Barleb
01/05/2006, 20:57
في الآونة الأخيرة، كثرت اتصالات الأجهزة الأمنية تسأل عني، لدرجة أوصيت أفراد أسرتي في حال كان السائل رجلاً لا يتحدث (السريانية)- عذراً من أصدقائي العرب والأكراد وهم كثر- أجيبوه فوراً بأنني غير موجود.لكن المشكلة أن أولادي، وجميعهم في سن الطفولة، لم يتعلموا فن الكذب بعد، لهذا من السهل على (المخابرات السورية) اختراق الاجراءات والاحتياطات الأمنية المتبعة في المنزل. رن الهاتف...ألو... بابا بالبيت... نعم... بابا رد ... ألو...أستاذ (سليمان)...نعم خيراً ...معك أبو(...) من أمن الدولة: عليك مراجعة قسم التحقيق في الفرع حالاً...! هكذا وبصيغة (الأمر العسكري) تحدث معي.مع أن كل طلبات (الجهات الأمنية) في سوريا هي أوامر عسكرية غير قابلة للنقاش،لكن لا أعرف ما الذي جعلني أشعر هذه المرة بأن رنة الهاتف كانت بمثابة ( صفارة انذار) واستنفار مخابراتي علي.
خشية من أن يأتوا ويأخذوني موجوداً وبالقوة،كما يحصل في هذه الأيام مع غالبية النشطاء السياسيين المعارضين،على الحال غادرت المنزل سيراً على الأقدام أبحث عن فرع (أمن الدولة) في مدينتي (القامشلي).ذهبت الى أول مبنى للمخابرات فإذا به فرع ( الأمن السياسي) تابعت المسيرة وصلت الى مبنى أمني آخر فإذا به (الأمن العسكري)،تابعت رحلة البحث، من غير أن أمر على (الأمن الجوي) بحكم وجوده في مطار المدينة، أخيراً دلني المارة على فرع ( أمن الدولة)، وهم خائفين. طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تطلبني المخابرات، ولكنني أحاول دوماً أن أنسى في مدينتي الصغيرة يوجد العديد من (الفروع الأمنية)،تحمل جرحاً أليماً في ذكريات الكثير من أبناء المدينة وزرعت الخوف في قلب كل من يتعاطى السياسة والشأن العام، في حين لا يوجد في (القامشلي) سوى (مركز ثقافي عربي) يتبع لحزب البعث الحاكم،لا يسمح فيه نشاطاً إلا باللغة العربية، والقامشلي تتحدث بأربع لغات وطنية.
في فرع (أمن الدولة) أخذني موظف الاستعلامات الى قسم التحقيق، حيث بلغوني بأن علي أن اراجع (دائرة أمن الدولة) بدمشق فرع (300 )في الساعة العاشرة من صباح يوم التاسع والعشرين من آذار أي بعد أقل من 48 ساعة من تاريخ ابلاغي، طبعاً من غير أن استشر فيما إذا كنت قادراً على السفر خلال هذه المدة القصيرة والقامشلي تبعد عن دمشق عشرة ساعات سفر في السيارة.على أية حال، وقعت على تصريح التبليغ وغادرت الفرع عائداً الى المنزل مهموماً، أسأل نفسي: ماذا وراء هذا الاستدعاء الأمني ؟ ولماذا الآن..؟. هل من خطوط حمر ، وما أكثرها في السياسة السورية، قد تجاوزتها في تصريحاتي أو مقالاتي من غير أن أعرف...ربما؟. بالرغم من أنني كنت مطمئناً الى حد ما من عدم وجود ما يستوجب اعتقالي، لكن في سوريا هذا غير كافي لكي يطمئن المرء على نفسه من الاعتقال والحبس ومن شر الأجهزة الأمنية. فكثيرون قبعوا في السجون وفروع التحقيق لسنوات طوال من غير أن يعرفوا سبب اعتقالهم وخرجوا من غير أن يقدموا الى القضاء.لهذا كنت أخشى أن يخبأ هذا الاستدعاء لي مكروهاً(سجناً أو تعذيبً)،خاصة وهي المرة الأولى التي استدعى الى التحقيق في العاصمة( دمشق)،وهو الخوف الذي يقبع ويعشعش في قلب كل كاتب أو صحفي أو ناشط سياسي سوري معارض وممن يتعاطون في الشأن العام، إذا ما استدعته ( المخابرات).وقد زادني الرقم(300) قلقاً، فأنا لا أفهم بلغة الأرقام ورموز الاستخبارات وماذا تعني هذه الأرقام مهنياً ولا بأي نوع من صنوف وفنون التعذيب هي مختصة.
