة. والماغوط، أجد. أهم الشعراء الذين لم تفارق قولهم فكرة الانسان الفرد، الذات، الشخص بوصفه هكذا،وحيدا و ضئيلا ومكتنزآ وقويآ، وكائنأ من كان. الانسان عند الماغوط ذات محترمة ما دامت الحياة قد (أثفت) فيه روحآ ينبعث منها الأنين والزغاريد. وباستنكاره الحار والدائم لما يحدث له على أيد غاشمة أو مصادفات رديئة، دافع الماغوط وبقوة، عن الافتراض الصريح لجمال الحياة، عن الحق في أن تكون الحرية لا الجريمة هى الراية التي تظلل خيارا انسانيآ في بقعة من الأرض. ولقد ظل الماغوط شاعرا، (فيآل! ذه بى) الفكرة (مختفيا) فى مختبره، المتقشف، الحاد الأحماض، قصيدة إثر قصيدة، غير عابئ (ال!بنثر) الحياة في شعر ليسمى لاحقآ قصيدة النثر.، لعل الماغوط، بسبب من حدته، حدته،، ايضأ بسبب الماغوط، اقفآ الى اليسار، مع، (فاق الختوة) في ثياب البحر.!
الإصرار على قيمة وحيدة عليا، لم يستأنف مسيرته الشعرية. كأنما اكتفى بقول ما قيل. فللدهشة، للأمل، لليأس، للحب، للشغف بالجمال حدود، في نهايتها يقف الشاعر راثيآ أنقاض مملكة...، حسب. إن- الماغوط علامة أسف وحزن ورثاء في عصر عربي (تقشف) في هويته حتى كاد أن يخرج من العصر بلا هوية.
************
لماذا نحترم الماغوط؟
عبد الرحيم الخصار
(المغرب)
إذا فتحت الألبوم الحديث للشعرية العربية ستجد صورا صغيرة لا تكاد تحصي، بعضها واضح و البعض الآخر يغطيه السديم، وأنت تقلب عشرات الصفحات يمكنك من حين لآخر أن تصادف صورا من الحجم الكبير، سيبدو لك السياب نحيفا بابتسامته الجانبية الشهيرة داخل إطار كبير لا يحاكيه سوي إطار نازك والبياتي، ستبدو لك فيما بعد صورة أدونيس بعينيه الدائريتين اللتين يتقافز منهما الطموح، صورة أدونيس أيضا كبيرة، لكن يعتريها الغموض، ثمة صور عديدة لشعراء من القرن الماضي تركوا أنفاسهم تسري في هذا الجسد الغريب الذي نسميه: الشعر.
هؤلاء الشعراء لا تتزايد درجات محبتهم لدي القراء بتزايد عدد دواوينهم أو عدد المهرجانات التي حضروها، بل تتزايد بعدد الآثار التي يخلفونها في نفس من يقرأهم.إنهم شعراء بسيطون كالماء واضحون كطلقة مسدس علي حد تعبير الشاعر رياض الصالح الحسين، ليس أولهم خليل حاوي الذي مات منتحرا بلبنان، ولا حسب الشيخ جعفر المنسي هناك، وليس أوسطهم عبد الله راجع أو إبراهيم نصر الله أو عدنان الصائغ، وليس آجرهم لقمان ديركي بسورية أو أحمد بركات بالمغرب.
الكتابات المتميزة كالنقوش العتيقة تقاوم الزمن وتبقي خالدة علي الأحجار والجدران وحتى في المغارات والكهوف، النصوص العميقة تجد القارئ العميق حتى في الأدغال، ألم يقل الشاعر عبد اللطيف اللعبي: ثمة كاسر يقرأني ؟
هذه الجمل المتعاقبة هي تمهيد للحديث عن صاحب واحدة من الصور الكبيرة داخل الألبوم الحديث للشعرية العربية، فالذين جايلوا الماغوط والذين وصلوا إلي أرض الشعر بعده أكنوا له احتراما هائلا ومحبة شاسعة.
منذ النصف الأخير من القرن الماضي وإلي حدود السنة الثالثة من الألفية الجديدة ظل الماغوط في أعين القراء هو الماغوط، لم تتغير ملامحه ـ فقط ظهرت عليه علامات الشيخوخة ـ فمواقفه هي مواقفه: تمرده، احتجاجه، وسخطه، عزلته وخوفه وريبته ووساوسه مازال محمد الماغوط يشبه صورته القديمة، ما زال كما تجلي في بداياته، لم يغادر خندقه الأول، إذ ظل متمرسا بأدواته نفسها وبمعجمه الهجائي وبنبرته الجارحة، لم تغيره الشهرة ولا الاستقرار، بل ازداد ضراوة وضجرا، كأنه لم يغادر الغرفة التي شهدت آلامه وأوجاعه الأولي، كأنه غير قادر علي التنكر لأيام التشرد والتسكع والخواء ـ 1ـ
ربما ميزة الشعراء الكبار، في الغالب، أن يعيشوا الحرمان والبؤس والمرارة، فالماغوط ينتمي إلي عائلة شعرية كانت تفترش الألم وتتغطي بالتعاسة، الفقر بيتها الشاسع والجوع رفيقها البدي، فآرثر رامبو وجان جينيه وادغار آلان بو آباؤه، أما إخوانه وأبناؤه وحفدته فهم كثيرون داخل الوطن العربي وخارجه:
أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف
ولكنني أحب الرصيف أكثر
أحب النظافة والاستحمام
والعتبات الصقيلة وورق الجدران
ولكني أحب الوحول أكثر.
ـ شوارد الدم ـ
كانت حياة الماغوط قاسية، مغلفة بالفقر والشتات والحزن، ثم إن تجربة السجن قبل بلوغه العشرين غيرته بشكل جلي من مجرد فلاح بسيط إلي كائن آخر يسكنه الرعب وتتقاذفه الكوابيس السجن والسوط كانا معلمي الأول، وجامعة العذاب الأبدية التي تخرجت منها، إنسانا معذبا، خائفا علي الأبد ہ في حوار جريء مع بول شاؤول طلب منه الإدلاء برأيه في بعض الشعراء فقال عن أدونيس: لا يعنيني، وعن أنسي الحاج: شاعر، وعن الماغوط: شاعر كبير. لم يكن موقف شاؤول مجانيا، بل كان مبنيا علي خبرة كبيرة بالشعر ومحيطه، ثم إنه رأي أجيال متعاقبة. والحقيقة أن صورة الماغوط أصبحت تتسع شيئا فشيئا ـ مع تعاقب الأجيال ـ حتى بدأت تغطي صور أسماء كبيرة داخل الألبوم: أدونيس مثلا، يوسف الخال، أنسي الحاج، شوقي أبي شقرا...كأن حركة شعر الرائدة لم تنتج، في العمق وفي الجوهر، سوي الماغوط، رغم أن جسده الشعري كان أضخم بكثير من الحيز الذي كان يشغله في غرفة شعر ثم إنه لم يكن يتبنى الخيار الأيديولوجي الذي كان يتبناه زملاؤه، فقط كان يتبنى خياره الشعري لم يكن الماغوط من الأساس معنيا بتلك الأيديولوجيات يسارها ويمينها.. كان أكثر حدية ومزاجية وأكثر ميلا إلي التحرر من أعباء تلك المعايير الناجزة في السلوك والشعر
*****
يقول الماغوط عن تلك التجربة: كان أفراد جماعة شعر يكتبون في المطلق، أنا حاولت أن أسحبهم إلي الأرض، لكني بقيت طارئا مثل ضيف علي طرف المائدة، وافترقنا لأني شاعر أزقة ولست شاعر قصور.
لم يكن الماغوط في حاجة إلي شهرة تشد نظر العابرين إليه، ولم يكن يبحث عن عظمة وهمية مثل أقرانه بقدر ما كان يبحث عن لقمة يضعها في فمه:
الجوع ينبض في أحشائي كالجنين.
ـ نجوم ومطر ـ
كان يطالب بحقه في الحياة، ثم إنه شاعر وعلى هاته السماء الغامضة التي يسمونها الوطن أن تحمي شعراءها كي يواصلوا ما كانوا قد بدأوه:
هذا الفم الذي يصنع الشعر واللذة
يجب أن يأكل يا وطني
هذه الأصابع النحيلة البيضاء
يجب
أن ترتعش
أن تنسج حبالا من الخبز والمطر
ـ جفاف النهر ـ
إذا عدنا إلي التاريخ الشخصي للماغوط فهو من مواليد 1934 بمدينة السلمية السورية، زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، آثار أقدامه لا تزال في دمشق وبيروت، متسكع كبير تعرفه كل الأرصفة والأقبية والحدائق العامة وكل الصالونات والفنادق والمقاهي والصحف ودور النشر، وكل الكتاب والرسامين والصحفيين وعمال المقاهي وشرطة المرور والسجانين وقطاع الطرق وكل النساء اللاتي أحبهن أواللاتي نظرن باستعلاء إلي مظهره الريفي البائس واخترن مجالسة غيره
****
لكن إذا بحثنا في تاريخه الشعري سنجده أقوى وأعنف:
أنا إنسان تبغ وشوارع وأسمال
ـ تبغ وأسمال ـ
أنا مزمار الشتاء البارد
ووردة العار الكبيرة
تحت ورق السنديان الحزين
ـ الرجل الميت ـ
أنا فقير يا جميلة
حياتي حبر ومغلفات وليل بلا نجوم
شبابي بارد كالوحل
عتيق كالطفولة
ـ تبغ وشوارع ـ
كان الماغوط يحب أن يضع الوطن فوق كرسي المساءلة بدل الاحتفال المجاني به والإفراط في تزيين وجهه بالمساحيق بغية جمال وهمي، كانت علاقته بالوطن معقدة وعنيفة لاشيء يشرحها سوي هذا المقطع:
لاشيء يربطني بهذه المروج
سوي النسيم الذي تنشقته صدفة فيما مضي
ولكن من يلمس زهرة فيها
يلمس قلبي.
ـ مقهى في بيروت ـ
إننا نحترم الماغوط لأنه من القلائل الذين سبحوا ضد التيار العتيق أعذبه أكذبه فلم يكن يكتب سوي حياته وحياة أشباهه ن لم يغبر جلده، ولم يلهث خلف البريق، حتى في كتاباته كان صافيا إلي درجة التكدر المطلق، لم يستعر معطفا من أحد، وإنما وضع أسماله علي الورق، لا يمكن أن نصنف نصوصه ضمن إطار البوح والتشظي والاحتراق.. وما إلي ذلك من الكلمات التي تبدو سطحية وهجينة ومبتذلة أمام عمق وقوة ما يكتب، لم يكن الماغوط في حاجة إلي المعاجم القديمة لترقيع نصوصه بألفاظ تحط من قيمة النص وتقتله أكثر مما تحييه، فهو علي عكس أقرانه وعكس زخم هائل من الذين دخلوا إلي غرفة الكتابة سواء من الباب أو النافذة كان يكره التشدق في اللغة، لم يكن يتوسل الكلمات التي تموت بمجرد أن تغادر الشفتين، بقدر ما كان يرسل في أنينه الدائب كلمات تستعيد حياتها أكثر كلما احتكت بالهواء.
أبدع الماغوط في كتابة الشعر (حزن في ضوء القمرـ غرفة بملايين الجدران ـ الفرح ليس مهنتي(.). والمسرح (العصفور الأحدب ـ المهرج ـ ضيعة تشرين ـ الغربة ـ كأسك يا وطن..). والرواية( الأرجوحة )والسينما( الحدود ـ التقرير )والمسلسلات التلفزيونية ـ (حكايا الليل وين الغلط)، وبالقدر ذاته أبدع في صناعة عالمه الشاسـع يحده من الشـــرق الحزن ومن الغرب العــــزلة العزلة خليلتي، لا أحب أن أقابل أحدا، أحب الوحدة وأحب الصمـت وأشعر بالارتباك بوجود الآخرين أنا إنسان سوداوي وتعيــس، لم أعرف الفرح طول عمري فقد عشــت في البرد والوحل وبين المقـــــابر، وإلي اليوم أحس أنني متشرد في الروح والقدمين، عالمي هو الكتابة، أنا خارج دفاتري أضيع، دفاتري وطني.
يبدو في النهاية أننا سنكون أشد إجحافا في حق الماغوط إذا صنفناه ضمن جيل الخمسينيات، فهو ربما يسبق بنصوصه المتفردة أيضا أجيالا راهنة وأخري لم تولد بعد، إذا أردنا أن نحسم الأمر فالماغوط ينتمي إلي جيل ودع الشمس باكرا وأيقن أنها لن تعود في الغد.
هوامش:
زوايا، العدد 3، ديسمبر 2002
سيف الرحبي، نزوي، العدد 31، تموز (يوليو) 2002
علي عبد الكريم محمد الماغوط: حطاب الأشجار العالية كتاب في جريدة، العدد 60، جريدة الصباح المغربية.
حوار مع الماغوط، أ جراه خليل صويلح، زوايا، العدد 3
القدس العربي -2003/09/24
******
هكذا يحشو الماغوط مسدسه بالدموع
ممدوح عدوان عن الشاعر الانفجاري
بمناسبة صدور مختارات شعرية للشاعر السوري الكبير محمد الماغوط ضمن العدد الأخير من "كتاب الى جريدة" أقامت مؤسسة تشرين السورية حفل تكريم للشاعر بحضور وزير الإعلام عدنان عمران. "الأهرام العربي" تنشر نص الشهادة التي ألقاها الشاعر ممدوح عدوان بهذه المناسبة.
حين أردت أن أكتب هذه الكلمة لتقديم محمد الماغوط لم أحتج الى إعادة قراءته. اكتشفت أنه موجود في ضميري الذي أخاف منه، تسربت كلمات له كانت مروعة من وجداني فذكرتني بحقي الذي منحني إياه منذ طفولتي في الاعتراف بالخوف والذل والكبت.
يم يظهر محمد الماغوط صوتاً في المشهد الشعري العربي في الخمسينيات، بل انفجر فيه قنبلة فراغية، ومنذ أصواته الأولى كان شاعراً فاجراً ومنفجراً.
هذا الرجل الذي لم يهتم بوزن ولا قافية ولا آداب ولا شعائر سياسية، رأى نفسه مشرداً وجائعاً وخائفاً فعرف ببداهة الإنسان الأول أن العالم متآمر عليه، ولذلك فإن مؤامرة أخرى في هذه الدنيا الخادعة لم تكن تصلح لإلهائه عن مجابهة تلك المؤامرة الكونية.
ولأنه لا يخجل من دموعه ومن هزائمه ومن الاعتراف بإذلال العالم له، فقد علمنا أن الاعتراف بهذا الذل هو النصر الوحيد الذي بقي لأناس مثلنا في عالم مثل هذا العالم.
ولذلك لم أحس يوماً أنني أقرأ الماغوط، بل كنت أشعر دائماً أنه يعلمني آداب الانفجار الوقح الذي لا يقيم اعتباراً لشيء. وكلما كنت أقرأ الماغوط كنت أحس أن هذا الرجل يتغلغل الى أعماق روحي ليجبرني على الاعتراف بالوضاعة التي أوصلني إليها هذا العالم الذي أعيش فيه.
هو ذا شخص وحيد في الدنيا يعلن أنه يحشو مسدسه بالدموع. وينتهي الى أن يأكل النساء بالملاعق، ولا يرى فرصة للعنان إلا أن يضع ملاءة على شارة مرور ليناديها: يا أمي، ويأمر الغيوم بالانصراف لأن أرصفة الوطن لم تعد لائقة حتى بالوحول.
وفيما نحن نرى التبجج بالقوة الكاذبة، هو ذا شخص يعلمنا أن نحب ضعفنا وأمام الانتصارات الإعلامية الخلبية، يعلمنا أن نعتز بهزائمنا، وأما المراحل الوهمية يعلمنا أننا في حاجة الى البكاء، وأمام الانتماءات الضيقة يعلمنا أننا نملك الحق في أن نطالب أوطاننا بأن تعيد لنا الأغاني والدروع وكل فاصلة في أناشيد حبنا لهذه الأوطان قبل أن تطردنا من جحيمها.
ذات يوم كتب صديقي الشاعر علي كنعان: "سيكفي جبهة التاريخ من أمجادنا أن هُزمنا"، وأقول اليوم باعتزاز: سيكفي "حماسة" العرب الشعرية المعاصرة أن تحتويى على تلك الهزائم الوجدانية التي اعترف بها محمد الماغوط والتي تبدأ من هزائم الجبهات الى عزائم الروح، ومن خسارة الأرض الى خسارة الكرامة، ومن الفجيعة بالحكام الى الفجيعة بالأهل، ومن الحاجة الى اللقمة الى الحاجة للدفء، ومن الحاجة اليتيمة للأم الى الحاجة الشيقة للمرأة التي نتفرز بين نهديها كالصئبان. لقد هجا محمد الماغوط وطنه وهو يمزق ملابسه كأية أرملة، أو أن ثاكلة مفجوعة وأعلن عن رغبته في خيانة وطنه. ولكنني كنت أفهم المجاز الذي يشويه غضبه على ناره الهادئة، ولم أصدق يوماً إلا وصفه للرجل المائل الذي يقصد به نفسه، والذي يتشرد متأبطاً كتبه ووطنه.
محمد الماغوط لا يُقدم في أمسية تكريمية، ولا يقدم بكتابه المطبوع، بل يحق لمن يتورط في الإعلان عن ظهور شعره أن يطلق صفارة الإنذار، فها هنا غارة شعرية على ضمائرنا وعلى كل ما تعودناه من كذب ومكابرة وادعاء، إنني لا أقدم لكم شاعراً بل أطلق بينكم قنبلة انتُزع صمام أمانها.
إذا قرأ محمد الماغوط شعراً، أو إذا تورطتم باقتناء ديوان له، فانزلوا الى الملاجئ الأخلاقية التي تعودتموها، البسوا الكمامات الواقية من الصدق الجارح وتسلحوا بالمكيفات الإعلامية التي تعودتم على تهدئتها وتخديرها.
ولكنني أقول لكم إنها لن تنفعكم، ما من ملجأ يحميكم من هذا الاعتراف الشعري الجامع بأوبئتكم، طالما أنكم قد تورطتم بسماعه أو قراءته.
وأرجو أن أحذركم الى أنكم قد ترونه الآن رجلاً ضعيفاً يستند عكاز، هذا ليس رجلاً تقدم به العمر، بل هو رجل تقادمت فيه الهموم والأحزان والفجائع وتخمرت في أعماقه الدموع الحبيسة، وتعتقت في روحه الآهات التي لم يسمعها أحد.
وأحذركم أيضاً أن القنبلة التي يبدو غلافها صدئاً هي انفجاراته بالمقدار الذي كانت عليه دائماً.
وهو أيضاً تلك المرأة التي أهملناها قليلاً، ويكفي أن نفتح آذاننا وضمائرنا ليتساقط عنها الغبار ونرى أنفسنا فيها على حقيقتها.
لقد استطاع محمد الماغوط أن يحرجنا ويجرحنا بشعره لأنه ظل قادراً على الاحتفاظ بالطفل المقهور الذي كأنه، طفل لا يندهش من الجمال ويفرح به فقط، بل يشمئز من القبح ويبكي من الظلم.
لقد صرخ منذ البداية: ألا ترون كم هو العالم فظيع وعفن ونتن كم هو غير لائق بمعيشة البشر؟ كم يثير من القهر والغضب والبكاء؟
احتقان كهذا لا يعرف كيف يقلم أظافره ليليق بأجواء الشرف العربي، ولا كيف يلبس الياقة والقفاز ليصلح لصالونات الأناقة الثقافية، فانفلت في الأجواء الأدبية حافياً مشعثاً رثاً كما لو أنه ما يزال يلعب في وحل الحارة، ولم يهتم لملابسه المتسخة وقدميه الموحلتين، لم يهتم من نفور أبناء الصالونات أو الداعين أو استتباب الأمن في استعراضات الأناقة الفعلية والبروتوكوليا: ببساطة قال لهم: لم أجلب الوحل من بيت أبي، ولم أتسخ في حضن أمي، ولم يكن البكاء هوايتي، ولا الجوع رياضة أمارسها.
عالمكم وسخ وموحل ولعين وموحش، ولست معنياً بتنظيف نفسي أو حتى أسناني لكي أساعدكم على التهرب من مسؤولياتكم عن وسخ عالمكم.
معاناة اليتم والغربة والجوع والتشرد والكبت، وحب الوطن والنساء والحرية والتسكع والتدخين والشراء، والمجاهرة بالرأي في الكتابة وتعرية العالم الذي يحيط به كل صباح. . هذه هي حدود ملكوت محمد الماغوط وهي حدود عذاباته ذاتها.
لم يكتب من قارءته أو تأملاته بل كتب من زعيق بطنه الخاوية وارتجاف أعصابه الخائفة.
وهكذا راح يكتب دون أن يهتم بتسمية ما يكتبه، حتى أنه ذات يوم خاف من أن يكون الذين يسمون كتابته شعراً يقصدون السخرية منه والضحك عليه، فشتمهم في مجلة أدبية رائجة، ولكنه استمر ------ أظافره المتسخة على الحيطان ويكتب بهذه الأظافر، فيثير الصرير والغبار لترتجف منه العظام وترمد العيون.
وليصبح واحداً من أهم الشعراء العرب، شعر؟ فليكن، يقول الماغوط، ابحثوا أنتم إذاً عن قوانين لما أكتب ولا تطبقوا على قوانين كتابتكم.
إن صدور مجموعته الكاملة، أو صدور هذه المختارات في "كتاب في جريدة" حدث مهيب، وإرهاق سادي إذ من سيطيق أن يغامر بقراءة عذابات عمر الماغوط كلها دفعة واحدة؟ كم تستغرق منك قراءة المجموعة ؟ يوماً؟ شهراً؟ سنة؟ تصور أنك ستتحمل في مدة قصيرة كهذه عذابات رجل كان يتألم عن أمة كاملة وطوال جيل كامل، وقد ظلت روحه تئن تحت هذه العذابات طوال هذا العمر المرير. . حتى نخخت قلبه وجسده.
ونحن إذ نختار أن نقرأ شعره فإننا نجيء الى مخبر التحليل بأنفسنا، والشاعر المخبري المحلل سيقدم لنا تقريره ليقول لنا إننا مصابون بفقدان المناعة الأخلاقية والوجدانية والسياسية والوطنية، وإننا مصابون بالشلل الوطني وبسرطان الجبن والتخلي والتخاذل.
اقرأ دفعة واحدة إذا رغبت، ولكن احذر القرحة . . والرقابة فهذا من الشعر النادر الذي يحمل قارئه مسؤولية القراءة بمقدار ما حملها كاتبها حين كتب.
ولكن الماغوط، ولأنه مؤدب بآداب الشعر المتصعلك العظيم المقهور الرجيم المضمخ بالنزيف، سيوهمنا أنه لا يتكلم إلا عن نفسه وعن آلامه.
ولكن دققوا قليلاً، وستكتشفون أنه يحكي عنا جميعاً. . .
