-
دخول

عرض كامل الموضوع : تاريخ مشرف 2


عاشق من فلسطين
13/03/2005, 04:31
التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة

تمكن منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية المخلوعة من النجاة من الاعتقال بد انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 واختبأ في دمشق وبدأ في تشكيل تنظيم جديد للحزب من أماكن اختفائه المتغيرة باستمرار، مكون من قطاعات عسكرية ومدنية منفصلة، الهدف الرئيسي منه إعادة تقلد القيادة القومية للسلطة. وقد تزعم منيف الرزاز بنفسه القطاع المدني، بينما أبدى اللواء فهد الشاعر، الدرزي رغبته في أن يأخذ على عاتقه مهمة إنشاء المكتب العسكري وتزعم تنظيم الحزب العسكري. بالرغم من أن جهاز حزب منيف الرزاز المكون حديثاً كان يقبل –من حيث المبدأ- أفراداً من جميع الطوائف الدينية كأعضاء إلا أن ذلك لم يكن الحال بالنسبة لقطاع الحزب العسكري والذي استثنى العلويين بصفة خاصة.

وفي الصراع على السلطة الذي حدث في الجيش السوري قبل 23 فبراير (شباط) 1966، كانت الولاءات الطائفية هامة جداً وكانت الثقة بين الضباط من مختلف الطوائف مهزوزة لدرجة أن أعضاء المكتب السياسي لفهد الشاعر رفضوا في البداية السماح للعلويين بالانضمام إلى تنظيمهم، خوفاً من أن تنكشف خططهم لأنصار صلاح جديد وحافظ الأسد العلويين(1).

وفي مطلع عام 1967، حوكم عدد من الضباط في دمشق بتهمة اشتراكهم في مؤامرة القيادة الوطنية المخلوعة، والتي باءت بالفشل في سبتمبر (أيلول) 1966. وقد اتهم منيف الرزاز حينذاك من قبل أنصار نظام القيادة القطرية السورية بإعطاء تعليمات لبعض الضباط خاصة الرائد مصطفى الحاج علي والمقدم صلاح نامور (سنيان) "لقبول أعضاء من طوائف معينة فقط ضمن تنظيماتها" لكي "يثيروا ويستغلوا المشاعر الطائفية" في محاولة لإسقاط القيادة القطرية السورية(2). وفي مقابلة أجريت في وقت لاحق مع منيف الرزاز علق على تلك الاتهامات بالطائفية بما يلي:

إذاً. من الأصل، لم استبعد العلويين، بل بالعكس، فبعد 23 شباط 1966 شمل التنظيم المدني للحزب الذي أسسناه سراً، وكان معارضاً لصلاح جديد وحافظ أسد وسليم حاطوم، عدداً كبيراً من العلويين. وعندما بدأنا في تأسيس التنظيم العسكري وكلفنا فهد الشاعر بهذه المهمة. وبدأ بالفعل في تشكيل قيادة المكتب العسكري طالبته كما طالبه الأستاذ ميشيل (عفلق) عن طريق رسالة مبعوثة من بيروت بعد سفره إلى هناك، بإشراك علي مصطفى (وهو ضابط علوي) في المكتب العسكري. في الواقع إن الروحية التي نشأت قبل 23 شباط 1966 مباشرة جعلت النزاع يأخذ الشكل الطائفي إلى حد كبير وجعلت الضباط العسكريين بقيادة المكتب العسكري حريصين على أن لا يشركوا علويين معهم. طالما هذا العمل سري، وخشوا من أن إشراك العلويين قد يقود إلى كشف التنظيم السري القائم.

فعلى رغم تبادل رسائل بيني وبينهم لإدخال علي مصطفى أكثر من مرة، إلا أنهم أجمعوا على حل القيادة العسكرية في حال انضمامه. فاضطررت أن أقبل، ووافقت على التأجيل (لانضمام علي مصطفى للمكتب العسكري) طالما الثقة غير موجودة.