بدون تردد في اليوم التالي غادرت (القامشلي) ليلاً، تاركاً الأسرة في قلق بالغ على مصيري، متوجهاً الى (دمشق) العاصمة،حيث مقر جميع أجهزة المخابرات السورية ومركز كل القرارات والأوامر وحيث الغرف والمكاتب المغلقة التي فيها ترسم السياسة السورية وتحدد الخطوط الحمر والصفر والخضر وتقرر مصير البلاد والعباد. في إحدى هذه الغرف والمكاتب أدخلوني وجرت مجريات الاستجواب والتحقيق ومن ثم ( الحوار). اللذين قابلتهم ثلاث أشخاص: موظف مدني وعميد في (الأمن الداخلي) واللواء ( رئيس الإدارة).جميعهم كانوا لطفاء معي واستقبلوني بطريقة حضارية مهذبة، لدرجة أشعروني بأنني في زيارة لأشخاص أعرفهم منذ زمن وليسوا بكبار رجالات وجنرالات الأمن السوري اللذين اشتهروا بهيبتهم وقسوتهم. أعتقد بأن هذا مؤشر على أن ثمة تحول مهم في سلوك الأجهزة الأمنية وطريقة تعاطيها مع الناشطين السياسيين المعارضين.طبعاً يبقى الأساس في هذه الظاهرة أن لا تبقى الايجابية مجرد مبادرات شخصية تتعلق بالأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة للأشخاص و تنتهي بتغييرهم، أو مجرد سياسة تكتيكية مرحلية تفرضها ظروف وضرورات المرحلة.فالمهم هو أن تعمم هذه الظاهرة وتتحول الى نهج وآليات عمل مؤسساتي لجميع الأجهزة الأمنية والحزبية، تكون مقدمة لمرحلة وحياة سياسية جديدة في سوريا ومؤشر واعد على انتهاء زمن (جمهورية الخوف) التي بناها الاستبداد طيلة الحقبة الماضية والأمل بانتقال سوريا من (دولة أمنية) الى (دولة مدنية ديمقراطية)، وأن تعود الى سابق عهدها (جمهورية مدنية دستورية) تحكم بالقانون والدستور والقضاء المستقل، بعيداً عن قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية.
في البداية، كان اللقاء مع (د.عميد) في (جهاز الأمن الداخلي) بحضور موظف مدني،امتد الحديث لساعات، وإن غلب عليه طابع الحوار والنقاش الهادئ لكنه كان استجواباً وتحقيقاً،حيث كان يدون الموظف المدني بعض من أجوبتي حول موضوعات تتعلق بالمنظمة الآثورية الديمقراطية التي انتمي اليها وبنشاطاتي السياسية وكتاباتي وعن جولتي الى أوربا وحضور (ندوة لندن) التي نظمها (المعهد الملكي البريطاني) للدراسات السياسية عام 2004.لا شك،مهما كان الحور رفيعاً ومفتوحاً مع رجالات الأمن يبقى في النهاية استجواباً يحمل شيء من الإكراه وبالتالي يفتقر الى أحد أهم مقومات وشروط الحوار الديمقراطي المتوازن. لكن،نظراً للتماثل والارتباط الوثيق بين المؤسسة (السياسية /الحزبية) والمؤسسة (الأمنية/العسكرية) في سوريا- لا بل هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسية- يجب عدم التقليل من القيمة الوطنية أو الفائدة السياسية،للحوارات واللقاءات بين شخصيات من المعارضة السورية وجنرالات الأجهزة الأمنية، وإن جاءت هذه اللقاءات عبر الاستدعاءات الأمنية،فهي بشكل أو بآخر نوع من الحوار الغير مباشر بين (السلطة) و(المعارضة) التي أقر العميد بها وبوطنيتها.وحين ذكرت له بأن هذه المعارضة التي يصفها بالوطنية،نعتت بالخيانة والعمالة والتجسس لإسرائيل والخارج وبطش بها من قبل طلبة بعثيين وعناصر أمنية أمام ضباط الشرطة وكبار موظفي وزارة العدل، اثناء الاعتصام السلمي الذي نظمته في التاسع من آذار الفائت امام القصر العدلي لمجرد مطالبتها برفع (حالة الطوارئ)، قال معقباً:مثلما نحن نعترف بوجود، في السلطة، اشخاص سيئين وانتهازيين، كذلك على المعارضة الوطنية أن تعترف بوجود أطراف أو اشخاص مسيئة لا تهمها مصلحة الوطن،وعندما طلبت منه تحديد هذه الأطراف المندسة في المعارضة الوطنية، لم أسمع جواباً واضحاً.