عن الأهرام العربي- الأحد 1 كانون الأول 2002
*********
كهرباء محمد الماغوط تسري في الشعر الجديد
محمد علي شمس الدين
(لبنان)
المختارات التي صدرت أخيراً للشاعر محمد الماغوط ضمن إطار (كتاب في جريدة) أعادت فتح السجال حول شاعر (حزن في ضوء القمر) وحول قصيدة النثر التي كتبها على طريقته الخاصة‚ وفي الوقت نفسه صدرت في دمشق مختارات مما كتب عن الماغوط عربياً‚ ماذا عن محمد الماغوط وقصيدته الرائدة؟ لم يبدأ محمد الماغوط بنشر قصائده في مجلة شعر‚ إلا ابتداءً من السنة الثانية لصدورها في يناير 1958‚ في العدد الخامس‚ فهو نشر في هذا العدد قصيدته (حزن في ضوء القمر)‚ وفيها يظهر‚ وللمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي القديم والحديث معاً‚ وكأنه قائد مركب متشرّد في تيّار وحشي‚ في مغامرة غير مسبوقة في الكتابة‚ يدخلها الماغوط بلا اعتداد نظري أو تنظيري‚ وبسلاح وحيد هو نصّه العاري‚ يقول الماغوط في تلك القصيدة: إني ألمح آثار أقدامٍ على قلبي‚ ويقول في قصيدة (الخطوات الذهبية): آه كم أودّ أن أكون عبداً حقيقيّاً/ بلا حُبّ ولا مال ولا وطن‚ وفي العدد الثاني من العام الثاني لمجلة (شعر) (ربيع 1958) ينشر الماغوط قصيدته (القتل) وفيها يقول: ‚‚‚ ضع قدمك الحجريّة على قلبي يا سيدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان‚ نجد أنفسنا في نصوص الماغوط أمام كهرباء تهزّ الكيان بكامله وهي جديدة‚ كاسرة (وإن مكسورة)‚ غير طالعة من مناطق ثقافية أو قراءات سابقة‚ بل منبثقة مثل نبع مفاجئ في دَغَل‚‚‚ وتحمل في أحشائها موسيقاها البكر العظيمة‚ لذلك لا يمكن أن يكون تجاهها سؤال: أين الوزن والقافية؟ لم يستطع أحد أن يطرح على الماغوط أسئلة حول شعريّة نصوصه‚ فهي قصائد بقوتها الداخلية‚ كما أنّ قراءتها لا تذكرنا بنصوص أخرى مشابهة في الشعر الغربي (الفرنسي أو الأميركي/ الإنجليزي) أو في الشعر العربي ‚‚‚ ولا ريب في إنها تكوّنت في سويداء صاحبها من تجربة حياتيّة قاسية‚ مباشرة‚ وفي أماكن ما قبل اللغة‚ قائمة في رعونة التجربة‚ ومتكوّنة في الدم والطمث والوحل ذاته للحياة‚ فانبثقت من هناك كما تنبثق زهرة من الوحل أو الصخر‚ والحليب من دم وطمث الحيوان‚ من هنا أسّس الماغوط لقصيدة النثر العربية‚ ولم يكن يرغب في ذلك نظرياً وثقافيّاً‚‚‚ إذ على نصوصه ستنبني بعد ذلك النظرية‚ كان هو شاعراً بكراً ابن تجربة حياتية بكر‚ هذا مجده‚ نعم: ضَعْ قدمك الحجريّة على قلبي يا سيّدي/ الجريمة تضرب باب القفص/ والخوف يصدح كالكروان‚ وفي البحث عن الغرفة السوداء (السرية) التي تكوّنت فيها نصوص الماغوط‚ نفترض أنه لا بدّ من أن يكون هذا الجميل‚ الطفل‚ قد انجرح في جماله وفي أصل براءته‚‚‚ لا بُدّ من أن تكون إهانة رعناء قد ضربت قلبه بوحشية‚‚‚ إذْ ما الذي يدفع إنسانا للقول: ضع قدمك الحجريّة على قلبي يا سيّدي‚‚‚ سوى العنف الأرعن؟ وحين تضرب الجريمة باب القفص فهي وحش يضرب قفص طائر‚ ثم حين يصدح الخوف كالكروان‚ فأي رعب يشلّ الكائن? أيسدّ أذنيه أم روحه؟ افترضنا ذلك قبل أن يسلمنا الماغوط بعض مفاتيح تجربته‚ على قلّة ما يتكلم به أو يبوح‚‚‚ على قلّة ما يشرح‚ نعرف أنه تعرّض وهو في أوّل صحوة الشباب‚ للسجن‚ حدث ذلك في العام 1955ولم يكن مؤهّلاً حينذاك‚ نفسياً أو جسديّاً لما تعرّض له من هوان وذلّ‚ يقول: (بدلاً من أن أرى السماء‚ رأيت الحذاء‚ حذاء عبدالحميد السرّاج (رئيس المباحث)‚‚‚ نعم رأيت مستقبلي على نعل الشرطي‚ والآن حين أتذكر حفلات التعذيب وأنا في التاسعة عشرة من عمري أتساءل: ما هي تهمتي بالضبط؟ولم أجد إجابة شافية عن هذا السؤال‚ كنت وقتها مجرّد فلاح بسيط لا يعرف من العالم إلاّ حدود قريته فقط كمعرفة الرضيع للحياة ‚‚‚ ولعلّ من فضائل عبدالحميد السرّاج عليّ أنني تعلمت أشياء كثيرة في السجن‚ تعلمت كيف أقول (آه) وذقت طعم العذاب‚ والمثير أنني أنا الذي لم أكمل تعليمي‚ تعلمت كثيراً من السجن والسوط الذي بيد السجّان‚ السجن والسوط كانا معلمي الأوّل‚‚‚ وجامعة العذاب الأبديّة التي تخرّجت منها إنسانا معذّباً‚ خائفاً إلى الأبد) (من حوار معه أجراه خليل صويلح)‚ يضيف الماغوط في الحوار نفسه‚ أنه فرّ من (سجن المزّة) الى بيروت‚ حيث التقى رفاقه في مجلّة (شعر)‚ ويضيف أيضاً كلمتين عن الكتابة (كتبتُ لأنجو)‚ قَدَمُ الشرطي هي التي شكلّت لدى الماغوط سبب هذا الصراخ الوحشي لأشعاره في أروقة الأزمنة العربيّة الحديثة والمعاصرة‚ مثلما شكّلت حزوزُ الحبال على ظهر مكسيم غوركي سبب رواياته‚ ثمة جروح في قلب الإنسان لا تندمل‚ وهي التي تصنع الثورات‚ قصائد الماغوط ثورة مندلعة بلا توقّف‚ ولكنْ نسأل أين؟ سيكون من اللافت أنّ قصائد الماغوط التي طلعت باكراً كالدبابير من وكر سياسي‚ لم تؤثّر في السياسة‚ بل أثّرت في الكتابة‚‚‚ في روح الكتابة التي عاصرته والتي أتت من بعده‚‚‚ فهو الذي طلع من سجن المزّة عام 1955‚ وجاء الى بيروت‚ لم يعد للسجن المادي ثانية‚ ولكنه دخل في سجن آخر أصعب وأمرّ‚ هو سجن الحال العربي‚ وهو سجن رحب استطاع ان يهضم في الماغوط كل أعطابه‚ وأن يصغي بأذن صمّاء‚ لحشرجة روحه وهو يكتب (سأخون وطني)‚‚‚ بل لعلّ الماغوط دَخَل في سجن وجودي أكبر من السجن السياسي‚‚‚ دخل في العزلة المطلقة‚ أخلد للصمت‚ واللاأحد‚ وأدرك أنه‚ كسوداوي تعس‚ عاجز عن إدراك الفرح‚‚‚ رجل ظلمات هو ومصلوب بلا أم تبكي عليه‚‚‚ ويعيش في البرد والوحل وبين المقابر‚ متشرّد في الروح والقدمين‚‚‚ محمد الماغوط رامبو على أنتونان آرتو‚ عربي‚ شريد طويل على امتداد الأنهار العربيّة‚ وصراخٌ في جميع الدهاليز والأقبية السوداء والسجون‚ دمغة أبدية في قاع الهزائم وصرخة (وامعتصماه) على امتداد التاريخ العربي بلا ضفاف لها‚‚‚ بلا أمل‚ أفرك يديّ أحياناً وأقول هو موجود‚ وُجد من يعرّي الجيفة ويكشف الستار عن القبور المغلّفة بالديباج‚ وأشبّهه أحياناً بتماثيل سامي محمّد: بأيدٍ تتمزّق وهي تفتح أبواب السجون‚ أو ترفع صخوراً فوقها صخور‚‚‚ وربما ظهر لي أحياناً متجسداً في الصرخة لمونخ‚ على صورة رجل خائف ضعيف بفم مفتوح على مصراعيه‚ جالس الى خطي حديد‚ يمرّ عليهما قطار جامح‚ نعم إنّ محمد الماغوط هو هو الصرخة‚ وتتبعتُ الصرخة من أوّلها‚ من أصلها‚ وسألت نفسي: ألهذا الحدّ‚ استطاعت قدم شرطي في سجن أن توقظ هذا المجد الهائل؟ الماغوط يعتقد انه بلا مجد ولا أوسمة‚‚‚ متسكع أبدي على الأرصفة‚‚‚ آخر الجالسين في المقاعد‚‚‚ حسناً هذا هو مجد اللامجد لدى الماغوط‚ وتبعته من أولى قصائده حتى مجاميعه حتى صمته وانطوائه في العدم المطلق‚ تبعته كما تبع هنري ميلر آرتور رمبو‚ خطوة خطوة‚ شممت رائحة حريق الكلمات فتبعتها‚ كان ذلك في صيف وخريف 1958 في مجلة (شعر)‚‚‚ يتدمّر الماغوط ويدمّر الشعر وخزاً بالذنب أمام لبنان الذي يحترق:
سئمتك أيها الشعر/
أيها الجيفة الخالدة/
لبنان يحترق/
يثب كفرس جريحة عند مدخل الصحراء/
وأنا أبحث عن فتاة سمينة أحتكّ بها في حافلة/
عن رجل بدويّ الملامح أصرعه في مكانٍ ما
‚‚‚‚ عندما أفكّر‚‚‚ ببلادٍ خرساء/
تأكل وتضاجع من أذنيها/
أستطيع أن أضحك حتى يسيل الدم من شفتيّ‚‚‚ أيها العرب/
يا جبالاً من الطحين واللذّة/
يا حقول الرصاص الأعمى/
تريدون قصيدة عن فلسطين/
عن القمح والدماء‚‚؟
وكان ذلك في ربيع 1959 في (الرجل الميت) حيث يكتمل تشرّد المتشرّد بأدواته:
(أيها الجسور المحطمة في قلبي/
أيتها الوحول الصافية كعيون الأطفال/
كنا ثلاثة نخترق المدينة كالسرطان/
نجلس بين الحقول/
ونسعل أمام البواخر/
لا وطن لنا ولا أجراس‚‚‚‚
وكان ذلك في شتاء 1960‚ في (سماء الحبر الجرداء (حيث يخبّ الماغوط كحصان تحت المطر‚ وثلاثة رماحٍ في قلبه‚ وتبعته في غيبته وعودته وتقلّب أحواله‚ نادراً ما كان يظهر لي الماغوط كقمر مكتمل في سماء زرقاء‚ لم يكن مكتملاً ولا واضحاً‚ كان دائماً معصوب الجبين ملطّخ الوجه بغيوم داكنة‚ يغيب ويعود‚ ولكنه دائماً يزفر‚ يئن كحصان مريض‚ وحين افتقدته في خريف 1968 في مجلّة (شعر)‚ وجدت ألن غنسبرغ‚ ينفث في وجه أميركا كلماته ويقول:
أميركا/
أعطيتك كل شيء/
والآن أنا لا شيء/
أميركا/
دولاران وسبعة وعشرون سنتاً يناير 1956/‚‚‚
أميركا: اذهبي فضاجعي نفسك بقنبلتِكِ الذريّة‚‚‚
أميركا: لماذا مكتباتك مملوءة بالدمع‚‚‚/
أميركا إنني قصير النظر ومختلّ عقلياً على أية حال.
عن جريدة ( الحياة ) اللندنية
*****
حوار
محمد الماغوط
شاعر يتألم كالماء حول السفينة
حوار أجراه
أكرم قطريب
وشاكر الأنباري
وعادل محمود
صدرت أعمال الماغوط عن "دار المدى" في دمشق، من دون أن تلقى اهتماماً عميقاً، واسعاً في الصحافة الثقافية، تمجيد قراءة شاعر يتمتع بخاصيته اللغوية. منذ ذلك الحين، يحاول كثرة من أصدقائنا الشعراء والصحافيين "أسر" هذا النسر البدوي. فبعد مقابلة صحافية في الأمس القريب، استطاع زميلنا محمد علي الأتاسي أن يسرق "من الماغوط جولة هي عبارة على أسئلة، بل خلاصة أكثر من ( 11 9 العثمعي) الشعراء، دمشق، بيروت، السجون، الحرية وهلم جرآ. وكان زهونا الشعري.
أكرم قطريب وشاكر الأنباري وعادل محمود (!كون خيه) أكثر منها قراءة نقدية لشعرية الماغوط وتجربته، مضافة الى صور نادرة أمدنا بها الصديق محي الدين نصرة، فضلا عن نحاول أن نكون ملفا، بقدر ما نذكر أنفسنا، أصدقاءنا، قراءنا بشاعر يدمن الجوع، الأوجاع، يتألم كالماء حول السفينة.
"ملحق النهار"
أنا لا أكره أحدا، لا أحب أحداً لم أكره، لم أحب في حياتي سوى الشعراء.
ليس هناك في الكراهية أنواع، كما ليس في الشر أنواع. ليس هناك أسهل من الاحتيال على. عندما ا يبكي أحدهم أمامي، أصدقه فورا... أنا لا أجدد في صداقاتي او في عداواتي. الأعداء يأتون بأنفسهم، بشكل عفوي. أصدقائي منذ أيام السجن لا يزالون أصدقائي. اشعر بحنين الى أصدقائي القدامى في بيروت. أنا لا أكره أدونيس. ان أدونيس مجلة "شعر" ليس أدونيس اليوم.، ( رغم ان أدونيس هو من قدمني لمجلة
"شعر"، لكنه لم يكن يدرك من يقدم. أدونيس يريد من حوله مريدين لا أندادا. خالدة سعيد كانت أهم امرأة في سوريا، في النضال، في الكتابة، لكنه غطى عليها. كانت يجب أن تكون أهم من ناقدة: روائية او مسرحية أنا أحب أنسي، لا أفصل في علاقتي مع الشعراء بين الإنسان و شعره. أنسي قريب من الذي يكتبه، وهو يشبه شعره. لم أره مند سنوات. زمن بعيد. مشتاق إليه. أجمل مقابلة لي، أجراها أنسي، نشرها في "الملحق". كنا في دمشق برفقة فيروز، تمشينا في الطريق، لم يسجل شيء!، كتبها من ذاكرته. لم أعد للعيش في بيروت بعد إلغاء أمر إبعادي عنها في بداية السبعينات، بقيت في الشام. هنا أشعر نفسي أقوى، لأنني أكتب، أنتقد من داخل بلدي أحن الى الشام التي عرفتها، لا الى شام السلطة. كتبت مرة: كل ما أريده من مدينتي الحديثة، هو أرصفتها القديمة. أغلق مقهى أبوشفيق في مدخل دمشق. لم تعد قدماي تسمحان لي بالمشي الطويل. أحن آ الى المشي كما أحن الى مقهى أبو شفيق. ثلاثون سنة من عمري، أنا أمشي كل صباح الى هذا المقهى، أكتب فيه. الشام تحب دائما الغريب.
نعم أشعر بنفسي غريباً في الشام. الشام لا تحب أحدا. كتبت عن المرة: المدينة التي أعطيتها صدري أربعين عاما، لا أجرؤ أن أعطيها ظهري ثانية واحدة. حتى في السلمية أشعر بنفسي غريبا، فالناس تبدلت أكثر من تبدل الأمكنة. كل القضايا الكبرى انتصرت عليها، وهزمتني القضايا الصغرى كتسديد فاتورة الكهرباء. علاقتي بالشام قضية كبرى.، أنا أثبت وجودي. الشام مثل البنت التي أحببتها في صغري ورأيتها بعد خمسين عاما. أصبحت مرعبة. فجري كان في لبنان، غروبي في دمشق.
أحن كثيرا الى بيروت الخمسينات، بيروت- صور السياسيين في كل مكان، ليست بيروت التي أعرفها. بيروت السابقة لن تعود قطعا. دورها انتهى، لأنه كان مؤثرا على إسرائيل وهذا ممنوع.
رجلاي تؤلمانني جدا، لم اعد قادرا على المشي. وأنا أحب بيروت لأمشي في شوارعها لا لأركب التاكسي. ا حدود بيروت التي أعرفها هي شارع الحمراء شارع بلس والروشة. مركز المدينة الحالي: أنا أكره المال ورأس المال. في الحمراء كان هناك مقهى واحد على الزاوية أسمه النغرسكو، نجلس فيه أنا، ليلى بعلبكي، و دائما كان هناك عتمة. شارع الحمراء كان بالنسبة لي أجمل من الشانزليزيه، لكنه الآن صار مثل شارع الشانزليزيه: كله عرب. كانت أجمل السهرات في بيروت تلك السهرة التي جمعتنا بفيروز، الرحابنة ويوسف الخال، نازك الملائكة، وكان يومها، أنا صديق للرحابنة وفيروز. في بداية الستينات أجبرت على مغادرة بيروت، وبقيت عشر سنين مبعدا. كانت فترة مرة في حياتي، لليوم أرى بيروت في منامي. أحلم أنني دائما بعيد عن مكان إقامتي. لكن لا اعرف ما هو مكان إقامتي: بيروت... الشام. أرى أحياء وأرى نفسي بعيدا عن بيتي، ضائعا، أحاول أن أصل إليه، لا أستطيع. بعيد. بضائع ومستنقعات وأنهر وسلالم وقطط وكلاب وشرطة، وأنا حفيان. دائما حفيان. بيروت لم تنتزع الشام من قلبي. ان جيلي غير جيلك، أنت من جيل الشعارات، صعب عليك أن تفهم. أكره جو الأدباء، المثقفين،، أكره جلساتهم ، نقاشاتهم،، أحاول دائما أن أبقى بعيدا عنهم. أيام مجلة "شعر" كنت أكثر الموجودين صمتا، لم أوقع في عمري، لن أوقع أي بيان، او عريضة. عندي رأي أكتبه باسمي الصريح.
غالبا ما يكون موقعو هذه البيانات، ثلاثة أرباعهم ملغومون، الربع الباقي مرشح في مرحلة الاختبار. في داخلي رقيب ذاتي، لكن أصبح عندي حرفة وأستطيع ان أتحايل عليه. الجمال يقتل الرقيب. أنت قوي، لا أستطيع عليك، أحاول كرسام الكاريكاتور أن أجد لك عقب أخيل. صحيح ان مسرحياتي أضحكت السلطة، لكن هذا لا يعني شيءاً ما دام المعيار هو شعبيتها لدى الناس كافة. حتى الجلاد عندما يجلد، يرتاع قليلا، يقرفص، يدخن سيكارة. حاولت ان اعمل بعد ذلك في المسرح مع الجيل الجديد، لكنهم سرقوني، سرقوا ثيابي، سرقوا الغلة. مستحيل ان اكتب زاوية دون ذكر الحرية او السجون. إما لماذا لا أذكر أسماء السجون والسجناء، فلأنه ممنوع ان تذكر. يجب ان تعمم، هذه خبرة. أنا أحيانا لا أجرؤ على ذكر اسم الشام. أنا مسكون بالذعر، أي شيء يخيفني. الصديق يخيفني، الجار يخيفني، فاتورة الكهرباء تخيفني. أين سأذهب، كيف سأدفعها. أنا محمد الماغوط أينما كنت، في الشام، في بيروت، في الحمراء، في أبو رمانة، في الشانزليزيه، في السجن، في المرحاض. أنا أنا محمد الماغوط. أنا الوحيد الذي لم يتغير، لا يتقولب. كبرت وصرت على أبواب السبعين: مرض، غم، حياة، وأنا أنا.
إذا كان هناك بعض الناس التي لا تزال تكن لي الاحترام، فلأنني لم أبدل من موقف الى آخر، من اليمين الى اليسار، من الشرق الى الغرب. نعم تكفلت الدولة علاجي عندما مرضت. لم اشعر بالحرج، أحسست أنه لا يزال هناك خير في البلد. أنا اسم أدبي، هم يهتمون بالأسماء الأدبية. أنا لا أباع ولا أشترى، منذ الخمسينات الجميع يعرف ذلك بدءا من اصفر ضابط مخابرات. أنا أتنازل عن مليون شيء، لكن لا أتنازل عن قلمي. لا مال، لا سلطة، لا امرأة تعوضني عن الكلمة. كلما تقدم الانسان في العمر تصير المسؤولية اكبر في الحفاظ على المكانة التي وصل اليها. الصعود صعب، لكن السقوط، لا أسهل، خير مثال هو دريد لحام.
عندي حنين الى فكرة القومية السورية، هي أصفى فكرة على الإطلاق، من اجل ذلك قتلوا أنطون سعادة هذا القتل المبكر. الانتماءات لا تشغلني،، ما في بطاقتي لا يعني
بالنسبة لي شيئآ، على عكس ما في دفاتري. لست فخورا بكوني عربيا، ولا حتى بكوني سوريا. أنا لست لمنطقة، سخرت من البترول مليون مرة. اليوم هو زمنهم، مرحلتهم. إنهم يمسكون الوطن العربي من رقبته، من معدته، يمنعون عنه الحراك. إننا نعيش في مرحلة انحطاط، الآن هو العصر الذهبي لما سيأتي بعد. كتاباتي في "الوسط" مزحة سوداء، قاتمة بشكل مرعب، سخريتي تقطر مرارة. أنا في طبعي لست سياسيا، عندي هموم اكبر من السياسة. عرضوا علي العمل في "الوسط" قلت لهم سأكتب. لو لم يكن عندي شيء لأقوله ما كنت كتبت. أنا لا أكتب من اجل الفلوس. كنت أريد أن أضع عنوانا لكتابي الجديد: "شرق عدن، غرب الله"، لكن الصحف رفضت نشر العنوان، فوضعت عنوان "سياف الزهور". كلما سافرت الى اوروبا، اذهب وأنا عم أشتم، أعود، أنا عم أشتم. لا أطيق أن أبقى هناك، فالتدخين ممنوع في كل مكان، في الطائرة، في المقهى، في الفراش. في سجن المزة كنت أدخن بسهولة، حرية اكبر من اوروبا. أكره أميركا بشدة. في حرب البلقان وقفت الى جانب يوغوسلافيا،، صادف وجودي في فيينا خلال تلك الفترة ورأيت مظاهرات بالأحمر و بالأزرق،، بالاخضر في كل مكان. أردت أن أتظاهر ضد أميركا، رفعت عكازي ملوحا، دخلت إحدى المظاهرات، فاستوقفني بعض الأصدقاء، قالوا لي: وين رايح، هذه مظاهرة تأييد لأميركا.
لا أخرج في مظاهرات في بلدي، لان كل شيئ هنا مرتب. أنا أكره الترتيب، حتى الرجل الأنيق أكرهه. وطني هو دفتري، وأنا أتظاهر في دفتري فقط. إذا صار في بلادنا مظاهرات غير مرتبة، يومها
سنحن لتلك المرتبة. الناس فارغة،، ليس هناك من شيء. الرأسمال يحرك العالم. أنه زمن أميركا، زمن قضي فيه على كل شيء جميل. زرت روسيا، أحببت شعبها. شعب سوداوي يحب الشرب. لكن أين هو ذلك الزمن الذي كنت تجد فيه في كل أنحاء روسيا عند الساعة السادسة صباحا الخبز والبيض والحليب؟ أين طغاة ذلك الزمن، أين ستالين من طغاة اليوم، ب!دلتهم؟ ا
الذي فتحني على الحياة وصنع مني شاعرا هو سجن المزة. عندما دخلته أحسست ان شيئا في أعماقي تحطم، الى اليوم لا أزال أحاول أن أرممه. كنت أريد الدراسة في الكلية الزراعية، لكن بعد السجن أدركت ان اتجاه حياتي تغير. أمضيت فيه 9 شهور في العام 1955. 3 شهور في العام 1961. أنا وأدونيس دشن فينا عصر الإرهاب كنا في زنزانتين منفصلتين، كنت أراه من بعيد. ألفت بعض المسرحيات في السجن، مثلتها بمشاركة بعض المسجونين. لم أكن قابضا الحزب القومي السوري، ولم أصمد من اجله، ولكن لان طبعي عنيد. كنت أول من يبكي ويصرخ أثناء التحقيق. أنا إنسان مذعور لا أخاف السجن فقط، ولكن أشمئز منه وأحتقره.
أريد أن ألغي المسافة بين هذه التصنيفات: النثر، الشعر، المقالة. كلها عندي نصوص. إذا قلت عني لست بشاعر، لن أزعل، لن تهتز بي شعرة. الموسيقى في أشعاري موجودة ضمن النص. علاقة الكلمات بعضها ببعض في النص مثل علاقة الأخ بأخته، هما نائمان على فراشى واحد، أي حركة منه او منها لها تفسير. علاقة الكلمات بعضها ببعض كالحب الحرام، في القصيدة يجب أن لا يكون هناك أي إشارة خاطئة من هذا النوع.، هذه هي الموسيقى. كل كلمة في اللغة العربية هي كلمة شعرية، حتى الجيفة، حتى البراز، المهم ان تعرف كيف تضعها في النص. المهم ان أكون صادقا، أن يكون ما أكتبه جميلا. كل قطعة أكتبها، أبيضها عشرات المرات قبل النشر مدققا في كل حرف. أحيانا أبقى يومين اسأل نفسي أيهما أفضل وأقوى وأصح في هذه الجملة.
أحب واو العطف، لكني أحب كاف التشبيه أكثر، خصوصا في المقالة. منذ أيام بيروت جعلت من صور كاف التشبيه مرآوية على عكس المتعارف عليه: كامرأتين دافئتين كليلة طويلة على صدر أنثى أنت ياوطني. عدم معرفتي باللغات الأجنبية أراحني من الثقافة.
تعرفت على سنية لأول مرة عند أدونيس، خالدة في بيروت. هي الحب الوحيد. نقيض الارهاب، نقيض الكراهية. عاشت معي الفترة الصعبة.، أحملها في داخلي دائما. عاطفتي شموس، هي ليست مطواعة. كل ما أكتبه فيه شييء من السلمية، فيه شييء من الشام، فيه شييء من بيروت، فيه شييء من سنية. سنية أكبر من مدينة، إنها كون. بعد موتها صار حبها يشبه حب السلمية، ثمرة عشر سنين، لا تراها لكنك تظل تتذكرها. يستحيل أن يمضي يوم دون أن أذكر السلمية أو أذكر بيروت.
