عاشق من فلسطين
14/03/2005, 17:57
هيثم بسما
فوجئت بأن مضيفي يعرض علي ما كنت أتمناه في نفسي ولم اقله بوضوح: إنه يقترح اصطحابي إلى القرداحة. فقد لاحظ تحمسي الواضح لرؤية القرداحة ورؤية سكانها عن قرب. قال مضيفي أننا سنزور معارف له في القرداحة، ولكنه نبهني أن أميل إلى الصمت وأن لا أتحدث بما ((يثير الشبهات)) وأن لا أتكلم إلا القليل، وليكن كلامي القليل محصوراً بالكلام عن الطبيعة الجميلة في المنطقة وأن أردد عبارة ((الله يهنيكم)) بين الفينة والأخرى..
وأردف قائلاً: ((إنني لست متخوفاً ممن سنزورهم فتلك العائلة مضمونة ولكن ربما صدفنا لديهم من لا يسلم أحداً من أذاهم وشرورهم )). عندما وصلنا إلى القرداحة بدأ مضيفي يشرح لي ويتكلم عن تاريخ القرية الكبيرة أو البلدة وما حصل بها، علق في ذهني القليل عما شرح من أسماء وتواريخ واسم أحيائها، فمثلاً قال لي هذا يسمى: (حي العائلة) أو بالتسمية المحلية ((حارة العيلة))، فسألته إن كان ذلك الاسم نسبة إلى عائلة ((الرئيس الأسد)) فغضب وتمتم بكلمات تدل على غيظه... ثم قال ((لقد قلت لك يا أستاذ .. من ذكرت ليست عائلة لها تاريخ محترم أو مشرف في منطقتنا والمقصود بالعيلة: عائلة محددة تتمتع بالعلم الديني والدنيوي وهي عائلة مشايخ مرموقة لها سمعة تاريخية جيدة .. وبالمناسبة أقول لك: وجود هذه العائلة المتعلمة المثقفة في القرداحة والتي باسمها سميت حارة شكل عقدة لعائلة الأسد التي أولاً لم تكن تسمى بهذا الاسم من قبل، وكنية أسد بدون (الـ التعريف) كانت فقط لعائلة في قرية تدعى (قوي قا) وكثيرون منهم يسكنون بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى اللاذقية ثم أخذت ذلك الاسم العائلة العائلة التي تعرف اليوم بعائلة الأسد.. وثانياً تاريخ عائلة الأسد لا يسمح بتسمية أحياء بأسمها، وأؤكد لك أن أهل المنطقة هنا عموماً سيكونون مستقبلاً في عداد الأوائل المسرعين إلى تغيير الاسماء التي ارتبطت باسم الأسد عندما تتغير الظروف... أنت لا تعرف ما نعرفه نحن وموثق لدينا عن جرائم في التاريخ ارتكبتها هذه العائلة لا تقل عن جرائمها اليوم... أنت لم تسمع عن رسالة جد حافظ الأسد إلى الحكومة الفرنسية المنتدبة التي يندى لها الجبين لما بها من خيانة للوطن ونصها موجود لدي ذكرني لأطلعك عليه فيما بعد.. وقد هدد بعض من رفاق حافظ الأسد بنشر الوثيقة فكانت ردة فعل حافظ الأسد، أي وزير الدفاع آنذاك، بأنه سيدمر دمشق فيما لو نشرت تلك الوثيقة..)) تكلم مضيفي كثيراً ولكنني لم أتابع بانتباه ماكان يقوله لأنني بقيت أفكر فيما عساها أن تكون محتويات تلك الوثيقة التي جعلت حافظ الأسد يهدد بتدمير دمشق فيما لو نشرت. وما زلنا نسير على هذه الحال هو يتكلم وأنا صامت إلى أن ابتعدنا بعض الشيء عن مركز البلدة وفجأة قال: وصلنا. كانت الأسرة التي نزورها تتألف من الأب والأم وأولادهم في سن الشباب ولديهم ابن في سن المراهقة.. كنت أميل إلى االصمت وعندما تكلمت كنت أكرر العبارات التي ُنصحت بترديدها: ((المنطقة خلابة، رائعة جداً)) و((الله يهنيكم)). قال صاحب البيت: ((عندما تكون