بالنسبة للقاء مع اللواء( رئيس ادارة أمن الدولة)جرى بحضور العميد، بدون الموظف المدني،كان قصيراً نسبياً، لكنه كان بحق حواراً متبادلاً.استفسر اللواء عن طبيعة الضغوطات والمضايقات التي تتعرض لها المنظمة وعن رؤيتها لمستقبل سوريا ومواقفها من ما يجري في الداخل والخارج وتوجهات المنظمة بعد صدور قانون الأحزاب الذي لن يرخص لأحزاب آشورية وكردية ودينية.وقد أكدت في حديثي على النهج الوطني للمنظمة الآثورية الديمقراطية وحرصها الشديد على الوحدة الوطنية، لأن في الفوضى وزعزعة استقرار سوريا سيكون الآشوريين والمسيحيين عامة أكثر فئات الشعب السوري تضرراً والحالة العراقية نموذجاً.وأوضحت طبيعة الغبن والاضطهاد الذي لحق بالآشوريين(السريان) السوريين جراء السياسات الخاطئة لحزب البعث الحاكم وسياسة الاستبداد القومي التي يمارسها والتي أدت الى هجرة أكثر من ربع مليون آشوري(سرياني/كلداني) من الجزيرة السورية منذ استلامه السلطة عام 1963.
وتوقفت عند مخاطر استمرار الدولة السورية في تجاهل حقوق الإنسان الآشوري في وطنه و بقاء تعاطيها مع التراث والحضارة الآشورية(السريانية ) بعقلية سياحية ( الترويج السياحي) وليس بدافع الغيرة والحرص الوطني على هذا التراث السوري الأصيل واحيائه وتحبيبه بالمواطن السوري،وتأثيرات ذلك على استقرار الآشوريين(سريان/كلدان).إذ هناك خشية حقيقة، إذا ما استمر البعث الحاكم في توجهاته السياسية ولثقافية والاقتصادية والاجتماعية الخاطئة، من أن يأتي يوم نرى فيه سوريا (الموطن الأول للسريان الآشوريين والتي تحمل اسمهم) من غير آشوريين وقد خلت من هذا المكون السوري الأصيل.الجميع كانوا يصغون بشكل جيد للحديث، وأعتقد بأنهم تفهموا هواجس المنظمة. وعن قضية، المعتقل (يعقوب حنا شمعون) منذ أكثر من عشرين عاماً في سجن صيدنايا، سمعت منهم كلاماً ايجابياُ ومشجعاً.و اللافت أنهم لم يعد يدافعوا، كما كانوا في السابق، بالمطلق عن ممارسات الأجهزة الأمنية وعن سياسات حزب البعث، إذ بدءوا يقرون ببعض الأخطاء ويدافعون عما يرونه هم في الصالح العام وأمن الوطن.