سنية شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها. أنا أذيتها، اسمي طغى عليها، وهذا الذي لا يزال يؤلمني جدا. بعد موتها قررت أن لا أتزوج ثانية. فهى قدمت لي أجمل ابنتين في العالم: شام وسلافة. أن الحب لم يكن ابدآ مشكلة بالنسبة لي، الحرية هي هاجسي الأوحد. كل النساء من بعدها نجوم تمر وتنطفىء، هي وحدها السماء. كانت حياتنا جميلة، لكننا كنا دائما على خلاف. لم نتفق مرة على رأي. نسهر الى الصباح، نبقى مختلفين. جلست بقربها، هي على فراش الموت أقتلى قدميها المثقوبتين من كثرة الابر، فقالت لي عبارة لن أنساها: أنت أنبل إنسان في العالم. لا أحب الغيبيات. تسألني إذا كنت سأراها بعد الموت، كيف هذا وأنا في حياتنا المشتركة لم أكن أراها كما يجب.
لم أزر قبرها في مقبرة "الست زينب" إلا مرة واحدة. خالدة سعيد قالت للبنات عندما سألوها لماذا لا نذهب لزيارة قبر ماما: ماما فيكم، أنتم لجه ماما. أنا عاطفي جدا. كلمة، احدة في حوار، أغنية جميله قد تبكيني. لكن عشرين جنازة لا تحرك في شيئآ. أشعر أن جسدي في غروب. أكره الشيخوخة، أكره جسدي. إنه حقير، تافه. عندي الكثير لأعطيه لكن جسدي لا يلبيني، أما العقل فصاف. لم يعد هناك من علاقة حميمية بين جسدي و عقلي. لم أراع جسدي، كل ما يمكن أن يمارسه الشاب شط من سكر، جنس، عربدة مارسته باكرا، بغزارة، ها هو جسدي ينتقم مني رويدا رويدا. يدي التي أكتب بها القصائد، قد يمر شهران دون أن أتنبه لاستطالة أظافرها، أو لورم فيها. الويسكي كالشاعر، لا هوية له ولا وطن. زجاجة الويسكي حبيبتي. أدخن منذ كان عمري سبع سنوات. كنت أدخن في البداية أعقاب السكائر الملقاة على الطرق. السيكارة قاتلة بالنسبة لي بسبب مرض نقص التروية، لكنني لا أستطيع مفارقتها. استيقظ في الليل من اجل أن أدخن سيكارة.
أتعاطف مع الشيعة لان عندهم اجتهادا في الدين. أحب الله، أخاف منه، لكنني لا أحب أن أتكلم في الغيبيات. أخاف الموت أحيانا، أو بالأحرى أخاف ما يسبق الموت... المرض، أن لا أستطيع!المشي او الجلوس. لم اذهب الى السلمية منذ 13 عاما. قد أعود إذا مرضت كثيرا، تعبت. مكان الدفن، شكليات الموت لا تعني لى شيئآ، كذلك هي شكليات الحياة. كتبت على قبر سنية "هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم"، لأميز قبرها عن الآخرين. وكيف سنميز قبرك، شاعرنا الكبير، ! محمد الماغوط؟
شخوا عليه.@
*****
حوار
محمد الماغوط : الالفه اكبر من الصداقة والحب
حاورته في دمشق: عبلة الرويني
* ماذا تشرب في الصباح؟
الماغوط: أحب ان أشرب. لكن عندما مررت بتجربة الإدمان ووصلت الى حافة الموت كان لابد لي أن آكل، وان أضع الأكل في (البراد).
* من يصنع لك الطعام؟
الماغوط: آكل عندما يأتي الأصدقاء بالطعام
* تعاني الوحدة؟
الماغوط: ابدأ. أذهب إليها.. كم تمنيت ان لا يعرفني احد، وان لا اعرف احدا. لكن بعد زواج بناتي ومرضي صرت أخشي.. لا أخشي الموت ولكن أخاف مقدماته. العجز والمرض
*ومن أين تعيش حياتك؟
الماغوط: من راتبي بمديرية الثقافة وكتاباتي في(الوسط)
(مد يده ممسكا بالعدد الأخير من مجلة "الوسط")، وراح يقرأ بصوت مرتفع مقاله الاخير فيها..
أفتح جهاز التسجيل فينتفض مرة أخرى..
أقول: لماذا تفعل ذلك. أريد فقط ان احتفظ بصوتك يهدأ قليلا من حيث أعجبه التقدير
الذي يستحقه.
* يعجبك صوتك؟
الماغوط: أنا بدوي، جبلي أغني في اوركسترا الصحراء ويعجبني صوتي.
* ونحن ايضا.
* كيف تقرأ الآن؟
الماغوط: الآن لا اقرأ.. أوعلى الأقل اقرأ بصعوبة. أمامي كتاب منذ اكثر من 10 أيام، أفتحه كل يوم ولا اقرأ شيئا.
في فترة من الفترات قرأت كثيرا، خصوصا في السجن، كان زكريا وسنيه (يقصد زكريا
تامر وسنيه صالح) .. كانوا دائما يأتون إليٌ بكتب كثيرة. قرأت في احدى الحبسات 25 ألف صفحة ...الآن لا اقرأ لأني كسول وملول.
* أيضا لا تقرأ شعرك في الندوات العامة؟
: طوال عمري لا اقرأ شعري في ندوات أو أمسيات عامة. يمكن حدث هذا مرة أو مرتين على الاكثر.. ويحدث بسرعة شديدة لأني أريد ان أخلص وأنتهي.
* ضيق حتى في شعرك؟
: ليس لدي خلق لأبحث عن (قافيه (و (بيت). يمكن كتبت قصيدتي من باب ضيق
الخلق.. لأني ضقت) بالوزن)) والعمود) (والقافية).
* مزاجك سوداوي؟
دائما.. أنا صاحب مزاج سوداوي لأني من مدينة هدمت 100 مرة..
(السلمية) معقل القرامطة حتى المتنبي.
* أظن ان تجربة السجن أيضا تركت بصماتها بوضوح؟
: فكرة السجن أكثر من مرعبة...
اتحدي أي إنسان، يدخل السجن ولو يوما واحدا. وينساه نحن جيل دشا فينا الإرهاب
السياسي.
* كم مرة سجنت؟
كثيرا.. في المرة الأولي أيام مقتل عدنان المالكي واتهام القوميين السوريين.
* تكوينك يتناقض وفكرة الانضمام للأحزاب. فكيف كانت تجربتك الحزبية؟
: تجربة مضحكة.. كان عمري 13 عاما.. وبرد ومطر في (السلمية(، قالوا ان هناك أحزابا جديدة قادمة الى البلدة.. سألت ما هي المواصفات؟ قالوا حزب (البعث) بعيد عن بيتنا وليس لديه صوبا (مدفأة ) بينما الحزب القومي السوري كان قريبا ويمتلك (صوبا).
* بسبب صوبا
: هذا ما حدث
* تكتب بشجاعة.. تشعر ان اسمك يحميك؟
: أبدا تلك طبيعتي. فأنا لا أعرف الكذب ولا أخشى شيئا. ثم ان عندي نوعا من الخيال وخبرة 50 عاما تجعلني اكتب ما أريد.
* تعرف لمن تكتب.. أقصد تعرف جمهورك؟
: عندما اكتب الغي ذاكرتي نهائيا.. مش مشغول بيمين أو شمال. لكن غالبية جمهوري من الطلاب والموظفين والطبقة الكادحة.
(علق ممدوح عدوان ضاحكا يعني شيوعي مش قومي سوري).
*كيف تعرفت علي نفسك شاعرا؟
: لم أتعرف لكن من استمع الى شعري قال: لابد ان ينشر.. نشرت واناعم يورطوني بقولهم شاعر..
أول من التفت الى شعري كان نزار قباني وزكريا تامر وسعيد الجزائري في مجلة (النقاد).
* بالخمسينات؟
نعم.. كنت مجندا ولابس ) شورت( عندما رأيت نزار قباني أول مرة.. قال لي: 'اللي بتعملوه شيء حلو'
* هذا أسعدك؟
: جدا.. لكن أكثر من أثر في كان) سليمان عواد( شاعر مات بالسبعينات.
* وزكريا تامر.. هناك ارتباط عميق بينكما..
قاطعني: بدأنا بالخمسينات 56، 57 أيام كان المعلمون في الساحة الثقافية علي الجندي، وشوقي بغدادي وسعيد حورانيه. لكنهم كانوا جميعا محشوين بالايدولوجيا.
واحد منهم قال لي: (من هذا الفلاح القادم من أعماق الريف ليعطيني دروسا في الشعر (.. وكان التعليق مليئا بالسخرية وليس بالاعتراف.
****
علي غلاف الصفحة الأخيرة من رواية زكريا تامر (النمور في اليوم العاشر ( الصادرة 1978 كتب محمد الماغوط:
(بدأ زكريا تامر حدادا شرسا في معمل وعندما انطلق من حي (البحصه) في دمشق بلفافته وسعاله المعهودين ليصبح كاتبا، لم يتخل عن مهنته الأصلية، بل بقي حدادا وشرسا ولكن في وطن من الفخار.. لم يترك فيه شيئا قائما إلا وحطمه، ولم يقف في وجهه شيئ سوي القبور والسجون لأنها بحماية جيده.
عندما يأتي القارئ الى نهاية هذا الكتاب العجيب يشعر انه محاصر كالقلم في مبراة، وانه عار من كل شيء في أقسي صقيع عرفه القدر ولا يملك شيئا سوي راحتيه يستر بها وسطه وهو في وقفته الطله والمخجلة تلك على رصيف المئة مليون أو أشيه، لا ينقصه إلا إطار في قاعة محاضرات وبحاثه في علم بقاء الأنواع يشير إليه بطرف عصاه أمام طلابه ويقول: قد كنا ندرس يا أولادي من قبل كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة الى إنسان، وألان سندس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسان الى قرد ، وأهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون)
* منذ البداية ماذا كان مشروعك.. بماذا كنت تحلم؟
: لم يكن لدي مشروع ثقافي. لم يكن لدي نظرية ولا حلم أريد تحقيقه.. لم احلم يوما ان أكون مثل شوقي أو حافظ إبراهيم..
أنا فقط أخربط. ولا أسمي ما اكتبه
* البعض رأي أن قصيدة النثر ذات مرجعيه غربية فرنسية تحديدا.. بينما البعض الآخر
يبحث عن امتداداتها في التراث..؟
: لا تسأليني نظريات
لا أريد أسئلة وإجابات. انا لست مثقفا وشهاداتي متوسطة زراعية.. ولا أعرف لغات وبهذا اعتبر ان الله رحمني من كل هذا العبء.
****
في مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد الماغوط كتبت سنيه صالح:
'أن موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي، وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود وكان ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في هذا العصر'
***
* في مقدمة ديوان (لن) كتب أنسي الحاج بيانه النظري لقصيدة النثر..أين كان بيانك ؟
: انسي كان واضحا في مشروعه
أنا كل ما كان يشغلني دائما هو (البراد( والأكل.. بينما كل من حولي يتكلمون عن(ازرا باوند) (والشعر) (والنظرية)..
التنظير عمره ما كان يهمني ولا الكلام.
أنسي أيضا كان قليل الكلام في اجتماعات (مجلة شعر) كنا أكثر الناس صمتا.. كنا تلاميذ أمام الأساتذة الكبار يوسف الخال وأدونيس.
* ولا يزالون أساتذة؟
: لا
لكن يوسف الخال مختلف عن أدونيس . إنسان، غني داخليا. فكر وعلم وثقافة مرة كنت اعلمه 'التسكع' وهو الأرستقراطي 'اللورد' قلت له حل عن السيارة، إذا كنت شاعرا فلابد ان تتسكع.
قرأ لي قصيدة في بيروت فطلب من أدونيس ان يتعرف عليٌ أو طلب مني قصيدة..
قلت له: بكره وكتبت له في نفس الليلة) الحزن في ضوء القمر(.
*يا سلام!
: أعطاني 75 ليره وقال لي لا تفعل أي شيء إلا الشعر..
وكتب عني:
(كلنا كنا نحلم بالشعر لكن الوحيد الذي جاء إلينا كآلهة اليونان هو الماغوط(
* لديك حساسية مفرطة في استخدام اللغة..
بالفعل عندي حساسية بتجاور الالفاظ جنبا الى جنب في إيقاع معين. في ذاكرتي جرس ( يرن) لو كان هناك خطأ لكن طوال عمري مشكلتي ليس فيما أريد ان اكتبه ولكن في كيف اكتبه.
* الصورة هي العنصر الأقوي بقصيدتك؟
: لان) المكسح) قوته في يديه والأعمي قوته في سمعه. كانت قوتي هي الصورة
. لأني لست مثقفا.
لجأت الى (الصورة) الى الشيء البصري وليس إلي الشيء الفكري لاني أفتقد الثقافة..
يمكن لو درست وتثقفت كنت اكتب مثل أدونيس.
*تعجبك قصيدة أدونيس؟
: لا أحب القصيدة الفكرية. لو عندي فكرة اكتبها في مقال.
أدونيس يكتب أفكارا، كل شعره فكر. وهو منذ البداية يعرف الى أين يذهب وكيف يسير.. منظم، مرتب.
شعره القديم أحبه لأنه كان فيه معاناة إما شعره الحالي فلا افهمه
تدخل ممدوح عدوان ليسأله: أدونيس يراك رومانسيا.
شو ما أحلاها!!
* شباب الشعراء حتى المستندين فيهم على قصيدتك يرونك الآن تقليديا..
حداثتك شكلية بينما بنية القصيدة، اللغة، الموسيقىى، العاطفة، الصورة.. جميعها تنتمي الى القصيدة التقليدية.. هذا رأي البعض منهم؟!
: هذا لا يغضبني
وأنا لا أريد إغضابك.. فقط دفعك للكلام ؟
وأنا لا أريد أسئلة !
* عندما تظهر أجيال جديدة من الشعراء هل تشعر بالزمن؟
: الزمن لا أفكر فيه على الإطلاق إلا بعد زواج بناتي ومرضي
*اقصد علي المستوى الثقافي؟
يجوز ان هناك شعراء جددا. لكني لا اعرفهم لأني لم أعد أقرأ.
*تضيق لو سألناك عن سنيه صالح؟
: لا لكني لا اعرف ان أتكلم عمن أحبهم. يمكن من اكرههم أستطيع.
أحيانا أرى نفسي بري. لكن الشخص إذا كان (جباناً ( ربما استوعبه، وإذا كان (كاذبا) أو (لئيما) أو (بخيلا) ايضا استوعبه واحتمله لكن إذا لم أعد احترمه لا أتعامل معه على الإطلاق.
* في حياتكما هل كنتما متفقين؟
: في حياتي لم اتفق معها علn رأي أبدا.. لكن هناك نوع من الالفه اكبر من الصداقة والحب.
نحن من عالمين مختلفين تماما.. عالمها رومانسي حالم روحاني، صوفي، صادق.بينما كل شيء عندي الوحل والأرصفة والشوارع والبول والسواد والقسوة.
كان سعيد عقل يغضب من رائحة البول في القصيدة قلت له: حتى البول والبراز كلمة شاعرية لكن المهم كيف تستخدمها قال: معك حق.
* كيف تعرفت بسنيه؟
في بيت أدونيس في بيروت..
كنت أتناول (الغداء) عند خالدة سعيد (أخت سنيه) وكنت ناشر قصيدة جديدة أعجبت سنيه التي كانت تراني للمرة الأولي.
*كان ذلك بالستينات؟
: نعم وكنت أشتغل
(بالرأي العام) بعد ذلك أرسلت خالدة أختها سنية حتى أقدم أوراقها الى الجامعة بدمشق وتوسطت غادة السمان حيث كان يعمل أبوها بالجامعة.. وسارت العلاقة وتزوجنا.
*شعريا كيف تراها؟
قوة مهوله..
لو قرأت ديوانها (ذكر الورد) نجد شاعرة كبيرة.. بل هي اكبر شاعرة عربية . لا نازك ولا غادة السمان ولا أي واحدة علي الإطلاق.
*ولماذا لم تحقق شهرة؟
أقصد لم يتم تقييمها نقديا بما يليق بمكانتها؟
: يمكن اسمي طغي عليها!
كان رأيها جوهريا.. فإذا كتبت شيئا وترددت أمامه ولو لحظة. كنت أمزقه أو أعيد كتابته من جديد. أيضا كانت الوحيدة التي كان أدونيس يخشى رأيها.
*أخرى تحبها. سعاد حسني..
التي فجرت يوما لك أزمة عندما نشر ت إحدى الصحف على لسانك أنه لا يوجد في مصر سوى سعاد حسني
كنت أتكلم تحديدا عن السينما.. لكن الجرائد تفعل ما تريد
* تعاني الآن هي ايضا من الاكتئاب. وحيدة في لندن؟
شيء مؤسف.. هي التي منحتنا كل الفرح
كنا في القاهرة أيام فيلم (التقرير( دعانا يوسف إدريس فجاءت جلستي الى جوار سعاد حسني. يومها قال لي حسين فهمي أني أحسدك لقد مثلت معها أجمل الأفلام ورغم ذلك لم تجلس بجانبي.
بعدها كنت معزوما عند شريهان ورأيت سعاد في نفس اليوم ودعتني الى سهرة فاعتذرت لارتباطي بالموعد السابق قال لي صديق: حد في الدنيا تدعوه سعاد حسني ويروح لشرهان.
*فعلا عنده حق
***
في الثامنة صباحاً رحت أفتش عن الماغوط في مقهى الشام بوسط المدينة أعتاد منذ زمان ان يتناول قهوته ويقرأ جرائد الصباح كل يوم من الثامنة الى التاسعة قبل ان يبدأ رواد المقهى (خاصة المثقفين منهم) في الحضور وإزعاجه.
*صباح الخير يا أستاذ محمد
استيقظت مبكرا لأبدأ صباحي بك.
صباح الخير. اجلسي
أرجو إلا يكون في كلامي أية اساءة الى سعاد حسني. لأني أحبها
*ومن الذي لا يحبها. اطمئن
* مبروك كتابك الجديد..
لكن لماذا غيرت عنوانه من) شرق عدن غرب الله) الى (سياف الزهور)؟
: أنا لم أغير شيئا لكن ماحدا كان يقدر ينشر العنوان الأول
* تقبل تدخل الرقيب في شعرك؟
: عنوان الكتاب ممكن. هذا حق الناشر لكن القصيدة لا.
.................
صدور كتاب الماغوط حدث مهيب.. ومن قبل كان صدور الأعمال الكاملة حدثا أكثر مهابة وإرهاقا.. يكتب ممدوح عدوان:
"ان صدور مجموعته الكاملة حدث مهيب، وإرهاق سادي إذ من سيطيق ان يغامر بقراءة عذابات الماغوط دفعة واحدة؟!
كم تستغرق منك قراءة. المجموعة الكاملة؟ يوما؟ شهرا؟ سنة؟ تصور انك ستتحمل في مدة قصيرة كهذه عذابات رجل كان يتألم عن أمه كاملة.. وقد ظلت روحه تئن تحت هذه العذابات طوال خمسين عاما حتى نخخت قلبه وجسده..
اقرأ دفعة واحدة ان رغبتي، ولكن احذر القرحة .. والرقابة'.
*******
الماغوط ملك الحزن والسخرية
تهامة الجندي
(دمشق)
"محمد الماغوط ملك الحزن والسخرية" هو عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور عدنان حافظ الجابر مؤخرا في المركز الثقافي العربي بدمشق، والمحاضر فلسطيني الأصل من مواليد الخليل عام 1952، قضى سنوات طويلة في سجون العدو الإسرائيلي قبل خروجه وانتقاله إلى بلغاريا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الفلسفية من جامعة صوفيا أوائل التسعينات، عمل في عدد من الصحف وله كتابان "ملحمة القيد والحرية" و"سوسيولوجيا الثورة الفلسطينية" وفي محاضرته هذه تناول تعبيرات الحزن والسخرية في نصوص الماغوط.
انطلق الدكتور عدنان من مقولة الكاتب تينس وليمز: أرني شخصا لم يعرف الحزن، وأنا أبرهن أنه ضحل وسطحي للتدليل على مدى الدفء الإنساني والحساسية العالية التي تتمتع بها نصوص الماغوط التي تفيض بأحزانها كقوله مثلا :بدون النظر / إلى ساعة الحائط /أو مفكرة الجيب / أعرف موعد صراخي، وذكر أن إحساس الماغوط المكثف بالحزن علمه السخرية وخلق لديه مناخات تراجيكوميدية استطاعت أن تمزج الدموع بالابتسام وهذه السمة تميز غالبية نتاجه الإبداعي الذي طاول كل الأجناس الأدبية، فمن يقف أمام الماغوط يقف أمام سخرية فجائعية بعد ذلك تناول المحاضر سمات أخرى متجزرة في نصوص الماغوط هي : التشرد، الغربة، الذعر والعزلة وإن كان قد غير الأخيرة من عزلة الغريب إلى عزلة الرافض.
وأشار في معرض حديثه عن لغة الماغوط بأنها لغة حادة وفجة لا تبحث عن مسوغات لها، وكأن الكلام أصبح وسيلته الوحيدة لمواجهة هذا العالم كقوله في كتابه الأخير: أيها السوط المجرم، ماذا فعلت بأمتي.
واختتم المحاضر محاضرته بالتأكيد على أن هذا الشاعر الكبير الذي أحبه وآمن بشعره الكثيرون لم يأخذ حقه من النقد والاهتمام وكأن مقولته في حادثة محاولة اغتيال نجيب محفوظ "ما من موهبة تمر بلا عقاب" تنطبق عليه أولا، وأشار إلى أنه عقاب التخلف الذي ينتج القمع والإهمال.
المصدر: البيان الثقافي
الأحد 15 يوليو 2001 - العدد 79
عاشق من فلسطين
18/03/2005, 17:17
حبيبتي
هم يسافرون ونحن ننتظر
هم يملكون المشانق
ونحن نملك الأعناق
هم يملكون اللآلئ
ونحن نملك النمش والتواليل
نزرع في الهجير ويأكلون في الظل
(من مجموعة "الفرح ليس مهنتي").
..........................
الدمعة التي ذرفها الرومان
على أول أسير فك قيوده بأسنانه
ومات حنيناً إليها
سلمية.. الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا
وهي تلهو بأقراطها الفاطمية..
يحدها من الشمال الرعب
ومن الجنوب الحزن
ومن الشرق الغبار
ومن الغرب الأطلال والغربان..
لا تعرف الجوع أبداً/ لأن أطفالها بعدد غيومها..
حزينة أبداً
لأن طيورها بلا مأوى..
والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها".
( من مجموعة "حزن في ضوء القمر").
.........................
أرسل لي قرميدة حمراء من سطوحنا
وخصلة من شعر أمي
مع أقراط أختي الصغيرة
وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبرة
وفتاة ألهث في حضنها كالطفل
(مجموعة "حزن في ضوء القمر").
...................
يا رب..
في ليلة القدر هذه،
وأمام قباب الجوامع والكنائس،
اللامعة والمنتفخة كالحروق الجلدية..
أساعد الينابيع في جريانها
والحمائم المشردة في بناء أبراجها
وأضلل العقارب والأفاعي
عن أرجل العمال والفلاحين الحفاة
ولكن.. أبق لي على هذه المرأة الحطام
ونحن أطفالها القُصَّر الفقراء
( من مجموعة سياف الزهور في رثاء زوجته الراحلة الشاعرة سنية الصالح )
.................
نهر صغير من الطبقة المتوسطة
أتى على كل شيء في حقبة واحدة
أروع مطر في التاريخ
أجمل سحب الشرق العالية
بددها على الغرغرة وغسل الموتى..
(من مجموعة "الفرح ليس مهنتي").
.......................
صاخب أنا أيها الرجل الحريري
أسير بلا نجوم ولا زوارق
وحيد وذو عينين بليدتين
ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة
وذات لحن جريح لا يتبدل
أريد أن أرفرف، أن أتسامى..
*****
كنت أود أن أكتب شيئاً
عن الاستعمار والتسكع
عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء.."
(من مجموعة الفرح ليس مهنتي )
...................
(ياعتبتي السمراء المشوهة،
لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي
ماتوا على مداخل القرى
وأصابعهم مفروشة
كالشوك في الريح
لكني سأعود ذات ليلة
ومن غلاصيمي
يفور دم النرجس والياسمين)
(من مجموعة الفرح ليس مهنتي )
.............................
مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه)
( من مجموعة سياف الزهور )
..................
أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف
ولكنني أحب الرصيف أكثر
أحب النظافة والاستحمام
والعتبات الصقيلة وورق الجدران
ولكني أحب الوحول أكثر.
(من مقالات تحت القسم ـ شوارد الدم ـ )
....................
هذا الفم الذي يصنع الشعر واللذة
يجب أن يأكل يا وطني
هذه الأصابع النحيلة البيضاء
يجب
أن ترتعش
أن تنسج حبالا من الخبز والمطر
(من مقالات تحت القسمـ جفاف النهر ـ )
.................
أنا إنسان تبغ وشوارع وأسمال
ـ تبغ وأسمال ـ
أنا مزمار الشتاء البارد
ووردة العار الكبيرة
تحت ورق السنديان الحزين
ـ الرجل الميت ـ
أنا فقير يا جميلة
حياتي حبر ومغلفات وليل بلا نجوم
شبابي بارد كالوحل
عتيق كالطفولة
ـ تبغ وشوارع ـ
لاشيء يربطني بهذه المروج
سوي النسيم الذي تنشقته صدفة فيما مضي
ولكن من يلمس زهرة فيها
يلمس قلبي.
ـ مقهى في بيروت ـ
من مقالات تحت القسم
.................