حرارة الجو قد خفت سنصعد إلى السطح ومن الأعلى سترى المناظر والإطلالة الجميلة)). بعد العصر صعدنا إلى السطح، وإذ نحن جميعاً جالسين أتى فتى مراهق صديق ابن العائلة التي نحن في زيارتها، لفت انتباهي أمران فيما يخص ذلك الفتى: إنه لا يتحلى بالحد الأدنى من القواعد الإجتماعية المعروفة من حيث حركاته وطريقة سلامه وكلامه ومحاولته التفاصح أو الظهور بمظهر القوي بالقول أنه كان في بيت فلان أو فلان أولاً ثم ثانياً إنه يربط قطعة قماشية خضراء حول معصمه كنت قد رأيتها في معصم الكثيرين من الشبان والمراهقين في القرداحة ونحن في الطريق، عرفت فيما بعد أنها تدعى ((خلعة)) وهي تقليعة لها طابع ديني شجع عليها جميل الأسد منذ زمن عندما حاول تأسيس جمعية دينية وأراد أن يكون هو ((المهدي المنتظر)) ومنذ ذلك الحين أصبحت موضة عند شباب ومراهقي القرداحة. عندما غادر الفتى مع ابن العائلة التي نزورها شعرت بالإرتياح ضمنياً. لم يدم ذلك الشعور طويلاً حتى أتى شاب ملتح وجلس لساعات كان فيها يحدثنا كل الوقت عن العرض العسكري لجماعات حزب الله الذي أدهش الجميع عند جنازة حافظ الأسد ... وكذلك عن رجولة ((العقيد حسن؟)) الذي ضرب ((مجند شاوي عسكري عنده )) كفاً أدى إلى ثقب أذنه ودخوله المستشفى، وكلام آخر من هذا النوع... لم ألحظ أن أصحاب البيت الذي نزوره قاطعوه أو اعترضوا عليه بل كانوا يصمتون أيضاً.... بعد ساعات ظهر القمر فنظر إليه ذلك الشخص وقال عبارات أعتقد أن لها مدلول ديني، ثم نظر إلينا وقال: ((انظروا ما أوضحها اليوم الصورة ...سبحان الله: حرمنا من رؤيته بيننا ولكنه لم يبخل علينا بظهوره في القمر مرتدياً نظاراته الشمسية..)) لم أفهم ما يقصده إلى أن تابع القول: ((والشيخ (فلان) رأى إلى جانبه صورة ابنه باسل على ظهر حصانه مثل الإمام علي)). تابع الكلام عن القدرة والعظمة، والكل صامت يستمع. قبل نهاية تلك السهرة غادر، غير مأسوف على حضوره، ذلك الشخص وكان أول تعليق سمعته من الأب صاحب البيت الذي نزوره الذي قال: الناس طلعت إلى القمر ونحن نرى صورة حافظ الأسد وابنه فيه.... وإذا كان هو وغيره يريدون رؤية حافظ الأسد فهناك (مشيراً يبده باتجاه آخر) يرونه ((مـ...)) ثم قال ابنه الشاب: لا يوجد احترام لعقولنا وهم يريدون إهانتنا بمثل هذه الكلمات، لا تؤاخذنا يا أستاذ..هذا البني آدم لا يدخل بيتنا إلا في النادر ولغرض ما، وهذه المرة جاء لأنه كما يبدو سمع بوجود شخص غريب عندنا. في نهاية السهرة، شكرنا العائلة ونزلنا عائدين إلى قرية مضيفي الأول بعد عدة كيلو مترات... في الطريق كنا نتحدث عن صورة حافظ الأسد في القمر، فقال مضيفي: هذه شائعة في القرداحة وبالتحديد عند العشيرة التي ينتمي إليها الأسد... ومما يقال ولا نعرف صحته عن تبعات هذه الإشاعة أن أحد الضباط الكبار الذين خدموا نظام الأسد كثيراً قال مرة أن الكلام عن صورة حافظ الأسد في القمر غير مقبول فكان أن سرح من الجيش لهذا السبب. تنهد ثم قال: ((لا سامحهم الله على ما فعلوه ببلادنا وبشعبنا وأهلنا...)). ووعدني بزيارة أخرى خلال إقامتي في المنطقة تكون أفضل.