بدا واضحاً أن هذا الاستدعاء يحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من تجاه. ألي ككاتب ناقد لسياسات النظام والى (المنظمة الآثورية الديمقراطية)التي انتمي أليها والموقعة على (اعلان دمشق). فالاستدعاء يأتي في اطار إفهام قوى (المعارضة السورية) في الداخل،
خاصة تلك الموقعة على (إعلان دمشق)بأن التعاطي مع الخارج والتعاون مع (جبهة الخلاص الوطني) التي تشكلت مؤخراً في بروكسيل من (عبد الحليم خدام) النائب السابق للرئيس والمنشق عن النظام و(جماعة الإخوان المسلمين)- وهي طرف داخل في اعلان دمشق- ومن بعض الشخصيات والتنظيمات السورية في الخارج، هو خط أ حمر رقم واحد.فمن المعروف أن النظام في سوريا يربط تحركات المعارضة السورية في الخارج وتشكيل هذه الجبهة مع الضغوط الخارجية (الأمريكية والأوربية) التي تمارس عليه.
خشية من أن يأتوا ويأخذوني موجوداً وبالقوة،كما يحصل في هذه الأيام مع غالبية النشطاء السياسيين المعارضين،على الحال غادرت المنزل سيراً على الأقدام أبحث عن فرع (أمن الدولة) في مدينتي (القامشلي).ذهبت الى أول مبنى للمخابرات فإذا به فرع ( الأمن السياسي) تابعت المسيرة وصلت الى مبنى أمني آخر فإذا به (الأمن العسكري)،تابعت رحلة البحث، من غير أن أمر على (الأمن الجوي) بحكم وجوده في مطار المدينة، أخيراً دلني المارة على فرع ( أمن الدولة)، وهم خائفين. طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تطلبني المخابرات، ولكنني أحاول دوماً أن أنسى في مدينتي الصغيرة يوجد العديد من (الفروع الأمنية)،تحمل جرحاً أليماً في ذكريات الكثير من أبناء المدينة وزرعت الخوف في قلب كل من يتعاطى السياسة والشأن العام، في حين لا يوجد في (القامشلي) سوى (مركز ثقافي عربي) يتبع لحزب البعث الحاكم،لا يسمح فيه نشاطاً إلا باللغة العربية، والقامشلي تتحدث بأربع لغات وطنية.
في فرع (أمن الدولة) أخذني موظف الاستعلامات الى قسم التحقيق، حيث بلغوني بأن علي أن اراجع (دائرة أمن الدولة) بدمشق فرع (300 )في الساعة العاشرة من صباح يوم التاسع والعشرين من آذار أي بعد أقل من 48 ساعة من تاريخ ابلاغي، طبعاً من غير أن استشر فيما إذا كنت قادراً على السفر خلال هذه المدة القصيرة والقامشلي تبعد عن دمشق عشرة ساعات سفر في السيارة.على أية حال، وقعت على تصريح التبليغ وغادرت الفرع عائداً الى المنزل مهموماً، أسأل نفسي: ماذا وراء هذا الاستدعاء الأمني ؟ ولماذا الآن..؟. هل من خطوط حمر ، وما أكثرها في السياسة السورية، قد تجاوزتها في تصريحاتي أو مقالاتي من غير أن أعرف...ربما؟. بالرغم من أنني كنت مطمئناً الى حد ما من عدم وجود ما يستوجب اعتقالي، لكن في سوريا هذا غير كافي لكي يطمئن المرء على نفسه من الاعتقال والحبس ومن شر الأجهزة الأمنية. فكثيرون قبعوا في السجون وفروع التحقيق لسنوات طوال من غير أن يعرفوا سبب اعتقالهم وخرجوا من غير أن يقدموا الى القضاء.لهذا كنت أخشى أن يخبأ هذا الاستدعاء لي مكروهاً(سجناً أو تعذيبً)،خاصة وهي المرة الأولى التي استدعى الى التحقيق في العاصمة( دمشق)،وهو الخوف الذي يقبع ويعشعش في قلب كل كاتب أو صحفي أو ناشط سياسي سوري معارض وممن يتعاطون في الشأن العام، إذا ما استدعته ( المخابرات).وقد زادني الرقم(300) قلقاً، فأنا لا أفهم بلغة الأرقام ورموز الاستخبارات وماذا تعني هذه الأرقام مهنياً ولا بأي نوع من صنوف وفنون التعذيب هي مختصة.