لقد كان علي مصطفى ببالنا، فرغم أنه أخرج من الجيش وعين بالسلك الدبلوماسي السوري بالخارج إلا أنه كان يأتي إلى سوريا ويجتمع بحافظ أسد، وأعتقد أنه في ذلك الوقت كان من الممكن استغلال وجود علي مصطفى حتى للفصل بين حافظ أسد وصلاح جديد، فشخص مثل علي مصطفى مقرب إلى حافظ أسد وإن كان قد سرح من الجيش، وبالدرجة الأولى مقرب إلى محمد عمران. وعواطفه مع القيادة القومية. كان يمكن الاستفادة منه، لكن المكتب العسكري رفض أن يدخل في القيادة أي علوي خشية من أن ينكشف، لأن الروابط العلوية في ذلك الوقت كانت في أوج قوتها. ولكن التنظيم المدني كان يضم علويين. إذاً. نحن لم نعارض ضم العلويين، إلا أن التنظيم العسكري حساس فعلاً.. فقال الضباط: "لا داعي للعلويين في هذه المرحلة التي تحتاج إلى ثقة من نوع خاص نرفض دخول العلويين(3).

وفي الحقيقة، فإن جهود القيادة القومية المخلوعة لإلحاق علي مصطفى بالمكتب العسكري الذي يقوده فهد الشاعر ماثَلَتْ تعيين اللواء محمد عمران العلوي، فيما سبق وزيراً للدفاع في يناير (كانون الثاني) 1966، ففي كلتا الحالتين كان تعيين ضابط علوي بارز –والذي كان من المفترض أن يتعاطف مع بعض أعضاء القيادة القومية- على ما يبدو بغرض إحداث انشقاق بين الضباط العلويين الآخرين.

تنظيم سليم حاطوم السري

عقد الحكام السوريون الجدد مؤتمراً قطرياً استثنائياً لحزب البعث في دمشق بعد انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 لمناقشة الأسباب المؤدية للانقلاب. وقد تقرر معاقبة جميع أولئك الذين اتخذوا مواقف تقوم على ولاءات طائفية أو إقليمية أو عشائرية معاقبة شديدة، وخاصة إذا كانوا من أعضاء الحزب. كما أُعلن أن "حركة 23 شباط" لم تكن فقط رداً على ما يسمى "بالعقلية اليمينية الدكتاتورية" لأعضاء القيادة القومية المخلوعة واللواء أمين حافظ، ولكن قصد بها أيضاً وضع حد للمناورات الطائفية. وقد رفضت بشدة الاتهامات الموجهة ضد أولئك الذين تقلدوا زمام السلطة في 23 فبراير (شباط) بأن سلطتهم مستندة على الروابط الطائفية والإقليمية بحجة أن الانقلاب تم بمعرفة أفراد "من مجتمع المحافظات السورية". وقيل أن الأمر ذاته ينطبق على أولئك الذين قُبض عليهم أو طردوا من البلاد والذين عرفوا بأنهم ليسوا "جماعة منفصلة" وليسو أعضاء في "طائفة دينية معينة"(4). بيد أنه في الفصل السابق قد أوضحنا كيف أن تشكيلات الكتل الطائفية والإقليمية والعشائرية لعبت دوراً مهماً في الصراع على السلطة بين المعسكرين الرئيسيين المتعارضين في الشهور التي سبقت الانقلاب.

ومن الملفت للأنظار أنه في نهاية المؤتمر القطري الاستثنائي لم يتم إعادة انتخاب اثنين من أبرز وأهم الضباط الدروز بالتنظيم العسكري في القيادة القطرية الجديدة(5)، وهما حمد عبيد وسليم حاطوم، اللذان كانا من أعضاء القيادة القطرية السورية المؤقتة التي تقلدت زمام الحكم رسمياً في 23 فبراير (شباط) 1966.

لقد فقد حمد عبيد(6) مركزه البارز في الحزب (وفي الجيش) نتيجة الموقف الذي اتخذه بعد فترة وجيزة من انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 وكان عبيداً وزيراً للدفاع بوزارة الدكتور يوسف زعين التي استقالت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1965 اثر حل القيادة القطرية السورية، واعتقد أن لديه الحق في استعادة مركزه السابق بالحكومة كمكافأة لدعمه لجديد ضد الحافظ من سبتمبر (أيلول) 1965، عندما عين لأول مرة وزيراً للدفاع إضافة إلى أن الحافظ والقيادة القومية قد تم الإطاحة بهما الآن. ومع افتقاد عبيد لمؤهلات القيادة والإشاعات التي كانت تتردد حول فساد سلوكه بات واضحاً أن وزارة الدفاع بأهميتها لن تسند إليه ثانية، وخاصة أن مساندته لجديد لم تعد ذات أهمية(7).