أمام لبنان الذي يحترق:
سئمتك أيها الشعر/
أيها الجيفة الخالدة/
لبنان يحترق/
يثب كفرس جريحة عند مدخل الصحراء/
وأنا أبحث عن فتاة سمينة أحتكّ بها في حافلة/
عن رجل بدويّ الملامح أصرعه في مكانٍ ما
‚‚‚‚ عندما أفكّر‚‚‚ ببلادٍ خرساء/
تأكل وتضاجع من أذنيها/
أستطيع أن أضحك حتى يسيل الدم من شفتيّ‚‚‚ أيها العرب/
يا جبالاً من الطحين واللذّة/
يا حقول الرصاص الأعمى/
تريدون قصيدة عن فلسطين/
عن القمح والدماء‚‚؟
حيث يكتمل تشرّد المتشرّد بأدواته:
(أيها الجسور المحطمة في قلبي/
أيتها الوحول الصافية كعيون الأطفال/
كنا ثلاثة نخترق المدينة كالسرطان/
نجلس بين الحقول/
ونسعل أمام البواخر/
لا وطن لنا ولا أجراس‚‚‚‚
من أول مانشره في مجلة شعر
يا اخي كتير حلوين ومعك حق تقرالو كتير
Kakabouda
20/03/2005, 03:19
ولد عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية
- يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.
- زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
- الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية،وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري (رئيس التحرير) جواز مرور ،ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
أهم مؤلفات محمد الماغوط
1- حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959 )
2- غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
3- العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
4- المهرج - مسرحية ( مُثلت على المسرح 1960 ، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )
5- الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)
6- ضيعة تشرين - مسرحية ( لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
7- شقائق النعمان - مسرحية
8- الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر)
9- غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976 )
10- كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
11- خارج السرب - مسرحية ( دار المدى - دمشق 1999 ، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)
12- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني ( من إنتاج التلفزيون السوري )
13- وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري )
14- وادي المسك - مسلسل تلفزيوني
15- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
16- الحدود - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام )
17- التقرير - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
18- سأخون وطني - مجموعة مقالات ( 1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 )
19- سياف الزهور - نصوص ( دار المدى بدمشق 2001)
- أعماله الكاملة طبعتها دار العودة في لبنان.
- أعادت طباعة أعماله دار المدى في دمشق عام 1998 في كتاب واحد بعنوان (أعمال محمد الماغوط ) تضمن: ( المجموعات الشعرية: حزن في ضوء القمر، غرفة بملايين الجدران، الفرح ليس مهنتي. مسرحيتا: العصفور الأحدب، المهرج. رواية: الأرجوحة )
- تُرجمت دواوينه ومختارات له ونُشرت في عواصم عالمية عديدة إضافة إلى دراسات نقدية وأطروحات جامعية حول شعره ومسرحه.
عاشق من فلسطين
20/03/2005, 14:27
مشكور أبو جريج .. :D :D
واذا في كمان حوليك .. نزل .. :D
لاتكن ودودا فهذا زمن الحقد
لاتكن وفيا فهذا زمن الغدر
لاتكن نقيا فهذا زمن الوحل
لاتكن عاطفيا فهذا زمن الجليد
لاتكن موهوبا فهذا زمن التافهين
لاتكنقمة فهذا زمن الحضيض
لاتكن شجرة فهذا زمن الفؤوس
لاتحن على طفل فهذا زمن العجزة والمسنين
لاتغث ملهوفا فهذا زمن الابواب المغلقة
لاتستجر بصديق او جار او قريب بقصيدة او لوحة بجد او جدة فهذا زمن التنكر والمتنكرين
لاتصدر اي صوت ولو في دورة المياه فهذا زمن الوشاة والمخرين
ثم لاتقطع صلتك بقاض فقد يصبح متهما
بمتهم ..... فقد يصبح حارسا
بحارس ...فقد يصبح لصا
بلص ...فقد يصبح ثريا
بثري ... فقد ييصبح متسولا
بمتسول ....فقد يصبح رصيفا
برصيف ...فقد يصبح حذاء
لاتقطع صلتك بشي فاي شي قد يصبح كل شي
ولكن الانسان الذي لا يستطيع الا ان يكون ودودا ووفيا وبريئا وشامخا وطفلا ماذا يفعل ؟
هل يبقع ثيابه بالوحل ويموه راسه بالحشائش والاغصان ويختبئ في الكهوف وشعاب الجبال ؟
لن يكون اكثر براعة وخبرة من غيفارا
هل يلجا الى الاديرة وبيوت الاولياء ؟
لن يكون احسن حظا من البابا شنودة
اذن لامفر لنا من ان نظل ودودين واوفياء وعاطفيين وصادقين وشامخين
سنظل ابرياء ولو بقوة الرصاص , فمهما كانت السيوف طويلة لن تكون بطول الزمن
فلقد راينا وقرانا عن الكثير من الاقدام المغلولة الحافية تحت لهيب الصحراء وهي تدوس على ظلال المنتصرين
ولكن انا الفلسطيني المرقع بالف وطن ولا وطن لي
انا الهائم كبقعة الزيت العائمة كل الشواطئ ترفضها ومعظم الدول تطاردها وتتعقب اثارها ...اين استقر ؟
فلسطين
ليس لي اطفال ... انت طفلتي
ليس لي اصدقاء ... انت صديقتي
ليس لي تاريخ ... انت تاريخي
ليس لي مستقبل ... انت مستقبلي
انت المشيمة التي تربطني بما تبقى من سحر الوطن والعروبة ومن متعة النوم والاستيقاظ والتدخين والمناقشة
ولكن كف اراكي وقد سملوا عيني ؟
كيف اصل اليكي وقد بتروا قدمي ؟
كيف اشم رائحتك وقد جدعوا انفي ؟
كيف اعانقك وقد اوثقوا يديّ ؟
كيف انطق باسمك واكياس الرمل حول فمي ؟
يا الهي !
امنحيني قوة الفولاذ ورقة الفراشة
جمود الصخر ومرونة الراقصة لاعبر يومي بسلام
امنحيني عقل انشتاين لاستوعب ما يجري على الساحة العربية
وجسد سميرة توفيق لاتحمل ما يجري
امنحيني غباء الاوزة لاصدق ما ارى
وبراءة جان دارك لاؤمن بما اسمع وارى
امنحيني ارجل العنكبوت لاتعلق انا وكل اطفال الشرق بسقف الوطن لتمرّ هذه المرحلة
((( محمد الماغوط )))
:D :D :D
حلو يا ام الزوز
لاتكن ودودا فهذا زمن الحقد
لاتكن وفيا فهذا زمن الغدر
لاتكن نقيا فهذا زمن الوحل
لاتكن عاطفيا فهذا زمن الجليد
لاتكن موهوبا فهذا زمن التافهين
لاتكنقمة فهذا زمن الحضيض
:cry: :cry: :cry: :cry: :cry: :cry:
يسلمو ايدكي
:gem: :gem: :gem: :gem: :gem: :gem: :gem: :gem: :gem:
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:20
عكازك الذي تتكئ عليه
يوجع الإسفلت
فـ«الآن في الساعة الثالثة من هذا القرن
لم يعد ثمة مايفصل جثث الموتى
عن أحذية المارة»
*****
ياعتبتي السمراء المشوهة،
لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي
ماتوا على مداخل القرى
وأصابعهم مفروشة
كالشوك في الريح
لكني سأعود ذات ليلة
ومن غلاصيمي
يفور دم النرجس والياسمين..
*****
مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه
*****
مقطتفات من كتابه سأخون وطني ،،
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:25
مقطتفات من كتابه سأخون وطني ،،
مقطع من العصفور ،،
ثم لجأنا إلى التاريخ نستجوبه ،، وإلى الأحداث نستقرئها :
معظم الأمم كانت جائعة فشبعت ،،جاهلة فتعلمت ،، مستعبدة فتحررت ،ن مضطربة فاستقرت ،، متوحشة فتمدنت،،
إلا نحن العرب
فقد كنا متخمين فجُعنا،، متعلمين فتخلفنا ،، مستقرين فتشردنا ،، أحرار فاستُعبدنا ،، متطوين فتحجرنا ،، متمدنين فتوحشنا ،،
لماذا؟ ماذا ينقصنا لنكون مثل بقية الأمم والشعوب على ظهر هذا الكوكب العجيب ،،
ادب ؟ عندنا ادب
موسيقا ؟ عندنا موسيقا
فكر؟ عندنا فكر
ثروة : عندنا ثروات لا تأكلها لا النيران
اديان! كل الأديان هبطت عندنا.
علم ! كل العلوم خرجت من عندنا ولم تعد !!
شعب ؟ عندنا شعوب...
مقطع من الخروج ...
نحن الجائعون أمام حقولنا..
المرتبكين أمام أطفالنا...
المطأطئين أمام اعلامنا..
الوافدين أمام سفاارتنا..
نحن.......الذي لا وزن لهم إلا في الطائرات
نحن وبر السجادة البشرية التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقه ...
ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج ؟
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،
أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،
مقطع من كتم المعلومات
كان أمامي شيئان لا ثالث لهما : العرب اسرائيل ؟
هي دولة واحدة ،، ونحن 22 دولة
هي عندها جيش واحد ،، ونحن 22 جيشاً
هي عندها برلمان ، ونحن 22 برلماناً
هي عندها موقف واحد من المقاومة الفلسطينيه ،ن ونحن 22 موقفاً منها.
هي عندها تفسير واحد لكل قرارت مجلس الأمن ،ن ونحن عندنا 22 تفسيراً لكل قرار من قرارت مجلس الأمن
هي عندها سياسة واحدة تجاه كل دولة صديقة او عدوة ،،ونحن عندنا 22 سياسية لكل دولة صديقة أو عدوة
وهي عندها جهاز واحد للأمن ،،ونحن عندنا في كل شارع وكل مضرب بدو جهازاً للامن...مع ذلك دائما ،، لا تارها إلا منتصرة علينا في كل مجال ، ونحن لا ترانا إلا مهزومين نائمين على صدر تلك الدولة او في احضان ذلك المؤتمر
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:26
ما هذا ؟
أمة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة وتتابع المباريات الرياضية، أو تمثيلية السهرة ، والبنادق الاسرائيلية مصوبة إلى جبينها وارضها وكرامتها وبترولها.
كيف اوقظها من سباتها، وأقنعها بأن أحلام اسرائيل اطول من حدودها بكثير، وان ظهورها أمام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني أن جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟
فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعا واختيارا لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية أمنها في جنوب لبنان.
ولو اعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان.
ولو اعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا.
ولو أعطيت اوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها في أوروبا الشرقية.
ولو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي.
وملآت حقائبي بالخرائط والمستندات والرسوم التوضيحية ويممت شطر الوطن العربي أجوب ارجاءه مدينة مدينة وبيتا بيتا.
وحدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وأطماعها التاريخية في أرضنا وأنهارنا ومياه شربنا. وعرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق والمستندات السرية والعلنية وباللغات العربية والانكليزية والتركية ... ولكن، لا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كفنان. وعرضت أمامهم أشهر اللوحات التشكيلية والرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار، كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع، كحوت، كتنين، كدراكولا، كريا وسكينة ... تقتل وتفتك وتتآمر ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كخبير طاقة. وحذرتهم من أن منابع النفط هي الهدف التالي لاسرائيل. وأننا، كعرب، قد نعود إلى عصر الحطب في المضارب، ونفخ النار بالشفتين وطرف الجلباب ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كطبيب، عن تسميم الطلاب والطالبات في الضفة الغربية، والجثث المفخخة في مجازر صبرا وشاتيلا. وعن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة، ومصادرة البيوت، وطرد السكان، وتحديد الاقامة، ومنع السفر، ومنع العودة، واغلاق المدارس، وتغيير المجالس البلدية، وقمع المظاهرات، واطلاق غاز الاعصاب، والقنابل المسيلة للدموع، والمسيلة للتخلف ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كأب. ونبهتهم إلى أن كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر، وكل كاتب أو شاعر قد يصبح كمال ناصر أو غسان كنفاني. وكل رئيس بلدية أو دائرة حكومية قد يعود إلى بيته على عكازين كبسام الشكعة وكريم خلف ... ولا أحد يبالي.
>>
ثم تحدثت إلى الفلاحين كفلاح. وإلى العمال كعامل. وإلى التجار كتاجر. وإلى اليمينيين كيميني. وإلى اليساريين كيساري. وإلى المزايدين كمزايد. وإلى المعتدلين كمعتدل. وإلى العجائز كعجوز. وإلى الأطفال كطفل ... وقلت لهم أن اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاق سيناء وكل الاتفاقات التي تمت من وراء ظهوركم. فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحث لا أحد يعرف إذا كان يبتسم لنا أم يسخر منا. ولذلك فان دولا عربية متخاصمة لم يكن يتصور أحد أنها يمكن أن تتصالح ... قد تصالحت بسببه. وأن دولا اخرى صديقة لم يكن يتصور أحد أنها قد تختلف، قد اختلفت بسببه ... ولكن للتحركات السياسية حدودا. وللجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها. وأن مؤتمر الشعب العربي الدائم وقضيته المركزية فلسطين لا يستطيع أن يستمر في عقد جلساته الطارئة إلى ما لا نهاية ما لم يلق استجابة من هنا أو دعما من هناك.
وان المقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة، لا تستطيع وحدها القضاء عليه ما لم تعمم هذه التجربة في كل بلد عربي.
وقصصت عليهم أحسن القصص عن البطولة والفداء. والروعة في أن يكون الإنسان ثائراً من أجل وطنه ينصب الكمائن ويطارد الأعداء في شعاب الجبال. وفي فترات الاستراحة يضم بندقيته إلى صدره ويقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة إليه من الوطن، إذ في كل صفحة خصلة شعر من خطيبة، أو ورقة يابسة من حبيب.
وقرأت عليهم بنبرة مؤثرة وغاضبة أجمل قصائد المقاومة والنضال، لناظم حكمت ولوركا وهوشي منه ومحمود درويش وسميح القاسم... ولا أحد يبالي.
الكل ينظر إليّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن وينصرف متنهداً إلى عمله.
ماذا أفعل أكثر من ذلك لأثير نخوتهم وغضبهم ومخاوفهم؟
هل أضع على وجهي قناعاً يمثل سنّي بيغن الأماميتين المشؤومتين؟ أم أضع عصابة سوداء على عينّي مثل موشي دايان، وأقفز حول أسرّة الأطفال في ظلام الليل؟
هل أعرض في الساحات العامة صورا شعاعية لما يعتمر في صدر شارون وبيريز وارينز وايتان وغيرهم من ضغينة وحقد على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟
هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحرية والكرامة والانتماء إلى هذه الدرجة؟
أم أن الارهاب العربي قد قهرها وجوّعها وروّعها وشرّدها سلفا أكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله اسرائيل في المستقبل؟
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:29
هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام انني لا أحب إلا الشعر والموسيقى، ولا أتأمل إلا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه.>>
أو أنني كلما استمعت إلى السيمفونية التاسعة لبتهوفن أخرج حافياً إلى الطرقات وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني.>>
أو أنني كلما قرأت "المركب السكران" لرامبو، اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام، وما في خزانتي من ثياب، وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتية من النافذة.>>
>>
>>
نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج، بل منذ رأيتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسط أدركت أنهم لا يتورعون عن أي شيء.>>
ولكن من أين لهم أن يعرفوا عني مثل هذه الأهواء، وأنا منذ الخمسينات لا أحب الشعر أو الموسيقى أو السحب أو القمر أو الوطن أو الحرية إلا متلصصاً آخر الليل، وبعد أن اغلق الأبواب والنوافذ واتأكد من أن كل المسؤولين العرب من المحيط غلى الخليج قد أووا إلى أسرتهم وأخلدوا للنوم.>>
>>
>>
ولكن إذا صدف وعرفوا ذلك بطريقة أو بأخرى فأكدي لهم يا حبيبتي بأن كل ما سمعوه عني بهذا الخصوص هو محض افتراء واشاعات مغرضة، وانني لا أسمع إلا نشرات الأخبار، ولا اقرأ الا البلاغات الرسمية.>>
>>
ولا أركض في الشوارع إلا للحاق بمركب التطور.>>
وإنني اقتنع دائماً بما لا يقنع وأصدق ما لا يصدق، ولا أعتبر نفسي أكثر من قدمين على رصيف أو رصيف تحت قدمين.>>
وإذا ما سألوك: أين أذهب أحياناً عند المساء فقولي لهم: انني اعطي دروساً خصوصية في الوطن العربي في توعية اليائسين والمضللين.>>
وإذا ما بدوت يائساً في بعض الأحيان، فأكدي لهم أنه يأس إيجابي، وإذا ما أقدمت على الإنتحار قريباً فلكي ترتفع روحي المعنوية إلى السماء.>>
>>
وإنني لا أعتبر أن هناك خطراً على الإنسان العربي والوطن العربي سوى اسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين و المنظرين العرب الذين ما فتئوا منذ سنين يحاولون اقناعنا في المقاهي والبارات والندوات والمؤتمرات بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته أن يجلسوا صفاً واحداً على كراسيهم الهزازة على الحدود مقابل صف من الكتاب والشعراء والفنانين العرب ليبارزوهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسمفونية بسمفونية وأغنية بأغنية ومسلسلاً بمسلسل.>>
>>
>>
لا يا حبيبتي، اركبي أول طائرة واجتمعي بكل من يعنيهم هذا الأمر في الوطن العربي، وحذريهم من الوقوع في مثل هذا الشرك، أو مثل هذه الدوامة، فصراعنا مع العدو واضح كل الوضوح في مقولة عبد الناصر الشهيرة: " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" . والصراع المحتدم الآن بين أكبر دولتين في العالم وأكثرهما غنى بالشعراء والكتاب والفنانين، ألا وهما روسيا وأمريكا حول سباق التسلح إلا الدليل القاطع على صحة هذه المقولة.>>
>>
>>
ولذلك فأنا ككل عربي، مستضعف ومستهدف من جميع الجهات، أتابع هذا السباق باهتمام بالغ، وأتابع بنفس الاهتمام كل ما يطرأ على عالم الأسلحة من تطور في الشكل والمضمون والفعالية. وان كان ما يزال للدبابة بالنسبة لي ولجيل الخمسينات برمته مكانة خاصة في نفوسنا ولا نستطيع بمجرد أن ظهرت أسلحة جديدة أكثر رشاقة وفعالية منها أن ننساها بكل هذه البساطة، فبيننا وبينها عشرة عمر.>>
وإذا كانت الدول الأقل غنى منا قد وفرت لكل مواطن دبابة واحدة على الأقل. فحريّ بنا نحن العرب، وقد وهبنا الله تلك الثروات والموارد التي لا تنضب، أن يصبح لكل مواطن عربي في المستقبل لا دبابة واحدة بل خمس دبابات على الأقل:>>
واحدة إلى يمينه.>>
وواحدة إلى يساره.>>
وواحدة أمامه.>>
وواحدة وراءه.>>
وواحدة فوقه.>>
وبذلك يرتاح ويريح.>>
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:32
بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسان العربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجيء على لغتنا العربية، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار، حتى لم يعد احجنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف.
ومع احترامنا لكل حرف في لغتنا، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:
ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا... والوطن نفسه معتلاً؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح ... والمستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين.
ثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟
هل هناك حوار مثلا بين التاجر والزبون؟
بين العامل ورب العمل؟
بين المالك والمستأجر؟
بين الراكب والسائق؟
بين المحقق والمتهم؟
بين الابن والأب؟
أو بين الزوج والزوجة؟
أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أو تجيب على أي شيء. فالأسعار، مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى، فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وكل ما حول المواطن العربي أصبح سعره واضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين. ولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.
والأهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟
فأي مسؤول انكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لاقناع مستمعيه.
والايطالي يأتي بحجة من دانتي.
والفرنسي يأتي بحجة من فولتير.
والألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها.
ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والأسنان لا أكثر. وفي مثل هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟
أو الفتحة والضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
وما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترتفع إلا الأسعار.
ولن تنصب إلا المشانق.
ولن تضم إلا الأراضي المحتلة.
ولن تجر إلا الشعوب.
لذلك كلما قرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب "يجعجع" عن الديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف، ويتوعد هذا ويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليف موظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً:
- أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وأنت أيها الشاعر الحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي ابداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وانت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: " في الواقع "، " في الحقيقة "، و"جدلية" ، و"شمولية"، و" نظرة موضوعية " و" قفزة نوعية " ، تريد؟ تفضل مع ألف سلامة.
- وأنت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة، كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار، امبريالية، شعوب، "وحدة الشعوب "، " وحدة المصير "، كوبا، نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع ألف سلامة.
فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:33
الأغنياء والفقراء، القضاة والمتهمون، الحراس واللصوص والمخمورون، كلهم يقولون لي: ماذا تفعل في هذا الوطن بعد أن ابيضّ شعرك تحت سمائه وانحنى ظهرك فوق أرصفته، ماذا تنتظر منه بعد أن تحدد فيه مستقبلك ومستقبل غيرك في السياسة، كما تحدد مستقبل محمد أمين في الفن؟ سافر إلى بلاد الله الواسعة، فقد لا تجد وقتاً في المستقبل لشراء حقيبة. وقد لا تجد يداً أو اصبعاً في يدك لحمل تلك الحقيبة. وكلما عدت إلى بيتي في آخر الليل أجد على عتبته جواز السفر وتأشيرة الخروج ودفتر الصحة وبطاقة الطائرة وحبوب الدوخة.
وأحزم حقائبي وأسافر. في الذهاب أتمنى أن يكون مقعدي في غرفة القيادة على ركبة الطيار أو المضيفة لأبتعد بأقصى سرعة عن هذا الوطن. وفي الإياب أتمنى أن يكون مقعدي في مقدمة الطائرة على غطاء المحرك لأعود بأقصى سرعة إلى هذا الوطن.
آخر مرة كانت إلى تونس. أربعة آلاف كيلومتر فوق البحار والقارات وأنا احدق من نافذة الطائرة كما يحدق اليتيم في واجهات الحوانيت في الأعياد، كانت الغيوم هاربة من العرب، الأمواج هاربة من العرب، الأسماك هاربة من العرب، التلوث هاربا من العرب، العروبة هاربة من العرب. وبعد أسبوع كنت أهرول عائدا اليهم وحزام الأمان ما زال حول خصري.
وسألتني زوجتي بدهشة: ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟ ألم تعجبك تونس؟
قلت: انها الجنة بعينيها، شمس وبحر وغابات.
قالت: وماذا تريد أكثر من ذلك؟
قلت: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل لا أستطيع العيش فيه.
قلت: مستغربة: مشاكل!
قلت: نعم. بلد بدون أزمة سكن، أزمة مواصلات، أزمة غاز، وبدون شائعات ... لا فلان طار ولا فلان راح، لا أستطيع أن أقيم فيه أكثر من اسبوع. كما أنني بدون دخان مهرب ودعوسة رجلين في الباصات، ومسؤولين يخالفون شارات المرور، وشاحنات صاعدة هابطة وقت القيلولة تصب جهود الجماهير في أساس بناية أو شاليه لهؤلاء المسؤولين، وكل نشرة والثانية يا جماهير شعبنا، وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا، لا أشعربأنني في بلدي وبين أهلي وأحبابي كما يقولون في كلماتهم الترحيبية. كل شيء عندهم في تونس هادىء كمراكز الامتحانات، وكل شيء واضح ومحدد حسب النظام والقانون، ولذلك فقدت أعصابي وصرت كالخليجي الذي اعتاد النوم طوال حياته على صوت المكيف. فما أن يتوقف عن العمل حتى يستيقظ ولا يعرف كيف ينام حتى يعود إلى العمل والهدير من جديد.
ثم انني أحب هذا الوطن من محيطه إلى خليجه. فأينما كنت، ما ان اقرأ اسمه في جريدة، أو اسمعه في اذاعة حتى اتجمد كنهر سيبيري، كعريف في حضرة جنرال، انني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.
فيه قرأت أول قصة لياسين رفاعية، وسمعت أول أغنية لفهد بلان، وقرأت أول افتتاحية ترد على كل المخططات الاجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي. فيه سمعت لأول مرة اسم: قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرف الاستنزاف، الكيلومتر 101، مرسيدس 220 امبريالية، استعمار انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو؟
وصرخت زوجتي بحدة: مشكلتك أنك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.
فقلت لها: بالعكس، مشكلتي أنني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها، بدليل، وأنا عائد في آخر الليل سقط عليّ كيس قمامة، فلم أحتج. ولم أنفضها حتى عن رأسي وثيابي، لأنني من طريقة سقوطها عليّ عرفت أنها زبالة مدعومة.
قالت: حالتك خطيرة جدا. عليك بمراجعة طبيب.
قلت: ان الدكتور كيسنجر لن يحل مشكلتي، وتصوري أيضاً ... صرت أبكي في أفلام حسن الامام، وأفرقع بأصابعي في حفلات سميرة توفيق.
قالت: كم يؤلمني أن ارى شاعراً مثلك لا يجد ما يتحدث به في أواخر عمره غير حسن الامام وسميرة توفيق وأكياس القمامة. هل نسيت الشعر؟
قلت: الشعر! كأنك تذكرينني بطفل فقدته ولا أعرف قبرا له.