بدون تردد في اليوم التالي غادرت (القامشلي) ليلاً، تاركاً الأسرة في قلق بالغ على مصيري، متوجهاً الى (دمشق) العاصمة،حيث مقر جميع أجهزة المخابرات السورية ومركز كل القرارات والأوامر وحيث الغرف والمكاتب المغلقة التي فيها ترسم السياسة السورية وتحدد الخطوط الحمر والصفر والخضر وتقرر مصير البلاد والعباد. في إحدى هذه الغرف والمكاتب أدخلوني وجرت مجريات الاستجواب والتحقيق ومن ثم ( الحوار). اللذين قابلتهم ثلاث أشخاص: موظف مدني وعميد في (الأمن الداخلي) واللواء ( رئيس الإدارة).جميعهم كانوا لطفاء معي واستقبلوني بطريقة حضارية مهذبة، لدرجة أشعروني بأنني في زيارة لأشخاص أعرفهم منذ زمن وليسوا بكبار رجالات وجنرالات الأمن السوري اللذين اشتهروا بهيبتهم وقسوتهم. أعتقد بأن هذا مؤشر على أن ثمة تحول مهم في سلوك الأجهزة الأمنية وطريقة تعاطيها مع الناشطين السياسيين المعارضين.طبعاً يبقى الأساس في هذه الظاهرة أن لا تبقى الايجابية مجرد مبادرات شخصية تتعلق بالأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة للأشخاص و تنتهي بتغييرهم، أو مجرد سياسة تكتيكية مرحلية تفرضها ظروف وضرورات المرحلة.فالمهم هو أن تعمم هذه الظاهرة وتتحول الى نهج وآليات عمل مؤسساتي لجميع الأجهزة الأمنية والحزبية، تكون مقدمة لمرحلة وحياة سياسية جديدة في سوريا ومؤشر واعد على انتهاء زمن (جمهورية الخوف) التي بناها الاستبداد طيلة الحقبة الماضية والأمل بانتقال سوريا من (دولة أمنية) الى (دولة مدنية ديمقراطية)، وأن تعود الى سابق عهدها (جمهورية مدنية دستورية) تحكم بالقانون والدستور والقضاء المستقل، بعيداً عن قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية.
في البداية، كان اللقاء مع (د.عميد) في (جهاز الأمن الداخلي) بحضور موظف مدني،امتد الحديث لساعات، وإن غلب عليه طابع الحوار والنقاش الهادئ لكنه كان استجواباً وتحقيقاً،حيث كان يدون الموظف المدني بعض من أجوبتي حول موضوعات تتعلق بالمنظمة الآثورية الديمقراطية التي انتمي اليها وبنشاطاتي السياسية وكتاباتي وعن جولتي الى أوربا وحضور (ندوة لندن) التي نظمها (المعهد الملكي البريطاني) للدراسات السياسية عام 2004.لا شك،مهما كان الحور رفيعاً ومفتوحاً مع رجالات الأمن يبقى في النهاية استجواباً يحمل شيء من الإكراه وبالتالي يفتقر الى أحد أهم مقومات وشروط الحوار الديمقراطي المتوازن. لكن،نظراً للتماثل والارتباط الوثيق بين المؤسسة (السياسية /الحزبية) والمؤسسة (الأمنية/العسكرية) في سوريا- لا بل هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسية- يجب عدم التقليل من القيمة الوطنية أو الفائدة السياسية،للحوارات واللقاءات بين شخصيات من المعارضة السورية وجنرالات الأجهزة الأمنية، وإن جاءت هذه اللقاءات عبر الاستدعاءات الأمنية،فهي بشكل أو بآخر نوع من الحوار الغير مباشر بين (السلطة) و(المعارضة) التي أقر العميد بها وبوطنيتها.وحين ذكرت له بأن هذه المعارضة التي يصفها بالوطنية،نعتت بالخيانة والعمالة والتجسس لإسرائيل والخارج وبطش بها من قبل طلبة بعثيين وعناصر أمنية أمام ضباط الشرطة وكبار موظفي وزارة العدل، اثناء الاعتصام السلمي الذي نظمته في التاسع من آذار الفائت امام القصر العدلي لمجرد مطالبتها برفع (حالة الطوارئ)، قال معقباً:مثلما نحن نعترف بوجود، في السلطة، اشخاص سيئين وانتهازيين، كذلك على المعارضة الوطنية أن تعترف بوجود أطراف أو اشخاص مسيئة لا تهمها مصلحة الوطن،وعندما طلبت منه تحديد هذه الأطراف المندسة في المعارضة الوطنية، لم أسمع جواباً واضحاً.