لذلك، فإن تعيين حافظ الأسد وزيراً للدفاع في 23 فبراير (شباط) 1966 (حتى قبل إعلان مجلس الوزراء الجديد) قد قوبل بالنقد الشديد والرفض من قبل حمد عبيد الذي بالتالي تورط في مشكلات مع النظام الجديد(8). وبعد فترة وجيزة من الانقلاب حث أنصار أمين حافظ حمد عبيد الذي خاب أمله، على خلق أوضاع في حلب تساعد على القيام بانقلاب مضاد من جانبهم (9). بيد أن خطط الانقلاب المضاد هذه باءت بالفشل وتم القبض على عبيد ومعظم المتورطين في الانقلاب من قبل أنصار النظام الجديد(10).

وقد ضعف وضع سليم حاطوم في الحزب بسبب النقد الشديد للوحشية التي تم بها اتخاذ أمين الحافظ سجيناً(11). ورغم أن سليم حاطوم كان له "نصيب الأسد" في تنفيذ انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 إلا أنه لم يكافأ على دوره الفعال والحاسم، بل أيضاً فقد اعتباره في الحزب. وقد شعر بأنه خُدع من قبل صلاح جديد، الذي أيده في الانقلاب، كما شعر بأنه ظلم لعدم منحه الوظائف العسكرية والسلطة التي اشتهاها. كل هذا جعله على استعداد للتآمر ضد النظام الجديد الذي كان قد سبق وساعده للوصول للسلطة. وعلى أمل تحقيق طموحاته أخيراً، بدأ حاطوم في بناء تنظيم عسكري خاص به، حيث كانت غالبية الضباط الصغار من جبل الدروز وكانوا في معظم الحالات أعضاء بطائفة الدروز. وبالإضافة إلى بعض الضباط الدروز البارزين مثل المقدم طلال أبو عسلي، قائد وحدات الجيش السوري على الجبهة مع إسرائيل وأمين فرع الحزب العسكري المتطابق، فإن القيادة ضمت بعض الأشخاص من غير الدروز، مثل مصطفى الحاج علي، القائد السني لجهاز المخابرات العسكرية، وهو من حوران، المحافظة السورية الجنوبية المتاخمة لجبل الدروز(12).

وفي القطاع المدني اتصل حاطوم بأعضاء ما يسمى بجماعة الشوفيين والتي كانت تتشكل أساساً من الدروز، وجماعة الشوفيين هذه (والتي تعرف أيضاً في نشرات حزب البعث بالمنشقين) كانت إحدى جماعات حزب البعث السوري تحت قيادة حمود الشوفي (درزي من السويداء) الذي شغل منصب الأمين العام للقيادة القطرية السورية في الفترة من سبتمبر (أيلول) 1963 حتى فبراير (شباط) 1964 ولعب فيها دوراً هاماً في إعادة بناء الجهاز المدني لحزب البعث في سوريا. وقد تمتعت جماعة الشوفيين باتجاهات أيديولوجية قوية، وبالذات الأفكار الماركسية، كما كان لها العديد من الأتباع في الكثير من فروع الحزب السورية. بيد أن أتباع تلك الجماعة كانوا أكثر عدداً من فرع الحزب بمنطقة مسقطة رأس حاطوم : جبل الدروز، إن موقفهم المتسم بالنقد تجاه معظم قادة اللجنة العسكرية قد أدى إلى تصفية بعض أعضاء جماعة الشوفيين البارزين (بمن فيهم حمود الشوفي) من حزب البعث في 1964 و 1965(13). وفي عام 1966 كان هناك لا يزال بعض أنصار الجماعة داخل جهاز حزب البعث بالنظام الجديد، حيث قام سليم حاطوم بتمثيلهم لحد ما في الجيش(14). ويرجع تاريخ علاقة حاطوم بجماعة الشوفيين إلى عام 1963 عندما أخذوا يفقدون السلطة داخل الحزب واختاروا حاطوم كي يكون قائدهم العسكري(15).

وربما يكون انحدار العديد من أبرز أعضاء جماعة الشوفيين من جبل الدروز، شأنهم شأن سليم حاطوم، قد حثهم على التعاون معه، رغم عدم تمسكه بوجهة نظر أيديولوجية محددة وواضحة.