قالت: هل تثق بي؟
قلت: كثقتي بكرايسكي.
قالت: أيا كان رأيك فانت في حالة يرثى لها أيها العجوز الصغير. وعلاجك الوحيد هو الشعر. السفر الروحي على أجنحة الحلم والخيال.
فقلت: ولكن كيف؟ وإلى أين؟
ولما كانت زوجتي بطبيعتها حالمة وخيالية، فسرعان ما فتحت النافذة وحدقت في الأفق البعيد وقالت: الآن وليس غداً. انزع من رأسك كل السفاسف السياسية والمنغصات اليومية وتعال معي لنطر على أجنحة الحلم والخيال إلى العوالم التي سبقنا اليها رامبو وفيرلين وهايني وشلر ولوركا، لنطر بعيدا في عالم السحر والجمال حيث السماء الزرقاء والأمواج الحالمة والغابات العذراء.
فقلت لها: حبيبتي، اذا ما استمرت الامور في المنطقة على هذا المنوال. تبادل شتائم ومؤتمرات وخطابات. فلن نطير أنا وأنت وغيرنا في نهاية الأمر الا إلى كامب ديفيد.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:35
بعد ثلاثين سنة من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم أنه عندما تركز الاجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.
أنا مثلا: دون تردد أو مناقشة، ما أن تركز مثل هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى أجهز "شحاطتي" وبيجاماتي وأحلق شعري على الصفر سلفا.
وعندما تركز على موضوع الاشتراكية، أسارع على الفور وأتفقد برادي صحنا صحنا وبيضة بيضة، لأن معنى ذلك أن الناس ستأكل بعضها عما قريب.
وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الاماكن المقدسة، أضب الحقائب واستعد للمبيت قريبا أنا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان، لأن معنى ذلك أن قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.
والآن تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة أنها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الأمريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم. ومعنى ذلك أن عدد الدول العربية سيرتفع من 22 إلى 42 دولة. أي بعدد الولايات الأمريكية تقريباً.
ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يعامل هذه المعاملة؟
أعطاهم أولاده للحروب.
وعجائزه للدعاء.
ونساءه للزغاريد.
وكساءه لليافطات.
ولقمته للمآدب والمؤتمرات.
وشرفاته وموطىء قدميه للمهرجانات والخطابات.
وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية، وهو النوع المتعارف عليه في أبسط الدول المتحضرة. فأعطوه عشرين نوعا من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة.
وطلب منهم نوعاً واحداً من الاشتراكية، وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية. فأعطوه خمسين نوعا من الاشتراكية إلا النوع المعمول به في الدول الاشتراكية.
أعطاهم سبع دول عام 1949، لتوحيدها. فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك أن يوحد أنظمة السير فيها.
ومنذ ثلاثين سنة أيضاً أعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة، تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين أن يكون عندها قضية مثلها. وهي قضية فلسطين. فأعطوه بالاضافة اليها:
قضية لومومبا.
وقضية المالكي.
وقضية فرج الله الحلو.
وفضية الشوّاف.
وقضية البرازاني.
وقضية بن بركة.
وقضية بن بللا.
وقضية بن عاشور.
وقضية عبد الحكيم عامر.
وقضية برلنتي عبد الحميد.
وقضية علي صبري.
وقضية خزنة عبد الناصر.
وقضية موسى الصدر.
وقضية جنبلاط.
وقضية سعد حداد.
وقضية أحمد الخطيب.
وقضية الخميني.
وأخيراً قضية السادات.
فماذا يتحملّل هذا الإنسان ليتحمّل؟
بمعنى أن ينام المواطن العربي على هم قديم. هذا لا يجوز. وأمر لاترضاه لا أنظمة الحكم العربية، ولا دول عدم الانحياز، ولا منظمة الوحدة الآسيوية الافريقية، ولا منظمة الصحة العالمية.
المفروض كل يوم جديد، هم جديد.
وأن يعود المواطن إلى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته وأطفاله أكلة جديدة أو ثياباً جديدة، بل قضية جديدة.
وتقول اعلانات الدعاية أن ساعة أوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل. قسماً بالله ألف ساعة أوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحمّلها المواطن العربي في ثلاث دقائق - ولذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفّه الطيارون ورجال الأعمال حول معاصمهم، باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:36
مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويقلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي.
إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.
المستمع: والتخلف.
إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز "جايي، أنا جايي .... جايي لعندك جايي".
المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، انها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.
إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.
المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.
إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم: وللحرية الحمراء باب.
المستمع: بكل يد قابضة يدق.
إذاعة رقم 5: واننا نعلن من هنا أن لا شروط لنا أبداً على تحقيق الوحدة العربية.
المستمع: باستثناء شرط واحد هو أننا لا نريدها.
إذاعة رقم 6: حكمة اليوم، قل كلمتك وامش.
المستمع: إلى البنك.
إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقاته في خدمة المعركة.
المستمع: بما أن الأمور قد وصلت إلى شركات الطيران فمعنى ذلك أن القضية "طايرة قريباً".
إذاعة رقم 8: أغنية "حلم لاح لعين الساهر".
المستمع: عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.
إذاعة رقم 9: من أنبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكليزي بعد الشوط الأول بسبب إهمال الجوكي وسقوطه عنه.
المستمع: طبعاً لأن العرب لا يعرفون أن يخيّلوا إلا على بعضهم.
إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة أعضائه المنتسبات ...
المستمع: .... إلى ترك أطفالهن دون رضاعة، وأزواجهن دون طعام، وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرّغ لحلّ مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وأمتنا، وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكلس الأحمر" .
إذاعة رقم 11: وكما قلنا وأكدنا مراراً نعلن أمام العالم أجمع أنه:
لا صلح
لا اعتراف
لا مفاوضات
المستمع: لا تكذبي. إني رأيتكما معا.
إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا ولجميع شعوبنا العربية والإسلامية أننا لن نذهب إلى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر إلا ما تمليه ارادة الشعوب.
المستمع: والشعوب في السجون.
إذاعة رقم 13: أغنية " دايماً وراك دايماً أتبع خطاك دايماً ".
المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.
إذاعة رقم 14: وبعد أن شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنقطة، أعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الأمريكية وانشغال العالم بها، لأن العرب مصممين أكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه نهر الأردن.
ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام إلى أوروبا تستمر...
المستمع: إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية.
إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.
المستمع: عجيب، كل هذه القمم وما زلنا في الحضيض.
إذاعة رقم 16: والآن سيداتي سادتي، ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة...
المستمع: إلى جبهة الصمود والكفاح العربي ... ونقدم لكم طبخة اليوم.
إذاعة رقم 17: ان طريقنا إلى فلسطين لا بد أن تمر من بيروت.
المستمع: .... ومن جونيه.
إذاعة رقم 18: ومن موسكو.
إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.
المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى ادارة مرور.
المذيع : إخرس.
إذاعة رقم 20: فيروز تغني أنا وشادي ... تربينا سوا ... راح شادي ... ضاع شادي ...
المستمع: بس شادي؟
المذيعون العرب: إخرس.
المستمع: لن أخرس.
المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك . ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً ): كلب، جاسوس، حقير، طابور خامس ... الخ...
إذاعة رقم 21: نأسف لهذا الخلل الفني، وسنعود إليكم فور إصلاحه.
إذاعة اسرائيل: لا ... لا ... خذوا راحتكم.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:38
صوت: ألو ... مقهى النخبة، هنا نيويورك. أريد أيوب العربي.
أيوب: هو الذي يتكلم.
الصوت: أنا الدكتور جافييه بيريز دي كويلار. الم تعرفني؟
أيوب: مع الأسف.
الصوت: ولو، أنا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة. ما هذا؟ تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني أو تحفظ اسمي؟
أيوب: بسيطة يا سيدي، فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا أعرف أسماءهم، وبعضهم لا أسمع به إلا عند تشكيل الوزارة. على كل حال، أهلاً وسهلا، أية خدمة؟
الصوت: تعرف أن الاستعدادت بذكرى الإعلان عن حقوق الإنسان قد بدأت.
أيوب: أي انسان! الإنسان الآلي؟
الصوت: لا. لا. الإنسان العادي الذي من لحم ودم ومشاعر. الإنسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويموت لنحيا.
أيوب: وما علاقتي أنا بهذا الموضوع؟
الصوت: إن الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في إحدى دول العالم الثالث.
أيوب: ألم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكانا للاحتفال بحقوق الإنسان؟
الصوت: لا. لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك. ولهذا وجّهت الدعوة إلى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين للمساهمة في هذا الاحتفال ليأتي فيلماً وثائقياً وشهادة حية أقف من خلالها على واقع هذا الإنسان وطموحاته، وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه أقل بكثير من طاقاته وإمكاناته. وأريدك أن تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين وملاطفتهم، وترتيب أماكن جلوسهم، ومراجعة كلماتهم. انني أعتمد كثيراً على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.
أيوب: ولكنني تركت الأدب والسياسة منذ زمن بعيد.
الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً أو أدبياً، إنه موضوع إنساني . هل تخليت عن إنسانيتك أيضاً؟
أيوب: لا. ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي أو معنوي للاضطلاع بها. ليس عندي حتى الثياب اللائقة لأظهر بها في هذه المناسبة.
الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة.
أيوب: حسناً . وزمان ومكان الاحتفال؟
الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك برقياً في حينه.
أيوب: والتعويضات!
الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.
أيوب: لا أنا يساري ولا أقبض إلا بالدولار.
الصوت: وكيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟
أيوب: كما صار الأستاذ محمد حسنين هيكل. هل هو أحسن من غيره؟
الصوت: جهّز نفسك للسفر فوراً.
* * * *
أيوب: وما أن وصلت إلى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلّف بمرافقتي للاطلاع على كافة الاجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلّقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع أرجاء آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية: هذا يعبيء غليونه، وذلك يشعل سيجاره، والذي يراجع كلمته، والذي يختصر منها، أو يضيف عليها، وضحكات من هنا وتعليقات من هناك. وما أن بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الترتيب العشوائي؟
المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أية سلطة تحول دون ذلك.
أيوب: أما أنا فعندي مثل هذه السلطة. ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟
المرافق: وفود من الدول العربية.
أيوب: وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجّه اليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر أو مهرجان في مناسبة حقوق الانسان، أو حقوق الملاحة، أو حتى حقوق الفقمة.. إلا وتراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا إلهي. هل ينامون بثيابهم في المطارات؟ أخرجهم حالا من القاعة كلها، بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي" سأقدم استقالتي وأنسحب.
المرافق: ألا يمكن أن نسمح لهم بالبقاء ولو كمراقبين؟
أيوب: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الإنسان؟ هل أنت أجدب؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟ هيّا ... ليغادروا المكان، ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما أعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي أعددتها بنفسي. فهناك أصول ومقامات يجب أن تراعى في مثل هذه الأحوال.
المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال. هل أتلوها عليك؟
أيوب: طبعاً، وبسرعة.
المرافق: كلمة الافتتاحة سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الأرجنتين عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان عند جان جاك روسو. ثم يعقب عليه الدكتور غوهو موهو من أفريقيا الوسطى بمقولة ديمومة الإنسان لهيغل.
أيوب: عظيم ولكن أسرع.
المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل الإنسان.
الاسطورة وخيال الانسان.
الميثولوجيا وطقوس الانسان.
فولتير وروح الانسان.
بيكاسو وضمير الانسان.
بريجينسكي وجسد الانسان.
شوبان وشفافية الانسان.
ثم بيتهوفن وعظمة الانسان. والحركة الرابعة من السمفونية الثالثة وقدر الإنسان.
ثم آسيا تنهض.
أمريكا اللاتينية تتمخض.
افريقيا تتحفز.
أيوب: عظيم . عظيم . والآن، يجب أن يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:
في الصف الأول: يجلس الحدادون والنجارون والسباكون واالمقاولون والمهربون وأصحاب الملاهي والكباريهات.
المرافق: سيدي. ما هذا؟
أيوب: لا أريد مناقشة أو اعتراضا من أحد فهذا الترتيب نهائي. وجاء نتيجة دراسة ميدانية في معظم أرجاء العالم الثالث. ثم، لو لم أكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة، وأرجو عدم مقاطعتي بعد الآن.
يليهم في الصف الثاني: أصحاب البنوك وتجار العقارات والموبيليا والمفروشات.
يليهم: السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الأجنبية.
يليهم: القضاة والأطباء والمحامون والمهندسون.
يليهم: الطلاب والمدرسون والمقررون والمفتشون.
يليهم: العمال والفلاحون والحراس والليليون.
يليهم: الحمالون وماسحو الأحذية والباعة المتجولون.
يليهم: النشالون والجانحون وأرباب السوابق.
وأخيراً، يليهم: الكتاب والصحفيون وأرباب القلم.
ثم: ليوضع في مقدمة الجميع بوط عسكري.
واحتفلوا وناقشوا بعد ذلك حتى يورق الصوان.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:39
اجمل شعارات هذه الأمة واعرقها. بل ثوب زفافها الأبيض. ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدلة والجيوب الفارغة؟
شعارات نقية يطلقها اناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع أن الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين.
معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو أو الكارافيل وعلى ارتفاع اربعين ألف قدم عن سطح الأرض.
ما أذرب السنتنا في اطلاق الشعارات. وما ارشق ايدينا في التصفيق لها، وما أعظم جلدنا في انتظار ثمارها، ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن آلام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام، أو منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده أمام مدرسة خاصة أو حضانة أطفال، وعلى مسافة أمتار من ظل سياراته يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومائة محاضرة والف أغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية. كأن هناك من اختص في تجويف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى... ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجيء من بعده وهي كالبطيخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء.
كأني بهؤلاء وأمثالهم منذ أول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعاراً من الشعارات في "حلة" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب.
وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى... يعودون إلى الصف مرة ثانية ويقفون رتلاً احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة. حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما أو لوحة الاعلانات.
وفي المقابل هناك فريق ثالث يتألم ويخبط كفاً بكف لهذه الحالة.. ويدعو إلى الشفقة والرحمة بهذه الأمة ... ثم يتلفت يمنة ويسرة وينهش منها ثمن سيارته ويمضي.
ويأتي آخر ينهش منها ثمن طقم كنبايات.
وآخر ثمن مزرعة دواجن.
وآخر ثمن كباريه.
وآخر ثمن شاليه.
وآخر محضر بناء.
وآخر تعهد قمامات.
وهذه خاتم سونيتر.
وتلك فسطان سواريه للصيف.
وتلك معطف فرو للشتاء.
وهذه الأمة ترتجع كالنعجة في موسم القصاص بعد أن جردت من كل ما يسترها ولم يبق منها إلا الأنسجة والاعصاب.
ولكن حذار:
يحكى أن نمراً في سيرك هندي بعد أن تقدم به العمر وأحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الاخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرة وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً وإياباً. وهو صامت لا يروم، تعففاً وسأماً، ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك. فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم. فقضى على الجميع بضربة واحدة.
عاشق من فلسطين
17/04/2005, 13:40
العربي الأول: صباح الخير.
العربي الثاني: صباح لبنان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وروافد نهر الأردن، وحريق المسجد الأقصى، وضرب المفاعل النووي العراقي، واتفاقية سيناء، وكامب ديفيد، وعقد الاذعان، ومؤتمرات القمة، وخلافات المقاومة، وحرب الخليج، ومجازر صبرا وشاتيلا، ومجازر طرابلس، وقوانين الطواريء والأحكام العرفية، يا قليل الذوق والتهذيب.
الأول: ماذا فعلت حتى تثور كل هذه الثورة وترفع عليّ حذائك؟
الثاني: عربي ويقال له صباح الخير!
الأول: ماذا يقال له إذن؟
الثاني: يقال له: صباح الجلطة، صباح الديسك، صباح الشلل النصفي ...
الأول: آسف.
الثاني: قلها مرة ثانية وسأشكوك إلى الشرطة، إلى محكمة القيم.
الأول: لم أكن أقصد استفزازك أبداً.
الثاني: ثم ما هذه الخدوش التي في وجهك؟
الأول: مناقشة عائلية بسيطة، وأنت، ما هذه الهضبة التي في رأسك؟
الثاني: ضربتني زوجتي بالطنجرة.
الأول: طنجرة عادية؟
الثاني: ألومنيوم
الأول: لا. نحن أرقى منكم. أنا ضربتني زوجتي بطنجرة بخار.
الثاني: ولذلك قد يصفر رأسك في أية لحظة عندما تنضج آلامك.
الأول: هل هذه نكتة؟
الثاني: نعم.
الأول: عجيب.
الثاني: ولكنها نكتة ملتزمة، لا يضحك لها المواطن فوراً كالنكتة البرجوازية العفنة. ولكن في ما بعد، بعد شهر أو شهرين، لأن القيمة الجدلية للنكتة ...
الأول: وهل عندكم الكثير من هذه النكات الملتزمة.
الثاني: مجموعة لا بأس بها. وبمجرد أن تقرها اللجنة المركزية، والمكتب السياسي واللجان الشعبية في الأقاليم، ويجربها المسؤولون شخصياً في بيوتهم، سوف تطرح على الجماهير في أحد أعيادها القومية.
الأول: كان الله في عون هذه الجماهير.
الثاني: تحيا الجماهير.
الأول: تحيا.
الثاني: يعيش الشعب العربي يا...
الأول: يعيش. يعيش. يعيش.
الثاني: تسقط الأحلاف الاستعمارية تا...
الأول: أرجوك دعنا من هذا الحديث، فربما سمعتنا المخابرات.
الثاني: اطمئن. أنا نفسي من المخابرات. كيف أبدو؟
الأول: سبحان الخالق. ولكن في هذه الساعة المتأخرة من الليل، والشوارع مقفرة، والناس كلهم نيام، من تراقب؟ بزوغ الشمس من الناحية الأمنية!
الثاني: بزوغ أي شيء. وإذا لم أجد ما أراقبه، أراقب نفسي.
الأول: هذه حال لم أسمع بها من قبل.
الثاني: بل هناك حالات كثيرة متشابهة. أنا مثلاً أعرف صحفياً إذا لم يجد جهة يقبض منها يقبض من نفسه.
ومطربة تغني أمام المرآة لنفسها وتصرخ بحماس: ما صار. ما صار. وبرلمانياً سابقاً يخرج من دورة المياه ويقول: انتهت الجلسة.
الأول: يبدو لي أن أعصابك في غاية الأرهاق.
الثاني: ثلاث ليال لم أعرف طعم النوم.
الأول: من تراقب.
الثاني: لا أعرف.
الأول: لم لم تذهب اذن إلى بيتك وتنام مع زوجتك وأطفالك؟
الثاني: لا أستطيع لأنني أنا أيضاً مراقب.
الأول: يا له من عالم عجيب.
الثاني: نعم يا صديقي، فعندنا لا بد من مخابرات تراقب المخابرات.
ومن طالب لمراقبة الطلاب.
ومن كاتب لمراقبة الكتاب.
ومن سائق لمراقبة الركاب.
ومن سكير لمراقبة السكارى.
ومن قاض لمراقبة القضاة.
ومن محام لمراقبة المحامين.
ومن مهندس لمراقبة المهندسين.
ومن حرفي لمراقبة الحرفيين.
ومن فنان لمراقبة الفنانين.
ومن صحفي لمراقبة الصحفيين.
ومن رياضي لمراقبة الرياضيين.
ومن مسافر لمراقبة المسافرين.
ومن سجين لمراقبة المساجين.
ومن يميني لمراقبة اليمينيين.
ومن يساري لمراقبة اليساريين.
ومن ناصري لمراقبة الناصريين.
ومن وحدوي لمراقبة الوحدويين.
ومن وافد لمراقبة الوافدين.
ومن فدائي لمراقبة الفدائيين.
ومن متفائل لمراقبة المتفائلين.
ومن يائس لمراقبة اليائسين.
ومن بائس لمراقبة البائسين.
ومن متحضر لمراقبة المتحضرين.
بمعنى أن السلطة تراقب الشعب، والشعب يراقب السلطة.
الأول: واسرائيل تراقب الجميع!
عاشق من فلسطين
18/04/2005, 13:10
ودفعةً واحدة بلا استثناء
وتحديداً في موقعة "شرق عدن غرب الله"
هزمتَنا وأنتَ مثقلٌ
بالهزيمةِ والفقر والجوع والمرض ورائحة الأرض والتبغ وصوتك المخنوق
ماذا كنتَ ستفعل لو كنتَ
منتصراً ومترفاً وشبعان ومعافىً
كنتَ لن تفعل أي شيء
ببساطة ... لأنّكَ ما كنتَ تحوز أدواتِ الهزيمة... هزيمتَنا المشتركة
أقولُ لكَ أدوات الهزيمة لا فلسفتها...
فالبحثُ عن كسرةِ خبزٍ يعادلُ فلسفةَ الجوع
والبحثُ عن شبرِ أرضٍ يعادلُ فلسفةَ الحرّية
تنقصنا أدوات الهزيمة إذاً
وأنتَ في (شرق عدن غرب الله) صنعتَها وقدّمتَها لنا وحملتَها معنا وهُزمت بها مثلنا
فشكراً لكَ على هذا الصنيع
أيّها المحمّد... هكذا وبدونِ ألقاب
الكلُّ ألقى سلاحَه ورفعَ يديه ورجليه وفتحَ فمهُ وأشياءَ أخرى ...
تقدّم... إنهم أنقاض وبقايا وفصاميّون.. وما ينقصهم حتّى يتهاوى لمسات من هزائمكَ المشرقة فقط
تقدّم... السّاحة الآن تغصُّ بالمنتصرين المزوّرين، وهي بحاجة لمهزومٍ حقيقي مثلكَ ليحرّرها
تقدّم يا محمّد وحرّر ما تبقّى من هزائِمنا
واعتق بقيّة العصافير والبنفسج والخبز والمطر والعشق ... وبقيّتنا
وبقيّة الوطن
بقيّة الوطن
بقّية الوطن.
عاشق من فلسطين
18/04/2005, 13:15
شرق عدن ...غرب الله) جديد الماغوط في 700 صفحة أسئلة الوجع في هذه البيداء العربية المظلمة
دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي
حين خرجت نسخ كتابه الجديد "شرق عدن ... غرب الله" من المطابع، اتصل محمد الماغوط مرارا بالدار الناشرة (المدى) لإرسال النسخ إليه، ولكوني أعمل في هذه الدار، ولغياب العامل المكلف بهذه المسائل، ونزولا عند إلحاحه، خطرت لي فكرة أن أقوم بإيصال النسخ إليه، لأرصد سعادته بوليده الجديد، وأمضي في صحبته بعض الوقت طالما يبخل الماغوط على الصحافيين والإعلاميين بالحوارات، فها هي الفرصة سانحة، فلماذا لا استغلها؟؟
وضعت النسخ الخمسين المتفق عليها مع الدار في سيارة أجرة وتوجهت إلى منزل الشاعر الكبير في حي المزرعة بدمشق، ضغطت جرس الباب ففتح لي ابن شقيقته الطبيب المقيم عنده والمكلف برعايته، وما إن أخذ النسخ من يدي حتى دعاني إلى الصالون حيث يجلس الماغوط، دخلت بوجل فوجدت ساحر الكلمات شيخا مسنا يتربع كملك بلا تاج على أريكة زرقاء، في جو عابق بالدخان، وسط كآبة توحي بالعزلة والأمجاد الأدبية الماضية. صافحته بحرارة، وغمغم هو بدوره، مرحِّبا بي، بصوته المتحشرج الخشن الذي يحمل شقاء السنوات السبعين، وبابتسامة حيية، باهتة ارتسمت على وجهه المتعب المحتفظ بملامح حادة حفرت فيها قساوة الأيام أخاديد لم تستطع إخفاء أصولها البدوية القادمة من بلدة السلمية الواقعة على تخوم الصحراء، حيث ولد العام 1934.
تذكرت لدى رؤيته في هذه الحال ما قالته فيه زوجته الراحلة سنية صالح: "مأساة محمد الماغوط انه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، ومنذ مجموعته الأولى (حزن في ضوء القمر) وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية". هذا التوق إلى الحرية هو الذي حدد مسار الكتابة لدى الماغوط، وقاده إلى الاحتجاج و التمرد، وهو الآن يجسد هذا الاحتجاج عبر المنفى المنزلي الاختياري الذي فرضه على نفسه، بسبب صحته. هو يعيش الآن في شقة مسدلة الستائر، السيجارة لا تفارق أنامله المصفرَّة، وكأس الشراب(الويسكي) رفيق وحدته. على الطاولة أمامه صحن من الحمص، وبعض الأناناس المشروح، وعلب منوعة من الأدوية، مع مسجلة ينبعث منها، بلا توقف، صوت فيروز الشجي المليء بالحنين إلى أمجاد الشباب والنضارة، وعلى الجدار المقابل لوحات تشكيلية مهداة إليه من أصدقاء بعضها عبارة عن بورتريهات له، وأيضا بورتريهات لزوجته سنية صالح، وبورتريه لجمال عبد الناصر،وأخرى لكمال خير بك، وبتقنية الحرق على الخشب ثمة صورة للفنانة الراحلة سعاد حسني.