بالنسبة للقاء مع اللواء( رئيس ادارة أمن الدولة)جرى بحضور العميد، بدون الموظف المدني،كان قصيراً نسبياً، لكنه كان بحق حواراً متبادلاً.استفسر اللواء عن طبيعة الضغوطات والمضايقات التي تتعرض لها المنظمة وعن رؤيتها لمستقبل سوريا ومواقفها من ما يجري في الداخل والخارج وتوجهات المنظمة بعد صدور قانون الأحزاب الذي لن يرخص لأحزاب آشورية وكردية ودينية.وقد أكدت في حديثي على النهج الوطني للمنظمة الآثورية الديمقراطية وحرصها الشديد على الوحدة الوطنية، لأن في الفوضى وزعزعة استقرار سوريا سيكون الآشوريين والمسيحيين عامة أكثر فئات الشعب السوري تضرراً والحالة العراقية نموذجاً.وأوضحت طبيعة الغبن والاضطهاد الذي لحق بالآشوريين(السريان) السوريين جراء السياسات الخاطئة لحزب البعث الحاكم وسياسة الاستبداد القومي التي يمارسها والتي أدت الى هجرة أكثر من ربع مليون آشوري(سرياني/كلداني) من الجزيرة السورية منذ استلامه السلطة عام 1963.
وتوقفت عند مخاطر استمرار الدولة السورية في تجاهل حقوق الإنسان الآشوري في وطنه و بقاء تعاطيها مع التراث والحضارة الآشورية(السريانية ) بعقلية سياحية ( الترويج السياحي) وليس بدافع الغيرة والحرص الوطني على هذا التراث السوري الأصيل واحيائه وتحبيبه بالمواطن السوري،وتأثيرات ذلك على استقرار الآشوريين(سريان/كلدان).إذ هناك خشية حقيقة، إذا ما استمر البعث الحاكم في توجهاته السياسية ولثقافية والاقتصادية والاجتماعية الخاطئة، من أن يأتي يوم نرى فيه سوريا (الموطن الأول للسريان الآشوريين والتي تحمل اسمهم) من غير آشوريين وقد خلت من هذا المكون السوري الأصيل.الجميع كانوا يصغون بشكل جيد للحديث، وأعتقد بأنهم تفهموا هواجس المنظمة. وعن قضية، المعتقل (يعقوب حنا شمعون) منذ أكثر من عشرين عاماً في سجن صيدنايا، سمعت منهم كلاماً ايجابياُ ومشجعاً.و اللافت أنهم لم يعد يدافعوا، كما كانوا في السابق، بالمطلق عن ممارسات الأجهزة الأمنية وعن سياسات حزب البعث، إذ بدءوا يقرون ببعض الأخطاء ويدافعون عما يرونه هم في الصالح العام وأمن الوطن.
بدا واضحاً أن هذا الاستدعاء يحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من تجاه. ألي ككاتب ناقد لسياسات النظام والى (المنظمة الآثورية الديمقراطية)التي انتمي أليها والموقعة على (اعلان دمشق). فالاستدعاء يأتي في اطار إفهام قوى (المعارضة السورية) في الداخل،
خاصة تلك الموقعة على (إعلان دمشق)بأن التعاطي مع الخارج والتعاون مع (جبهة الخلاص الوطني) التي تشكلت مؤخراً في بروكسيل من (عبد الحليم خدام) النائب السابق للرئيس والمنشق عن النظام و(جماعة الإخوان المسلمين)- وهي طرف داخل في اعلان دمشق- ومن بعض الشخصيات والتنظيمات السورية في الخارج، هو خط أ حمر رقم واحد.فمن المعروف أن النظام في سوريا يربط تحركات المعارضة السورية في الخارج وتشكيل هذه الجبهة مع الضغوط الخارجية (الأمريكية والأوربية) التي تمارس عليه.