لكن تنظيم حاطوم العسكري وتنظيم القيادة القومية المخلوعة افتقدا القوة القادرة على إسقاط نظام جديد والأسد. ولأسباب تكتيكية بحتة قرر حاطوم وأعضاء المكتب العسكري بقيادة فهد الشاعر التعاون معاً، وظل التنظيمان العسكريان منفصلين عن بعضهما البعض، بينما تعاون قادتهما معاً إلى حد ما(16). وقد عقدت عدة اجتماعات بين ممثلي الجماعتين، حيث وضعت خطة بهدف الإطاحة بالنظام القائم(17). ونظراً للعلاقة السابقة بين حاطوم والقيادة القومية التي أطيح بها بمساعدته، فإنه بات واضحاً أن كلتا الجماعتين تعاونتا فقط بهدف تخلص الواحدة من الأخرى فيما بعد(18).

الاستقطاب الطائفي العلوي– الدرزي وانقلاب سليم حاطوم الفاشل 8 (سبتمبر (أيلول) 1966)

في 10 أغسطس (أب) 1966. حدث أن اكتشفت القيادة القطرية السورية بطريق الصدفة خطط الانقلاب المدبر من قبل القيادة القومية المخلوعة وسليم حاطوم، وتمكنت تدريجياً خلال بقية الشهر معرفة أسماء الأشخاص الآخرين المتورطين في الانقلاب المدبر.

وقد اختار فهد الشاعر يوم 3 سبتمبر (أيلول) 1966 موعداً مناسباً للانقلاب العسكري، بيد أنه فيما بين 25 أغسطس (أب) و3 سبتمبر (أيلول) 1966 تكشف الجزء الأكبر من التنظيم العسكري السري للقيادة القومية المخلوعة، بما في ذلك تشكيل مكتبه العسكري، وحيث أنه تم اعتقال العديد من ضباطه، فقد أصبح غير محتمل قيامه بأي عمل ناجح ضد نظام القيادة القطرية. لذلك فقد لجأ فهد الشاعر للاختباء بناء على تعليمات الرزاز وتخلى عن أي خطط أخرى للتعاون مع حاطوم عسكرياً، بيد أن حاطوم ذاته استمر في مؤامراته ضد القيادة القطرية، حيث انتهى الأمر بانقلاب فاشل في 8 سبتمبر (أيلول)(19).

وفي أوائل سبتمبر (أيلول) 1966 شرع كل من سليم حاطوم وطلال أبو عسلي ومصطفى الحاج علي في الانتقاد العلني للاعتقالات التي جرت في أغسطس (أب) للضباط المتورطين في المؤامرة التي تكشفت أخيراً، وركزوا في انتقادهم على ما تردد عن عدم وجود ضابط واحد علوي من بين الضباط المعتقلين والمطلوبين للاعتقال، بَلْ كونهم جميعاً أعضاء من طوائف دينية أخرى. وبالنسبة لحاطوم أبو عسلي والحاج علي (كما ورد فيما بعد) كانت هذه "مسألة حساسة" يقع عبئها على عاتق قائد الجيش والحزب(20).

وقد استطاع سليم حاطوم استغلال القضية الطائفية بالإشارة إلى حقيقة أنه منذ انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 قد تم تصفية ضباط دروز بارزين من الجيش والحزب، أمثال حمد عبيد، والآن جاء اعتقال القادة الدروز أمثال طلال أبو عسلي وفهد الشاعر – الذي يشغل أعلى الرتب بين الضباط الدروز في الجيش السوري – من قبل قيادة الجيش بتهمة التورط في المؤامرة التي تكشفت أخيراً(21).

ولم يكن غريباً أن نسبة كبيرة من الدروز كانوا ضمن الضباط المعتقلين بصدد هذه المؤامرة، حيث كانوا يشكلون العضوية الأساسية لتظيم حاطوم العسكري السري. إضافة إلى ذلك، نجد أن فهد الشاعر عندما شرع في بناء التنظيم العسكري السري للقيادة القومية المخلوعة، لجأ لطائفته الدينية الدرزية، لما أعطاه هذا الإجراءات من مزايا إضافية في الاحتفاظ بالسرية، فأي شخص يجند أعضاء طائفته الدينية – وخاصة في مواقف تلعب فيها الشكوك الطائفية والتوترات دوراً هاماً – يقلل من المخاطرة بتسرب خططه لأعضاء الطوائف الأخرى.

إن الدواعي السرية والأمن والشكوك في الضباط العلويين جعلت المكتب العسكري للقيادة القومية المخلوعة يرفض منذ البداية قبول أعضاء من هذه الطائفة الدينية داخل تنظيمه العسكري. لذلك فكان من الطبيعي عدم وجود علويين ضمن المعتقلين بصدد هذه المؤامرة. ولم يكن هذا الأمر معروفاً خارج نطاق المكتب العسكري . فمنذ الصراع على السلطة بين أمين حافظ وصلاح جديد، تزايدت الشكوك تجاه عدد من الضباط العلويين داخل جزء من سلك الضباط السوري. ولم يكن من العسير على حاطوم وأنصاره استغلال وتقوية هذه الشكوك بين أفراد طوائفهم الدينية، التي كان الدروز يشكلون النسبة الكبيرة منهم.

وبهذا خلق حاطوم ومعاونوه المقربون من الدروز الانطباع – الذي كان له تأثير على النبوءة المحققة لذاتها لحد ما – بوجود تجمع أو استقطاب طائفي علوي – درزي في القوات المسلحة السورية. وقد نجح حاطوم بالتعاون مع أبو عسلي، في كسب تأييد الغالبية العظمى (تكاد تكون من الدروز بالكامل) لفرع الحزب المدني بجبل الدروز. وكذلك أعضاء التنظيم العسكري السري للقيادة القومية المخلوعة، الذين كانوا متمركزين في جبل الدروز(22).

إن اعتقال الضباط الدروز الذين أيدوا انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 في البداية واشتركوا فيه، بجانب جهود قيادة الجيش في تعيين مؤيدي صلاح جديد وحافظ الأسد في المراكز السياسية والاستراتيجية الهامة داخل وحدات الجيش التي كان يسيطر عليها أعضاء دروز من مجموعة حاطوم، كل ذلك سبب فزعاً كبيراً وقلقاً في فرع الحزب بجبل الدروز(23). وبالتالي، قامت قيادتها في 7 سبتمبر (أيلول) 1966 بتقديم مذكرة خاصة لصلاح جديد وضحت فيها وجهة نظر الغالبية من أعضاء فرع السويداء(24).

وقد أعلن أن هؤلاء الأعضاء ما زالوا يؤيدون تصفية ما يسمى بـ "العناصر اليمينية"(25) من الحزب، ما دامت لا تشمل الضباط (المتورطين) الذين اشتركوا في انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966، إلى جانب القيادة القطرية(26)، وفيما يتعلق بهؤلاء الضباط، فقط طلب فرع السويداء إعادة جميع من نقلوا لمراكز أقل أهمية في ذاك الوقت، أو الذين اعتقلوا، إلى مراكزهم السابقة، حتى يتم إثبات تورطهم المزمع بصورة قاطعة في المؤامرة ضد القيادة القطرية لأعضاء الحزب الأقل رتبة، كما اقترح انعقاد مؤتمر قطري أو اجتماع على مستوى أقل لبحث أزمة الحزب. وفي الختام هدد أعضاء جبل الدروز في مذكرتهم بتجاهلهم لأية تعليمات أخرى صادرة عن القيادة القطرية وبمقاطعتهم لأية انتخابات مستقبلية للحزب، إذا ما استمرت عملية تصفية الضباط الذين ينحدرون إلى جبل الدروز والذين شاركوا في انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 حتى انعقاد الاجتماع المُقترح.

وكرد فعل لهذه المذكرة، قررت القيادة القطرية للحزب إرسال لجنة حزبية عليا للسويداء، تتكون من الرئيس السوري والأمين العام المساعد صلاح جديد، وجميل شيا العضو الوحيد الدرزي بالقيادة القطرية. وكان غرض اللجنة هو شرح خلفية "أزمة الحزب" لأعضاء الحزب في السويداء.

وهنا، اغتنم حاطوم وأنصاره فرصة وصول اللجنة واعتقلوا جديد والأتاسي لاستغلالهم كرهائن أثناء مفاوضاتهم اللاحقة مع سلطات الحزب والجيش، بما فيها حافظ الأسد الذي بقي في دمشق. وقد تم اعتقال ضباط بارزين آخرين أمثال القائد العلوي للحرس الوطني النقيب محمد إبراهيم العلي، الذي تم اعتقاله بالسويداء على يد الملازم أول عبد الرحمن بطحيش الدرزي رئيس فرع المخابرات العسكرية المحلي، فقد نصب لهم فخاً عن طريق عودتهم لوليمة، وفي نفس الوقت نجح أنصار عسكريون آخرون لحاطوم في مفاجأة لواء السويداء والاستيلاء عليه، ولم يتم اعتقال جميل شيا العضو الدرزي الوحيد في لجنة القيادة القطرية من قبل أبناء طائفته الدينية. لذلك فقد تمكن من التوسط بين جديد وحاطوم(27).