في هذه المملكة المتشكلة من اللون، والموسيقى، والدخان يمضي صاحب (الفرح ليس مهنتي) أيامه: "وساعات نومي بعدد كوابيسي/وكوابيسي بعدد وسائدي، واتساع بلادي/وبلادي باتساع أرصفتي، ودفاتري"، وإذ سألته عن قراءاته في هذه الأيام تنهد بمرارة كمن يريد القول بان العمر لم يعد يسعفه على القراءة: "اقتصر على قراءة الصحف والدوريات"، وبتحريض من أحد ضيوفه راح الماغوط يشرح، باختصار، علاقته بالكتابة: "قد يلجأ المرء إلى التحايل أو المراوغة في تصرفاته، وممارساته، وأحاديثه الشفوية، أما فيما يتعلق بالكتابة فلم أندم على حرف وضعت توقيعي تحته، ولم أخضع لأي سلطة سوى سلطة الحقيقة، فقد أساوم على كل شيء أما المساومة على الكتابة فلم أجربها ولا أعرفها، كل ما كتبته كانت قناعات راسخة، ولم اسمح لأحد أن يملي علي كلمة".
هذا المبدأ الصارم في الكتابة، والذي يصل إلى حدود القدسية هو الذي جعل من الماغوط سيدا للكلمات، إذ قدم خلال نصف قرن ـ هو عمر تجربته الأدبية ـ نتاجا إبداعيا متفردا، غير آبه بالنظريات النقدية، والتنظير، والقوالب. هو يسفح أشواقه، وأحزانه، وهواجسه، ومخاوفه، وقناعاته، وخيباته على الورق، ولا يهمه بعد ذلك تحت أي بند تندرج هذه الكتابة، كما أنه لم يتقيد يوما بشكل أدبي محدد أو بقالب فني معين، ولم تشغله هذه المسألة، هو فقط يسعى إلى كتابة ما يشعر به، ويحسه بصدق. يقول في أحد حواراته القديمة: "لم أجد نفسي في خيمة التنظيرات. أردت أن أبقى وفيا لتجربتي كما هي، ووفيا لأسلوبي الذي كتبت به قصائدي الأولى، إذ لم اكن مهتما بالشكل بل بالإحساس القادم من تجربة ما، ومعاناة ما، فليس في شعري رموز أو أسطورة، ولا اعتمد على تراث بعينه، فقط اعتمد على الصدق والبساطة". فاستطاع الماغوط بهذا الصدق وتلك البساطة أن يرسم عالما ملونا قوامه الورق، والمداد وجبل من الأحزان التي تثقل روحه المحلقة، أبدا، في فضاء الشعر رفيقه الوحيد في هذي الحياة، فضلا عن قراء مجهولين يتلهفون إلى جديده بشغف، بل ونصبوه ملكا متوجا على عرش الكتابة "السهلة الممتنعة" القائمة على المفارقة، والتي تطرح أسئلة أكثر من تقديم الأجوبة، فكان الماغوط صاحب مدرسة أدبية لطالما حاول الكثيرون تقليدها واقتفاء أثرها دون جدوى.
بهذه الروح المتوثبة الرافضة لأي مصالحة مع واقع مرير يمضي الماغوط في الكتابة ليقدم نصوصا جديدة تحت مسمى فانتازي "شرق عدن ...غرب الله" مؤكدا بأن العنوان جاء عفويا ولا يحمل أي دلالة دينية، وليس القصد منه الإثارة بقدر ما ان العنوان ينتمي إلى مدرسة الماغوط القائمة على المفارقة المرة، والتراجيديا إذ يحاول الماغوط في هذه النصوص كما في نصوصه الأخرى بناء عالم جميل، بالكلمة، نقيض لما هو قائم. عالم خال من الشرور، والأوبئة، والأمراض، والتخلف، والقمع، والاضطهاد، والسجون، وأقبية التعذيب، ومليء بالزهور، والفراشات، والحب وكأنه، في هذا المنحى، يحاول تجسيد ما قاله الفيلسوف الألماني هايدجر: "البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو مملكة الشعر والروح".
لا يمل الماغوط من الشكوى، ولا يتوانى عن فضح الجوانب الحرجة في المشهد العربي المعاصر على الصعيد السياسي، والثقافي، والأخلاقي، والحضاري، والاجتماعي... يصغي إلى أصوات المهمشين، والمعذبين، والمنسيين... يواسيهم بكلمات من رذاذ المطر، ويصنع لهم تيجانا قوامها القصيدة، لكنه ورغم هذا الصراخ الطويل، والشكوى المزمنة، والدعوات المتكررة إلى الحرية والفرح، يظل يعيش في بيداء هذا الواقع العربي الأليم، فيطلق صيحة موجعة: "بأقلام من المطر أكتب/وبعيون من المطر أقرأ/وبقطارات من المطر أسافر/وأوزع هدايا وقبلات من المطر/وأقيم تحت المطر/ولم أرَ الربيع إلا في المتاحف وعلى طوابع البريد...
ورغم أن الماغوط عاش تجربة السجن لفترة قصيرة في الخمسينيات، لكن هذه التجربة طغت على إبداعه، وانطبعت على روحه و نبرته كوشم أبدي لا يمحى: "كان السجن المبكر هو بداية صحوة الشباب، وبدلا من أن أرى السماء رأيت الحذاء...وهذا ما اثر على بقية حياتي" يقول الماغوط في حوار سابق معه، ويضيف: "والمثير أنني أنا الذي لم اكمل تعليمي قد تعلمت كثيرا من السجن والسوط العربي بيد السجان. السجن والسوط كانا معلمي الأول، وجامعة العذاب الأبدية التي تخرجت منها إنسانا معذبا خائفا إلى الأبد وصار الخوف يسكنني وهرب مني الأمان لآخر لحظة من عمري. الآن حين يرن جرس الباب اشعر بالرعب وحين يرن الهاتف أتوجس خوفا...معظم الأشياء التي احبها أو اشتهيها، وأحلم بها رأيتها من وراء القضبان: المرأة ،الحرية، الأفق"، وهو لذلك لا يكتب بل ينزف!! كما يعبر.
هذه هي الأشياء التي يحتفي بها الماغوط في نصوصه الجديدة، مثلما احتفى بها من قبل، محذرا النقاد والشعراء والجلادين من الغرور قائلا لهم: "تذكروا منظر صدام حسين لحظة اعتقاله أمام العالم أجمع"، ووسط هذا المستقبل العربي المظلم والتعتيم الإعلامي، والثقافي، والسياسي "ومع ذلك لا يتحدثون في هذه الأيام سوى عن الشفافية!!"، ويسخر الماغوط من شعار الصمود والتصدي إذ يجد له تأويلا ساخرا:الصمود والتصدي: صمود على الكراسي/والتصدي لكل من يقترب منها".
تقول فاطمة النظامي في مقدمة هذه النصوص: "يمتاز أسلوب الماغوط بالتركيز والتكثيف، وبإبداع عفوي يفوق حدود النقد، ويعتمد لغة الصورة، لأن الطفل المدهش القابع في أعماقه يريد أن يخاطب الطفل القابع في أعماق كل إنسان، وإذا ما كان رامبو قد حلم بعالم ينطق كل الناس فيه شعرا، فإن الماغوط قد استطاع أن يترجم حلمه بأن يكون بمقدور كل إنسان أن يفهم ، ويحس، ويتذوق الشعر، خاصة إذا ما تنسَّم فيه عبير الحرية والحب والعدالة والسلام"، وها هو بعد أن رسم هذا العالم المشتهى الذي لم يتجسد قط إلا في الأحلام، يجد نفسه وحيدا، حزينا، مهزوما: "كل ما هنالك أنني شمعة عجوز أضاءت كثيرا/ولم يبق لها إلا الرماد والذكريات".
"شرق عدن...غرب الله" هي نصوص تحمل نكهة الماغوط، وتتلون بمفارقاته الموجعة، وهي تجمع بين الشعر، والمقالة وتمتاز بتلك النبرة التهكمية الساخرة، والنزعة الإنسانية، والنقد اللاذع، الذي وسم كتابات الماغوط منذ كتابه "غرفة بملايين الجدران" مرورا بـ "العصفور الأحدب" و "الأرجوحة"و" الفرح ليس مهنتي" و "خارج السرب"و "سياف الزهور" و "سأخون وطني" وصولا إلى هذه النصوص التي تندد بالألم الإنساني، وتسعى إلى الخروج من عتمة الأيام التي تحيط بها بلطة أيمن الظاهري، وفتاوى عمه بن لادن، وغازات علي الكيماوي، والمطرقة الشيعية، والسندان الأموي، والساطور الجزائري، ورهائن أبى سياف، والسجون العربية... والماغوط يبحث وسط هذا الخراب عن صباحات مشرقة لا تبدو قريبة من شاعر يأبى الابتسام في وجه الظلم، ولا يروضه سوى الموت.
--------------------------------------------------------------------------------
عاشق من فلسطين
18/04/2005, 13:19
الماغوط.. لم يزل مسكوناً بالغضب الجميل والأحزان
محمد الماغوط
بيروت - من جورج جحا - (رويترز):
من يقرأ محمد الماغوط ابتداء بمجموعته «حزن في ضوء القمر» في اواخر خمسينات القرن المنصرم وصولا الى كتابه الاخير «شرق عدن غرب الله» الذي وصف بانه «نصوص جديدة» تفيض نفسه وتكاد تغص بفوران مزدوج.. متعة جمالية فائقة وألم جارح كسكين.
المتعة الجمالية المشبعة بالحزن الرائع تنتج عن قراءة قصائد هذا الشاعر الكبير الذي لا يشبه احدا في عالمنا العربي على الاقل لكنه كان ذا تأثير كبير ملأ اجيالا من القلوب والنفوس بمزيج من اللذة والثورة واسهم في تطوير الذوق الجمالي واخراجه من نمطية منومة كما جعل كثيرين من اجيال مختلفة يشبهونه او يسعون الى ان يشبهوه.
اما الالم وان كان توأم السخرية الكاسحة في الشعر الماغوطي عامة فهو اكثر حدة ومأسوية هذه المرة لا لانه يحمل كثيرا من الاحزان الخاصة فحسب بل لانه يعبر عن «الاحزان الخاصة» عند الجميع ويصور واقعا ساحقا يختصر في ان كل ما تغير في عالمنا العربي منذ المجموعة الاولى يتمثل بتعاظم الخيبات والقضاء على الاحلام سحقا ونزفا وجفافا وازدياد الشعور بالغربة وانعدام القيمة وتنامي الشعور بالخجل على الصعيدين الانساني والقومي عند من هم «قادرون» على هذا الشعور.
وفي قراءة الماغوط الان قد يتذكره بعض من عرفوه في بيروت ايام «حزن في ضوء القمر» وهو بين تذمر وشكوى يطلق شتيمة قائلا «يا رفيقي ما فيش حقيقة.» والارجح ان قول الشاعر هذا لم يكن صادرا عن مجرد موقف فلسفي او «سوفسطائي» بل عن نقمة على سيطرة النفاق والصغر حتى في ايام الاحلام فكيف هي الحال الان بعد ان ندر ضوء القمر وكادت الذاكرة وملاعب الاحلام تقفر فلا يسكنها سوى الحزن.
وربما يتذكر قارىء الكتاب الجديد ايضا قولا شهيرا للماغوط في تلك الحقبة الماضية اختصر فيه بعض مأساة العالم العربي في رمزين اذ قال «ايها العرب.. يا جبالا من الطحين واللذة». وقد يكتشف كذلك ان الجروح القديمة لا تندمل بسهولة كما ان الاحلام القديمة لا تموت ايضا حتى وان كتبنا عن موتها ورثيناها. انها رفيقة العمر تتوارى هربا من الخيبة لتختبىء في نفوسنا فنتوهم غيابها النهائي. ومن هنا حديث اليوم عن خيبات الامس واليوم وعن الاصدقاء وشركاء الاحلام وورثة الخيبات.
ومن ناحية اخرى يبدو الشاعر كانه يقول اليوم ما قاله بالامس لا لانه يكرر نفسه بل لان هذا العالم العربي لا يتغير بسهولة وان تغير فتغيره في نظر الشاعر انحدار لا ارتقاء. الا ان الماغوط لا يكرر نفسه فاذا عبر عن المشهد العربي الثابت رغم مر السنين فتعبيره دائما متفرد ملون خلاب. فهو لا ينشد لحنا واحدا مرتين وان تشابه لحنان او تطابقت «معانيهما».
وهو الان لا يزال ثائرا هادرا ساخرا تفيض كتاباته بالصور الغريبة المتلاحقة كأنها مناظر متسارعة مشبعة بالدهشة ومشاعر الخوف والغربة والرحيل تسجلها عينا طفل من خلال نافذة قطار سريع. هناك دائما الطفل الذي شاخ وقطار العمر. الا ان قصائد الكتاب تحفل بأسى لا يطل منه ضوء قمر او نور شمس الا ما تمثل في الذرية والاحفاد وفي عدد من الاصدقاء. فالصداقة كما وصفها احد المفكرين هي «عزاء الحياة».
مجموعة الماغوط الاخيرة التي صدرت عن «دار المدى» فى دمشق اشتملت على 112 قصيدة توزعت على نحو 690 صفحة متوسطة القطع. في مقدمة بعنوان «محمد الماغوط ..حلم الاجيال» بقلم فاطمة النظامي قالت الكاتبة «يقرع الماغوط ناقوس الشعر على طريقة راهب حزين يفرغ على صنجاته كل اشتهاءاته ثم يترك حباله تسترخي بانتظار حزن جديد.. حزن جديد؟ وهل هناك انقطاع في احزان الماغوط.. الا اذا كان هناك انقطاع في عشقه للحرية... الماغوط ظاهرة حقيقية متفردة وهي على جدتها اصيلة لم تقم على الانقاض ولم تبن على الركام فهو لم يزعزع اي بنيان بل بنى بنيانا جديدا.»
عاشق من فلسطين
18/04/2005, 14:38
أينما شرّقت وغرّبت في ربوع هذا الوطن الحبيب، لا تسمع ولا تقرأ إلا:
الأمن القومي، الأمن الوطني، الأمن الجنائي، الأمن العسكري، الأمن الجوي، الأمن الداخلي، الأمن الخارجي، الأمن العام، الأمن الغذائي، الأمن الثقافي، الأمن الصناعي، الأمن الزراعي، الأمن المائي، أمن البادية، أمن السواحل، أمن المصانع، أمن الجوامع، أمن الكنائس، أمن المتاحف، أمن المعارض، أمن الملاعب، أمن الحدائق، أمن السفارات، أمن المطاعم، أمن الفنادق...
ومع ذلك ينام المواطن وهو غير آمن على ثيابه الداخلية!
عاشق من فلسطين
21/04/2005, 18:09
لم تكن شعرية محمد الماغوط امتدادا لشعرية احد، وعلى الرغم من انها اثرت في تجارب كثيرين اتوا بعده وحاولوا ان يقتفوا اثره، إلا انه ظل حالة شعرية خاصة تحمل علامات تفردها، وهويتها النابعة من خصوصية التجربة التي عاشها والرؤية التي رسمت فضاءه، والذات الشاعرة التي صاغت لغتها من عذاباتها وحزنها اليومي، واحلامها المغتالة بين ملايين الجدران، وتحت سقف الحياة الواطيء.
من هنا فقد شكل صدور منتخبات من قصائده في كتاب في جريدة تحت عنوان «حطاب الاشجار العالية» مناسبة للاحتفال بشعرية الماغوط، فأصدرت مؤسسة تشرين كتاب «نسر الدموع» الذي تضمن قراءات في تجربة الشاعر قام بتحريرها خليل صويلح وبعد فترة وجيزة اصدرت دار البلد للنشر كتاباً آخر بعنوان «اغتصاب كان وأخواتها» وضم عدداً من الحوارات السابقة التي كان الماغوط قد اجراها، وقام بتحرير الحوارات
وتصنيفها خليل صويلح ايضا، مما يوفر للقاريء والباحث معاً فرصة التعرف على جوانب تجربة الماغوط المختلفة، والى آرائه ومواقفه التي يبدو ان الماغوط لم يفارقها ولم يتخل عنها في مسيرته الشعرية كما يلاحظ ذلك من خلال اجاباته التي يقدمها في حواراته المختلفة.
ينقسم الكتاب الاول الى قسمين اثنين يتضمن الاول اكثر من عشر مقالات نقدية لمجموعة من النقاد والشعراء العرب، في حين يشتمل القسم الثاني على مجموعة من الشهادات لأدباء وشعراء سوريين وعرب ايضا وتمثل الدراسة التي قدمتها الشاعرة السورية الراحلة سنية صالح زوجة الشاعر والتي كانت قد كتبتها كمقدمة لاعمال الشاعر الكاملة التي صدرت في منتصف السبعينيات اهم دراسة مكثفة تصف خصوصية الماغوط كشاعر وانسان وكتجربة قاسية عاشها ظل يناضل فيها من اجل وجود بديل اكثر كرامة وحرية وعدالة.
ولذلك ظل حليفاً للقضايا الخاسرة في واقع لا يحتمل احلامه وطموحه المؤجل والمخذول.
لقد شكل تفرد الماغوط في ريادته لقصيدة النثر موضوعاً مهماً للنقاد الدكتور صلاح فضل الذي يدرس الرهان الشعري للنثر ممثلاً بتجربة الماغوط الشعرية التي يحلل عناصرها الهيكلية، في حين ان خيري منصور يركز على دراسة الصورة الشعرية التي هي وسيلة التعبير الاساسية في شعر الماغوط الذي يؤكد محمد جمال باروت في دراسته انه اعطى الاعتيادية افقاً شعرياً لم يكن لها من قبل.
ويذهب الشاعر سيف الرحبي في قراءته لتجربة الماغوط الى ان جدية مزاجه الشعري جعلته غير قابل للاندراج ضمن مشروع شعري جماعي، ويرى الناقد خلدون الشمعة ان الشاعر كان رومانتيكيا بمنظار واقعي، اما الشاعر الناقد حاتم الصكر فيركز على موضوع الاندفاع الفطري في مغامرته الشعرية والذي منحه تميزه.
الاديب زكريا تامر صديق الشاعر منذ البداية يصف الماغوط بعد تجربة اكثر من نصف قرن بأنه خبر في هذه التجربة ما على القمة وما في الهاوية، حيث تغدو الحياة مع فقدان الحرية هي الوجه الثاني للموت.
أو هي التي يشرّفها ما تجرع الشاعر من آلام الشعر كما يقول الشاعر نزيه أبو عفش، او التي نكتشف معها قوة الصدمة وعمق الدلالات التي احدثتها نصوص الماغوط وفق ما يقوله الشاعر قاسم حداد.
في الكتاب الثاني يتحدث خليل صويلح في مقدمته عن علاقته بالماغوط وكيفية حصوله على ارشيف الشاعر الذي قدمه له من اجل اعادة جمع ونشر هذه الحوارات في كتاب خاص، قام المحرر بفرزها وتجميعها وتصنيفها في سبعة ابواب تغطي مسيرة تجربة الماغوط منذ البدايات وحتى الوقت الراهن، وقد خصص الباب الاول الذي حمل عنوان «مسقط الرأس» الحوارات التي تتحدث عن ولادة الشاعر في الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية تقع على حدود الصحراء تسمى السلمية التي كانت ذات يوم معقل القرامطة والمتنبي والتي اثرت كثيراً في تشكيل وعيه الاول وذاكرته الشعرية التي ظل مشدوداً اليها بروحه المقطوعة، وحنينه الحزين الموحش في مدن الوحل والبرد والغربة.
ويذكر الماغوط في حواراته ان أول صورة يتذكرها في طفولته هي صورة السماء الشاحبة والسحب والرمال وهو في الخامسة من عمره يتشبث بحضن امه التي يصفها بأنها كانت شاعرية في طبعها وتحب الزهور والتي منحته الحس الساخر والصدق والسذاجة.
وتتحدث حوارات الجزء الثاني عن مرحلة دخوله سجن المزة العسكري في مرحلة الخمسينيات بسبب انتمائه للحزب السوري القومي وبحسه الساخر يتحدث الماغوط عن اسباب انتمائه الى هذا الحزب فيقول «وفي طريقي للانتساب الى احدهما «البعث والقومي السوري» اتضح ان احدهما بعيد عن الحارة ولا يوجد في مقره مدفأة ولانني كنت متجمد الاطراف من البرد اخترت الثاني دون تردد» ص 37. ومما يذكر ان الماغوط دخل السجن في مرحلة مبكرة من عمره اذ كان عمره آنذاك 19 عاماً.
وبنفس اللغة الساخرة يتحدث الماغوط عن علاقته بمجلة شعر اللبنانية والحداثة في الشعر، لكنه يعترف ان المجلة كانت الخيمة التي آوته والمنبر الصغير الذي ساهم في ايصال صوته الى الآخرين بصدق ودون اي مكر سياسي، كما يقدم آراءه في عدد من شعراء مجلة شعر كأدونيس ويوسف الخال وانسي الحاج بالاضافة الى عدد من الشعراء العرب المعروفين كبدر شاكر السياب والبياتي والقباني ويتضح صدق وجرأة الماغوط في تقديم آرائه فيهم بإيجاز وتحديد واضحين.
الفصل الرابع يتناول تجربة هروبه وتخفيه في احد البيوت الواطئة والصغيرة في حي قديم من احياء دمشق المعروفة، هو حي عين كرش، حيث استوحى من هذه التجربة المريرة والقاسية كتابة عمله المسرحي العصفور الاحدب في عام 1963، والتي كتبها كما يقول في اقل من عشرة ايام، وقد كانت في الاصل مشروع قصيدة، لكنه فيما بعد حولها الى مسرحية.
ويتحدث الماغوط في هذه الحوارات عن علاقته بزوجته سنية صالح التي يؤكد انها كانت بالنسبة اليه بمثابة ام وحب ومرض، وكان رأيها فيما يكتب هو الاساس، كما يتحدث عن المرأة التي يرى انها المكان الوحيد الذي يجعل من الجهات الاربع جهة واحدة لا يمكن تحديدها، وحول عزلته التي يعيشها منذ زمن يعلن الماغوط انه لا يحب ان يقابل احداً فهو يحب الوحدة والصمت وهو انسان سوداوي وليس له اصدقاء جدد والكتابة هي عالمه الذي يضيع عندما يحاول ان يخرجه منه.
ان شاعر التسكع والارصفة والتبغ قد أدمن منذ ثلاثين سنة على الاستيقاظ فجراً والذهاب سيراً على القدمين الى مقهى شعبي يدعي «مقهى أبو شفيق» وهناك يقرأ الصحف ويكتب، حيث كتب هناك مسرحياته الاخيرة ضيعة تشرين وغربة وكاسك يا وطن وشقائق النعمان، وسيناريوهات افلام الحدود والتقرير والمسافر،
وحتى بعض قصائده فنهر بردى الذي تلاشى هو مرآته التي كان يرى فيها نفسه، فهو يشبه الشاعر الصامت العجوز وخلال مسيره الذي يبلغ 5 كيلومترات يضع الماغوط في اذنيه سماعتي الوطن ولا يتكلم مع احد في الطريق، كما لا يجلس مع احد في المقهى الذي بقيت ذكراه في ذاكرة الكثيرين كما هو الحال بالنسبة لنهر بردى الذي كان يمنح المكان جمالية وايقاعاً خاصين.
وعن المدن التي عرفها دمشق وبيروت وباريس يتحدث الماغوط بصدق وشاعرية تفيض بالمودة والحب عن دمشق التي احبها لانها استطاعت ان تسكنه في حين كانت بيروت اكثر من ام احتضنته لكنه بعد ان تغيرت المدينة وفقدت معالمها التي الفها واحبها، ظل يحن الى وجهها القديم..
وفي الفصل الاخير صورة جانبية في خمسين مرآة هناك فلاشات سريعة وكثيرة حول آراء الماغوط المكثفة جداً في قضايا انسانية وفي نفسه وفي الواقع والحياة والصدق والمدرسة والحب، وكما تميز شعر الماغوط بـ «كوميدياه السوداء» كذلك تميزت اجاباته التي لا تخلو من سخرية لاذعة وجريئة فالماغوط يذهب في اقواله الى الموضوع مباشرة ومن دون مقدمات ولذلك تكون آراؤه حرة وجريئة وصادقة، كما هو شعره الذي كان بيتاً بلا سقف كما يصفه في اجاباته.