فوجئت بأن مضيفي يعرض علي ما كنت أتمناه في نفسي ولم اقله بوضوح: إنه يقترح اصطحابي إلى القرداحة. فقد لاحظ تحمسي الواضح لرؤية القرداحة ورؤية سكانها عن قرب. قال مضيفي أننا سنزور معارف له في القرداحة، ولكنه نبهني أن أميل إلى الصمت وأن لا أتحدث بما ((يثير الشبهات)) وأن لا أتكلم إلا القليل، وليكن كلامي القليل محصوراً بالكلام عن الطبيعة الجميلة في المنطقة وأن أردد عبارة ((الله يهنيكم)) بين الفينة والأخرى..
وأردف قائلاً: ((إنني لست متخوفاً ممن سنزورهم فتلك العائلة مضمونة ولكن ربما صدفنا لديهم من لا يسلم أحداً من أذاهم وشرورهم )). عندما وصلنا إلى القرداحة بدأ مضيفي يشرح لي ويتكلم عن تاريخ القرية الكبيرة أو البلدة وما حصل بها، علق في ذهني القليل عما شرح من أسماء وتواريخ واسم أحيائها، فمثلاً قال لي هذا يسمى: (حي العائلة) أو بالتسمية المحلية ((حارة العيلة))، فسألته إن كان ذلك الاسم نسبة إلى عائلة ((الرئيس الأسد)) فغضب وتمتم بكلمات تدل على غيظه... ثم قال ((لقد قلت لك يا أستاذ .. من ذكرت ليست عائلة لها تاريخ محترم أو مشرف في منطقتنا والمقصود بالعيلة: عائلة محددة تتمتع بالعلم الديني والدنيوي وهي عائلة مشايخ مرموقة لها سمعة تاريخية جيدة .. وبالمناسبة أقول لك: وجود هذه العائلة المتعلمة المثقفة في القرداحة والتي باسمها سميت حارة شكل عقدة لعائلة الأسد التي أولاً لم تكن تسمى بهذا الاسم من قبل، وكنية أسد بدون (الـ التعريف) كانت فقط لعائلة في قرية تدعى (قوي قا) وكثيرون منهم يسكنون بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى اللاذقية ثم أخذت ذلك الاسم العائلة العائلة التي تعرف اليوم بعائلة الأسد.. وثانياً تاريخ عائلة الأسد لا يسمح بتسمية أحياء بأسمها، وأؤكد لك أن أهل المنطقة هنا عموماً سيكونون مستقبلاً في عداد الأوائل المسرعين إلى تغيير الاسماء التي ارتبطت باسم الأسد عندما تتغير الظروف... أنت لا تعرف ما نعرفه نحن وموثق لدينا عن جرائم في التاريخ ارتكبتها هذه العائلة لا تقل عن جرائمها اليوم... أنت لم تسمع عن رسالة جد حافظ الأسد إلى الحكومة الفرنسية المنتدبة التي يندى لها الجبين لما بها من خيانة للوطن ونصها موجود لدي ذكرني لأطلعك عليه فيما بعد.. وقد هدد بعض من رفاق حافظ الأسد بنشر الوثيقة فكانت ردة فعل حافظ الأسد، أي وزير الدفاع آنذاك، بأنه سيدمر دمشق فيما لو نشرت تلك الوثيقة..)) تكلم مضيفي كثيراً ولكنني لم أتابع بانتباه ماكان يقوله لأنني بقيت أفكر فيما عساها أن تكون محتويات تلك الوثيقة التي جعلت حافظ الأسد يهدد بتدمير دمشق فيما لو نشرت. وما زلنا نسير على هذه الحال هو يتكلم وأنا صامت إلى أن ابتعدنا بعض الشيء عن مركز البلدة وفجأة قال: وصلنا. كانت الأسرة التي نزورها تتألف من الأب والأم وأولادهم في سن الشباب ولديهم ابن في سن المراهقة.. كنت أميل إلى االصمت وعندما تكلمت كنت أكرر العبارات التي ُنصحت بترديدها: ((المنطقة خلابة، رائعة جداً)) و((الله يهنيكم)). قال صاحب البيت: ((عندما تكون حرارة الجو قد خفت سنصعد إلى السطح ومن الأعلى سترى المناظر والإطلالة الجميلة)). بعد العصر صعدنا إلى السطح، وإذ نحن جميعاً جالسين أتى فتى مراهق صديق ابن العائلة التي نحن في زيارتها، لفت انتباهي أمران فيما يخص ذلك الفتى: إنه لا يتحلى بالحد الأدنى من القواعد الإجتماعية المعروفة من حيث حركاته وطريقة سلامه وكلامه ومحاولته التفاصح أو الظهور بمظهر القوي بالقول أنه كان في بيت فلان أو فلان أولاً ثم ثانياً إنه يربط قطعة قماشية خضراء حول معصمه كنت قد رأيتها في معصم الكثيرين من الشبان والمراهقين في القرداحة ونحن في الطريق، عرفت فيما بعد أنها تدعى ((خلعة)) وهي تقليعة لها طابع ديني شجع عليها جميل الأسد منذ زمن عندما حاول تأسيس جمعية دينية وأراد أن يكون هو ((المهدي المنتظر)) ومنذ ذلك الحين أصبحت موضة عند شباب ومراهقي القرداحة. عندما غادر الفتى مع ابن العائلة التي نزورها شعرت بالإرتياح ضمنياً. لم يدم ذلك الشعور طويلاً حتى أتى شاب ملتح وجلس لساعات كان فيها يحدثنا كل الوقت عن العرض العسكري لجماعات حزب الله الذي أدهش الجميع عند جنازة حافظ الأسد ... وكذلك عن رجولة ((العقيد حسن؟)) الذي ضرب ((مجند شاوي عسكري عنده )) كفاً أدى إلى ثقب أذنه ودخوله المستشفى، وكلام آخر من هذا النوع... لم ألحظ أن أصحاب البيت الذي نزوره قاطعوه أو اعترضوا عليه بل كانوا يصمتون أيضاً.... بعد ساعات ظهر القمر فنظر إليه ذلك الشخص وقال عبارات أعتقد أن لها مدلول ديني، ثم نظر إلينا وقال: ((انظروا ما أوضحها اليوم الصورة ...سبحان الله: حرمنا من رؤيته بيننا ولكنه لم يبخل علينا بظهوره في القمر مرتدياً نظاراته الشمسية..)) لم أفهم ما يقصده إلى أن تابع القول: ((والشيخ (فلان) رأى إلى جانبه صورة ابنه باسل على ظهر حصانه مثل الإمام علي)). تابع الكلام عن القدرة والعظمة، والكل صامت يستمع. قبل نهاية تلك السهرة غادر، غير مأسوف على حضوره، ذلك الشخص وكان أول تعليق سمعته من الأب صاحب البيت الذي نزوره الذي قال: الناس طلعت إلى القمر ونحن نرى صورة حافظ الأسد وابنه فيه.... وإذا كان هو وغيره يريدون رؤية حافظ الأسد فهناك (مشيراً يبده باتجاه آخر) يرونه ((مـ...)) ثم قال ابنه الشاب: لا يوجد احترام لعقولنا وهم يريدون إهانتنا بمثل هذه الكلمات، لا تؤاخذنا يا أستاذ..هذا البني آدم لا يدخل بيتنا إلا في النادر ولغرض ما، وهذه المرة جاء لأنه كما يبدو سمع بوجود شخص غريب عندنا. في نهاية السهرة، شكرنا العائلة ونزلنا عائدين إلى قرية مضيفي الأول بعد عدة كيلو مترات... في الطريق كنا نتحدث عن صورة حافظ الأسد في القمر، فقال مضيفي: هذه شائعة في القرداحة وبالتحديد عند العشيرة التي ينتمي إليها الأسد... ومما يقال ولا نعرف صحته عن تبعات هذه الإشاعة أن أحد الضباط الكبار الذين خدموا نظام الأسد كثيراً قال مرة أن الكلام عن صورة حافظ الأسد في القمر غير مقبول فكان أن سرح من الجيش لهذا السبب. تنهد ثم قال: ((لا سامحهم الله على ما فعلوه ببلادنا وبشعبنا وأهلنا...)). ووعدني بزيارة أخرى خلال إقامتي في المنطقة تكون أفضل.