وجدير بالملاحظة أنه في الأزمات التي تتسم بالطائفية يفضل اختيار الوسطاء من نفس الطائفة الدينية (وإن أمكن من نفس المنطقة) لإجراء المفاوضات والسبب هنا واضح، ألا وهو أنه في مثل هذه الأزمات غالباً ما يكون لدى أفراد الطائفة الدينية الواحدة (والمنطقة) ثقة أكبر في بعضهم البعض(28).

وأثناء مفاوضاته (الهاتفية) مع وزير الدفاع حافظ الأسد، ورئيس الوزراء يوسف زعين، طالب سليم بعدة اشتراطات بينها:

1 - عودة أهم مؤيديه إلى مراكزهم العسكرية التي طردوا أو نقلوا منها بعد 23 فبراير (شباط) 1966.

2 - إطلاق سراح أتباعه أو زملائه الذين اعتقلوا مؤخراً فيما يتعلق باكتشاف المؤامرة ضد القيادة القطرية.

3 - إبعاد بعض من أهم وأبرز أنصار صلاح جديد من الجيش.

4 - إعادة قبول ما أسماه حاطوم بـ "اليساريين" (أي جماعة الشوفيين) في الحزب.

5 - استقالة القيادة القطرية السورية التي اختيرت في مارس (آذار) 1966 وتعيين قيادة قطرية سورية مؤقتة جديدة تضم خمسة أعضاء على الأقل من جماعة الشوفيين، إلى جانب بعض الأعضاء الحاليين بالقيادة القطرية(29).

ورفضت قيادة الجيش تماماً الرضوخ لأي من هذه المطالب، وعوضاً عن ذلك أرسلت وحدات عسكرية تضم كتيبة الصواريخ للسويداء، مهددة بقصف عاصمة المحافظة(30).

ونتيجة لهذه الإجراءات المضادة الفعالة فشل انقلاب سليم حاطوم في 8 سبتمبر (أيلول) 1966. وقرر أخيراً كل من حاطوم وأبو العسلي الفرار إلى الأردن. وذلك – كما أعلن أبو عسلي فيما بعد – "لتفادي اشتباك مسلح على مثل في هذا المدى القريب من الجبهة مع إسرائيل"(31).

الدعاية الطائفية ضد العلويين

في 13 سبتمبر (أيلول) 1966 عقد حاطوم مؤتمراً صحفياً في عمان وسرد روايته لما حدث في السويداء 32، وصرح بأن "الوضع في سوريا مهدد بوقوع حرب أهلية نتيجة لتنمية الروح الطائفية والعشائرية التي يحكم من خلالها اللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد والفئات الموجودة حولهما" 33، وأضاف حاطوم قائلاً:

إن الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا وخاصة في الجيش سواء بتعيين الضباط وحتى المجندين وإن الفئة الحاكمة تعمد إلى تصفية الضباط والفئات المناهضة لها وتحل مكانها من أتباعها في مختلف المناصب، فقد بلغت نسبة العلويين في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى(34).

وفي مقابلة مع حاطوم وأبو عسلي مع صحيفة النهار بتاريخ 14 سبتمبر (أيلول) 1966 صرح حاطوم بأنهم فروا إلى الأردن من أجل أن يناضلوا بأسلوب آخر أو بطريقة أخرى "لإنقاذ الجيش وإبعاد الروح الطائفية التي سيطرت عليه"(35) ومضى قائلاً:

إذا ما سئل عسكري سوري عن ضباطه الأحرار سيكون جوابه أنهم سرحوا وشردوا ولم يبق سوى الضباط العلويين، إن الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم وهمهم حماية صلاح جديد وحافظ أسد، إن الاعتقالات الأخيرة شملت مئات الضباط من جميع الفئات إلا العلويين(36).

إذن، فاتهامات حاطوم الموجهة لحافظ الأسد وصلاح جديد والإيحاء بأن هؤلاء القادة البعثيين العلويين مذنبون، لقيامهم بتطبيق سياسة طائفية في الجيش واعتقال الضباط غير العلويين فقط، لم يكن لها ما يبررها، فلم يكن بالإمكان إلقاء اللوم مباشرة على جديد والأسد، رغم احتمال كونهما السبب غير المباشر، لعدم قبول العلويين من حيث المبدأ في التنظيم العسكري للقيادة القومية المخلوعة.

وأضاف طلال أبو عسلي لملاحظات حاطوم أن وضع الجيش السوري دقيق جداً وخطر.

إذ إن جميع أبناء الوطن هم ضد كل ما هو علوي، وهذا الانقسام قائم في الجيش لدرجة الاقتتال في أية لحظة، وإن هذا سيكون رداً طبيعياً على التكتل العلوي المنتحل صفة الحزب.

إن التسلط العلوي شمل كل المستويات لدرجة أنك ترى المرأة العلوية تتصرف وكأنها هي السلطة وفي كل المنازل التي يسكنها العلويون يرى جيرانهم بوضوح تسلطهم باسم السلطة وباسم الحزب وكل علوي من كبير أو صغير يعرف ماذا سيحدث من تطورات ومن تنقلات ومن اعتقالات قبل أن يعرف بعض كبار المسؤولين(37).

وأخيراً روى أبو عسلي أنه "عندما تم اعتقال الضباط في الجبهة" (الذين كانوا متورطين في المؤامرة ضد القيادة القطرية).

كانت النساء العلويات يزغردن ويهللن على مسامع نساء الضباط المعتقلين وهذه صورة بسيطة عن الجو في البلد (38).

وبعد مضي أسبوعين أصدر سليم حاطوم تصريحاً بتاريخ 28 سبتمبر (أيلول) 1966 شمل –وفقاً لما ذكرته جريدة الحياة- اتهاماً بأن المجموعة الحاكمة في دمشق.

عقدت العزم على تنفيذ خطة طائفية بغية إقامة نظام انتهازي يحمل شعار "دولة علوية ذات رسالة خالدة" يلمع فيها العميد صلاح جديد ونور الأنوار إبراهيم ماخوس(39).

ومن الواضح أن شعار "دولة علوية ذات رسالة خالدة" تلاعب ألفاظ الشعار البعثي "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" أما نور الأنوار والعميد فهما مصطلحان ومرتبتان دينيتان علويتان.

ويمثل هذه التصريحات حاول حاطوم وأتباعه زيادة التوتر الطائفي بين المواطنين السوريين وبين صفوف الجيش السوري جاعلين حافظ الأسد وصلاح جديد والقادة العلويين الآخرين موضع اشتباه في نظر غير العلويين بهدف تقويض مراكز سلطتهم(40)

التصفيات اللاحقة لانقلاب حاطوم الفاشل

لقد تم إجراء تصفيات واسعة النطاق في الجيش السوري وحزب البعث إثر انقلاب سليم حاطوم الفاشل، وشملت التصفيات العديد من الضباط الدروز، وهذا أمر طبيعي نظراً لأن حاطوم وأبو عسلي كانا قد اعتمدا بصورة رئيسية على تأييد الدروز(41) وغالباً ما كان يتم تسليم زمام القيادة بالوحدات العسكرية التي تم تصفيتها إلى ضباط علويين(42).

وقد تركت المؤامرة الفاشلة بصماتها على مسار الأحداث السياسية في سوريا حتى عام 1967 الذي شهد المزيد من حملة التصفيات وظل فرع الحزب بجبل الدروز مشلول الحركة والنشاط لأكثر من ستة أشهر بعد فشل حاطوم(43).

إن العملية الفاشلة وما تلاها من تصفيات واعتقالات قد أثارت الطائفة الدرزية السورية، حتى أن القائد المخضرم سلطان الأطرش قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925 والذي كان لا يزال يحظى باحترام كبير أرسل برقية مفتوحة لرئيس الأركان السوري في ديسمبر (كانون الأول) 1966 نصها كالآتي:

أولادنا في السجون مضربون نحملكم مسؤولية النتائج، لقد اعتاد الجبل وما يزال أن يقوم بالثورات لطرد الخائن والمستعمر ولكن شهامته تأبى عليه أن يثور ضد أخيه ويغدر ببني قومه، هذا الرادع الوحيد تقتصر مبدئياً على المفاوضات(44).

وقد كان من الصعب على حكام دمشق (ومعظمهم علويون) تهدئة الطائفة الدرزية بعد تزعزع ثقتها في السلطات المركزية بدرجة كبيرة(45).

وفي مارس (آذار) 1967 قدّم العديد من الأشخاص المتورطين في المؤامرة الفاشلة –وأكثرهم بصورة غيابية- إلى محاكمة عسكرية خاصة شكلت في دمشق، وكانت أهم تهمتين وجهتا للمتهمين:

1- الاشتراك في مؤامرة للإطاحة بنظام الحكم.

2- التحريض على حرب أهلية وانقسام طائفي(46).

وطالب النائب العام أن يصدر ضد خمسة من الضباط وجميعهم من الدروز حكم الإعدام(47).

ومن العواقب الهامة للمؤامرة الفاشلة –فضلاً عن تصفية أو تحييد جماعات الضباط السنيين الهامة بعد انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966- تصفية أبرز جماعات الضباط الدروز والجماعات التي بقيت لم يعد لها القدرة على تكوين كتل فورية قوية منفصلة يمكنها أن تهدد النظام بصورة خطيرة.

تصفية الجماعات الحورانية البارزة

قوي مركز بعض الضباط العلويين من جراء حملة التصفية للعديد من الضباط الدروز البارزين وأعداد قليلة من ضباط محافظة حوران على سبيل المثال. فقد أقلقت مشاعر التوتر والشكوك الطائفية والإقليمية الجماعية المتداخلة والتي اندلعت خلال الصراع على السلطة بين النخبة السياسية البعثية عدداً من أعضاء الحزب حول مدى سيطرة العلويين داخل الحزب والقوات المسلحة(48). وخلال الشهور الأولى من عام 1967 قدم قادة بعض الفروع والشعب والفرق استقالتهم من مهام وظائفهم الحزبية، رافضين الاشتراك في أية اجتماعات أو نشاطات حزبية أخرى، تعبيراً عن قلقهم تجاه التوترات الطائفية والإقليمية الجماعية المتداخلة في جهاز الحزب والقوات المسلحة وأيضاً إظهاراً لقلقهم تجاه سيطرة جماعات معينة –خاصة العلويين- سواء كانت طائفية أو إقليمية أو عشائرية(49).

وقد تم التعبير ظاهراً عن هذه التوترات عندما هدد ثلاثة وزراء من محافظة حوران بتقديم استقالتهم من الحكومة السورية(50). وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في يونيو (حزيران) 1967 فقد بعض البعثيين المدنيين البارزين من حوران مراكزهم في قيادة الحزب والحكومة(51). وفي 14 فبراير (شباط) 1968 تم إعفاء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش السوري – وهو من حوران وكان فيما سبق من أبرز أنصار صلاح جديد - من مهام منصبه في الجيش(52). وكان هذا يعني خلع الشخصية العسكرية الرئيسية المتبقية من حوران(53). وفي الواقع كان يعني هذا الإجراء تصفية أو تحييد البعثيين العسكريين والمدنيين الحورانيين من جهاز الحزب والجيش بوصفهم كتل قوى منفصلة، وهذا لم يكن يعني عدم وجود أي ضباط حورانيين بالجيش أو أن البعثيين الحورانيين قد حرموا من شغل مناصب عليا في جهاز الحزب، بل كان يعني نهاية دورهم كمجموعة قوة لها وزنها، ولم يمنحوا فيما بعد فرصة إعادة تجميع أنفسهم كجماعات ذات قوة في القوات المسلحة أو داخل الحزب. وكانت الفصائل الحورانية فيما مضى تستمد تأثيرها وقوتها من التحالفات القائمة مع المجموعات الأخرى كتلك التابعة لصلاح جديد أو سليم حاطوم(54).


هوامش الفصل الرابع

(1) تكون المكتب السياسي في القيادة القومية المخلوعة على النحو التالي: فهد الشاعر (درزي) أميناً، صلاح نمور (سني)، مجلي القائد (مسيحي من بصير، حوران)، علي سلطان، شريف سعود وعلي الضماد (سني من حوران). ولم تبق عضوية المكتب العسكري على حالها. بل تغيرت عدة مرات. وهكذا، كان المقدم إسماعيل هلال عضواً أيضاً لمدة قصيرة. (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974. حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القومية، مقررات المؤتمر القومي التاسع المنعقد في النصف الثاني من أيلول 1966 (دمشق) (من الآن فصاعداً مقررات المؤتمر القومي التاسع). ص70 البعث. 29 و31 يناير(كانون الثاني) 1967. 5 و15 و28 مارس (آذار) 1967. الثورة 29 يناير (كانون الثاني) 1967).