مفيد نجم
عاشق من فلسطين
21/04/2005, 18:13
المرأة التي أحلم بها
لا تأكل و لا تشرب و لا تنام
إنها ترتعش فقط
ترتمي بين ذراعيّ و تستقيم
كسيف في آخر اهتزازه
***
آه. . . أين هؤلاء النسوة الرخيصات
من صبايانا القاسيات الخجولات
حيث لحمهن قاتم و مريح
كسرير من مطر
كسرير من الدمع و المطر
حيث القش و الندى و السمّاق
يفور من حلماتهن
كما يفور الدم من الوريد إلى الوريد
***
المرأة هناك
شعرها يطول كالعشب
يزهر و يتجعّد
يذوي و يصفرّ
و يرخي بذوره على الكتفين
و يسقط بين يديك كالدمع
***
النهد هناك
مجهول و عائم كالأحراش
ينفتح أمامك . . . كغيمة
كغيمة يخترقها عصفور
أينما ذهبت في الفضاء الواسع
كروم و ينابيع و أمطار
حقول و نسيم و شرف
أما هنا
فللمرأة رائحة الدم و عبير المقصلة
النهد هناك صغير كالزهرة
و النهد هنا كبير كالرأس
***
كن وحيداً في الريف
بين القمر و الأكواخ
و خذ فتاتك الخجولة وراء الغدير
تحت شجرة
أو غراف تعشش فيه النجوم و العصافير
هناك تنفض عن نفسها الغبار
تغسل وجهها و ساقيها بالراحتين
تمد لك فراشاً من العشب و الخرز و صرر الطعام
و تنبض بين ذراعيك حتى الصباح
دون أن تلتقي عيناك بعينيها
قد تنال منها حتى أحشاءها
دون أن تلتقي عيناك بعينيها
***
قصائد
المرأة التي أحلم بها
لا تأكل و لا تشرب و لا تنام
إنها ترتعش فقط
ترتمي بين ذراعيّ و تستقيم
كسيف في آخر اهتزازه
***
آه. . . أين هؤلاء النسوة الرخيصات
من صبايانا القاسيات الخجولات
حيث لحمهن قاتم و مريح
كسرير من مطر
كسرير من الدمع و المطر
حيث القش و الندى و السمّاق
يفور من حلماتهن
كما يفور الدم من الوريد إلى الوريد
***
المرأة هناك
شعرها يطول كالعشب
يزهر و يتجعّد
يذوي و يصفرّ
و يرخي بذوره على الكتفين
و يسقط بين يديك كالدمع
***
النهد هناك
مجهول و عائم كالأحراش
ينفتح أمامك. . . كغيمة
كغيمة يخترقها عصفور
أينما ذهبت في الفضاء الواسع
كروم و ينابيع و أمطار
حقول و نسيم و شرف
أما هنا
فللمرأة رائحة الدم و عبير المقصلة
النهد هناك صغير كالزهرة
و النهد هنا كبير كالرأس
***
كن وحيداً في الريف
بين القمر و الأكواخ
و خذ فتاتك الخجولة وراء الغدير
تحت شجرة
أو غراف تعشش فيه النجوم و العصافير
هناك تنفض عن نفسها الغبار
تغسل وجهها و ساقيها بالراحتين
تمد لك فراشاً من العشب و الخرز و صرر الطعام
و تنبض بين ذراعيك حتى الصباح
! ! دون أن تلتقي عيناك بعينيها
قد تنال منها حتى أحشاءها
! ! دون أن تلتقي عيناك بعينيها
***
أيها السائح
طفولتي بعيدة.. وكهولتي بعيده..
وطني بعيد.. ومنفاي بعيد
أيها السائح
أعطني منظارك المقرِّب
علَّني ألمح يداً أو محرمةً في هذا الكون تومئ إليّ
صؤّرني وأنا أبكي
وأنا أقعي بأسمالي أمام عتبة الفندق
وأكتبْ على قفا الصورة
هذا شاعرٌ من الشرق
ضعْ منديلك الأبيض على الرصيف
واجلسْ إلى جانبي تحت هذا المطر الحنون
لأبوح لك بسر خطير
اصرفْ أدلاءك ومرشديك
والقِ إلى الوحل.. إلى النار
بكل ما كتبت من حواشْ وانطباعات
إن أيّ فلاح عجوز
يروي لك.. بيتين من العتابا
كل تاريخ الشرق
وهو يدرج لفافته أمام خيمته
من مجموعة (الفرح ليس مهنتي) 1970
****
محمد الماغوط
إن تسكنَ وجهكَ موجةٌ
لا تعترف بذنوبها.
أن تدخلَ ثوبَ التشرد،
فيكون تيفالاً لسهرةٍ لكَ في أعالي
البوستر.
أن تستمعَ للوردّ ناطقاً رسمياً
باسم الحرائقِ.
أن تحتسيّ حياتكَ كأساً مع العواصم
والمقاماتِ والقرابين.
أن تجتهدَ
فتصبح حرفاً يمشي
بقوائم المثنى الثلاث الرباع
لتوبيخ التاريخ.
فذاك ما يفسد الأصواتَ في الأجراس.
***
ما يؤنسكَ حقاً.. إشاراتُ المرور.
فكن على درّاجتك.
هناك في الأبد.
*****
"أغنية لباب توما"
ليتني حصاة ملوّنة على الرصيف
أو أغنية طويلة في الزقاق
هناك في تجويف من الوحل الأملس (...)
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء (...)
أشتهي أن أقبّل طفلاً صغيراً في باب توما
ومن شفتيه الورديتين،
تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه،
فأنا ما زلت وحيداً وقاسياً
أنا غريب يا أمّي.
*******
الوشم
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ المارة
سوى الإسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمة
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبة
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة بحب
من (الفرح لي مهنتي)
*******
وطني
على هذه الأرصفة الحنونة كأمي
أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويلة
سأنتزع علم بلادي عن ساريته
وأخيط له أكماماً وأزراراً
وأرتديه كالقميص
إذا لم أعرف
في أي خريف تسقط أسمالي
وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن
سأصعد أحد التلال
القريبة من التاريخ
وأقذف سيفي إلى قبضة طارق
ورأسي إلى صدر الخنساء
وقلمي إلى أصابع المتنبي
وأجلس عارياً كالشجرة في الشتاء
حتى أعرف متى تنبت لنا
أهداب جديدة، ودموع جديدة
في الربيع؟
وطني أيها الذئب الملوي كالشجرة إلى الوراء
إليك هذه "الصور الفوتوغرافية"
****
جزر أمنيّة
أظافري لا تخدش
أسناني لا تأكل
صوتي لا يُسمع
أحلامي لا تتحقق
دموعي لا تنهمر
أليست هذه بطالة مقنعة ؟؟
***
الكل يقلع و أنا ما زلت في المطار
***
كل جراحي اعتراها القِدم ، و أصابها الإهمال
لم تعد دماؤها قانية
و لا آلامها مبرحة
و لا طعمها مستساغا
و لا عمقها مقنعا
يجب إعادة جدولة همومي
***
حافة القبعة ، تؤثر في رأس بوش الابن و الأب
و العم و الخال و الخالة ،
أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات
و المسرحيات و المعلقات العربية ، المعاصرة و الجاهلية .
***
إنني أسمع بالعلق ، و لكنني لم أره في حياتي !
من يمص دمي إذا ؟!
***
لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريا
فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى
مهما كان الأمر ضروريا
***
لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية ،
و السفارات ، و القنصليات في الخارج ، عند كل مصاب ؟
إنها دائما منكسة !
***
قد تحترق و تتصحر كل الغابات و الأدغال في العالم
إلا الغابات و الأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي
***
هل أبكي بدموع فوسفورية
حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله ؟؟
***
خمسون عاما و أنا أترنح ، و لم أسقط حتى الآن
و لم يهزمني القدر ، إلا بالنقاط ، و الضربات الترجيحية !!
***
اتفقوا على توحيد الله و تقسيم الأوطان
***
كل السيول و الفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا و هناك ،
إلا عند العرب
يكون عندنا سيول و فيضانات و تنتهي بقطرات تتفرق هنا و هناك
***
أخي السائق: لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات
أو التحضير لها
***
الكل متفقون على بيع كل شيء ، و لكنهم مختلفون على الأسعار !
ماذا أفعل بحصتي من فلسطين ؟
هل أشتري بها شهادة استثمار ؟؟
***
عندما يتناول الصحافيون و الإعلاميون العرب ، أي موضوع و لو كان عن كسوف الشمس ، و خسوف القمر ، أو سقوط المذنبات
المجهولة ، لابد و أن يتملقوا حكامهم ، و يظهروا للقارئ أو للمستمع ، دورا لهم مهما كان صغيرا في هذه العجائب الكونية
***
بعد اتكالنا على الغير في كل شيء سياسيا ، و اقتصاديا ، و ثقافيا ،
و حتى طائفيا ، قد يأتي يوم ، و نعتمد فيه على غيرنا حتى في الإنجاب
***
في الخمسينات و الستينات كان السؤال الملح على الكاتب :
ماذا سيعطي لوطنه ، أما السؤال الآن فهو :
ماذا سيأخذ منه ؟؟
***
حتى النسر يتثاءب في الفضاء
إذا كانت رحلته طويلة ،
و المناظر متشابهة من حوله
عاشق من فلسطين
21/04/2005, 18:14
( يا رب..
في ليلة القدر هذه،
وأمام قباب الجوامع والكنائس،
اللامعة والمنتفخة كالحروق الجلدية..
أساعد الينابيع في جريانها
والحمائم المشردة في بناء أبراجها
وأضلل العقارب والأفاعي
عن أرجل العمال والفلاحين الحفاة
ولكن.. أبق لي على هذه المرأة الحطام
ونحن أطفالها القُصَّر الفقراء )
عاشق من فلسطين
21/04/2005, 18:16
تامر و الماغوط: صهيل تحت سقف الحياة
تنفتح تجربة كل من الشاعر محمد الماغوط، والقاص زكريا تامر على فضاء واحد، تتداخل فيه الأصوات، والضمائر وقيم الوعي الفكري والجمالي، واللغة، والعلاقة الدرامية المتوترة مع العالم حتى يبدو الحديث عن تجربة أحدهما استدعاء لتجربة الآخر، مما يجعل كلاً منهما ضمير الآخر وفضاءه، ومرآة وجهه، وان كان الماغوط ينتمي الى حقل الشعر وزكريا الى حقل القصة،
فقد أدخل الماغوط السرد الى بنية القصيدة النثرية، التي انشغلت بأحزان الذات الجريحة المحاصرة والمحرومة التي تنوء بقسوة ضياعها وخوفها وأوجاعها، في حين جاء زكريا الى القصة من أبواب الشعر العريضة محققا تحولاً كبيراً في لغة القصة، وأساليبها الفنية والتعبيرية، والرؤية الى الواقع والإنسان في مرحلة كان الاتجاه الواقعي الصارم يفرض سلطته على الإنتاج الأدبي.
وبذلك شكل الاثنان ثنائية إبداعية جديدة، تمردت على أشكال الكتابة المستقرة، وفتحت أمام الإبداع الأصيل فضاءات واسعة كما أدخلت الى الأدب روحاً جديدة، سنجد آثارها الكبيرة، بعد سنوات عديدة، حاضرة في إبداع الجيل الجديد بامتياز.
تتقاطع التجربتان أولاً في فضاء الحرية، والتمرد على سلطة المنجز الأدبي السائد، والمرجعيات الخارجية التي تحكم حركته، فقد قابل تمرد زكريا على الاتجاه الواقعي، تمرد الماغوط على قصيدتي لتفعيلة والكلاسيكية، عبر انحيازه الى قصيدة النثر، بكثافتها الحسية وعفويتها، وبذلك تتأس التجربتان على عنصري الافتراق عن السائد، والتأسيس لاتجاهات إبداعية جديدة، تعكس حساسية أدبية مختلفة.
لقد جاء هذا التأسيس لقيم الإبداع والتجديد انطلاقاً من الإخلاص للتجربة، وللوعي الجديد، الفكري والفني الذي عبرت عنه بصدق، يرفض تزييف الواقع واغتيال الذات الإنسانية المأزومة، لصالح مقولات تصادر حرية الإبداع وتحوله الى أداة لخدمة رؤيتها وأهدافها، وبذلك أكدت التجربتان حق الذات في التعبير عن هواجسها وخوفها، وضياعها وحرمانها، باعتبار هذه الذات هي منطق وغاية أي مشروع إنساني فكري وإبداعي، وباعتبار انه لا يمكن اغتيال الحرية باسم التبشير بحرية مزعومة،
وهذا ما جعل ضمير المتكلم هو المهمين على خطاب الماغوط الشعري، وكذلك على نتاج زكريا القصصي الأول بالإضافة الى وطأة الشعور بالغربة والمرارة والهزيمة في واقع لا يمنح أبناءه سوى الخوف والخيبة والحزن والصراخ بملء القلب الوحيد والعاري.
إن هذا التحول في مضمونه ودلالاته الفكرية والإبداعية عبَّر عن وعي حقيقي بالحرية كضرورة وشرط وجود وكقيمة أساسية في الحياة مما جعل تجربتهما تمثلان إدانة لواقع لا يهبهما سوى الاختناق والخيبات والبؤس والأسى، الأمر الذي جعل تمردها يمثل الرفض للخضوع لاشتراطات الواقع، وسلطته التي تجعلهما يعيشان في "غرف بملايين الجدران" محاصرين باخفاقاتهما وحرمانهما، وغربتهما الطويلة، وبقوانين الأدب العرفية.
تحت سقف الحياة الواطئ
عاش الأديبان تجربة قاسية، وكانا أشبه بحصانين يصهلان بعذاب موجع تحت سقف الحياة الواطئ، أو في الغرف التي سقفها اوطئ كما يعبر بطل إحدى قصص مجموعة تامر الأولى عن ذلك، وكما يتقاطع معه عنوان ديوان الماغوط الثاني "غرفة بملايين الجدران" وإذا كان تامر يستخدم في أغلب قصص "صهيل الجواد الأبيض" ضمير المتكلم في السرد، فإن الماغوط هو الآخر يستخدم الضمير نفسه في خطابه الشعري، ولذلك فإن شخصيات هذه القصص تندغم في شخصية واحدة،
وان تعددت أشكال تجليها ووقائع تجربتها التي، تظل تعبر عن مناخ واحد، وحالات متماثلة على مستوى تجربتها الاجتماعية والنفسية والوجدانية، وعجزها عن اختراق المكان الخارجي، وإقامة علاقة تواصل حميمة معه ومع الآخرين، الأمر الذي يجعل هذه الشخصيات، تنكفىء في عزلتها على عالمها الداخلي، وأحلامها وكوابيسها التي تحاصرها.
ويشترك الماغوط مع هذه الشخصيات في تعبيره الموجع عن شعوره بالغربة والعزلة والحرمان والضياع، مما يجعل المعجم الشعري عنده يتداخل مع المعجم الأدبي في قصص تامر نظراً لتشابه التجربة وتقاطع الرؤية، واللغة الشعرية في الخطابين.
ان هذا الشعور بالإخفاق والرعب والحرمان والجوع العاطفي والجسدي هو الذي يجعل أبطال تامر المتحدين في صوت واحد، يتقاطعون مع صوت الماغوط في تعبيرهم عن النقمة والسخط والرغبة في الانتقام والثأر من المدينة التي لا تستجيب لحاجاتهم وأحلامهم ورغباتهم، وتغدو الطبيعة، أو الريف هي العالم الأكثر جمالاً وصفاء بالنسبة لهم.
وهكذا فإن بطل قصة "الرجل الزنجي" من مجموعة صهيل الجواد الأبيض يعبر عن هذه النقمة، والعدائية السافرة تجاه المدينة التي (لا تعطي أولادها سوى الجوع والتشرد والكآبة، أنا عدو المدينة المجهول) ص 11.
ويصف الماغوط هذه العلاقة بالصورة نفسها فيقول: كنا ثلاثة/ نخترق المدينة كالسرطان..
نبحث عن جريمة وامرأة تحت نور النجوم. ص 58 ان هذه الرؤية الرومانسية الى الريف، التي يقابلها موقف الإدانة والسخط على المدينة، يقابله في قصص وقصائد الماغوط وتامر تعلق كبير بالمدينة، وارتباط عميق بها، إذ تكتفي شخصيات تامر بالفوضى والتسكع في شوارع المدينة، وعلى أرصفتها، والعزلة والبطالة، وهو ما نجده في قصائد الماغوط الذي يجعل من ذلك قوة تعينه على الرفض، وتحديد خياراته في الحياة: ما من قوة في العالم/ ترغمني على محبة ما لا أحب.
وكراهية ما لا أكره/ مادام هناك تبغ وثقاب وشوارع. ص 234.
ويعلن بطل قصة تامر الأولى في مجموعة صهيل الجواد الأبيض "أنا رجل فقير بلا عمل، لا أضحك، لا أبكي، أحب الخمر والغناء والأزقة الضيقة وأحب الشعر والخبز الأبيض والنهود الفتية والمطر" ص 10.
ويقول الماغوط في قصيدة من ديوانه "حزن في ضوء القمر" معبراً عن نفس التجربة والرغبات.
أنا فقير وظمآن/ أنا إنسان تبغ وشوارع...
فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى وحرية التلصص من شقوق الأبواب ص 45.
ان قصص تامر تستعير من الشعر لغته ومجازه واستعارته وصوره وهذه الكثافة الوجدانية، والعلاقة الدرامية المتوترة مع العالم، والرؤية الحزينة إليه، في حين تستعير قصائد الماغوط سردية القصص ودرامية المشهد للتعبير عن قسوة الحياة، والذات الجريحة في عالم لا يأبه لأحزانها ومقرها وأوجاعها،
ولذلك ترمز المرأة في كلتا التجربتين الى بشاعة وبؤس العلاقات الإنسانية التي تحكم مجتمع المدينة وعلاقاته الاجتماعية القائمة على بشاعة الاستغلال والظلم ويكاد اسم المرأة ـ البغي الذي يرثي الماغوط حالها، ويسميها "ماري" التي تبيع جسدها من اجل ان تأكل، يصبح نفس الاسم في قصة لتامر "قالت المرأة: "اسمي ماريا.. أترقص"؟" ص 30، بل تتوحد الحالة والمصير فـ "لحم حبيبتي الأبيض كان في الليل يؤكل على مناضد من حديد بارد" ص 10.
وإذا كان الماغوط يستنجد في رسالة شعرية عاجلة بأبيه لكي يأتيه بقطعة قرميد من سقف بيته، وبذكريات طفولته لكي يستعيد الشعور بالألفة والجمال والبساطة في غربة المدينة الغريبة، أو يتوقف الى السفر والرحيل إلى أرصفة المدن الغربية حيث الحرية والتسكع والأمان، فإن أبطال مجموعة تامر الأولى يعبرون عن الحنين نفسه والرغبة، والبحث عن الخلاص، إما من خلال الهرب من المدينة الى الطبيعة لاستعادة تلك العلاقة الحميمية الامومية، وتهديم المعامل وتحويل المدينة الى قرية خضراء ممتدة الى ما لانهاية، أو من خلال الرغبة في السفر، والتنقل الدائم بين المدن البعيدة "البحر وحلم الرحيل والسفر، آه لا شيء في العالم أجمل من البحر والسفر والتنقل الدائم" ص 35.
ان الماغوط الذي يرتطم بقاع المدينة، هو الوجه الآخر لبطل قصة "القبو" عندما تامر، والذي يشعر أن "العالم يجثم فوقي، إني سأظل حتى النهاية في قعر المدينة" ص 29، ولذلك يواجهان هذا العالم بالغضب والتمرد والإدانة تارة، وبالإعلان عن العجز والهزيمة والضياع تارة أخرى.
خارج التأطير.. داخل الحياة انحاز تامر والماغوط الى الإبداع، والإخلاص إلى التجربة والذات في تعبيرها عن نفسها، وتوقها الكبير الى الحرية والخير والجمال في عالم ملوث وحياة غير عادلة، وقد شكلت تجربتا الأديبين فاصلتين مع السياق الإبداعي الذي كانت تحكمه سلطة الإيديولوجية ورؤيتها الخارجية التي تجعل الأدب أداة للتعبير عنها، لهذا ظلت هاتان التجربتان خارج أي تصنيف مدرسي، فالإبداع الأصيل المؤسس لذاته يكسر حدود التأطير، ويرسم الفضاء الخاص به، والمعبر عن هويته الجديدة.
ان الإبداع الحقيقي هو الإبداع الذي يكسر إيقاع السياق الأدبي ويحقق انعطافه مبكرة فيه، وهذا ما جعل النقد الواقعي يستقبل هاتين التجربتين بالاتهام، والإدانة، لأنهما خرجتا على جوقة المنشدين وشكلتا صوتي نشاز فيها لكن ما ان سيمر عقد من الزمن تنضج فيه التجربة، وتتسع آفاق الرؤية حتى تغدو تجربتا تامر والماغوط المحرضتين على التجديد والإبداع بالنسبة لتجارب الجيل الجديد.
من هنا فإن قراءة هاتين التجربتين لا تتحقق، بمعزل عن دراسة القيمة الإبداعية والجمالية التي اشتركتا فيها على مستوى الوعي الفكري والجمالي، والتي منحتهما خصوصية التجربة والوعي والصدق مع الذات في تمثلها لشرطها الاجتماعي والإنساني، والتعبير عن مضمون هذه التجربة بكل القسوة والمرارة والشعور بالخذلان والرعب.
لقد ظل زكريا تامر وفياً لشعرية السرد واللغة حتى مجموعته المعروفة "النمور في اليوم العاشر" لكنه فيما بعد انعطف أكثر نحو بناء عالمه الحكائي، وتوظيف الشخصية والمكان والصراع في القصة للتعبير عن الفكرة التي يريد، مما أدى الى تراجع كبير للغة الشعرية، وان لم نقل الى غيابها تقريباً في أعماله الثلاث الأخيرة في حين ان محمد الماغوط، تحول الى المسرح فترة من الزمن ولم يكتب سوى قصائد قليلة، مقابل كتابته الساخرة في المجلات العربية، وهو ما أدى الى خسارة شاعر هام الماغوط.
بقي ان نشير في النهاية، الى تلك الروح الساخرة، والاشتغال على عنصر المفارقة في التجربتين، إذ شكلت هذه السمة ملمحاً واضحاً عندهما، ويمكن اعتبارها اقرب الى "الكوميديا السوداء" والتهكم اللاذع، الذي يعبر عن رغبة في فضح الواقع وتعريته، وإدانة قيمه، وبذلك كانت التجربتان تذهبان في اتجاه واحد نحو فضاء الحرية والإبداع بصوت عار تكتمل فيه أغنية الحياة الجريحة، وعذابات الروح الوحيدة في مواجهة دنس الحياة وسارقي فرحها.
عاشق من فلسطين
21/04/2005, 18:18
جهاد فاضل
(لبنان)
يمكن تعريف محمد الماغوط انطلاقاً من هذا الكتاب الذي يتضمن حوارات معه حررها خليل صويلح بأنه رجل صادق وحزين ومأساوي ولا يجيد التفلسف والتنظير كما يجيدها أدونيس، وهو عديله، على حدّ قوله. وهو يقول إن الحزن لم يفارقه منذ البداية، وربما لهذا السبب عنون مجموعته الشعرية الأولى: حزن في ضوء القمر. فحتى القمر وضوؤه لم يجعلاه يفقد إلفه القديم: الحزن. ولكن الحزن يقترن في نفسه بالخوف. الخوف؟ "إنه الشيء الوحيد الذي أملكه من المحيط إلى الخليج. ولدي في أعماقي احتياطي من الخوف أكثر مما عند دول الخليج وفنزويلا من احتياطي النفط!!" ويضيف في صفحة أخرى: ويضيف في صفحة أخرى: "ولدت مذعوراً وسأموت مذعوراً، أنا مسكون بالذعر، وأي شيء يخيفني، الأمة العربية لها أسس فريدة من نوعها.. جميع الأمم مقوماتها اللغة والتاريخ والدين، ما عدا الأمة العربية، فمقوماتها اللغة والتاريخ والدين والخوف. وخوفي طبيعي، وطمأنينة الآخرين هي المستغربة. والعربي الذي لا يخاف، أشك بعروبته!!..
ولد محمد المغاوط سنة 1934في مدينة تقع في شمال سوريا اسمها السلمية. وما يتذكره منها هو الوحل والبرد والأحلام والغيوم والأبقار والرياح. وقد هُدمت السلمية، كما يقول، منذ مدة وهي معقل القرامطة والمتنبي. "وقد يكون إحساسي المبكر بالظلم البشري اكتسبته من نشأتي في هذه القرية الحائرة بين الصحراء والمدينة، والمنقسمة إلى أمراء وفلاحين. وأعتقد أن ماركس كان ينبغي أن يولد في السلمية وليس في ألمانيا ليخترع نظريته في الصراع الطبقي!!".
ومن أطرف ما يذكره عن أهلها أنهم اقتتلوا عام 1900بسبب دجاجة، وان حصيلة المعركة كانت يومها مئات الجثث.
أما أول صورة يتذكرها في طفولته بالسلمية، فصورة سماء شاحبة وسحب ورمال، "وحين كنت في السابعة من عمري، أطلقتني أمي لأول مرة خارج باحة البيت لأرعى الخراف فيما تبقى من المروج النامية مصادفة بين المخافر. وعند الأصيل عادت الخراف ولكن الراعي لم يعد!!"..
بداياته الأدبية كانت في السجن، وفي الحزب. "معظم الأشياء التي أحبها أو اشتهيها وأحلم بها، رأيتها من وراء القضبان: المرأة، الحرية، الأفق". والمعروف أنه انتمى في شبابه إلى الحزب السوري القومي: "حصل الأمر دون قناعة تُذكر، وربما كان الفقر سبباً في ذلك. فبالنسبة لفتى يافع وفقير مثلي، كنت بحاجة إلى انتماء ما. وكان هناك حزبان يتنافسان في السلمية هما حزب البعث والحزب السوري القومي. وفي طريقي للانتساب إلى أحدهما، اتضح لي أن أحدهما بعيد عن الحارة ولا يوجد في مقره مدفأة.
