Fares
11/02/2004, 21:18
كعادته في مثل هذا الوقت من كل أسبوع، جمع الحاكم أبناء البلدة في الساحة الرئيسية ليخطب فيهم إحدى خطبه العصماء...
حدثهم عن أمور كثيرة.. عن الجهل والتخلف، عن الأميّة المنتشرة في البلاد، عن البيروقراطية والرشاوي التي تعيث فساداً.. حدثهم بأمور كثيرة.. وربط كل هذا بالاستعمار وذيوله في المنطقة، فهو أصل كل بلاء، ولولاه لكنا نعيش بازدهار ورخاء...
إلى هنا وكل شيء طبيعي، ولا يتعدى كونه اجتراراً لاجتماعات وأحاديث سابقة، ولكنّ الجديد هو خاتمة الاجتماع!! فقد أعلن الحاكم، وعلى سبيل تدعيم الديمقراطية في البلاد وتحت شعار المصالحة الوطنية، أعلن عن مسابقة لأهالي البلدة، وعلى أساسها سيتم اختيار (أذكياء الوطن) وتكريمهم برحلة العمر عبر سفينةٍ صُنعت خصيصاً لهذه الغاية، وأطلق عليها اسم "سفينة العبور"...
عم الخبر أرجاء البلدة بسرعة البرق، وبدأت التحضيرات والاستعدادات لهذه (المسابقة-الحلم) وتوافد كل من يعتبر نفسه من (أذكياء البلد) لتسجيل أسمائهم وتجهيز ثبوتياتهم للمشاركة.. وحده والدي لم يقدم طلب اشتراك، وقد علل هذا بأسباب شخصية ليست من شان أحد سواه...
وقيبل إعلان النتائج، راجت بعض الشائعات تشكك بمصداقية لجنة التحكيم، وتحيزها لحاشية الحاكم. ولكنّ النتائج أسكتت كل الشائعات، وفاز بشهادة جميع أهل البلدة -بمن فيهم أبي- أرجح الناس حكمةً وأكثرهم ذكاءً...
وفعلاً بعد عدة أيام، انطلقت (سفينة العبور) بالفائزين إلى وسط البحر، ولكنها وبكل أسف رحلت ولم تعد!!! وقد تضاربت الاقاويل حولها، فالبعض يقول بأنها تعرضت لهجوم من قراصنة البحر، وآخر يقول بأن عاصفة شديدة قد أغرقت جميع من فيها، وذهب البعض إلى أبعد من هذا، وقال بأن أذكياء البلدة قد هربوا خوفاً من بطش الحاكم ولجؤوا إلى معسكر الأعداء...
وحده الحاكم كان سعيداً بالنتيجة، وغمغم في نفسه قائلاً:
" مسكين شعبي.. يبدو أنه لم يقرأ كتب التاريخ جيداً.. لأنه لو فعل لاكتشف أنه ما من حاكم مر على هذه البلاد كان صديقاً لشعبه. وأنا بدوري كان امامي خيارين.. إما أن أتعدى على حرمة التاريخ وأصالح شعبي، وبهذا أعرّض حكمي للخطر.. أو أن أتخلص من المفكرين والمبدعين كي أخمد أي تمرد أو احتجاج حتى قبل حدوثه...وأنا قد اخترت الخيار الثاني، لأن الكرسي الذي أجلس عليه قد ورثته من أبي، وسأورثه -إن شاء الله- إلى ابني من بعدي" ...
وارتد صدى صوته عبر الجدران يقول:
" مسكين الحاكم.. يبدو أنه لا يريد أن يعرف بان سيد الحمير ما هو إلا حمار مثلهم، ولكن أذناه أطول قليلاً من أقرانه"...
9-2-2004
حدثهم عن أمور كثيرة.. عن الجهل والتخلف، عن الأميّة المنتشرة في البلاد، عن البيروقراطية والرشاوي التي تعيث فساداً.. حدثهم بأمور كثيرة.. وربط كل هذا بالاستعمار وذيوله في المنطقة، فهو أصل كل بلاء، ولولاه لكنا نعيش بازدهار ورخاء...
إلى هنا وكل شيء طبيعي، ولا يتعدى كونه اجتراراً لاجتماعات وأحاديث سابقة، ولكنّ الجديد هو خاتمة الاجتماع!! فقد أعلن الحاكم، وعلى سبيل تدعيم الديمقراطية في البلاد وتحت شعار المصالحة الوطنية، أعلن عن مسابقة لأهالي البلدة، وعلى أساسها سيتم اختيار (أذكياء الوطن) وتكريمهم برحلة العمر عبر سفينةٍ صُنعت خصيصاً لهذه الغاية، وأطلق عليها اسم "سفينة العبور"...
عم الخبر أرجاء البلدة بسرعة البرق، وبدأت التحضيرات والاستعدادات لهذه (المسابقة-الحلم) وتوافد كل من يعتبر نفسه من (أذكياء البلد) لتسجيل أسمائهم وتجهيز ثبوتياتهم للمشاركة.. وحده والدي لم يقدم طلب اشتراك، وقد علل هذا بأسباب شخصية ليست من شان أحد سواه...
وقيبل إعلان النتائج، راجت بعض الشائعات تشكك بمصداقية لجنة التحكيم، وتحيزها لحاشية الحاكم. ولكنّ النتائج أسكتت كل الشائعات، وفاز بشهادة جميع أهل البلدة -بمن فيهم أبي- أرجح الناس حكمةً وأكثرهم ذكاءً...
وفعلاً بعد عدة أيام، انطلقت (سفينة العبور) بالفائزين إلى وسط البحر، ولكنها وبكل أسف رحلت ولم تعد!!! وقد تضاربت الاقاويل حولها، فالبعض يقول بأنها تعرضت لهجوم من قراصنة البحر، وآخر يقول بأن عاصفة شديدة قد أغرقت جميع من فيها، وذهب البعض إلى أبعد من هذا، وقال بأن أذكياء البلدة قد هربوا خوفاً من بطش الحاكم ولجؤوا إلى معسكر الأعداء...
وحده الحاكم كان سعيداً بالنتيجة، وغمغم في نفسه قائلاً:
" مسكين شعبي.. يبدو أنه لم يقرأ كتب التاريخ جيداً.. لأنه لو فعل لاكتشف أنه ما من حاكم مر على هذه البلاد كان صديقاً لشعبه. وأنا بدوري كان امامي خيارين.. إما أن أتعدى على حرمة التاريخ وأصالح شعبي، وبهذا أعرّض حكمي للخطر.. أو أن أتخلص من المفكرين والمبدعين كي أخمد أي تمرد أو احتجاج حتى قبل حدوثه...وأنا قد اخترت الخيار الثاني، لأن الكرسي الذي أجلس عليه قد ورثته من أبي، وسأورثه -إن شاء الله- إلى ابني من بعدي" ...
وارتد صدى صوته عبر الجدران يقول:
" مسكين الحاكم.. يبدو أنه لا يريد أن يعرف بان سيد الحمير ما هو إلا حمار مثلهم، ولكن أذناه أطول قليلاً من أقرانه"...
9-2-2004