ولأني كنت متجمد الأطراف من البرد، اخترت الثاني دون تردد لأنه قريب من حارتنا وفي مقره مدفأة، وصراحة إلى اليوم لم أقرأ صفحتين من مبادئه. ومنذ أن انتهت موجة البرد الأولى لم أحضر له اجتماعاً، ولم أقم بأي نشاط لصالحه على الإطلاق، باستثناء مرة واحدة كلفوني بها بجمع تبرعات من إحدى القرى التي كنت أعمل في بساتينها.
جمعت التبرعات والاشتراكات واشتريت بها "بنطلوناً" وذلك وجه الضيف".
ولكن الماغوط سُجن بسبب هذا الحزب مرتين. "صحيح إنني لم أسجن طويلاً، ولكني حين سُجنت في المرة الأولى، رأيت الواقع على إيقاع نعل حذاء الشرطي الذي كان يضرب على صدري. أحسست بشيء ما بداخلي ينكسر. ليس الضلوع، بل شيء عميق. وفي الزنزانة زارني الخوف وعرفني وأقام معي صداقة لازالت قائمة بداخلي حتى اللحظة. صار الخوف يسكنني، وهرب مني الأمان لآخر لحظة في عمري. الآن حين يرنّ جرس الباب، أشعر بالرعب. وحين يرن الهاتف، أتوجس خوفاً".
ويشبه نفسه بالسجين الذي ظل يحفر نفقاً في زنزانته لمدة عشرين عاماً، ثم اكتشف أن النفق الذي حفره، يقوده إلى زنزانة أخرى..
على أن هناك أموراً أخرى ترعبه ككاتب منها الورقة البيضاء، فكأنها إزاءها "أمام سيبيريا من الجليد"..
ومن أطرف ما يرسمه صور لمجلة شعر التي لجأ إليها في شبابه الأدبي، وكذلك لأدونيس والخال والآخرين.
في لقاءات مجلة شعر التي كانت تتم أغلب الأحيان في بيت يوسف الخال، كنت أسمع الأحاديث عن شعراء وأسماء لا أعرفها مثل عزرا باوند واليوت وسوزان برنار. أنا لا أجيد لغة غير العربية، كنت أصمت خلال الحوارات والنقاشات، وعندما يحضر الطعام آكل.. وفي إحدى المرات قلت: لم نُبق أنا وفؤاد رفقة على شيء في البراد سوى الماركة...
ولم تكن تعنيه في شيء هواجس التجاوز والتخطي. "وكانت مشكلة جماعة مجلة شعر، استغراقهم بتحطيم السفينة، دون أن يفكروا بالغرق المؤكد. قل لأحدهم ثلاث مرات: المتنبي، يسقط مغميا عليه. بينما قل له وعلى مسافة كيلومتر: جاك برينير، ينتصب ويقفز عدة أمتار من الأرض وكأنه شرب حليب السباع.
ويقول انه لا يجيد التنظير مثل أدونيس، وان جماعة شعر كانوا يكتبون في المطلق، بينما هو حاول أن يسحبهم إلى الأرض بكل ما فيها من أرصفة وتشرد وحطام. "لكنني بقيت طارئاً مثل ضيف على طرف المائدة، وافترقنا لأنني شاعر أزقة لا شاعر قصور".
ويتحدث في هذه الحوارات عن قصيدة النثر التي يُعتبر أحد بُناتها أو مؤسسيها. عنده أن الشعر نوع من الحيوان البري، وان الوزن والقافية والتفعيلة تدجنه. "أنا رفضت تدجين الشعر، تركته كما هو حراً، ولذلك يخافه البعض. واعتقد أن قصيدة النثر هي أول بادرة حنان وتواضع في مضمار الشعر العربي الذي كان قائماً على القسوة والغطرسة اللفظية. ثم ان قصيدة النثر مرنة وتستوعب التجارب المعاصرة بكل غزارتها وتعقيداتها. كما أنها تضع الشاعر وجهاً لوجه أمام التجربة وتضطره إلى مواجهة الأشياء دون لف وراء البحور، أو دوران على القوافي. ليس لديّ خلق لأبحث عن قافية وبيت!!"..
ويجيب عن سؤال حول نظرة جماعة "شعر" إليه: "البعض منهم قال إن محمد الماغوط ظاهرة عرضية سرعان ما ستزول، قالوا أيضاً انه بدوي فلاح، سيغني بضعة مواويل وينتهي أمره. أتذكر أن واحداً منهم قال العكس، ولم أعرف من هو إلى اليوم، لأني كنت جالساً في غرفة أخرى"..
ما يعني الماغوط أن يكتب بصدق في عصر الكذب السابق واللاحق. "واكتب بشجاعة في عصر الذعر السابق واللاحق. ومعركتي ليست وراء مكتب، أو في حلقة نقاد، أو وراء ميكرفون.. معركتي في الحياة. ولا أظن أن كثيراً من أساطين التجاوز والتخطي قد عبروها أو عرفوا شيئاً عنها منذ أن تخلوا عنها. وليس معنى هذا إنني شجاع بالمعنى الشعبي. فكثيراً من القصائد أو الزوايا الصحفية أرسلها إلى النشر من هنا، وأنام تحت السرير وقلبي يدق حتى يلامس بلاط الغرفة، ريثما تُنشر وأعرف ردود فعلها".
ويدلي برأيه في شخصيات أدبية كثيرة:
- مشكلة أدونيس أنه معلم في الشرق، وتلميذ في الغرب. ثم لماذا كل هذا التنظير للقصيدة، وماذا يعني القارئ إن وضعت كلمة أو حرفاً على يسار حرف، أو نقطة على خصر نقطة، إذا كانت السجون والمستشفيات والأرصفة تغص بروادها. أنا لا أحب القصيدة الفكرية، ولا أفهم شعر أدونيس.
- كانت طموحات يوسف الخال أكبر من طاقته، وهو كإنسان أهم من شعره بكثير.
- شعر نزار قباني المنفعل بالأحداث لا يختلف عن أي تصريح رسمي لأي مسؤول حكومي في العالم العربي. وهو في شعره الثوري كأنه ياسر عرفات أو المطران كبوجي. وهو في جلساته الخاصة كأنه بائع على بركات الله في جونية أو الأشرفية.
شاعر كبير بقضايا صغيرة.. واعتقد أن مأساته تتمثل في أنه لا يحب ولا يكره لذلك تبث الأزمات معظم أشعاره. مرة قال لي: أنت أصدقنا!
- محمود درويش شاعر موهوب جداً، لكنه غير صادق!
- كان السياب بسيطاً وصادقاً مثلي. كان يبيع الصدق ولا يشتري إلا الأكاذيب.
- البياتي بنى كل أمجاده الأدبية والسياسية على أساس أن جميع أجهزة الأمن في العالم تطارده، في حين أنه لم يدخل مخفراً في حياته، ولم يعترض طريقه ولو شرطي مرور.
ويصف الماغوط نفسه بأنه رجل ظلمات، رجل ظل. "في حياتي لم أجلس في منتصف الصف، في السينما أو في المسرح، أو على طاولة وسط المقهى. دائماً أنتقي ركناً منعزلاً عن كل شيء وأحدّق في الرصيف لأتأمل الأقدام الحافية، وسيارات الشبح في شارع واحد، كأن أشباح الليل والكوابيس لا تكفينا".
وفي كل حلم حلمه، وجد نفسه حافياً، ويصف نفسه بأنه بدوي يغني في أوركسترا الصحراء. في حين يصفه خليل صويلح، محرر حواراته، بأنه إمبراطور العزلة وأمير التسكع..
Tarek007
26/04/2005, 23:41
مقدمة كتاب " سأخون وطني " لمحمد الماغوط ..بقلم زكريا تامر
سيخون وطناً مزوراً
محمد الماغوط أديب طريف, مثير للعجب , فهو قبل ان يخون يؤلف كتاباً يكرسه للإنذار بأنه يعتزم أن يخون وطنه و في زمان تتم فيه أعمال الخيانة سراً.
فأي وطن هو ذلك الذي سيخونه و علناً و يفتخر ؟
الاوطان نوعان ....أوطان مزورة و اوطان حقيقية .
الاوطان المزورة أوطان الطغاة ، و الاوطان الحقيقية أوطان الناس الاحرار.
أوطان الطغاة لا تمنح الناس سوى القهر و الذل والفاقة . و مدنها وقراها لها صفات القبور والسجون ، ولذا فإن الولاء لاوطان الطغاة خيانة للانسان، بينما عصيانها والتمرد عليها إخلاص للانسان و حقه في حياة آمنة يسودها الفرح و تخلو من الظلم و الهوان ،و لا سيما ان الولادة في أي وطن هي أوهى جذر يربط الإنسان بوطنه، ولن يقوى ذلك الجذر وينمو و يكبر إلا بما يعطيه الوطن من حرية وعدل ....
لقد كان محمد الماغوط دائما يظن أنه أنه رجل القضايا الخاسرة و المخفقة , ولكن الوقوف مع الناس إبان محنهم لم يكن في أي يوم من الأيام قضية خاسرة , أنما هو أمتحان عسير للأديب خاصة أن الكتابة في وطن الطغاة أقل أماناً من النوم مع الأفاعي في فراش واحد .
في هذا الكتاب الأسود الجميل الممتع المؤلم الساخر المرح ينجح محمد الماغوط في الجمع على أرض واحدة بين الأمل و اليأس , بين مرارة الهزائم و غضب العاجز , ليقدم صورة لما يعانيه الإنسان العربي من بالاء من سياسييه و مثقفيه و جنده و شرطته و أجهزة إعلامه مكثفاً ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية .
والحرية في مملكة الحيوان ُتحمى بالمخالب و الأنياب و ترهق الدماء في سبيل الحفاظ عليها أما في مملكة بني البشر فالحرية مبرر الوجود و الاستمرار , و أذا فقدت غدت الحياة الوجه الثاني للموت .
ومحمد الماغوط الذي عاش نصف قرن و ثلاث سنوات و عرف ما على القمة و ما على الهاوية و لا يزال حياً , يرصد في هذا الكتاب تجربته القاسية المرة مع الحياة في الوطن العربي ....و لكنها ليست تجربته وحده بل هي تجربة جيل بأسره . جيل مسكين خُدع منذ الصغر بالشعارات السياسية و الفكرية البراقة , ولم يكتشف أنه مخدوع إلا وهو يدق أبواب الشيخوخة بقبضات واهنة , فعلم آنذاك أنه قد أضاع أجمل سني عمره هباء .و إذ هو لم يشد مدناً سعيدة للإنسان إنما شيد سجوناً سجن فيها و صنع سياطاً عذب بها , و أوجد مشانق تدلى منها .
هذا الكتاب شهادة فاجعة صادقة على مرحلة مظلمة من تاريخ العرب في العصر الحديث , وتصلح لأن ترفع إلى محكمة الأحفاد كوثيقة تدحض أي اتهام بالتقصير و الاستكانة يوجه إلى الأجداد , فالعنق الأعزل لا يستطيع الانتصارعلى سكاكين المفترسين
والكتاب أيضاً يعززالثقة بالكلمة في زمان الكذب و الرياء , ويعيد أليها بعض بهائها المفقود
زكريا تامر
لندن , أيار (مايو ) 1987
"عذراً لتكرار نفس الموضوع الموجدد في قرأت لكم
كوشة أو كمشة كبيرة لزكريا تامر ...ولكن للأهمية!!!!
minime1967
01/05/2005, 12:59
أهرب من مكتبتي الصغيرة الحنونة
أهرب من كتبي
أهرب من غرفتي
من بيتي
أهرب من واجهات المكتبات
أتابع الهروب
أبرع بالهروب
ألى سويسرا
الى هولندا
و يبرع هو أيضا بالملاحقة
الى أين يا بني ؟
يقولها و يهطل المطر
أهرب منك يا أبي ..أقولها و يهطل مطري
أهرب اليك يا أبي أقولها وأهطل
وأنت يا محمد ؟ أنت أيضا تلاحقني ؟
اهرب منكما وتلاحقاني ؟؟؟ أبي و محمد الماغوط..
اهرب الى حالي
أم الى غابتي
أم الى ضيعتي
ام الى ماذا ؟
الى قبري و ترابي ؟؟؟
أبو عبسي
01/05/2005, 23:37
لم أستطع قراءة كل ما كتب صرلي شي ساعة قدام الجهاز وما عدت اقدر فتح عيوني فاعذروني إذا حكيت شي حدا قالوا قبلي
الماغوط اكثر شاعر أيقظني من نومي جعلني أسهر على قراءته و لكن
من يعرف أن الماغوط كان سكيرا؟أو أنه كان يضرب زوجته التي رثاها بأجمل قصائد العالم((سياف الزهور)) الماغوط كان إنسانا متعبا حاول أن يوقظنا في هذا العصر النائم
يقال أن الماغوط الآن قد هرم و أصبح وحيدا يعتني به جيرانه أي كما قال هو:
_ الشجرة قصيرة و لكن الظل طويل..
_إنه الغروب..
و إليكم بعض ما أفضله عند الماغوط:
_كنا أصحاب حق،فأصبحنا أصحاب سوابق
===================
_جميع الحقوق محفوظة و يكفلها القانون
قانون الطوارئ طبعا
===================
لا أجهزة تنصت في الوطن العربي في أي مكان...
لأنه في الأصل لا أحد يتكلم
===================
عندما أكون جائعا
لا أكتب بل أقاتل
===================
مدينتي محجبة لكن بالياسمين
===================
ما جدوى من أن يكون النظام من حديد
و المواطن من زجاج
===================
ألقى أحدهم قصيدة
و قد اقتصرت الأضرار على الماديات
===================
حتى عندما يلوح العربي بغصن الزيتون
فإنه يلوح به كالمقلاع
===================
حيث يوجد يساري يوجد مصيبة
===================
مامن كاتب عظيم متفائل من شيء، أو يائس من شيء
===================
الكاتب الحقيقي مثل إسرائيل...
ليست له حدود واضحة..و لا يلتزم بشيء!
===================
الطغاة ...كالأرقام القياسية
لا بد و أن تتحطم في يوم من الأيام
===================
كلما اجتمع عربيان ،كانت المخابرات ثالثهما
===================
لا يمكنك أن تصيب أي هدف و يدك ترتجف
===================
الشهداء،يتساقطون على جانبي الطريق
لأن الطغاة يسيرون وسطها.
===================
و شكرا
أبو عبسي
عاشق من فلسطين
02/05/2005, 12:01
مشكور كتير على المعلومات أبو العيس .. وبالنسبة للحياة الخاصة للماغوط فلكل شخص مساوئو ونحنا لسنا في صدد نقد الماغوط كشخص . أنما كشاعر ، وانا أسمع بمثل تلك القصص عن مشاكله مع زوجته الراحلة .. ولكن يجب أن لانغفل ما ترعض له في حياته من متاعب وصعوبات .. وأن لا ننسى أنه أول مرة سجن فيها كان بعمر 16 . وأظن ان ذلك يترك جرحا في جدار النفس .. يصب اندماله ..
على كلن مشكور أبو العيس ..
وينك من زمان لحتى حدا يساعدني بتحريك منتدى الشعر .. :D :D
عاشق من فلسطين
02/05/2005, 15:30
من نص ( الغرباء )
للشاعر محمد الماغوط
قبورنا معتمةٌ على الرابية
والليل يتساقط في الوادي
يسير بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعال الغابات
وحفيف العجلات المحطمة
والأنين التائه بين الصخور
ينشد أغنية جديدة للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجرية
أيتها الجبال المكسوة بالثلوج والحجارة
أيها النهر الذي يرافق أبي في غربته
دعوني أنطفئ كشمعة أمام الريح
أتألم كالماء حول السفينة
فالألم يبسط جناحه الخائن
والموت المعلق في خاصرة الجواد
يلج صدري كنظرة الفتاة المراهقة
كأنين الهواء القارس .
Tarek007
08/05/2005, 19:29
من شرق عدن .. غرب الله...... لمحمد الماغوط
كل ما تراه وتسمعه وتلمسه وتتنشقه وتتذوقه
وما تذكره وتنتظره وينتظرك
يدعوك للرحيل والفرار ولو بثيابك الداخلية
الي أقرب سفينة أو قطار:
ألوان الطعام
الشراب
الخدمات العامة
الرشاوي العلنية
أصوات المطربين
أصوات الباعة
مُخالفات المرور
الأمراض المُستعصية
الأدوية المفقودة
والمجارير المكشوفة في كل مكان
نتائج الانتخابات
نتائج المفاوضات
نتائج المباريات
نتائج السحب
الراتب التقاعدي
بدل نهاية الخدمة
والهرولة وراء وسائط النقل
من الصباح الي المساء
ثمّ المصلحة العامة
والذوق العام
والحق العام
والرأي العام
والصمت المطبق في كل مجلس
والوحدة القاتلة في كل سرير
ثمّ المطاولات الصحافية، وآراء المحللين
والاعلام الموجه
والسينما الموجهة
والمسرح الموجه
والقضاء الموجه
والرياضة الموجة
والزواج الموجه
والغش في كل سلعة
والهزيمة
في كل حرب!!
ومع ذلك لن ارحل
ولن ابرح مكاني قيد أنملة
كما يحلم يهود الداخل والخارج
وسأتشبث بالأسلاك الشائكة
والحدود المكهربة
ولو تفحمت عليها!!
Tarek007
08/05/2005, 19:31
اصلاحية نورمبورغ العربية - امتحان التخرج
مدير الاصلاحية: الاسم؟
نزيل الاصلاحية: لا أعرف.
المدير: اسم الأب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: اسم الأم؟
النزيل: نسيت.
المدير: مكان وتاريخ الاقامة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عازب أم متزوج؟
النزيل: نسيت.
المدير: المهنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: علامات فارقة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: فئة الدم؟
النزيل: نسيت.
المدير: الوضع المادي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الأمراض التي اصبت بها من قبل؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى استعمرت الدول العربية؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي أشهر معارك العرب في العصر القديم؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: في العصر الحديث؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: في العصر الوسيط؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو خالد بن الوليد؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طارق بن زياد؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الزير أبو ليلى المهلهل؟
النزيل: نسبت.
المدير: متى وقعت معركة القادسية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: اليرموك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: حطين؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو المتنبي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: أبو العلاء المعري؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أبو خليل الفراهيدي؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هل المعلقات السبع؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: لماذا كانت تعلّق على جدار الكعبة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أين كانت تعلّق؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي المذاهب الأدبية للوطن العربي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: عدد الأحزاب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عدد المذاهب؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى ولد عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى مات؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هو عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى خرج آدم من الجنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: من هو آدم؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هي حواء؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي البورجوازية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الرأسمالية؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الاشتراكية؟
النزيل: نسيت.
المدير: من أول انسان نزل على سطح القمر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو القمر؟
النزيل: لا أدري.
المدير: ما هي النجوم.
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو المطر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الربيع؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هي الفصول الأربعة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هي الجهات الأربعة؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو البحر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الهواء؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هو الاوكسجين؟
النزيل: نسيت.
المدير: والآن، ما هو وزنك؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طولك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: لون الشعر والعينين؟
النزيل: نسيت.
المدير: عظيم، مدهش، تجربة رائعة لا تصدق. هل معنى ذلك أنك لم تعد تذكر أي شيء على الاطلاق يا بني؟
النزيل: نعم باستثناء كلمة صغيرة.
المدير: ما هي؟
النزيل: فلسطين.
المدير: فلسطين! اعدام.
النزيل: شكراً.
المدير: قف بعيداً مسافة مئة كيلومتر.
النزيل: وواحد.
المدير: من أي قرية أنت يا بني؟
النزيل: لا قرى عندنا.
المدير: من أي مدينة؟
النزيل: لا مدن عندنا.
المدير: من أي شعب؟
النزيل: لا شعوب عندنا.
عتابا معاصرة
الذين زرعوا رأسي بالشيب ..
وأحلامي بالكوابيس ...
وليلي بالأرق...
وأرصفتي بالحفاة ...
وجدراني بالنعوات ...
ووسادتي بالدموع...
وحرموني وقاري كعجوز....
وبرائتي كطفل...
وأرصفتي كمتسكع....
وزاويتي كمتسول ...
ودهشتي كمسافر...
وشوقي كعائد..
وفراستي كبدوي..
وقيثارتي كغجري..
وسرقوا مني سيفي كمحارب..
وريشتي كرسام ..
وقلمي ككاتب...
ومن ثم أعادوا الي كل شي ... وأنا في طريقي الى المقبرة ..
ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة...
محمد الماغوط
أبو عبسي
08/06/2005, 12:31
أيييييييييييييييييه...
عاشق من فلسطين
08/06/2005, 13:21
مكشكورة ألف .. أروع عتابا بالعالم .. :D :D
مشكورين ابو عبسي و عاشق عالردود :D
Tarek007
09/06/2005, 19:11
يا عيني عليكي :D :D :D
كتريلنا من هدول :) :) :) :)
شكرا ألف :angel:
ميخوووووووو
27/08/2005, 21:37
شكرا على المعلومات
Syria Man
28/08/2005, 09:46
شكرا على المعلومات
:D :D :D
مختارات شعرية حرملك ... رحمة الله على سنية صالح و محمد الماغوط وبردى ...
أنذرتُك بحمامة بيضاء
غريمتي في الشتاء
دمشق
وفي الصيف
البحر.
حلمت البارحة
أني ركلت البحر على قفاه
وشددت دمشق من شعرها
على الخريطة.
صنع الله الأرض في ستة أيام
وفي اليوم السابع
استراح
ثم حين همَّ بصنعك
احتاج ألوفًا من السنين
وملايين الرجال والنساء.
صنع الله الأرض في ستة أيام
ولا أدري ماذا فعل
في اليوم السابع
لكنه حين همَّ بصنعي
احتاج في شدة
إلى رجل مثلك.
مرام المصري
ظلك الممتد في أقصى حنيني
لستُ سوى امرأة واحدة
لكنك
متماهيًا مع الكون
رفعتُك
إلى حقيقيَّتي.
لا شيء في الأسفل
في الأعلى
مجرد عالم يسير
نحو رضوخه اليومي
حيث لا شيء يعلوه الآنا.
أقترح
أن أسميك الصيف في أوَّله
ولتسمِّني ما شئت
– الشتاء مثلاً.
ذات يوم
ستوقف الأرض دورانها اللاهث
ستعرف حينها
أن التناقض الذي استوقفك
معبرُنا الوحيد
نحو التجدد.
رشا عمران
أهز الحياة
أنا لا أؤرِّخ
لكنني أكتب سيرة تنتزعني
وأدلق البياض لأتطهر من كلِّ إثم
أرسم ذكرياتي على جدار كبير
لأمحو كلَّ ما مضى
لأستقبل الآتي بنشوة الحلم
وبالماء والماء والماء
أزيِّن فوضى الرفوف
وأهبط
لأكتب من جديد:
هذا التاريخ أنت
صنعتَه وصنعتَني
وحفرتَ به الألم
وأنهضتَه بالسطوع
وواريتَني.
لينا الطيبي
قليل من الحياة
وأنت بعيد في المدينة
أحب الأعمال المنزلية
أبتسم لعلاَّقة الثياب خلف الباب
لمعطفك الصغير الذي بعد قليل
سيلفحنا هواؤه
يطير
ليغط عليها.
سنفرح – العلاَّقة وأنا –
لأنك استطعت
سنضحك – أنا والصحون –
لكي تضحك.
البلاط
سيرافق قدميك
وأنت تمشي
لتمشي
والأغاني
ستحاول جهدها.
كل ما تمنيتُه من الله
هو أنت.
هالا محمد
صلب
غزلت خيطًا
وتسلقت إلى السماء.
وحدي...
صدى لأيامي البعيدة
أتردد ظلاً لأصواتهم
صورتي تعبث بألوانها.
أصرخ:
اتَّسعي
أيتها المدينة، اتَّسعي
خياناتي مدى...
أريد شوارع أخرى
تستقبل قدمي
استقبال الفاتح
و"المركب النشوان".
هنادي زرقة
رماد الحضارات
هكذا كان، في غمرة الأفراح الزائلة والآلام الصاعدة،
تحت ورق الخريف الذهبي
يعتلي المنصة كالضواري
ليتخلَّص من انتمائه إلى تلك الأجيال
وذلك الوطن
إلى المرأة التي يحب
المرأة التي جعلتْه يجري وراء الخلود
بقدمين زجاجيتين.
أصر أنه سيقول كلَّ شيء
فروعة الحزن أن يقال الآن
أن يُهدَر أول المعركة.
سنية صالح
البحيرة
لأنه حزين
ارتدى الأجراس الملونة
قناعًا للفرح
أوثق نوادره على طرف لسانه
كي لا تخونه في اللحظة المناسبة
وسار بخفَّيه المرصعين
وحيدًا كالليل
ولا نجوم بانتظاره
سوى عينيَّ.
أيها الطائر المحلِّق عبر الآفاق
تذكَّر أن الرصاص في كلِّ مكان، تذكَّرني
أنا المسافرة الأبدية
طوال حياتي أغذ السير
وما تجاوزت حدود قبري.
سنية صالح
*** *** ***
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة