-
عرض كامل الموضوع : نزيه أبو عفش....
ندم الله
أغمضْ عينيك... ؛ القصيدةُ مرئيَّةْ:
روحُ الأرضِ الحكيمةِ التي تستيقظُ مع كلِّ طعنةِ فأسٍ في الترابْ.
أعشابٌ كريمةٌ تنقشُ على الهواءِ سيرةَ عدمٍ كونيٍّ
*
أزلٌّ يتنفَّس.
دمٌ أخضرْ.
جمالٌ أوجعُ من الذَّبحْ: (أُنظر إلى الوردةْ).
أغمضْ عينيكْ:
كلُّها تقول: ما فعلتُهُ حسنٌ وكريمْ...
الجمالُ أخلدُ من العقلْ.
امْشِ على مهلْ...
***
أرى الشبهَ ما بين
ما بين حبَّة قمحٍ ومسيحْ.
*
ما نطقتْ به الآلهةُ
: الحياةُ صنيعةُ ضجرِ الله.
امْشِ على مهلْ...
كلُّ ما هو حيٌّ وجميل... وريثُ موتى.
إنما يخرجُ من رحمِ موتْ:
يحيَوْن على هدايا موتِهم.
الحياةُ طفلٌ أبدي... عمرُه آلافُ القرونِ وملياراتُ الموتى.
: لا تَقْسُ عليها
الأرضُ وحدها... رحمٌ لا يشيخْ.
أتنصَّتُ إلى الجَلَبةِ السرِّيةِ للكونْ:
أعشابٌ تتنفسْ...
حلازين تشهقُ في خلواتِ حبّ...
فراشاتٌ، بكاملِ قمصانِها، تستحمُّ في جداولِ نورْ.
صوتُ كريستالٍ يضحكْ...
***
الحياةُ... معجزةُ دمْ.
"الصُدْفة":
لماذا إذنْ يصرُّ الإنسانُ على اعتبارِ نفسهِ المخلوقَ الوحيدَ الذي انفردَ باحتكارِ الفضائلِ والدياناتِ وأدواتِ صناعةِ القوةْ؟!...
: القوةُ زبدٌ أسودْ.
***
(الديدانُ لها عقائدها أيضاًُ)
: سعي إلى فطرةِ الحياةْ.
القوةُ مذكَّرةْ. السلطةُ مذكَّرةْ. الدياناتُ مذكَّرةْ. السلاحُ مذكَّرْ!...
***
صورةُ جنديٍّ ميْت... مطروحٍ على حافةِ خندقْ.
"رحماكِ ياأمِّي!"؟....
الله... ابنُ ضعفِ الإنسانْ.
موتٌ فوقَ موتْ...
الربيعُ لهاثُ موتى...
***
شجرة، عصفور، شاعر، جنديٌّ، سلحفاة، طفل، وردة، زيز، امرأة، تلميذ، عاشقة، الخ، الخ...
***
لجعلتُ كلَّ شيء مختلفاً.
منذُ ملايينِ السنين
أبداً لم يسبقْ لي أن رأيتُ معزاةً أو بقرةً أو دودةَ ربيعٍ تحملُ مسدساً، وترفعُ مشنقةً، وتبتكرُ قانوناً لإعدامِ من يكتشفُ أن لونَ السمواتِ أزرق، وأن حصَّةَ الحياةِ كافيةٌ لمن يريدُ أن يقول: "شكراً" للحياةْ.
أكثرُ الكائناتِ سذاجةً على الأرضْ:
ربما لأنه لا يعترفُ بفضيلةِ السذاجةْ.
ما أعجبَها الأرض...
أحياناً: أبشعُ مزرعةٍ لإنتاجِ الموتْ!...
احذروا...
***
دائماً هي هكذا... : عذراء
***
أنصِتوا إلى الألوانْ...
تلك رسائلُهم:
***
: ربما نحنُ أحلامُ موتانا.
ابكوا دونما ضجيج.
*
... ... ... ... ... ...
كلُّ زهرةٍ صغيرةٍ تحتَها قلبٌ نائم.
: كم مليون ألفِ قلبٍ تلزمُ لصناعةِ حقلْ؟...
لزمتْ لصناعةِ كوكبْ؟!...
الحياةُ كريمةْ
يا إلهي... كم نحنُ أثرياءْ!...
كلَّ ما لا يساوي شيئاً...
لم نفعلْ شيئاً. لم نصنعْ حياةً:
***
جاءتْ من قلوبٍ وندمٍ وأحلامْ.
: السماءُ تحتَ أقدامِنا.
يؤنِّبون القصيدةَ على ضعفِها!...
***
أنتم ندمُ الله.
أيار 2000
هل اتَّسعَ له الوقتُ ليقول:
"رحماكِ ياأمِّي!"؟....
***
الله... ابنُ ضعفِ الإنسانْ.
لماذا إذن يدجِّجون خصرَهُ بكلِّ هذه الخناجرْ!...
موتٌ فوقَ موتْ...
أمواتٌ يواسون أمواتاً!!...
الربيعُ لهاثُ موتى...
الربيعُ عزاءٌ أخضرْ.
***
في كلِّ ثانيةْ... عشرةُ آلافِ شهيدْ:
شجرة، عصفور، شاعر، جنديٌّ، سلحفاة، طفل، وردة، زيز، امرأة، تلميذ، عاشقة، الخ، الخ...
!! لا أحد يقولٌ للحياة: "عفواً".
***
لو كنتُ الله
لجعلتُ كلَّ شيء مختلفاً.
***
منذُ ملايينِ السنين
وأنا أتجوَّلُ في هذهِ الحظيرةِ الدامية... ؛
أبداً لم يسبقْ لي أن رأيتُ معزاةً أو بقرةً أو دودةَ ربيعٍ تحملُ مسدساً، وترفعُ مشنقةً، وتبتكرُ قانوناً لإعدامِ من يكتشفُ أن لونَ السمواتِ أزرق، وأن حصَّةَ الحياةِ كافيةٌ لمن يريدُ أن يقول: "شكراً" للحياةْ.
***
أكثرُ الكائناتِ سذاجةً على الأرضْ:
الإنسان.
ربما لأنه لا يعترفُ بفضيلةِ السذاجةْ.
***
ما أعجبَها الأرض...
أجملُ مقبرةٍ لإنتاجِ الحياةْ...
أحياناً: أبشعُ مزرعةٍ لإنتاجِ الموتْ!...
***
احذروا...
: الأرضُ لها روح.
***
الأرضُ أُمُّك... ؛ ادخُلْ في جوفِها.
دائماً هي هكذا... : عذراء
عذراء بلا حزامِ عفَّةْ.
***
أنصِتوا إلى رائحةِ الحَبَقْ...
أنصِتوا إلى الألوانْ...
أنصِتوا إلى وشوشةِ الأعشابْ...
تلك رسائلُهم:
الأجدادُ يتوجَّعون من الندمْ.
***
كيف لنا أن نعرفَ أيَّنا حقيقةُ الآخر؟!...
: ربما نحنُ أحلامُ موتانا.
***
ابكوا دونما ضجيج.
حتى الأعشابُ تعرفُ أن تبكي.
*
: انحنوا لدموعِ الأعشاب.
... ... ... ... ... ...
: انحنوا... الأرضُ خزانةُ موتى:
كلُّ زهرةٍ صغيرةٍ تحتَها قلبٌ نائم.
: كم مليون قلبٍ تلزمُ لصناعةِ طوقِ بنفسجْ؟...
: كم مليون ألفِ قلبٍ تلزمُ لصناعةِ حقلْ؟...
: كم مليون مليون ألفِ قلب
لزمتْ لصناعةِ كوكبْ؟!...
***
الحياةُ كريمةْ
تملأ قلوبَنا بالرِّضى... وأحضانَنا بالأزهارْ.
يا إلهي... كم نحنُ أثرياءْ!...
يكفي أن نملكَ كلَّ هذا...
كلَّ ما لا يساوي شيئاً...
***
لم نفعلْ شيئاً. لم نصنعْ حياةً:
الحياةُ يرقةُ الماءِ الأزليّ.
***
صُنِعْنا من نطفةِ موتْ
جاءتْ من قلوبٍ وندمٍ وأحلامْ.
لم تُرسَم صورتُنا فوقْ...
: السماءُ تحتَ أقدامِنا.
***
يؤنِّبون القصيدةَ على ضعفِها!...
الحبُّ... على ماذا يؤنَّبْ؟!...
***
أيُّها الناس...
أنتم ندمُ الله.
*** *** ***
الحفار...
منذ زمانٍ وأنا أحفرُ في هذا الظلام الموحشِ؛
لا أحفرُ بحثاً عن مفاتيحِ قلاعٍ أو كنوزِ مدنٍ ميّتةٍ،
عن رُقُمٍ سوداءَ أو تيجانِ أجدادٍ ملوكٍ
حُفظتْ أسمالهم في الطينِ.
لا؛ بل أحفرُ الظلام كي أُبصر أسمائيَ في آخره ..
أحفرُ كي أنظف المرآةَ من غبارها الأبكمِ ..
أحفرُ الغيابَ كي أَرى
شهوةَ نفسي حيّةً في صدأ الغيابْ.
أحفرُ .. لا مستعجلاً ولا ملُولاً،
أجمعُ الغصاتِ في إنائها الأسودِ
والدموعَ في إنائها الكحليَّ
والدماءَ في إنائها الحزينِ ....
ثم أنفخُ الحياة في الحبرِ.
... إذنْ: أحفرُ.
.. .. .. ..
بلْ أحفرُ كي أرى
ما لا يُرى إلا بعينِ القلبْ:
أحفرُ كي أراني.
وهاأنا الآنَ كأنْ لستُ أنا
أعود كالمنجّمِ الأعمى إلى ديار أسلافي:
أَعدُّ الحجرَ الصامتَ والغبارَ/
حيرةَ الأشجار في هوائها الشائخِ..
ما خلّفهُ النسيانُ من تأتأةِ الطيورِ
فوق غُصُنِ الحضارة الدامي..
أَعُدّ ضجرَ الظلالِ فوق نَعشها الأخضرِ
(لا ظِلَّ لها سواها
طافيةً فوق الخرابِ!..).
وأَعُدّ وحشتي.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
سمعتُ أنّةَ الظلام تعلو، فطرقتُ حجرَ الظلامْ.
طرقتُ حتى استيقظتْ عناصرُ الخليقةِ الأولى:
العظامُ استيقظتْ .. ونهضتْ تمشي
الضلوعُ استيقظتْ .. ونهضتْ تمشي
النعاسُ استيقظَ ..
استيقظتِ العناكبُ، الديدانُ، ذرّاتُ الهيولى الأمِّ،
نملُ التعبِ الممجَّدُ ..
استيقظتِ الروحُ ....
وفرّتْ نحلةٌ!!..
شهقتُ:
يا إله الأرض هذي نحلةُ الأجدادِ ما زالت هنا
تُقطِّر الربيعَ من لعابها الأشقرِ؛
والدودُ الشقيٌّ ينسجُ النعاسَ في أبدهِ الداكنِ؛
والنملُ الذي كان هنا منذ قرونٍ لم يزل هنا
يديرُ مغزل الموتِ ويصنع الحياااة/
و "اعبُدْني" .. يقولُ النملُ لي.
"اعبدني" .. تقولُ يَرَقاتُ الضجرِ.
"اعبدني" .. يقولُ السَرْوُ، والهواءُ،
والنحل الشجاعُ (راهبُ الزهوْرِ)
والماءُ البنيُّ .. توأمُ النور الذي يشهقُ تحت النوْرِ
والبذورُ ..
والطحالبُ العمياااءُ ....
كلها تقول لي:
"اعبدني ...".
فأَطرُقُ الظلامَ كي أَعبدَ ما يفيضُ من أنواره على فمي
أهزّ قلبَهُ الشقيَّ
باحثاً (في قلبهِ الشقيّ) عن لؤلؤةِ اللطافةِ الأولى.
أهزُّ قلبَهُ .. (لكي أهزّ قلبَهُ)
فتسطعُ الحيرةُ زرقاءَ!...
عِمِي إذنْ أيتها الحيرةُ ..
عِمْ يا جدّيَ الظلامُ ..
يا أرضُ عِمِي ..
وعِمْ أخي الدودُ .. حكيمَ الندمِ الأعمى.
وعِمْ صديقي النحلْ.
وها أنا الآنَ، هنا، كأنني سوايَ:
ندمي عالٍ وبأسي مالحٌ،
وليس لي من فطنةِ الأمواتِ غيرُ أنني
أحرثُ في حديقةِ الأموات:
أستنطِقُ ما يهبُّ من ظلامهم على فمي ..
أقولُ ما قالوه؛
أُحْيي شجنَ الكلامِ في محبرة الكلامِ؛
أرعى غنمي على مروجهم؛
أشربُ من إناءِ موتهم؛
أقول ما قالوهُ: (ما يقوله الظلامُ لي)؛
أستحضرُ الفطنةَ من طلاسم العبارةِ الأولى
وأحني كبرياءَ الوحشِ قدّامَ إلهِ الوحشِ:
"يا اللهُ، يكفي ألماً.
تعبتُ. بل تعبتُ. بل تعبتُ مّما تتعبُ الوحوش منهُ.
تعبتْ مخالبي، ناري، حديدي، شهوتي.
تعبتُ من طيشِ رماحي .. وتعبتُ منكَ.
داوِني إذنْ ..
داوِ حديدي بحليبِ الضعف ..
داوِ حيرتي بحيرةِ الجمااالِْ"
..والأمواتُ، في حديقةِ الأمواتِ، أمواتٌ.
يهذّبون حمتهم بعسلِ الظلامِ،
يبنون بيوتهم من الظلامِ،
يبكونَ ظلاماً ..،
ويربّون إناثَ النحل في أفواههم
لكي يلطّفوا
مذاقَ نومهم.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
"أقولُ ما قالوهُ":
هذا نحلنا الباكي،
وهذا النحلُ شيخُ سعْينا الشقيّ،
هذي الدودةُ الشقراءُ صوتُ نومنا،
وهذه المروجُ .... دمُنا الأخضرُ.
.. والماءُ لهاثُ ضعفِنا.
"أقولُ ما قالوهُ".
أستخدمُ ما كان لهم من حِيلِ العيشِ: الفؤوسَ، الكتبَ،
النيرانَ، زهوَ الفقهاءِ، صلفَ الحديدِ، حبرَ الشعراءِ، شهواتِ
الليلِ، ضعفَ العاشقينَ، الغضبَ، الحياءَ، ملحَ الخوفِ،
طعمَ الألمِ الحامضَ، خوفَ الموتِ .....
ثم الموتُ !!...
والهواءْ
أزرقُ كالنسيانْ.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
"أقول ما قالوهُ"..
ثم أنحني عليّ باكياً كأني حيرةُ الموتى ..
كأني روحُهم تنهضُ في شجاعةِ النحلِ وحكمةِ النمااالِ/
"ما الذي جئتُ لكي أفعلهُ؟ .. -أقولُ هامساً لي.
ما الذي أرغبُ في رؤيتهِ غيري؟ .. وما الذي؟ …".
- جئتُ أصلّي لأله الضعفِ ..
جئتُ أعبد الجمالَ صامتاً.
..وهكذا ينفتحُ الظلامُ لي.
أنامُ كالميْتِ إلى جوارهم .. فأبصرُ النجومْ
أبصرهم فيها
أبصرُ صوتَ موتِهم
أشمُّ ملحَ الخوفِ في هوائهم (خوفي ...)
أشمّ طعم الصلواتِ، الندمَ، الغفرانَ ..
والضعفَ الذي صيّرهم آلهةً:
أرى الجمالَْ.
here i am
21/04/2006, 22:01
عنجد يسلم أيديكي و عرفانة تنقيون
لو بعرف أسجد كنت بروح هلق على مرمريتا و بسجد قدام البطن اللي حمل نزيه أبو عفش ..
سورة: "الآخَر..."
أو: خندق الميليشيا
-------------------
"أنا الآخَرُ، وأنتمُ الآخَرون.
تسمُّونني أخاً
وأدعوكم: إخواني!!..."
أبداً، أبداً
لستُ الشقيقَ ولا الصاحبَ ولا شريكَ الحياة.
أبداً، أبداً...
لستَ شقيقي ولا صاحبي ولا شريكَ حياتي.
كلانا: "آخَر"...
كلانا: مجرَّدُ آخَر!...
*
ليَ عيناكَ وقلبكْ
ليَ فمكَ ورئتاكَ وآلامُ ندمكْ...
رجْفَتُكَ من الخوف
وشهقةُ روحكَ في حضرةِ الجمالْ.
لكنْ، فجأةً،
تحت قشرةِ التآخي الكوني
لسلالاتِ الديكةِ والتماسيحِ والأرانب،
ينكشفُ عطشُ الفولاذ، وشذوذُ الدم،
ونَهَمُ ميليشياتِ أبناءِ الربِّ
إلى احتكارِ عضويةِ "نادي العراةِ" السماويّْ:
تنكشفُ صورةُ "الآخَرِ"
مُكفَّراً في عماء سريرةِ الآخَرْ...
(تنكشفُ السكِّين!!...)
وينكشفُ أنْ:
كلانا آخَرُ الآخَرْ
كلانا قابيل...
وكلانا ذبيحتُهْ.
... ... ... ...
فإذنْ
لا تَلُمِ الضعف
لا تَلُمِ الخوف
لا تَلُمْ حيرةَ المنبوذْ
لا تَلُمْ رعشةَ يدِ الجبانْ
لا تَلُمْ شهوةَ المطارَدِ
إلى خندقٍ
أو وكرٍ
أو سقيفةِ بيتْ.
لكنْ...
لُمْ سلاحكَ الذي يتحفَّزُ تحت ضوضاءِ العرسْ
لُمْ سلاحَ أخيك (أخيك "الآخَر"!...)
الذي يتربَّصُ خلف تحصيناتِ "العدوّْ"...
لُمِ الضغينةَ مقنَّعةً بتسامُحِ رُسُلها العميانْ...
لُمْ قوَّةَ يقينِ "الآخر"
الذي لا يرى في "الآخَرِ"
غيرَ ضلالِ "الآخَر..."
لُمِ الخندقَ الذي حفرناهُ معاً
(أنتَ الآخرَ وأنا آخَر الآخَر)
حفرناهُ معاً...
وها نحن الآن، على ضفَّتيهِ العدوَّتين
- ملثَّمينِ بعقائدنا وبَغْضائنا،
ملثَّمينِ بأكذوبةِ أُخوَّةِ الحيوانات –
منطرحانِ كلٌّ خلفَ تلَّةِ ترابهِ... أو تلَّةِ عقيدته:
العينُ على الهدفْ
والإصبعُ على الزنادْ
والقلب يرتجفْ!...
... ... ... ...
: كلانا نعجةُ الذئب.
... ... ... ...
أنا "الآخَرُ"
وأنتَ "آخَرُ الآخَر"...
: كلانا يملكُ الحقيقة
لكنْ، لا أحد يملك الحقّْ.
: سيَخْلُدُ الشرّْ!!...
... ... ... ...
أنتَ "الآخَرُ"
وأنا "آخَرُ الآخَر"...
: كلانا يملك الحقّ
لكنْ، لا أحد يملكُ الحقيقةْ.
: نعم، سيَخْلُدُ الشرّْ!!...
*
لا تبتسمْ
أرجوكَ، لا تبتسمْ
فخلفَ هذه الوردة
أشمُّ رائحةَ موتْ.
***
كل شي ضاق
ضاق حتى ضاع
لم يبقى للأيام غير اليائس
واليائس ضاق
ضاق حتى ضاع
نفذت أمانينا
نفذت مراسينا
أحلامنا نفذت
عصارة روحنا نفذت
وما نفذ....الكلام
ما نفذ الكلام
:cry:
نامي اذاً ياروح نامي الآن
نامي الان يارحي فقد
نفذ الكلام
هي أخر الاحلام نكتبها على عجل ونمضي
هي أخر الايام نقضيها ونرحل بسلام
:سوريا: :سوريا:
أسف اذا في شوية أخطاء
بس هي اجمل قصيدة
سمعتا بحياتى
للكبير
نزيه أبو عفش
كل شي ضاق
ضاق حتى ضاع
لم يبقى للأيام غير اليائس
واليائس ضاق
ضاق حتى ضاع
نفذت أمانينا
نفذت مراسينا
أحلامنا نفذت
عصارة روحنا نفذت
وما نفذ....الكلام
ما نفذ الكلام
:cry:
نامي اذاً ياروح نامي الآن
نامي الان يارحي فقد
نفذ الكلام
هي أخر الاحلام نكتبها على عجل ونمضي
هي أخر الايام نقضيها ونرحل بسلام
:سوريا: :سوريا:
أسف اذا في شوية أخطاء
بس هي اجمل قصيدة
سمعتا بحياتى
للكبير
نزيه أبو عفش
يا زلمة أخطاء شو ...؟؟ يا زلمة هي أصح شي بالدنيا ... هات أيديك لبوسها .. هات أصابعك لقدسها ... هات عيونك لضمها ...
«كتابة الشعر ندم دائم، وتوبة مستحيلة»، فالشعر في رأيه «إمعان في الخيبة. إمعان في العذاب...وإذن لا مهرب من الشعر... تماما كما لا مهرب من الألم»، ثم يتابع موضحاً: «يعيش الشاعر حياته كلها، كما لو أنه يستعد للموت. يتسكع داخل متاهة مقفرة، حزينة ومغلقة، كلما تقدم خطوة فيها يكتشف انه في سعيه المرير إلى النجاة إنما يقترب من الهاوية». في حكاية بليغة، أخاذة وموجعة.. يقول أبو عفش محاولا شرح من هو الشاعر: يتحدث بورخيس في كتابه (حيوانات خرافية) عن حيوان غريب يدعى «السكوونك». حيوان خجول، عاطفي، حزين وانطوائي، يتمتع بفراء نادر ودموع معطرة. ولأنه خجول وحزين فهو يمضي حياته كلها مختبئا بين أغصان الأشجار. لا يفعل شيئا غير أن يبكي ويبكي. وهكذا يتمكن الصيادون من تعقب آثار دموعه العطرة تحت قمر الليل. وعندما يحاصرونه وتغدو نجاته مستحيلة...يواصل البكاء حتى يذوّب نفسه إلى دموع. لعل الشاعر هو ذلك الحيوان. وهو إذ يتحدث على هذا النحو الموجع عن الشعر، والشعراء فانه يرفض أن يكون مادة للمساومة على صفحات الصحف. هو يرفض كشف هذا الشقاء لقراء عشوائيين، ولا أدري كيف وقع أبو عفش في مصيدة البوح لصحيفة «الرياض» رغم رفضه لدعوات كثيرة إلى الحوار. هو يؤثر الابتعاد عن الأضواء، والصحافة، وإذ وافق، على مضض ربما، لم يشترط لإجراء الحوار سوى أن يكون بعيدا عن طبيعة الحوار التي تشبه التحقيق! قال سنثرثر، ونتحدث ولعلك تستفيد من هذا الحديث، وتلك الثرثرة ليكونا مادة لحوار ترغبه أنت، وتطلبه الصحيفة. رغم هذا التمهيد الذي جرى قبل الموعد الذي حدّد في الثامنة مساء بمنزله في مشروع دمر بدمشق، آثرت أن أحضّر بعض الأسئلة كمحاور للنقاش، وحين رأى الشاعر ورقة الأسئلة ارتاب قليلا، لكنه سرعان ما أبعد الشكوك حين أبعدت الورقة جانبا، ورحت أتصنع أسئلة، وكأنها ولدت للتو، وهي فعلا كانت كذلك، فشرعت في النقاش حيث أنقذتني الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من التلفزيون التي كان يسمعها الشاعر باهتمام، فخمنت، ولعلني أصبت، بأن الموسيقى ستكون بداية موفقة للحوار، ورحت أسأله عن الفروق بينها، وبين الشعر فقال: إذا كانت مادة الشعر هي الكلمات، فجميع الناس يستخدمون الكلمات، وهي لغة شائعة. من يستطيع أن يثبت، مثلا، أن ما أحكيه لك الآن ليس شعرا، وأن ما كتبه دانتي هو الشعر؟ المقاييس في الشعر ملتبسة، وغامضة، أما في الموسيقى فليس ثمة لغة شائعة، أو لغة الجميع. الموسيقى هي لغة الموسيقيين فقط. في الكتابة هناك من يعمل بالكلام، وهي بضاعة متوفرة لدى كل الناس، يتم استخدامها من قبلهم ومن ثم يتم التمييز، أما لغة الموسيقى فلا يستخدمها إلا الموسيقي.
* رغم هذا الاحترام الذي تكنه للموسيقى، وتقصد طبعا تلك الموسيقى الكلاسيكية المدهشة، لكن الواقع يقدم لنا أمثلة مناقضة، بمعنى أن أمسية لنانسي عجرم أو علي الديك تستقطب اهتمام الآلاف لكن موسيقى بيتهوفن وموتسارت...التي تتحدث عنها لا تثير اهتمام إلا عدد قليل ومحدود؟
- أنا، كذلك، احب علي الديك، وغناء النَّور، وموسيقى العازفين الأميين الذين لا يعرفون النوطة...، وبنفس الوقت أتيحت لي فرصة ان اعرف، ومن ثم أن احب، موسيقى بيتهوفن وموتسارت، وهايدن...وغيرهم المشكلة كما قلت هي أن الموسيقى لغة غير شائعة. الشائع بين أيدينا هو موسيقى العامة المتمثلة في غناء علي الديك، أو النَّور، أو نانسي عجرم، تماما مثل اللغة المحكية. لكن حينما نتمكن من التعرف على الموسيقى الأخرى، واقصد موسيقى بيتهوفن أو موتسارت، واكتشاف جمالياتها نتساءل عندئذ: إلى أي حد نستطيع ان نحبها؟ أذواقنا ليست موضوعة، الآن، قيد الامتحان حتى نعرف هل نحب موسيقى باخ أم لا؟ ما أدراني أنني احب اللغة الأسبانية أم لا إذا كنت أجهلها. الموسيقى الكلاسيكية بدورها لغة مجهولة، والشعر لغة مجهولة، والفن بشكل عام لغة مجهولة. من يستطيع أن يثبت لي بأن البادية السورية لا يوجد فيها 50 عازف بيانو عظيما لا يعرفون ما هو البيانو؟ كيف سأعرف انه لا يوجد عازف بيانو مثل شوبان، هناك، إذا لم يتعرف أحد من سكانها على البيانو. هم يعرفون الربابة فيبرز بينهم عازفو ربابة بارعون، لكن في بولونيا وألمانيا، كمثال، لا يوجد عازف ربابة بارع لأنهم لا يعرفون الربابة مثلما لا يعرف سكان البادية البيانو. أنا أظن ان بالإمكان تربية ذوق الإنسان بتعريفه على اللغات الفنية. في آخر صفحة من كتاب «ارض البشر» يتحدث اكزوبري عن قطار مهاجرين مليء بالرجال، والنساء، والأطفال، والعمال البسطاء...فيقول ما يعنيني، الآن ليس، التفكير بفقر هؤلاء، ولا التحنن والشفقة على آلامهم، ما يعنيني هو التفكير والسؤال: كم موتسارت مذبوحا بين هؤلاء الأطفال؟، كم إنسان لم تتح له الفرصة للتعرف على نفسه؟.
* إذا، كيف تعرفت أنت إلى نفسك، ما الذي قادك إلى اختيار الشعر لغة لمخاطبة الآخر، ولتدوين الهموم؟
- أنا تعرفت على نفسي بالصدفة، في لحظة ما، أمام مصادفة ما، اكتشفت الشعر، وضعت أمامه، فاكتشفت هذه القيمة الجمالية الكامنة في هذه اللغة التي هي الشعر. وربما تسألني ما هي هذه المصادفة بالضبط؟، فأقول هي تلك المصادفة التي يمكن ان يتورط فيها أي إنسان، وفيما بعد تصبح هي القانون. أنا لا اعرف إلى أي درجة كان من الممكن أن أكون حدادا حينما أتذكر الآن شغفي الشديد، في الصغر، بهذه المهنة. كنت أتعمد الذهاب لاقف أمام دكان الحداد الريفي في «مرمريتا» (مسقط رأس الشاعر) وأراه يستخدم تلك الأدوات البسيطة، كالمطرقة، والسندان..ويحمّي قطعة الحديد الغشيمة على الجمر ثم يضعها على سندانه، ليصنع منها الأدوات: السكين، المنجل، فأس الحطاب، حدوة الحصان...الآن أتخيله كيف كان يرفع بالملقط قطعة الحديد من النار وكيف كان يتأملها بشغف حين تتحول إلى أداة جميلة. كنت اقف، أيضا، ساعات أمام دكان النجار، والى الآن أتذكر رائحة الخشب واقف مندهشا أمام هذه العبقرية العظيمة التي تصنع من الخشب أشكالا مدهشة. شغف هذا النجار وذاك الحداد هو تماما مثل الشغف الذي أنا الآن أتأمل به مسودات قصائدي، واعمل عليها. نفس الشغف، والدهشة، والغبطة التي تنتاب الإنسان أمام جمال ما يصنعه. كيف سأعرف بأن هذا الإنسان لو ولد في امستردام ودخل مدرسة فيها بيانو لما كان موسيقيا عظيما. هذا الإنسان الذي يملك كل هذا الشغف بالجمال، والإحساس العالي به، ماذا سيكون حينها، هل من الممكن ان يبقى حدادا، أنا على يقين بأنه لن يبقى حدادا. كل الأدوات التي يملكها الإنسان هي حواسه، وفي لحظة المصادفة التي توضع فيها هذه الحواس قيد الامتحان، وهي تستلطف هذا وتنبذ ذاك، يتقرر مصير الإنسان.
* ألا تلعب التجارب والخبرات الحياتية دورا في الميل نحو هذا الفن أو ذاك، أليست المسألة تراكمات في النهاية؟
- ليست تراكمات، كان من الممكن ان أكون حدادا أو نجارا، ولو كنت أحدهما لكنت سعيدا مثلما أنا الآن سعيد لكوني شاعرا، واحترم حياتي ونفسي واشتغل عملي بإخلاص، اقصد حرفة الشعر أو حدادة الشعر، أو نجارة الشعر..هي ليست تراكمات لأن كل هذه الهواجس تبدأ منذ الطفولة. مصير الإنسان يبدأ مع أول فترة تتفتح فيها حواسه. ليس بتراكم الخبرات يصبح الإنسان قاتلا أو لصا أو شاعرا أو مربي نحل..تراكم الخبرات تغني علاقة الإنسان مع ما صار هو، تغني علاقة الشاعر مع الشعر، والنجار مع النجارة، والفلاح مع الزراعة..لكن اللحظة التي تتفتح فيها الشهوة إلى هذا المكان الأولي: الكلام أو الحديد أو الخشب تبدأ في مرحلة مبكرة من الطفولة. في هذه الفترة رأيت معجزة الخشب، والحديد، والموسيقى التي تعلقت بها عن طريق عمي الذي كان يعزف على العود، وبنفس الوقت، يكتب الشعر. كان عمي يسحرني بعزفه وشعره، وأنا لم أكن أعرف شيئا عن الموسيقى أو الشعر، فقد سمعته يقرأ الشعر ويعزف، واكتشفت أن ما يقوله ويعزفه شيء جميل. هذا الهوس أنا رعيته، وأتيح لي ان يكون إلى جانبي أشخاص يساعدوني في هذا الخيار. كنت أغار من هؤلاء الناس من الحداد، والنجار، والموسيقي..ليست غيرة، بالأحرى، بل إحساس بالاندهاش، فكانت لدي رغبة في ان أكون مثلهم. تورطت، كما ترى، في الفلاحة بالكلمات لأنها ارخص الأدوات، ولكنني لو عدت طفلا، وأمامي كل الأدوات لن اختار الشعر! لأنه بالنسبة لي الأداة الأقل تلبية لما ارغب به من صناعة الجمال، بل كنت اخترت ان أكون موسيقيا أو مهندس عمارة. ولأن الكلمة، في كل مكان وزمان، هي أرخص أداة يستطيع ان يستخدمها من يملك أو لا يملك، الأمي والمتعلم...لذلك اخترت الشعر.
* هذا الكلام يثير الاستغراب، فربما لو اتجهت إلى الموسيقى لأصبحت موسيقيا فاشلا، بمعنى أليس من الأفضل ان تكون شاعرا مجتهدا، موهوبا « كما أنت الآن » بدلا من أن تكون موسيقيا فاشلا؟
- بالطبع هذا كلام صحيح، لكن أعتقد بأن المادة المتوفرة في الطفولة التي تخلق الشاعر الموهوب، قادرة ان تصنع الموسيقي الموهوب أو المهندس الموهوب، أو الخياط الموهوب، فالحواس التي تؤهل الإنسان منذ الطفولة ليكون شاعرا موهوبا، لو وضعته في الامتحان الآخر فسيصبح موسيقيا موهوبا قطعا. ويجب ألا تستغرب من أمنيتي المستحيلة لأنني أعتقد أن الموسيقى هي أكثر الفنون كمالا. الآن صرت شاعرا لأن الحواس ذهبت إلى يقين آخر إلى عقيدة فنية أخرى، ومن الصعب الآن ردها إلى البدايات..
* الاستغراب يأتي من أنك تقول هذا الكلام بعد الشهرة الواسعة التي حققتها في مضمار الشعر؟
- نعم أقولها بكل صراحة، الإنسان يحلم بالعودة إلى البدايات، وهذا مستحيل. أنا تورطت في الشعر بحكم المصادفة، وكل إنسان كائن متورط، نابليون كائن متورط فلا نعرف في أي لحظة كان من الممكن ان يكون نابليون مزارعا ممتازا أو مربي خيول عظيما.
* وكأنك تلغي دور الموهبة، ألا تؤمن بأن للموهبة دورا في اختيار هذا المنحى دون ذاك، بمعزل عن المصادفة ولحظات الحسم؟
- نعم أؤمن بالموهبة، فهي خلاصة يقظة، ورهافة، وذكاء الحواس والعقل، هذا شيء طبيعي. الموهبة ثمرة شيء يشبه العضلات، عضلة العاطفة، والذكاء، والحساسية...بعضهم يمتلك هذه العضلات وآخرون لا يمتلكون. أنا، مثلا، لا تستطيع ان تجعل مني، مهما حاولت، مصارعا جيدا ليس لأني غير موهوب، بل لأني لست مؤهلا، والفن كذلك. هناك أناس غير مؤهلين للفن، ولكن قد يصبحون فلاحين ممتازين بينما فشلوا في مجال آخر.
كي تنصف الإنسان يجب ان تمنحه كامل الفرصة للتعرف على اللحظة التي تدخله إلى باب قدره العظيم، أي تقدم له خيارات كثيرة، لكن نحن، هذه الشعوب الحزينة، ليس لدينا سوى خيارات محدودة. لدي ولدان اختارا الموسيقى بعد أن توفر لديهم أكثر من خيار ولو لم يكونا ابنيّ ربما أصبحا قطاع طرق أو نصابين أو بائعي جوارب في سوق الحميدية. لحظة المصادفة هي التي قادتهما، وقادتني، وقادت الجميع إلى هذا المصير لكن قبل ذلك ينبغي أن يتاح لك جميع الخيارات ثم فجأة تدلك حواسك على هذا الطريق دون ذاك، بمعنى آخر: عندما أقول أنا احب الوردة الصفراء أو أحب هذا العطر فينبغي ان أرى ألوان الورود كلها واشم العطور حتى أستطيع الحكم الصحيح.
* ماذا كان يعمل والدك؟
- كان جنديا في الفترة التي استقالت فيها سوريا نهاية الأربعينات، ثم ترك الجندية وكان حاصلا على شهادة «سرتيفيكا» الفرنسية التي تعادل الليسانس الآن. عمل دقَّاق حجر مع أبيه المعمرجي (جد الشاعر)، ثم انخرط في العمل السياسي، فسجن في الخمسينات، نتيجة مواقفه السياسية، خرج من السجن مريضا، وفتح دكانا صغيرا في مرمريتا لا زال يعمل فيه إلى الآن.
* تتسم قصيدة نزيه أبو عفش بنبرة سوداوية حزينة، وثمة تراجيديا سوداء تتبدى في سطورها، ما سبب هذا التشاؤم الذي يطغى على شعرك؟
- أنا أستغرب من طرح هذا السؤال، ويزداد استغربي حينما أرى شخصا متفائلا. ما الذي يدعوه إلى التفاؤل؟.
* أنا لا أصادر توجهك الشعري، ولا أدعو لأن يكون متفائلا، بل أقول أن ما نراه في القصيدة لا يعكس صورة أبو عفش في الحياة، فأنت، كما نعلم، ليس لديك معاناة كالتي تتحدث عنها قصيدتك، كما أن حديثك مفعم بالتهكم، وأحيانا بالدعابة وهذه لا تتناسب مع أجواء قصيدتك المتشائمة؟
- هل تريدني أن احمل، مثلا، كيس المآسي على ظهري وأمضي حتى تتيقن من أن قصيدتي تعكس صورتي! أنا مضطر لان استيقظ صباحا، وأن يكون لدي أصدقاء...أتصالح معهم ومع الحياة...ومضطر لأن أقضي معهم أوقاتا سعيدة، باختصار مضطر لان أعيش الحياة، لكني مضطر أيضا لان استخدم حواسي لأرى، واسمع، وأتعلم..ما أراه، واسمعه، واعرفه لا يشجع الإنسان على القول: «يشرفني الانتماء إلى هذا العالم»، أنا لا يسعدني ولا يشرفني ذلك لكني مضطر لمواصلة السير إلى آخر مشوار الحياة.
أنا أكتب ما تمليه علي حواسي، أمين على النقل، ولست مسؤولا عن تلك السوداوية. لست أنا من ارتكب المجازر، وشن الحروب التي تقوم في كل يوم، وفي كل مكان، وعلى مدى تاريخ البشر، ولست أنا من شكل الجيوش واحتل أراضي الآخرين، وأرسل الجنود من قارة إلى قارة حتى يموتوا بعيدا عن أمهاتهم...لكن هذا يحصل، وبكل حزن، أنا أرى ذلك، ولا أستطيع التصرف على أساس أنني لا أرى، ولا اسمع.
نعم، في لحظات ثانية حينما أسير في الشارع أمام دكان ورد، تلفت نظري وردة صفراء فآتي بها واضعها على الطاولة، يسعدني أن أرى وردة على طاولتي، وأن ازرع على شرفة منزلي نباتات السيكلاما، وأن اسمع تغريد الحسون...إذا لم نستطع ان ننتبه لهذه التفاصيل الصغيرة ستسحقنا الحقائق الكبرى التي هي حقائق الحياة عبر التاريخ إلى درجة الإحساس بأنك، وأنت تتقدم داخل الحياة، تشعر في كل لحظة بأنك تخطو باتجاه الموت، لم نعد نشعر بأن للحياة طعم الحياة، هي لها طعم الموت المؤجل.
* لكن الموت من بديهيات الحياة، فهل تقصد: طالما ان الموت هو نهاية الحياة، فلماذا الحروب، والمجازر، والدماء؟ أنت تعترض على أشكال، وأسباب الموت، أليس كذلك؟
- نعم هذا ما اسأله: طالما ان الحياة منحت من اجل ان تعاش كحياة، فلماذا يصر كل رعاة الحياة على تحويلها إلى مشوار موت، ولست فقط أنا من يطرح ذلك بل كل من كتب، وفكر...وكل أصحاب العقائد، والمذاهب من بوذا إلى الآن يطرحون نفس السؤال، لكن المشكلة ان بوذا لا يستطيع ان يقنع جورج بوش، ويسوع المسيح لا يستطيع ان يقنع هتلر.
* طيب، في ظل هذا الواقع المتردي والمؤلم، ما الذي يمكن أن يقدمه الشعر، هل يستطيع بهشاشته، ورقته أن يغير شيئا؟
- ومن قال لك أن غير الشعر قدم شيئا! ماذا قدم أصحاب العقائد الإنسانية، ماذا قدم الفلاسفة، والمبدعون والفنانون وعباقرة العقل الإنساني؟... كلهم قدموا أشياء عظيمة لكن ماذا استطاعوا ان يغيروا في الناموس العملي اليومي للحياة؟ لا شيء! لأن دونالد رامسفيلد(وزير الدفاع الأمريكي) أقوى من أفلاطون، واقليدس، والمعري، والمتنبي، وجان بول سارتر...وطبعا نزيه أبو عفش. هؤلاء فقط يحلمون. الذين يعملون في الفكر، والكتابة، والفلسفة، والتأمل، والفنون...هم أشخاص يحلمون وهم عزل، ثم يأتي آخرون يكرهون الأحلام ولديهم القوة فيفرضون الخيارات الأكثر ألما، والحياة ستبقى إلى الأبد تمشي على هذا المنوال والى تلك الهاوية لأن العصا أقوى واقدر من العقل ومن القلب، ومع ذلك في كل سنة، بل في كل يوم، سيظهر أفلاطون جديد، واكزوبري جديد، وبوشكين جديد..لكن لن يستطيعوا فعل شيء. ماذا يفعل الشعر؟! من قال ان الشاعر حين شرع في الكتابة كان لديه وهم بأنه قادر على فعل شيء، كان فقط يتألم. الفن كله هو صوت ألم الإنسان، وأمله الذي هو يأس مقلوب، لماذا آمل ما دامت الحياة سعيدة، والإنسان لطيف، وخيّر، ونبيل، وكريم..ملايين السنين والإنسان يأمل، بمعنى هو إنسان يائس، وكلما ازداد ألما ازداد أملا. لماذا الفن؟ ما فائدة الوردة الجميلة، ما جدوى تغريد البلبل...هذه لا تقدم ولا تؤخر شيئا، فقط هي لحظة السكينة التي تخصك، ولا تقدم أو تؤخر شيئا في مذاق طعامك، ولا في إنتاج مزرعتك، ولا في درجة حرارة بيتك..ولكن هذا الجمال هو صوت حزن الإنسان.
رولان بارت قال جملة اعتبرها من افضل ما كتب: «الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل»، وهو يقصد الفنون عامة. ميكل أنجلو، دافنشي، عباقرة الموسيقى والرواية..لم يغيروا شيئا، غير انهم يلطفون تعاسة الحياة مثلما تجمّل أشعة الشمس الجميلة والغيمة الرهيفة حزن الإنسان. هناك أشخاص، قادة حياة الناس، يسخرون حينما تحكي لهم عن الغيمة، والعصفورة، والزهرة لأن أدواتهم مختلفة.
أما نحن فصنف من البشر نعمل في مهن الهاوية، نحن نلطف مذاق الموت المفروض مثل العصفور الذي يغني ويهز ذنبه، أي يغني ويرقص، ولا يعنيه التغيير، وفي الحقيقة هو لا يغير شيئا.
ومع ذلك فان الفن هو الشيء الذي بدونه تغدو الحياة موتا مطلقا، وإلا أي غباء عندنا عندما نقول هذه القصيدة رائعة، وهذه الوردة جميلة، وتلك اللوحة مدهشة..ما نفع الوردة، والقصيدة، واللوحة. هل يمكن أن نسأل كم غرام ذهب في القصيدة، وكم كيلو حديد في الزهرة!..لكن هذا الغباء يخبرنا عن جانب راق في الإنسان. هذا الغباء يجعلنا سعداء بما ليس شيئا لكن هذا اللاشيء هو أغلى شيء: «يا إلهي... الحياة جميلة/ تملأ قلوبنا بالرضا، وأحضاننا بالأزهار/ يا إلهي...كم نحن أثرياء/ يكفي ان نملك كل هذا.../ كل ما لا يساوي شيئا!».
* ما هو طقس الكتابة لديك؟ كيف ومتى تكتب، بأية هواجس تحمل القلم وتبدأ بكتابة قصيدة؟
- كل من يقول لك ان لديه طقسا معينا للكتابة فهو يكذب، لأنه لا يوجد عمل فني يمكن أن يعرف صاحبه متى يولد. هناك شيء من الرغبة في الخداع للإيحاء بأنه يعمل شيئا أشبه بالسحر، لا يمكن إنجازه إلا في ظروف سرية وغامضة.
بعض قصائدي جاءت فكرتها وأنا أسير، أو أشاهد التلفزيون، وكتبت مسودات بعضها في السيارة..لحظة ولادة القصيدة تأتي بشكل مباغت، فقصيدة «بيت الغيمة» التي كتبتها اليوم، مثلا، جاءت فكرتها فجأة. ذهبت إلى مكان عملي في دار المدى صباحا وأنا ضجر مثل كل يوم، ولم يكن هناك أي شيء يوحي بالإلهام، أو العبقرية، أو الولادة العظيمة..وبينما كنت أحتسي القهوة ألحت علي فكرة ذكرتني برغبتي في ان يكون لي بيتا في بلدتي مرمريتا، فتذكرت النكتة التي كنت أرويها لأصدقائي عن الغيمة. كتبت المسودة وصرت حزينا فعلا، لم يعد الموضوع له علاقة بالبيت كحجارة، وإسمنت، وحديد، صرت اشعر بأنني احكي عن فكرة الحياة نفسها، وأنا لا أطالب القارئ بهذا التأويل طبعا.الشاعر لا يكتب طوال حياته، لكن اللحظة التي تؤذن بميلاد قصيدة تكون مجهولة، ولا يستطيع أي طقس ان يستحضرها، لكن تلك اللحظة تكون خلاصة الهواجس، والتجارب، والقراءات: «القصيدة التي تستهلك ورقتين صغيرتين في الدفتر/ ربما تكون قد استهلكت سنتين كاملتين من الحياة»، هذا الكلام ليس إنشاء بل حقيقة، ففي دواخل الشاعر حواس تعمل بشكل سليم وفي لحظة من اللحظات تفصح عن نفسها وتقول تفضل الآن سنكتب قصيدة. ليس صحيحا من يقول «كتبت قصيدة في نصف ساعة» على أساس ان هذه عبقرية، القصيدة كتبت في نصف ساعة بعد أن نضجت في ذهن الشاعر أشهرا وربما سنوات. قصيدة «القلعة»، مثلا، عاشت معي أكثر من عشر سنوات. البذرة الأولى للقصيدة بقيت مدفونة في الظلام السري للذاكرة، والحواس، والمخيلة إلى أن دونت في لحظات. ومن الممكن أن تأتي قصيدة في ظرف لا أكون فيه مهيئا لاستقبالها فتموت كما حصل لكثير من المسودات.
وقد تستغرب من قولي بأنني اكره الخيال، ولا احب هذه المفردة العزيزة على قلوب الشعراء، لأنني اعتقد أننا نستخدم المخيلة لاستعادة تفاصيل الحياة الحقيقية، التفاصيل الأكثر واقعية من الواقع. لا يستطيع أحد ان يخترع شيئا في الفن، يستطيع ان يستعيده فحسب. بوسعي القول «في ما يخص تجربتي» إن الشاعر كائن فقير المخيلة. مخيلة الشاعر أحلامه وكوابيسه. ولعله لا يفعل شيئا غير إعادة إنتاج هذه الكوابيس، والأحلام: يعيد إنتاج مدخرات الذاكرة. افضّل بدلا عن المخيلة مفردة الذاكرة. الفن لا ينشأ في المخيلة بل في الذاكرة. قصيدة «القلعة» كتبتها الذاكرة وليست المخيلة، وكذلك قصيدة «رعاة الظلام»، وقصيدة «سلالم نوتردام»...وغيرها، ورغم المناخات السوريالية، والخيالية فإنها مستمدة من الذاكرة ومن وقائع الحياة. أحيانا يمهد للقصيدة بالأحلام والكوابيس، فقصيدة «التعويذة» جاءت عبر الحلم ولكنني كتبتها مستيقظا مع احتفاظي بجو الحلم، أما قصيدة «الولد ذو القميص الأصفر» فهي نتاج كابوس. أنا ازعم ان كل ما كتبته، هو نص تسجيلي، أنا اكتب نصوصا تسجيلية، فقصيدة «يوم قادتني جدتي لنشهد هبوط الموتى» قد يعتقد أحدهم أن هذا نص سوريالي، أقول هذا نص تسجيلي تماما، أنا شاعر تسجيلي وساذج.
* لكن السذاجة ليست بادية في قصائدك، فهي قصائد عميقة؟
- أنا اعرف إلى أي مدى هي تسجيلية، وساذجة.
* تقصد بالسذاجة العفوية والتلقائية؟
- لا، أقصد السذاجة حرفيا، فالسذاجة هي أنبل شيء.
* ولكن السذاجة قد توحي بمعنى سلبي؟
- نعم، ديستوفسكي كتب رواية عظيمة عن «الأبله» وبهذا العنوان، فتبين أن بطلها الأبله يشبه المسيح في الطهارة المطلقة، البساطة المطلقة أو السطحية المطلقة. لماذا يجب ان يكون الإنسان فيلسوفا، وجديا، وعميق التفكير.
* أنت تقول عكس ما تفصح عنه قصيدتك، فهي عميقة وجدية؟
- أنا أقول لك باني شاعر تسجيلي، وأستطيع ان أرد كل نص من نصوصي إلى جذره الواقعي حتى ما يبدو انه نص سوريالي.
* بمن تأثر نزيه أبو عفش؟ لمن قرأ ويقرأ، من من الآباء له الفضل في كونك شاعرا؟
- تأثرت بكل من قرأت لهم، وبكل من أحببت له كتابا أو قصيدة أو بيتا أو كلمة، تأثرت بديستوفسكي، وتولستوي، وسانت اكزوبري، والبير كامو، وايفان تورغينييف...تأثرت بنديم محمد، والمعري، وأبي تمام، وأمين نخلة...كل ما وقع عليه الأذن أو العين من الجمال صار جزءا من المادة الدراسية التي تعلمت ونجحت أو رسبت فيها. لا يستطيع أحد ان يزعم بأنه مر مرور الكرام على مواد الجمال. هذه كلها دخلت دهاليز الذاكرة والوجدان وتركت أثرا. أنا اكتب ما تعلمته من الجمال الذي صنعه الآخرون. لا يوجد إنسان يستطيع ان يخترع الجمال، لا يوجد إنسان يستطيع ان يخترع زهرة عباد الشمس وحين يرسمها فان كوخ فهو يعيد التأمل في الزهرة. كل من يعمل في الفن هو ناسخ، وهناك نساخ ناجحون ونساخ غير ناجحين.
* لكن في الفن يوجد التجريد والسوريالية وهذه بعيدة عن الواقع، وعن النسخ ؟
- حتى السوريالية هي قراءة أخرى للواقع، والسورياليون لا يزعمون غير ذلك لأنه لا يوجد واقع غير الواقع، حتى الخيال جذره واقعي. واستكمالا لسؤالك السابق أضيف: في كل يوم أضيف لأساتذتي أسماء جديدة حتى في الأيام التي لا أقرأ فيها شيئا، وهذه القائمة ليس فيها فقط أسماء النجوم الكبار ماركس، وبورخيس، وسرفانتس، واليوت..هناك تلاميذ صغار آخذ منهم الدروس، شعراء شباب غير معروفين. الفن هو الرغبة في التعلم، وعدم الخوف من الاعتراف بأننا نتعلم ليس فقط من آبائنا بل حتى ممن يعتبرون أنفسهم أولادنا. من يعمل في الرياضيات، الآن، يفهم اكثر من فيثاغورس لكنه يقول «فيثاغورس استاذي». اينشتاين أهم من اقليدس لكن انشتاين بدون اقليدس لا يساوي شيئا. قد تستغرب وتقول بأن هذا يحدث في العلم لكن الفن ليس تراكميا، وهذا خطأ، كيف كنت سأكتب الشعر لو لم أقرأ ما كتبه الشعراء الذين احبهم مثل: محمود درويش، ومحمد الماغوط، وأحمد عبد المعطي حجازي، وأدونيس...
ويصدف أحيانا، في الفن، من يتفوق على أستاذه، فبالنسبة لي محمود درويش أهم من المتنبي، لكن ليس كل من قرأ المتنبي صار افضل منه.
* قلت، في البداية، بأنه لا يوجد معيار حاسم للتمييز بين الشعر الرديء والجيد، فكيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
- أولا أنا لا أقارن بين الرديء والجيد، بل اقدم انطباعا حول شاعرين يعتبران علامة كبيرة، ليس فقط في تاريخ الكتابة العربية، بل في تاريخ الكتابة البشرية، والأمر الآخر ان كلامي أيضا ليس معيارا عاما، بل معياري الشخصي. وحينما أتحدث عن آبائي المعاصرين لا أستطيع ان أنسى ان محمود درويش من آبائي، وكذلك أدونيس، ونزار قباني، وبدوي الجبل كل واحد ترك البصمة العميقة التي لولاها لكنت شخصا آخر غير نزيه أبو عفش الشاعر.
دمشق - إبراهيم حاج عبدي - الرياض السعودية
(////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
تصبحو على خير ... هدول رسم نزيه أبو عفش ..
شكرا يا شباب جميعا على مروركم.....الكبير نزيه ابو عفش يستحق مننا كل الاهتمام...
اله الباب
الآن، وقد غابت شمسي، أتذكَّرُني!
الآن، وقد مالتْ أغصاني وتنكَّرَ قلبي لي، أتذكَّرُني.
الآن، وقد أُقفِل دوني بابُ الأبوابِ وغادَرَني أصحابي
أتفقَّدُني...
فأراني أعْتَمْتُ وصرتُ وحيداً.
... ... ... ... ... ... ... ...
والآن، وقد أَعتمتُ وصرتُ وحيداً،
أنهضُ عن كرسيِّ نعاسي كالقرصانِ المخمورِ...
فأشعِلُ قنديلي وأعلِّقهُ في سقفِ البيتِ.
أُعدُّ رغيفي الحامضَ... وأرتبُ أقداحَ شرابي.
أَنقلُ كرسيَّ الضيفِ إلى حيث يضيء المصباحُ جبينَ الضيفِ
فينعسُ في السرِّ.
أُعدُّ فِراشَ المرأةِ.
أنفضُ – عمَّا نسيَتْهُ المرأةُ فوق الصندوقِ – غبارَ غيابِ المرأةِ...
ثم أُلمِّعُ ضحكةَ عينيَّ وقلبي وزجاجاتِ نبيذي
وأَقوم إلى حيث البابُ لكي أفتح بابي
وأصلِّي لإله البابِ
لعلَّ إذا صلَّيتُ له
يَدْخلهُ "لاأحدٌ" ما.
... ... ... ... ... ... ... ...
الآن، وقد أعتمتُ وصرتُ وحيداً...
"لاأحدٌ" يأتي؟!...
"لاأحدٌ" لا يأتي.
... ... ... ...
... ... ... ...
الآن، وقد غامتْ شمسُ الناسكِ
وانفضَّ ربيعُ المرأةِ
وتفرَّقَ شملُ الأصحابْ...
أدعو لإلهِ البابْ
أن يسندَ شمسَ الناسكِ كي لا ينعسَ قلبُ الناسك...
أدعو ألاَّ يخذلني، من خلفِ الباب، إله البابْ
أدعو... وأَشُدُّ البابْ
أدعو... وأشدُّ
وأدعو.. وأشدُّ
(لعلَّ.....)
فلا ينفتحُ الباب...
... ... ... ...
... ... ... ...
- هل من "لاأحدٍ" خلف البابْ؟...
- ما من "لاأحدٍ" خلف البابْ
محضُ هواءٍ أسودَ... وغرابٍ كذَّابْ
يزعمُ أنِّي صاحبُهُ!...
وأنا وحدي أنعسُ تحت القنديلِ
(انطفأَ القنديلْ!...)
خلف البابِ... أنا.
قُدَّام البابِ... أنا.
فوق الكرسيِّ... أنا.
تحت النور... أنا.
فوق سرير المرأةِ، فوق الصندوقِ، على الشرشفِ،
قُدَّام المرآةِ: أنا... وأنا...!
ونبيذي قُدَّامي
والخبزُ الحامضُ قُدَّامي
ورمادُ الضحكةِ والقلبْ...
وغبارُ الأشياءِ يواسي فوضى الأشياءْ.
فإذنْ ماذا أفعلُ يا ذا "اللاأحدُ" الكذَّاب؟...
ماذا أفعلُ؟...
أرفعُ كأسي
كي أشربَ في صحةِ نفسي
ثم أقولُ: تفضَّلْ
يا ذا "اللاأحدُ"
الواقفُ
يتلصَّصُ
من ثقبِ البابْ.
ليت من مات يبعث
كي نتولى تعاسته
باليسير من الحب والعبرات
فتهدأ غصته في التراب
وتهدأ كفاه
ليت الذين قضوا
في الطريق الى النبع
لم يرحلوا ظامئين
ليت أن المسيح
لم يقل لأبيه ( يا ابي ..)
ليت ام المسيح
لم تقل:
انا عذراء ما مسني بشر
ليت يوسف لم يصدق
ليت انَا جميعا كذبنا على ربنا
فضللنا .. وخنَا
ليت انَا..
خسرنا فراديسنا كلها
وربحنا جحيم الحياة
سنحب الحياة اذا
سنحب الحياة
وسنلعنها حين نقنط
ثم نتوق اليها مؤبدة
كظلام الطواغيت
خادعة كالعدالة
عمياء كالحب
فتاكة كقلوب النساء
مالحة كالنشيج
وسنرجم أبراجها بالدموع
اذا أخلفت وعدا
ثم نركع تحت شبابيكها
كالمجانين نسألها الصفح
يا للحياة:
كيف تفلت منا
فلا يتبقى لنا من فضائلها
غير لسعة خيباتها
والدخان الذي يتصاعد
من ثكنات الطغاة
خجل الصحو...
خجل الصّحوُ فللطلّ انهمارْ آنَ خبّأتِ بعينيكِ البحارْ
طاب للصيف وقد أخجلتِهِ هربٌ منكِ، وأغواهُ الفرار
ليت لي «تمّوزُ»، كي أسفحَهُ فوق عينيكِ تضاعيفَ اخضرار
جُزُراً خلف شبابيك المدى تكنز الدفءَ، فلِلدفءِ مزار
بحثتْ أغنيةٌ عن أصلها عند عينيكِ فأعماها الدُّوار
لهفةٌ للمنتهى تحملني والمشاويرُ بعينيكِ انتحار
موعدي اليومَ مع الصيف فلا تسألي عني إذا هُدبكِ غار
كبرياءُ الريح في ملعبها تتحدّى رفّةَ الطيب المثار
مَخدعا «تشرين» يا لي منهما ضَيّقا الدنيا على الصيف فحار
المدى ارتاع وأعيا كبرَهُ بلبلٌ حام بعينيكِ وطار
ترك الغيمَ على أعتابهِ كُوَماً تحكي أساطيرَ احتضار
لا تقولي: أين أبحرتَ، أما رجعةٌ يهفو لمغناها المغار؟
همُّكَ الوهجُ بأعماقي، ولم تندملْ بعدُ جراحاتُ الصّغار
أنتِ أطفاتِ القناديلَ، فهل يعتبُ الضوءُ إذا العاصفُ ثار؟
سيُجَنّ الصيفُ لو أنكرتُهُ وتخيّرتُ بعينيكِ المدار
اغْرُبي عني، ولا تضطربي مُشتهى قلبيَ أن يبقى بوار
سرسورة ... شو بدك يعني ؟؟؟ بوس أيديك ؟ أقلبلك تقيلتين بالهوا ؟؟؟
سرسورة ... شو بدك يعني ؟؟؟ بوس أيديك ؟ أقلبلك تقيلتين بالهوا ؟؟؟
:سوريا: :سوريا: :سوريا: :oops: :oops: :oops: :oops: .......شكرا لالك....و لمرورك الغالي...كتير...
:سوريا: :سوريا: :سوريا: :oops: :oops: :oops: :oops: .......شكرا لالك....و لمرورك الغالي...كتير...
أنتي اللي غالية ...كتير
انا بحب النكوشة :yahoo:
و هي كم قصيدة للكبير أبو عفش
قوسُ قزحِ الله!...
نزيه أبو عفش (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
الإنسانُ شجرةُ آلامٍ وحيدةْ
حزينة، عارية، وتَسْبحُ في هواءٍ عارٍ!
يا ربُّ: لو أكونُ شجرةً... شجرةً حقيقية
تضحكُ، وتَسْبحُ، وتحلم، ولا تقولُ: "اجعلوني".
: الأشجارُ لا تُجعَل.
الأشجارُ: فقطْ... تحلم.
... ... ...
الأشجارُ تنهضُ على أكتافِ نفسها
تشربُ من ينابيعِ نفسها
وتحلمُ خلوداتِ نفسها...
: الأشجارُ خلودُ الأشجار.
*
... الأشجارُ خلودٌ بلا ذاكرة.
الذاكرة مقبرةُ الحياة
مقبرةٌ سيئةُ التأثيث
مليئةٌ بالبشرِ والأعمارِ والتوابيتِ
والممرَّاتِ... والنوافذِ المغلقةْ!
فإذنْ، يا ربُّ: احفظْني في ذاكرةٍ نظيفةْ.
احفظني في ذاكرةِ شجرةٍ–قلبْ.
احفظني جيداً وطويلاً
في ماء عطفكَ المملَّحِ: النسيانْ.
*
إن كنت تؤمن بي حقاً، يا إلهي...
فقلْ لهم – أحبابي – أن يقبروني على الحافَّةْ:
حافَّةِ الوقت... وحافَّةِ المكان.
بيَ شهوةٌ عاليةٌ للخلود على حافَّةْ...
شهوةُ موتٍ جميلٍ، عطوفٍ، كريمٍ... وأبيضْ.
مجرَّدُ شهوةِ ميْتْ:
شهوة موتٍ بيضاءْ!!...
... ... ...
إذنْ فامحُني.
إن كنتَ تؤمن بي حقاً
فامْحُني جيداً يا إلهي
اُمْحُ الأوراقَ، والغصونَ، والجذعَ، والدماغْ...
واْمحُ الترابَ أيضاً: بيتَ الموتِ التراب؛
امحها كلَّها... وكلِّي
لكنْ، دعْ لي جذري – جذرَ العذابِ الكريم
يتلألأُ في ظلامِ نفسِه.
دَعْهُ – جذري –
يواصل رحلتَهُ المتعثرةَ في هواءِ النور.
دعْهُ يحلم بثمرة نورْ
وورقةِ نورْ
وعَصْفَةِ نورْ
: دعهُ يحلمُ نوراً.
*
الثمرةُ بيضاءْ
الغصن أبيضْ
الأوراق بيضاءْ
الجذعُ أبيضْ
الأحلام بيضاءْ...
والهواءُ، والترابُ، والماءُ، والزرقةُ، وأيضاً الظلامْ: بيضاء كلُّها!
أنا ابنُ "الأبيض"
لهذا: ألواني كثيرةٌ، لألاءةٌ، مشرقةٌ، وتُغْبَط
أنا: قوسُ قزحِ الله...
خزينةُ الجمالِ التي لا تنفد.
أنا: حلمُ الكروانْ.
*
اجعلني إذنْ، يا إلهي، جذراً
يتدلَّى صاعداً
في هواءِ سماواتِ بِيْضْ.
اجعلني أبيضَ...
أبيض... بجميعِ الألوانْ.
...
أنا ابنُكَ، وحاجُّكَ، ومُنكِركَ، وابنُ عطفكَ،
ووريثُ نَدَمِكَ، وشهيدُكَ، وخادمُ نسيانكْ...
إذنْ: فاجعلني... ...
... ... ...
... ... ...
بابكَ مرفوعٌ على كلمةْ
وبابي أيضاً.
كلانا، إذ يَعْبُرُ، ينحني...
كلانا يقولُ: ضَعفْتُ، وتعذَّبتُ، وقَنِطْتُ،
وعانيتُ، وندمتُ، وتقوَّسَتْ روحي!
وحدها "الكلمةُ" تظلُّ هكذا...:
عاليةً، مستقيمةً، واصِلةً...
وحيَّةً (حيَّةً في بهجةِ الكروانْ...)
: الكلمةُ إلهةٌ مسموعةْ (مسموعةٌ ولا يُنصَتُ إليها!...)
الكلمةُ رباطُ دمنا السرِّيُّ والصريحْ
... رباطُ الأزمنةِ الذي لا ينقطع.
...
: كلانا صوتُ نورْ.
... إذنْ، فاجعلني... ...
*
اجعلني – إن شئتَ – ما شئتَ، وكيفما شئت.
أنت: ربَّما...
وأما أنا... فلا أندمْ.
:
"البياضُ: ما لا يُندَمُ عليه".
*
أنا بيتكَ، ومائدتك، وخبزكَ ونبيذك،
ومسعاكَ، ودربُ حقيقتكْ...
إذن: لا تَخَفْ عليكَ من مكيدةِ الموتْ
أنت خالدٌ في ما أراهُ وأحلمهُ
: خالدٌ في بياضِ حلمِ الكروان.
... وأنا: بيتيَ حيثُ تصدحُ كرواناتُ فجري
فتساعدني في حياكةِ الأحلام.
مائدتي أغنيةٌ، وهواءٌ، وشهوةُ بياضٍ بيضاءْ...
ومسعايَ: "أنا"
ولا حقيقة لي:
"الحقيقةُ بياضْ!..."
... ... ...
إذنْ: أبيضُ... وأبيضْ.
أبيض كما جعلتَني، وكما أحببتُ واشتهيتْ.
كلِّي أبيض:
جلدُ وحشي، وقرناي، ودمي، وحنينُ كرواناتي، وأظلافي، ونواجذي، وقلبي، وزعانفي، وأسلحتي، وخوفُ أعدائي، وحيرتي، وسوادُ عينيَّ، وعظامي، وثوبي، وعطشُ لساني، والظلامُ الذي أطرحُهُ فيما أنا أتَقوَّسُ لأعبر البوَّابةَ (أتقوَّسُ لأعبر...)
كلِّي، كلِّي أبيض، ومليءٌ بأحلامِ بياضي...
لهذا... لا أخافُ أن أتَلوَّث
: "البياضُ حقيقة...".
...
... ها أنا أَبلُغُ الحافَّةْ!
... ...
...
ليلة 30-31 كانون الأول 2001
رعاةُ الدَّم
نزيه أبو عفش
ما أبغضَكم رعاةً!
تذبحون سلامَ الشجرة
وتُهينون سخاءَ المرأة
وتلوِّثون ضحكةَ بوذا–الورد...
بضحكةِ ذابحِ الورد.
... وتنامونَ على أمل! ...
... ... ...
ما أتعسَكم قدِّيسين!
تُجمِّلون بالصبرِ حيرةَ الملهوف
وبالكوابيسِ غفوةَ اليائس...
وتزرعون وردًا
على شرشفِ عروسٍ مذبوحة! ...
... ... ...
وما أمرَّكم! ...
كفى، وكفى...
مُوتوا لتشهدوا
كيف سيفيضُ النورُ على ضفافِ المقابر
ويطلعُ النرجسُ من دماغِ الصخرةِ اليائسة.
... ... ...
مُوتوا...
لتضحكَ الحياة.
***
12 ت 2، 2001
نصيحة الوردة
قال الجلاد! ... مُوتوا تَصِحَّوا...
قال القدِّيس تعذِّبوا...
قالت القسوة مجِّدوا
قال الخوف أطيعوا
قال التاريخ تذكَّروا
قال حانوتيُّ الأمل انسُوا
قالت السعادة ... ... وجُنُّوا
... ... ...
قال الألم! ... كونوا حكماء
قالت الفضيلة عميانًا
قال الشرُّ ... ... وأقوياء
قال الكذب متواضعين
قال الحقُّ خبثاء
قالت العدالة دهاةً
قال الموت شجعانًا
قالت الحياة. ... و: "أنتم"
... ... ...
: فقط، تداوَوْا بجمالي
قالتِ الخجولةُ – الوردة...
***
13 ت 2، 2001
كنيسة العطف
هيَّا، هيَّا، هيَّا...
على شرشفِ الأسرَّة
– بعرقِ الحبِّ وماءِ وردِ الجمال –
اكتبوا وصايا الحياةِ... للحياة.
هيئوا قذائفَ القرنفل
وألغامَ الموسيقى
... وهبُّوا إلى وليمةِ النور.
هيَّا، عيشوا
ذوِّبوا الفولاذَ بلُعابِ الورد
واطحنوا حديدَ الدباباتِ
بأسنانِ العصافير...
... وعيشوا.
حاربوا الندمَ والخوفَ والشجاعةَ
وأمراضَ العفَّة.
لا تُبقُوا وثنًا، ولا ضريحًا، ولا منصَّةَ بطولة.
انسفوا القلاعَ، والمعابدَ، والأقبيةَ، والمخافرَ،
والسجونَ، والخنادقَ، والمقابرَ،
والجسورَ الموصلةَ إلى المقابر...
وعمِّروا
كنيسةَ العطف
ومملكةَ
النباتات ... ... ...
*** *** ***
14 ت 2، 2001
ما قَبْلَ الأسبيرين
نزيه أبو عفش
فكِّرْ في الألمْ.
مثلما كان ميكلانجلو يفكِّرُ في عذابِ الصَّخرْ
فكِّرْ في الألم.
فكِّرْ في ضَجَرِ الدودةِ – عذراءِ الترابْ –
عاريةً وعزلاءَ
تنزلقُ في أنفاقِ يأسِها، وتأكلُ الظلامْ.
فكِّرْ في أحزان النباتاتْ,
في ما يتألَّمه الطائرُ،
وما تَشْقاهُ البذرةُ،
وما يحلمهُ عِرْقُ النباتِ المقطوع.
فكِّرْ في صُداعِ الحلزون:
(هل سبقَ لكَ أنْ فكَّرتَ في حلزونٍ يتألم؟ ...)
فكِّرْ في حيرةِ الأتانِ الخجولْ،
في صرخةِ مَخاضِها الداميةِ
تَنْدَلِقُ على فِراشِ أمومتها الأولى.
فكِّرْ في العِجْلةِ البتول، تحتَ ميزانِ موتها،
تَعْصُرُ الهواءَ بعينيها
وتتوسَّلُ حنانَ أخيها الجزَّار.
فكِّرْ في الألمْ.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
فكِّر في ضوضاء الآلام قبل أن تتحوَّل إلى فكرةْ
وفي غُصَّات الموسيقى قبل أن تصيرَ أغنيةَ عُرْس.
فكِّرْ في الدمعةِ اليابسة لأمِّ الجندي الميْت
تَصْرخُها أمامَ عدسةِ التاريخ:
"أنا فخورةٌ بموته..."
فكِّرْ في الألم.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
لا أقولُ لكَ: ابْكِ.
لا أدعوكَ إلى قدَّاسِ شفقةٍ.
ولا أتوسَّلُ إليك: صلِّ لأجل هذا وهذا... ؛
لكنْ، فكِّرْ فحسب.
فكِّرْ قدْرَ ما تستطيع، وأعمقَ ما تستطيع.
فكِّرْ في أنكَ أنتَ الحلزونُ، والطائرُ،
والمرأةُ، وعِرْقُ النباتِ المقطوع.
بل وأكثرَ: كنْ – أنتَ – هذا وذاكَ وتلك.
فكِّرْ في أنكَ – أنتَ – مَن يتألَّم
وأنكَ – ربما بسبب الحياء –
لا تستطيع أن تقول: "أنا أتألم"
وأنكَ – أنتَ العاجز – إذْ تتضرَّعُ في السرِّ،
تتضرَّعُ إلى جدرانٍ وبَشَرٍ وأيقوناتٍ
ليس بمقدورها أن تشفيَ من الألم.
فكِّرْ في "أنت"... وفي الألم
وانتبِهْ: الألمُ ليس مجرَّدَ فكرةْ.
الألمُ مادَّة.
الألمُ ذاكرةُ العناصر.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
فكِّرْ، وآمِنْ بما تفكِّرُ فيه؛
إذْ... كيف لأحدنا أن يعرفْ؟! ...
ربما الهواءُ صرخةُ جُرْحِ الطائر
والظلامُ أنينُ الصخرة
والأخضرُ دمعةُ قلبِ النباتْ.
فكِّرْ
في
الألم.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
ولا تستنجدْ بأحدٍ أو شيءْ.
ما تَصْرُخهُ لا يُسمَع
وما تُلوِّح به لا أحد يراه.
صرخةُ الألمِ: الصمت.
إذنْ...
فكِّرِ الألم.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
فكِّرْ:
(ما قَبْلَ الأسبيرين...
أيامَ كان الناس يحلمونَ الحياةَ بأسنانهم
ويداوون آلامَ الموت بصرخاتِ قلوب اليائسين.
ما قبلَ الأسبيرين...
ما قبلَ اللغاتِ والرسائل والتعاويذ،
ما قبلَ الأسئلة الكبرى والرِّسالاتِ الكبرى،
ما قبلَ “Help me!” و"أنْجِدْني"
و"ضمِّدْ بحنانكَ عذابَ قلبي".
ما قبلَ الأسبيرين...
ما قبلَ النارِ, والطبولِ، والرايات،
وزجاجاتِ البحَّارة الهالكين
عائمةً على سقوفِ أوقيانوساتِ الموتْ...)
فكِّر في كوابيسِ تلك الأزمنة
وصيحاتِ أولئك الناس.
فكِّرْ في ألمِ الكائناتِ الضعيفةِ، العاجزةِ، المنذهلةِ،
البكماءْ.
فكِّرْ في هذا وهذا،
وفي ألمِ هذا وهذا.
تألَّمْ هذا وهذا وهذا،
لا كَمَنْ يشاركُ في وليمةِ نَدَمٍ أو وليمةِ عطفْ،
بلْ كمنْ يتألم نيابةً عن خليقةٍ بكاملها.
فكِّرِ الألم
فتكتشف اللغةَ الرسميةَ
لجدِّكَ العظيم: الله.
11 تموز 2003
*** *** ***
butterfly
05/10/2006, 15:56
حدا يبعت لليلى تنقل الموضوع عالشعر
وفعلا كتير حلو :D
له له خلوه هون..
لأنو بالشعر الموضوع بتروح قيمتو.. بيضيع بالعجقة...
وأنا صار في علاقة غرامية مع هالموضوع جواتي
فوق طبعا عشقي لنزيه أبو عفش
وشكرا كتييييييييييييييييرر لكل العالم المشاركة بالموضوع...
بعدين يا ريت اللي عندو قصيدة الله قريب من قلبي ينزلها هون
ما يشبه كلاما أخيرا...(الجزء الاول)....
لم يكن نوراً..
كان شيئاً شبيهاً بما يصدم عينَ جنديٍّ خائف
قَذَفتْ به قنبلةٌ إلى قلب العماءْ.
لم تكن عدالةً..
كانتْ مأدبةَ سفاحين.
لم يكن هواءً..
كان دخاناً طائشاً يخرّشُ نسيجَ السماءْ.
لم تكنْ بلاداً.
لم يكنْ بستانَ سابلةٍ صالحاً لرفعِ أرجوحة
أو مدِّ فراشِ حبّ.
حتى ولم تكن أرضاً صالحةً لحراثةٍ.. أو سعيٍ..
أو تشييدِ مقبرهْ:
كان عماءً خالصاً.
كان عماءً فحسب.
وكان أمامي وحولي قضاةٌ فَتَكةٌ، وكهنةٌ يشحذونَ السيوفَ،
وبغايا عفيفاتُ الأعينِ والأهدابِ.. يُطيِّبْنَ شواربَهنَّ بماءِ
قرنفلٍ وشحومِ شهداءَ عاثري الحظّْ.
كنتُ أراهم فوق منصّتهم المرفوعةِ على الرماحِ وعظام ِ
الموتى، تحتَ أضواءَ كاشفةٍ ... وهديلِ ثكالى.. وصياح ِ
مهرّجينْ، يستعدّون لإصدار أوامرهم بإعدامي حرقاً حتى
الموت..
(وكأنما كان في القواميس ما ينصّ عل إعدام ٍ حتى الحياة!!..)
سيقول القضاةُ:
إنني لم أكنْ أومن أن الحريةَ تزدهر في ظلالِ المقاصلِ
والشمسَ تُشرق من قبور الأموات
والعبوديةَ أطيبُ من النبيذ والفوضى!...
سيقولون إنني... إلى آخره ِ.. إلى آخره ِ.. إلى آخره
فيما الكهنةُ يتمنون لي موتا ً سعيداً
ويباركون جبهتي بزيت ٍ مطَّيب ٍ بالأسيد ِ.... والقطران ِ..
وروح ِ البنفسج ْ
!......
كان حُماتي يتآلبون عليي
وأمّهات ُ حيرتي يُلْقِمنَني أثداءَهن َّ محشوة ً بالأكاذيب ِ..
والسم ِّ.. والأغاني.
وكنت ُ وحدي ...
لأنني كنت ُ وحدي
كنتُ ُ، بين النعاسِ والحيرة ِ،
أتنصّّت ُ إلى حفيف ِ أجنحة ِ الله إذ يعبر ُ بين النجوم ْ
ألتقط ُ رسائله وأرد ُّ عليها بالأنين ِ والصمت ِ والدموع ْ:
يا رب ْ
أنت َ، يا رب َّ السفهاء والقضاة ِ والبرابرة ْ
رب َّ العناكب ِ والملوك ِ والعقارب ْ
رب َّ الضباع ِ والجنود ِ والفلاسفة ْ
رب َّ الشعراء الرماديّين
ذوي الأسنان ِ المنخورة ِ
والأعين ِ الجاحظة ِ
والجلود ِ المفضَّضة ِ كحراشف الأسماك ْ
رب َّ قابيلَ.. وموسى.. وفحول ِ الظلمات ِوالدم ِ والحرير ْ
رب َّ القنافذ ِ والمومياءات ِ وملائكة ِ السجون ْ
اُنظر ْ في قلبي
اُنظر إلى قدمي ْ، وساقي ْ، وصدري،
وما يسيل ُ على فمي من وجع ٍ.. وفاقة ٍ.. وأنين ْ
اُنظرْ..
حيث تعبرُ قوافلُ مؤمنيكْ
محفوفةً بالأكاليل ِ
والنعوش
وأضاميم ِ الآسِ الطاردة ِ للوحشة ِ..
والديدان ِ.. والنعاس ْ.
حيث ُ يئنُّ الأمواتُ من الضجر
وتَزْرَقُّ قلوبُهم من الخوف
وتطفحُ على أطرافِ لحاهم أعشابٌ مائعةٌ
لا تنبتُ إلا في الكوابيسْ.
اُنظرْ إلى صدور المحاربينْ..
حيثُ تختلطُ اللهفةُ بالنشيج
والشهقةُ بالأمل
ودقيقُ عظامِ الموتى.. بحريرِ أكتافِ نساءِ الأحلامْ.
اُنظرْ إلى غصّتي ترنُّ في الظلام
كخاتمٍ على حافّة كأسٍ من الزجاجِ النبيلِ النبيلْ.
اُنظرْ إلى تعاستي ويأسي
وإلى كم أنا خائبٌ، ضعيفٌ، ومذعورْ
وكيفَ.. أنا .. وحدي.
كنتُ وحدي..
أرى، من كُوَّتي، سماءً وجبلاً يحزّانِ في قلبي
كوردةٍ مشكولةٍ في قميصِ ميتْ..
أسمعُ خوارَ أبقارٍ
ورفيفَ أجنحةٍ
وصيحات رعاةٍ، وكلابٍ، وديكةٍ، وصيّادينْ.
تنبضُ السهولُ في ذاكرتي
فأشمُّ روائحَ النباتِ تسوقها إليَّ الريحُ من أطرافِ الحقولْ.
أغمضُ عينْي..
فأرى صبياناً وبنات يشاركونني الغناءَ
ويتعقّبونني في غزواتِ الكرومْ..
عرفتُ أنني- وأنا بعدُ حيٌّ- مدفونٌ في قبري
كقدّيسٍ يافعٍ ضلَّ سواءَ السبيلْ
فصِحتُ في داخل نفسي:
ما أبهجَ الحياةَ وأشقّها..
ما أوجعَ الحياةْ!..
وكنتُ وحدي
لأنني ... كنتُ وحدي.
ولأنني كنتُ وحدي.. فلقدْ تأمّلتُ في الظلامِ كأنني
أصلّي، وبما يكفي لأنْ أعرفَ أن كلَّ شيء قد صار ورائي،
ولم يعدْ لي ما آملُ به غير النوم ِ والنسيانْ.
صرتُ أعدُّ على أصابعي مقدارَ ما فاتَ من جنونٍ، وما بقي
من آفات ِ قلبْ، فيما الأصدقاءُ يعاتبونني على يأسٍ لم يكنْ
من صنعي، وسوادٍ لم أكنْ من سيَّلَهُ على حوافِّ الدنيا،
وخرابٍ لم أشاركْ فيه ِ.. إلاّ كما شاركتْْ حواءُ في خلق
التفاح ِ، والرذيلة ِ، والأفاعي..
والعبيدُ في صنع ِ الأغلال ِ والقوانينْ..
والأمواتُ في تلفيقِ أناشيد النصرْ.
فقعدتُ أبكي
دون أيّ حياء ٍ من شاهد يشهدُ
أو عدو ٍ يشمتُ
أو سماء تلوم.
منذ خمسين عاما ً وأنا أبكي
فأبكي.........
لا كطفل ٍ أضاعَ شيئا ً عزيزاً.. إذ لم يكنْ لديّ من متاع ِ
اللقطاء غيرُ الغبار ِ، والخلِّ، ورماد ِ الذكرياتْ،
ولا كامرأة ٍ فقدتْ وليداً، أو زوجاً، أو قرطَ نحاسْ..
فأنا أشَدُّ رثاثة ً من أنْ يكونَ لي ما يُفقَدُ.. أو يُبكَى،
ولا كرجل ٍ..
لأنَّ الأمواتَ لا يبكون رجولة ً لا يعرفونها، والعبيدَ لا
يتحسّرون على حريةٍ لم يذوقوا طعمها إلاّ في الأحلام ِ
والأغاني وأعراس ِ اللصوص، ولا يندبونَ مجداً لا يتذكرون
عنه غيرَ ما تتذكرُ الديدانُ عن سعيها المرير ِ في الطينْ.
حتى ولا كدودة ٍ..
إذْ كانَ لي قلبٌ، وعينان ِ، وروحٌ أمّارةٌ بالجمالْ.
ولا كحلزون ٍ..
إذْ لم يكنْ لي قوقعةٌ أتحصّن فيها
وأحلمُ بحلزونتي إذْ يهبُّ الخريفُ على أديم ِ الترابْ.
ولا كأحد ٍ شبيه ٍ بي، إذ.. كنتُ أبكي
فقعدتُ أبكي.
.. .. .. .. ..
ورأيتُني عاريا ً وفقيراً ولا شأنَ لي..
قلتُ: يا ربُّ أين قميصي
وأينَ حذائي، وسلّةُ خبزي،
وما وُعِدَ الوُدَعاءُ به من نبيذٍ وقمحٍ؟؟؟
قلتُ: أين طريقي.. لأعْبرَ منهُ إلى مدنٍ غير هذي
وأهل ٍ سوى هؤلاء ِ
وقبر ٍ أقلَّ ظلاما ً؟؟؟
وأين هم رُسُلي، ورعاتي، وساسةُ خيلي؟
وأينَ أخي ، وابنُ عمي؟
وأينَ الشهودُ لكي يشهدوا؟
أينَ أمي التي دوّرتْ صيحتي في بساتين ِ أحشائها
كلَّ هذي الشهور ِ..
فلمّا خرجتُ إلى النور غلّتْ يديَّ وسدّتْ فمي ببقايايَ
ثم بكتْ فوق سلَّة نومي.. فسالتْ على زهرة ِ القطن ِ أنَّتُها
وتلطّخَ بالدمع ِ ثوبُ نعاسي؟!
وأينَ أبي؟..
يا أبي.. يا أبي
يا صديقي، تلفَّتْ إليَّ قليلا ً
لأعرفَ أين أنا الآنَ ممّا تمنّيتَ لي
ورسمتَ على جبهتي من فنون ِ الرعاة ِ وأفكارهمْ..
تلفّتْ إليَّ قليلا ً.. لكي أتعرّفَ عينيك َ في محنتي
مِلْ عليَّ.. وهّدْهِدْ ظلامي لكي يخرجَ الليلُ منّي
فتهدأ روحيَ فيَّ
تقدّمْ إليَّ..
وقُدْني إلى طرف ِ الحقل ِ حيثُ ينامُ أقارُبنا نومةَ الموت ِ
مفترشينَ معاطفَهم وبيارقَ أعراسهم..
فيمدّونَ راحاتهم صوبنا من شقوق مقابرهم
ويئنّون من شدَّة ِ البرد ِ،
قلْ لي كلاما ً جميلا ً، وخذني إلى كتفيكَ كما يؤخذ الطفلُ
خذني ودغدغْ نعاسي بكفّيكَ
خذ ْ يأسَ قلبي..
فقد كنتَ مثلي ضعيفا ً
وكنتَ، إذا عصَفَ الخوفُ، تنهدُّ حتى...
تتضوَّر روحكَ من حمله ِ
ويخونكَ قلبُ الفقير ِ
فتبكي....
ثم تقعدُ، خلفَ الجدار ِ، تغني
وأيضا ً تغني.. فيحسبنا العابرونَ ملوكا ً.
وتبرأُ أرواحُنا بالدموع ِ..
فنشربُ نخبَ سعادتنا.
كأنما، يا أبي، كنّا بشراً إلى حينْ:
كانت جدتي تعتقدُ أننا فقراء لأنّ الله لا يحبنا.. إذْ لم
تكنْ أمي تذهب إلى الكنيسة ِ إلاّ لِتَفقُّد ِ الأعراس ِ وحمل ِ
الأزهار ِ إلى جنازات ِ الموتى.
على أنني- يومها- لم أكنْ قادراً على رؤية ما يسيلُ داخلَ
عينيْ أمي من ظلام ٍ ودمع: كنتُ ما أزالُ أتدرّبُ على
الصلاة ِ، والكذب ِ، والتلذّذ ِ برائحة البخورْ..
كنتُ- كجميع ِ القدّيسينَ- ذكيا ً.. وأعمى.
.. .. .. .. ..
كأنّما كنّا بشراً إلى حينْ.
كنا نموتُ سبعَ مرّات ٍ في اليوم.. ثم ننصرف، في
أوقات ِ فراغنا، إلى تأليف ِ كتب ٍ وأناشيدَ تُمجِّد الجزّارين،
والبهائم، والحياة...
كنا بشراً إلى حينْ.
ما يشبه كلاما أخيرا (الجزء الثاني)
إذنْ.. فاغفروا لنا، قُضاتَنا وأسيادَ يأسنا، أننا أبناءُ وقتٍ
فاسدٍ.. وأرض ٍ عاثرة ٍ.. وأهلٍ أموات!.
إغفروا لنا أننالا نجرؤ على معاتبة ِ طاغية ٍ ، أو نبيٍّ، أو
محصِّل ِ ضرائب.
إغفروا لنا أننا خائفونَ وتعساء، وليس لأحد منا غيرُ قلب ٍ
واحد ٍ يحتصَّنُ به في مواجهة هذا الجنونِ الجنونْ.
إغفروا لنا أن الحياةَ ماضيةٌٌ .. والذاكرةَ ليست عمياء.
إغفروا لنا أننا بشرٌ . إلى حينْ.
*
كنا نمدُّ البساط على العتبة.. كيما يَتوهَّمَ عابروا السبيل
الجائعونْ أنهم مطارنة ٌ، أو رُسُلُ سلام ٍ، أو قراصنة ٌ
روّضوا البحار وأخضعوا القارّاتِ كلها.
كنا بشراً إلى حينْ.
كنا نزرعُ الحبقَ في الممرّات.. حيثُ كان فقراءُ
الضيوف يرفعون رؤوسهم وأكتافهم كأمراءَ تائهينَ هبطوا
إلى الأرض ِ في صحون ٍ طائرة، ثم يرمقوننا بزوايا أعينهم
ويُحيُّوننا برؤؤس ِالأصابع، متقدّمينَ رويداً رويداً.. كأنّما
لتُنفخَ لأجلهم أبواقُ الجُند ِ، وتَنْفتحَ أبوابُ القلاع ِ
المحصَّنةُ. ثم- وهم يتأهّبونَ للجلوس- ينفخون في
راحاتهم.. ويغرسون أنوفهم في الهواء ليتنبأوا لنا بمواعيد ِ
سقوطِ الأمطارْ، فيما سكّيرٌ حزينٌ وأخرق، بندبة ٍ غامضة ٍ في
الجبين، وسنذٍ وحيدة ٍ في الفم، يُجمِّل تعاستنا بأغنيات ٍ
تمجِّدُ اللهَ.. والخمرَ.. والنساءْء، فإذا غضبَ سبَّّ أمّهاتِنا
والملوك. لكنّه، بعد آخر جرعةٍ من العرق ِ الثقيل ِ والصبر،
يتفرّس فينا كأننا صانعو فقرة..
ثمّ.. يصفعُ السماءَ
ويبكي.
كنا بشراً إلى حينْ..
نتقاسمُ الخبزَ، والغصّةَ، ولقمة َ الجمالْ
ونشهقُ، متوجِّعينَ، لمرأى غْيمةٍ.. أو عصفورٍ..
أو فراشة ٍ تتمرجحُ على تويج ِ وردةْ.
على أنني- كعادتي الآنَ- لمْ أكنْ أكثِرُ من الأسئلة..
فلم أعرفْ أبداَ يا أبي
لماذا يوجعُ الفقراءَ الجمال!..
*
*
... فإذنْ
ليتك َ تعرفُ يا أبي
كم الشوقُ معذّذِبٌ، وكم الذكريات ُ موجعة ٌ
ليتك َ تعرف- وأنت َ تقطع الطريق َ إلى نهايتها-
كم الحياة ُ قصيرة ٌ، ورائعة ٌ، وملعونهْ..
وكم تخيفُ الولد َ، إذ يتأمّلُ في الموت،
فكرةُ أن تنتهي به الطريقُ إلى ما يشبه هذا القبرَ
أو هذه البلادَ
أو هؤلاء الأعرابَ الذين يتغذّون على القوافي
ولحوم ِ الضان ِ
وأفخاذ ِ النساءْ.
أخيرا ً ..
ليتك َ يا أبي- وأنتَ تتشمَّمُ روائحَ ثيابي، وما تبقّى من
أنقاضي.. من أوراق ٍ، وغبار ٍ، وأسمال ٍ مبقّعة ٍ بالحبر ِ
والخلِّ والدموعْ-
ليتك َ تعرف ُ
كم كان َ الولدُ- وهو يقطع الطريق َ إلى ظلامه ِ-
خائفا ً وتعيسا ً..
كم كان- وهو يكوِّرُ صيحتَهُ كالطغاة ْ-
تعذِّبه الذكرى
وتوجع ُ قلبَهُ روائح ُ الطفولةْ.
وكم كانت ضيّقة عليه ِ دنياهُ الواسعةُ
وقارّاتُ يأسهِ المفتوحةُ على الخرائب ِ، والقيظ ِ، والغبارْْ..
وكم كانَ- وهو يتعجَّل المضيَّ إلى ما هو فيه-
يأملُ أن يُعادَ تأليفُ الحياةِ مرّة ً ثانية ً
ليبدأها دونما غلٍّ، أو حسرة ٍ، أو شهواتْ.
ليتك َ تعرفُ
كم ِ الخريفُ محزنٌ
والولدُ توّاقٌّ إلى قبلة ٍ..
وباب ٍ..
وحضن ٍ أخيرْ....
ليتك يا أبي
.. .. .. .. ..
ليتَ أمّنا جعلتْ فوقَ لحافنا ورداً
وطيَّبتْ نعاسَنا بالقبلاتْ.
ليتَ الأمواتَ لم يموتوا
واليائسينَ صبروا
والضالّينَ يعودونْ.
ليت الأخوة َ،
قبلَ أن تنحدرَ الشهواتُ بأحلامهم إلى الجنونْ،
كانوا أرْأفَ بما رَعَينا من نبات ٍ
وأطلقْنا من وعود ٍ
وطيّرْنا من فراخ ِ عصافيرْ.
وليتَ الذين يركضونَ أما منا
ليصلوا قبلنا إلى رؤوس الينابيعْ
ويقطفوا أُولى الثمارْ
ويزرعوا أعلامَهم على رؤوس ِ التلال ِ العليا...
ليتهم يتريّثون قليلاً
عند هذا المنعطف ِ الشائن ِ الخبيثْ
لنتبادل ما بقيَ لدينا
من أزهار ٍ
وقبل ٍ
وأمنياتْ،
ونُصرِّحَ أمامَ جميع ِ ما يُزهرُ من لوز ٍ
ويسيلُ من سَواق ٍ
ويسرحُ من ماعز ٍ وغنم ٍ وبغالْ..
أننا إخوةٌ.. لا مقتسمو غنائمْ
بشرٌ عاديّون... لا ملوكْ
وموشكونَ على الرحيل ِ.. لا آلهة ٌ بكماء ُ
لا تحزن ُ.. ولا نأسفُ.. ولا تشيخْ.
وليتنا لا نشيخ.
*
ليتَ من ماتَ يُبعثُ
كي نتولّى تعاستَهُ باليسير من الحبِّ والعَبَراتْ
فتهدأ غصّتُهُ في التراب ِ، وتدْفأ كفّاه ُ.
ليت الذينَ قضوا في الطريق إلى النبع ِ
لم يرحلوا ظامئينْ.
وليتَ الحياةْ
أخلصتْ حين قالتْ لنا:
إنَّ أجملَ ما يوهَبُ المرءُ في سعيه ِ
أن يحبَّ الحياةْ.
.. .. .. .. ..
ليتَ أنَّ المسيحْ
لم يقلْ لأبيه ِ: "أبي...."
ليتَ أمَّ المسيحْ
لم تقلْ: أنا عذراءُ ما مسَّني بشرٌ،
ليتَ يوسفَ لم يمتثلْ أو يصدِّقْ.
وليتَ المجوسْ
كَذَّبوا نجمهم، وأضاعوا الطريقَ إلى مذود ِ الحسراتْ.
ليتَ أنّا جميعا ً كذبنا على ربّنا
فضلَلْنا.. وخُنَّا..
ليتَ أنّا..
خسرنا فراديسنا كلّها
وربحنا جحيمَ الحياةْ.
.. .. .. .. .. ..
.. .. .. .. .. ..
سنحبُّ الحياةَ اذنْ.. سنحبُّ الحياةْ
وسنلعنها حين نَقْنط ُ..
ثم نتوقُ إليها مؤبّدةٌ كظلام ِ الطواغيت ِ،
خادعة ً كالعدالة ِ،
عمياء َ كالحبِّ،
فتّاكة ٌ كقلوب ِ النساء ِ..
ومالحة ً كالنشيجْ.
سنرجمُ أبراجها بالدموع ِ إذا أخلفتْ موعداً
ثم نركعُ تحت شبابيكها كالمجانين ِ نسألها الصفحَ،
: يا للحياةْ
كيفَ تُفْلتُ منّا..
فلا يتبقّى لنا من فضائلها غير لسعة ِ خيباتها
والدخان ِ الذي يتصاعدُ من ثكنات ِ الطغاة ْ.
*
*
.. أخيراً.. خذني من يديَّ يا أبي،
ورَِّبتْ على موضع ِما كان لي من أجنحة ٍ
تُستعادُ بها ملكّية ُ السمواتْ.
خذني إلى حافّة هذا الوقت ِ المريضْ
ولا تتركني واقفا ً كدريئة ِ الرمي ِ..
فأنا أخافُ من الموت ِ ونفسي.
ولا تَهُمَّ بذبحي قربانا ً لملك ٍ، أو عقيدة ٍ، أو إلهْ
فأنا لستُ وَلَدَ ابراهيم..
والبشرُ ما عادوا يُقْتَدونَ بالخرافْ
خذني.. وأطْلقني في عراء ِ الخليقة الدامي
كعجل ٍ طائش ٍ، أ و أُمنية ٍ، أو غراب ِ نبوءاتْ.
خذني إلى الحافّة ِ هناكْ
لأرى السماءَ أعمقَ، وأقربَ، وأصفى
فأحلمَ بي حرّاً.. وأطلبَ فرصة ً إضافية ً للحياةْ.
خذني..
واتركني أتدحرجْ في الهواء الأزرق ِ كبيضة العصفورْ.
ولا تتمنَّ لي سعادة ً، أو مُلْكا ً، أو غبارَ مجدْ..
فحيثُ يخفق الجناحُ لا يكون ألمٌ، أو خوفٌ، أو قنوطْ.
أطلِقْني إذنْ، كمطلع ِ أغنية ٍ،
كشهقة ٍ،
كدعاء ِ حبْ.
أطْلقْني.
وتطلَّعْ إليَّ بعينيك َ الكفيفتين وروحك َ الرقراقة ِ كخلاصة ِ النورْ
تنصَّتْ راضيا ً، إلى حفيف ِ جناحيَّ في الأعالي
فيما أنا- بين الشهقة ِ والشهقة-
أضمُّ ريشي على سعادتي
وأحلمُ بأصابع ِ أمي
تباركني، وتنسجُ لعينيَّ النعاس َ.. والأمل َ.. والأحلام ْ.
إلى الحافّة إذنْ يا أبي
خذني إلى الحافّة...
لكنْ- قبل َ أن تُديرَ ظهرك لي،
وأديرَ لك قلبي-
دعنا نتوقّفْ قليلاً
على تخوم ِ هذا الخريف ِ الطائش ِ السقيمْ..
دونما علم ٍ نغرسهُ،
أو نار ٍ نوقدها،
أو خوذة ٍ مرفوعة ٍ على حربة
تدلُّ الحجاجَ إلى مواضع الموتى...
دعنا نتوقّف قليلا ً هناك
لنزرع َ وردة ً أخيرة ً
حيث تَمدّد َ اليأسُ في قبره ِ كميت ٍ حقيقي
ثم أطلقَ على رأسه النار
كي لا يرانا
أسئلة
كيف لي أن أواسي الحياةْ؟
كيف لي أن أردَّ إليها الورودَ التي أذْبَلَتْها المحنْ؟
كيف أرفو ثقوبَ سماواتها وهي تشحبُ شيئاً فشيئاً
فيُكسبها الخوفُ لونَ بياضِ الكفنْ؟!
كيف لي أن أميلَ إليها بقلبي وأحرسَ أنقاضها
إذْ يُغِيْرُ عليها الجنونُ
وتغفلُ عنها قلوبُ الرعاةْ؟
كيف لي، وأنا واحدٌ أحدٌ،
أن أضيء حطامَ المراثي
وأُنهِضَ تحت الرفات الرفاتْ!..
كيف يمكن لي أن أُؤذِّن في من يموتُ:
الحياةَ... الحياةْ..؟
كيف لي أن أفسّر هذا الأنينْ
ثم أجرؤ أن أدَّعي
أن هذا الغبار الذي يتلألأ في أعين الميّتينْ
ومضةٌ من حياةْ؟!...
.. .. .. ..
كيف لي
- وأنا أتفقّد أشلاء نفسي فلا أتعرَّفها
وأنقّب في الهاويات لأحصي هشيم دمي ورنيم عظامي-
كيف لي أن أُسوّغ بطلان هذا اليقين
ثم يمكن ألاّ أرى
- وأنا راسخٌ في ظلامي-
أن هذا الجنونْ
وهو يعلو ويعلو
ليس أكثر من عُدّةٍ لاحتمال جنون الحياةْ؟....
.. .. .. ..
كيف يا سائلي
كيف يا قاتلي
كيف يا سيدي وإلهي
كيف لي، وأنا أتتبّع أطوار هذي الحياةْ،
أنْ أصدق أن الرصاص الذي يصرع العاشقينْ
هفوةٌ.... لا خطيئةْ؟!
كيف لي أن أؤكد للقاتلين
أن خلفَ الدريئةْ
أعيناً لا يراها الرماةْ؟..
.. .. ..
كيف لي، بعد هذا وهذا،
أن أُكذّب صيحة قلبي:
"الحياةْ..
وهي تذبلُ في تيهِ أعمارنا
وصمةٌٌ في ضمير الطغاةْ.."؟!
هيلودينا الجذَّابة وهيلودينو القوي...
هكذا تعوَّدت: أترك بابي مفتوحًا.
في النهار وفي الليل، في الصيف وفي الشتاء، وعلى مدار العهود والأيام، أتركه مفتوحًا، وأعيش، وأنام، وأصحو، ولا أخاف شيئًا.
ذات يوم، وبابي مفتوح، وأنا أتنعَّم بدفء منزلي ودفء نفسي، وأسبح في نور منزلي ونور نفسي، سمعتُ صوت امرأة، حزينًا وحنونًا، يأتي من ظلام الهواء الذي خلف الباب المفتوح:
"مساء الخير يا عزيزي."
قلت: "مساء الخير يا عزيزتي."
(وعرفت صوتها الحنون الحزين: كانت هيلودينا الجذابة ذات الشعر الأسود الطويل، إلهة الأشعار والزنابق والأعراس والعطف والكلمات والموسيقى...)
"لماذا لا تضيئين المصباح عندك؟" سألتها بحب.
قالت: "صدِّقني، لا أعرف كيف أضيء مصباحًا في العتمة. تعال وساعدني... لعلِّي أستطيع أن أقول لك "مساء الخير يا عزيزي" وأنا في النور..."
خرجت إلى الهواء المعتم أضيء لها المصباح: فأمسكتْني إلهة العطف والزنابق والكلمات والموسيقى بذراعها الأيسر، وأسندت عنقي وظهري إلى أسفل بطنها وساقها اليسرى، وأشهرتْ بقبضتها اليمنى سكِّينها الرشيقة اللامعة، سكين الأزهار والعطف والموسيقى، وانهالت عليَّ طعنًا في البطن والصدر والقلب والعنق والكتفين...
قلت: "يا هيلودينا، دعيني أولا أضئ المصباح."
وأحسست، من ورائها، بوجود شبح! شبح إله آخر متخفٍّ وراء شبحها ووراء الظلام. (أبصرت الذي معها، ولم أميِّزه جيدًا. لكن رأيت أنه كان طويلاً عريضًا قويًّا، وشعره قصير وأبيض: إله رياضي!)
قال: "لا تعرفني؟!... (فكرت: هذا جوبيتر!) أنا هيلودينو، إله المصابيح والعدل والصداقة والأزهار والشجاعة والكرم والإخاء والطفولة الأبدية والحليب الطاهر والعطف والموسيقى..."
عرفته. وقلت: "عرفتك. فساعدني..."
فأشهر الإله الذي معها (الإله الرياضي الطويل العريض القوي، ذو العنق الصاخب الغليظ، والضحكة الفولاذِ الفوسفورية المعطَّرة بحليب الأزهار وأنفاس البلابل، والشعر الصبياني القصير القصدير المفضَّض...)، أشهر خنجره اللامع الرشيق الجميل المذهَّب المفضَّض، ثم أسندني إلى ركبة وذراع!
أسندني كلٌّ إلى ركبة وأسفل بطن وذراع، وراحا يذبحانني كلٌّ بخنجر وضحكة وذراع! راحا يطعنان جسدي معًا: في البطن وما تحت البطن، وفي القلب وما فوق وما تحت القلب، وفي الرئتين، وفي العنق والكتفين والراحتين الموَلْوِلَتين المرفوفتين في الظلام.
طعناني حتى في صيحة فمي. فخفت على عينيَّ...
وسألني جوبيتر: "أين عيناك؟ أين عيناك؟..."
خفت على عينيَّ – خفت كثيرًا – فأوشكت أن أصبح ميتًا.
... ... ...
وإذ أسنداني هكذا...، وراحا يطعنانني هكذا، بكلِّ هذا الدأب والسخاء والعطف، فقد سال منِّي دمٌ كثير ولهاثٌ كثير: دمٌ مثل رحيق وَرْدٍ مدفَّأ بشمس ربيع، دمٌ غامض وخجول مثل دم الفراشات، مثل رنين أشعار حبٍّ تغنَّى في البال، مثل هواء خفيف أو بخار دم... فما لبث أن احمرَّ الظلام (الظلام الذي كان شديدًا لأن هيلودينا الإلهة لم تعرف كيف تضيء المصباح...)، احمرَّ الظلام كثيرًا، فصار له لونُ نبيذ مسيحيٍّ عَطِر دافئ وأحمر.
... وإذ صار للظلام لونُ نبيذ دافئ وأحمر، فقد صَعُبَ عليَّ أن أموت.
فامتنعت عن الموت.
فبقيت حيًّا...
... ... ...
بقيت حيًّا. لكن... كنت حزينًا بعض الشيء، حزينًا أكثر من بعض الشيء.
فجلست على درجة السلَّم الباردة الدافئة، ورحتُ أنفض الدم – غبار الدم – عن صدري وثيابي وشفتيَّ.
وتفقَّدت عينيَّ، فعرفت أنني لم أصبح أعمى.
وكان بوسعي أن أسمع وأضحك وأشم.
فضحكت قليلاً...
فشممت رائحة وَرْدٍ نعسان. وتناهت إليَّ تغريداتُ كروانات سعيدة تضحك للفجر.
جلستُ على الدَّرَج الذي لم يعد معتمًا كثيرًا. ورحت أحلم قصائدي، وأشرب نبيذي، وأتمتَّع بوردي وكرواناتي وحياتي وباب منزلي المفتوح.
أما هما (إله الخناجر والأزهار والكلمات والموسيقى، وإلهة السكاكين والعطف والكلمات واللطافة والموسيقى) فقد سقطا ميِّتين على الفور، عند باب المصعد!... ماتا وتبدَّد شبحاهما الفولاذيان في الهواء الخمريِّ – مثل بخار نبيذ يغلي – فلم يبقَ منهما غيرُ شعر طويل وأسود، وشعر قصير وأبيض، وبقايا ثياب أرجوانية صدئة مجعدة ومهترئة، تحترق من غير نار ويفوح منها دخانٌ زَنِخٌ كريه أشبه بدخان شحوم ضباع فاسدة!
وسمعت الجيران تحت وفوق يفتحون أبوابهم ويصيحون، كلٌّ من باب وكلٌّ من طابق وكلٌّ من شرفة: ما هذه الرائحة البغيضة؟ الرائحة التي تقتل؟!
قلت أخاطب الجميع: "لا تقلقوا ولا تخافوا. هذا لا شيء. مجرَّد رائحة إلهين، ضبعين عظيمين، يحترقان."
وشرحت لهم أكثر: "زوجان عظيمان من آلهة الظلام والمصابيح والأزهار والعناكب والعدالات والصداقة والعطف وحنان الموسيقى!"
أغلقوا أبوابهم وعادوا ينامون.
وراح يعلو أكثر فأكثر صياحُ الكروانات السعيدة، في الحدائق الفجرية السعيدة، وفاض على الكون عطرُ ورود حقيقية، شفافة، عطوفة وسعيدة.
وتناهى إلى سمعي صوتُ ولد سعيد يغنِّي:
اتركوا الأبواب مفتوحة
وأضيئوا المصابيح...
ولا تخافوا
الذين يحبُّون، يحبُّون حقًّا الأزهار والكروانات والعطف والجمال والموسيقى...
لا يخافون أحدًا
لا يخافون شيئًا
لا يخافون أبدًا:
لا يخافون حتى في الأحلام.
لك شو هاد يا فادي:D ...هي اول مرة بقراها...شي بياخد العقل...اكيد متل ما عودنا دايما الكبير نزيه ابو عفش.......:king:
القلعة.....
يغلقُ الليلُ أبوابَ بيتِ أبي ويخلِّفني خارجاً . .
أتلصص من فجوةٍ في السياج وأطلق روحي في الهواء السميك . .
فتبصرُ . . طيفَ أبي عائماً في الفضاء
يصون المكان ويحمي سكينته
وأخي يترنّح في مستطيلٍ من النور
ضاماً يديه على كرةٍ من هواءْ . .
هوَ ذا البيتُ !
أوشك من موضعي أن أقيسَ حرارته
وأشمّ هواء الغرف
هوَ ذا البيتُ !
أُوشك أن أتلمّس أجزاءه
وأعدّ تفاصيله في شغف
هوَ ذا . يتفتح قدام قلبي ويطرح أسراره:
حجرٌ ما،
حذاءٌ أطاح به أحدٌ ما .
مغزل الصوف ملقى إلى جانبٍ ما
القدور، القوارير، خابية الماء
ركن فراش الطفولة، حيث يروق النعاس لجدّي، فيبيضّ شاربه . . وتطول ذراعاه
أيقونةٌ للعشاء الأخير معلقة فوق رأس أبي
تدفع الخوف عنه وتحرس أحلامه
وتدٌ غامض . .
كان في زمنٍ غابرٍ مِشجباً لملابسنا
لم تزل تتسرّب منه روائح أجسامنا
وعطور ثياب الأحد
ثغرةٌ في الجدار . .
( وُجدت هكذا )
جعلتها نباهة أمي مصيدةً للغار
وحصّالة لنقود الوالد
تُركت هكذا، في رضاها اليتيم،
تعدُّ الغبار وتغني قداستها،
سدّة الذكريات: خزانة أمي،
المرايا،
حفيف تداخل أجسادنا في نسيج المرايا
أدوات الحياة مبعثرة في الزوايا
هوَ ذا . . . ميتم الروح
حضن فضائلها الغابرات ومملكة العاشقين
كلّ ما فيه من حنان على كلّ ما فيه
مستسلم لسكينته، غارق في السلام
معجز في وداعته، راسخ في رضاه
كأن . . هكذا تركته يد اللـه من ألف عام
إنّه البيت
حارسنا الشهم،
مسند أرواحنا الذاهلات
ينام الجميع
وتغفو قلوب الجميع
وحجارته لا تنام
* * *
فجأة،
كلّ شيء هدأ
خلط الليل أشجار منزلنا بحجارته
سقفه بالسماء
نوافذه بسياج الحديقة .
مستطيل أخي غام في لحظةٍ وانطفأ
كلّ شيء بدا . . ساكناً
كلّ شيء غدا . . داكناً
كخيال إله ضجر
يتسلّى بأفكاره قبل بدء الخليقة
* * *
يا أبي، لو تصدّق:
ما جئت أشكو إليك
ولا جئت أطلب مالاً
ولا عنّ لي بعد هذي السنين
أن أقاضي على حجر
أو أثير على ما افتقدت العراك
لو تصدقني يا أبي
جئت
كيما
أراك
* * *
ضرب الليل أركان منزلنا . . وابتعد
ساحباً خلفه الأغطية
حاملاً ما استطاع:
الصحون، الكراسي، المصابيح،
خابية الماء والأحذية
لم يخلّف لنا من حوائجه الألف غير عصا جدتي
وصليب من الشوك فوق سرير الولد
ثمّ خلّفني في الدمار وحيداً
وأومأ لي:
لا تعدْ . . .
. . . . . . .
هبَّة، من حنين
عصفت بالفتى
فأتى
ليرى
لا أحد
* * *
لا تفق يا أبي
فلقد عرفتني الكلاب
وشمّت روائح يأسي القطط
لم أجئ طارقاً
لم أجئ طارقاً
جئت أبكي فقط
جئت أسأل عن حجر ضاع مني
ها هنا ذات يوم
عن شؤوني التي كنت أدفنها في زوايا
الجدار القديم
جئت أسأل عن خاتم من تنك
فرّ من إصبعي في الطريق إلى البيت
يومئذٍ لم أعره اهتماما
جئت ألقي على حصن روحي السلاما
جئت أبحث عن كتبي
عن حذائي القديم ومريلة الثالث الابتدائي،
جئت ألملم آثار خطو البناتِ
وأختام أحذية الطالبات
عن غبار الطريق
جئت كإله، أنفخ في الطين
علّي أعيد إلى ما مضى الروح
علّي أسدّ الجروح وأحيي الركام الذي يحترق
جئت أسأل عن ركن أرجوحتي في الممر الطويل
عن عذابات حبّي الجميل
وقلبي الذي كان تخلعه نسمة من هواء
عن بدايات شعري التي كنت أبعثها للنساء
عبر أسلاك طيارة من ورق
. . . . . . .
لاتفق يا أبي .
آه، لا تضطرب يا أبي
لا تصح: منْ هنا ؟ !
إنّ هذا أنا
جئت أبحث عن صورتي في التفاصيل
في ما تساقط من ذكريات الطفولة أثناء غفوتنا
في الحجارة،
في ملمس العشب تحت سماء الربيع
في طلاوة ماء الينابيع
في ما تخلفه الشمس من ذهب العصر
فوق سطوح البيوت
في الحنين الذي لا يموت
جئت أبحث عن شبهي في التفاصيل
في ما تخلّف بين ثنيات أرواحنا من نزق .
في البكاء الذي كان في لحظة، يعترينا
فيجعل أرواحنا تختنق
في الهتاف الذي يشعل القلب
في شهقة القلب تحت جناحي سنونوةٍ
تنطلق
جئت أبحث عن جدتي في البقايا
عن حوائجها الغامضات،
روائح أثوابها القطن،
قمطتها،
صلوات المساء التي تُذهب الخوف عن روحنا
وتقينا عثار الطرق
جئت أبحث عن جدتي
عن رنين عصاها على درج البيت
عن سرّ فطنتها الدائمة
جئت من آخر العالمين
أنظّف روحي على ركبتيها
وأبكي قليلاً
على روحها النائمة
* * *
لا تُفق يا أبي
فأنا لست جوعان
لست حزيناً تماماً
ولست شقياً تماماً
ولكنني . .
تعبتْ فيَّ روحي قليلاً
وجسمي قليلاً
ولكنني لم أزل قادراً أن أصون السجايا
وأحفظ ثوب الرعاة النظيف
لم ألوث يدي بالوحول
ولم تلوِ قامة روحي الكنوزْ
لم تدنّس فمي صلوات الذين يُجيزون
ما لا يجوزْ
لم يزل سارقو عمرنا يضرمون الحرائق في لغتي
ويثيرون في الكلمات القرفْ
لم أزل شاعراً يا أبي
لم أزل قادراً
أن أقيس المسافة بين الرضا والترف .
لا تنم يا أبي . . .
أو . . . فنمْ .
أنت قلعتنا
أنت سور فضائلنا الباقيات
أنت علمتنا
أن نحب الحياة
ونأكل لقمتنا بشرفْ .
الغفران
"لا يا كاليغولا، أنا لا أكرهك بل أراك ضارا وقاسيا
وأنانيا ومغرورا، ولكني لا أقدر على كرهك لأنني لا
أعتقد أنك سعيد، ولا أستطيع أن أحتقرك لأني أعلم
أنك لست جبانا"... البير كامي ...
الآن ، اسمعني يا كاليغولا:
أعرف أنك أنت من كسر قلبي
(أيام، كان قلبي . الذهب الصغير
الآن ، اسمعني يا كاليغولا:
أعرف أنك أنت من كسر قلبي
(أيام ، كان قلبي الذهب الصغير
ما يزال مشغولا بضخ ماء الحياة
في ساقية الأحلام الأولى….)
أعرف أنك أنت من فتت حياتي
كغيمة مهترئة في صندوق زجاج أسود
أعرف أنك أنت من جعلني أندم
لأنني لم أخلق بقرة.. . أو حرذونا..
أو ضفدعة نقاقة على حافة بئر.. هناك ،
وأنك أنت من جعلني
-أيام كنت أزال قادرا
على الإيمان بخطيئة الأمل
أكتب على حائط ذاكرتي:
الحياة موت يطول !!..
رضيت بما لا أرضى..
وخفت مما لا يخيف ..
وتعذبت ..
لكن ، أغفر لك .
جعلتني أشرب الجنون مع كأس حليب الصباح
وفي كل صباح, كنت أسأل نفسي:
"والآن - معك أو بدونك -
حياتي ؟
حياتي التي, الآن ... أغفرها لك .
إذن ... أغفرتها لك
.. .. .. .. .. ..
وفي المتاه العظيم
تحت ناموس ظلك القاسي
كنت أسلم أمري لأبالسة الخوف
أسأل الهواء: " هل أنجو؟..))
حسنا .. ونجوت.
(من يراني يظن أنني كنت أحيا!..)
..وغفرتها لك.
.. .. .. .. .. ..
وفيما كنت أحاول أن أفتح باب الحياة
راجيا أن أدخل
كان جبيني يصطدم بظلماتك
حتى ينشج وتسيل منه دماء حامضة!....
أما أنت ..فلم تكن ترى
ما يرى كان وحده الظل
(قناع الظل)
وخلف القناع
كان فقط الهواء الأسود...
والدخان الأسود..
والنذر السود..
وزبد الحياة الأسود..
وموت أبيض
ينتظر ،وينتظر !!..
فقط , كنت ظلا ( قناع ظل ..)
لكن ..
- تحت ثقل قناع الظل -
كانت صورتك محفورة على دماغي وثوبي ولساني
وحائطي وشمع صلاتي ودفتر أناشيدي
وضفيرة امرأتي وغشاء قلبي الأحمق المريض ..
كنت تأكل معي
وتنام معي
وترصد السماء
وتبيض القصائد
وتنهر الطفل الباكي
وتسمم الخلوة
وتظهر كالقطبة النافرة في نسيج الأحلام...
وفي معصرة الظلام التي
تطحن البراءة والأمل وطفولة القلب
كان كل شيء يتحول
إلى دم مظلم وسميك كدماء الحراذين !.
لكن ... غفرت لك .
.. .. .. .. .. ..
عبدتك .. حتى أشركت بنفسي!..
صرت أصرخ في وجه السماوات : آمني بي..
وفي وجه ظلك : ارحمني..
وفي وجه نفسي:
" من أنت ..
ساعدني لأكون نفسي!..
حتى تحول ظل نفسي إلى أسمال ظل خائف..
خائف .. ويخيف !!
ذلك ما لا أغفره لك .
لكن...غفرت لك .
.. .. .. .. .. ..
عبدتك.. حتى أشركت بنفسي!...
صرت أصرخ في وجهة السماوات : آمني بي..
وفي وجه ظلك : إرحمني..
وفي وجه نفسي:
" من أنت...
ساعدني لأكون نفسي !..
.. .. .. .. .. ..
أعرف أنك أنت
من كسر قلبي وقلوب كثيرين ..
أنك أنت .. من جعل الهواء مرا
من جعل الأطفال يبكون
والأمل مرا
والعبادة مرة
ولقمة الأحلام أمر..
أعرف أنك أنت
ظل الهلع السري
الذي يحفر في ظلام نفسي
كينبوع ظلام طالع من صخرة ظلام!
أعرف أنك أنت
لأنهم ولدوا تحت سقف ظلامك القاسي.
والأمهات..
لأنهن تركن أرحامهن تخصب
تحت سقف ظلامك المقاسي
والرجال ..
لأنهم أوقدوا شموعهم .. قدام وثن ظلامك القاسي
والأموات..
لأنهم لم يظفروا بنعمة الموت
بعيدا عن سقف ظلامك القاسي
.. .. .. .. .. ..
أعرف .. وأعرف
وأعرف .. وتعرف ..
أما الآن , أما الآن
وقد أتت الساعة التي حلمت بها دونما إيمان ..
أما الآن, وقد أتت هذه الساعة،
فلا فرح .. ولا ضغينة ..
فقط , سأمشي
خلف ظل نعشك الهائل المديد
بلسان أبيض
وقلب دامع
وربطة عنق سوداء...
وسأغفر لك.
الرائع نزيه ابو عفش شاعر بمعنى الكلمة مشكورة يا سرسورة على امتاعنا بهل القصائد الرائعة
agressive creator
15/08/2008, 00:33
الله قريب من قلبي
ليت من مات يبعث
كي نتولى تعاسته
باليسير من الحب والعبرات
فتهدأ غصته في التراب
وتهدأ كفاه
ليت الذين قضوا
في الطريق الى النبع
لم يرحلوا ظامئين
ليت أن المسيح
لم يقل لأبيه ( يا ابي ..)
ليت ام المسيح
لم تقل:
انا عذراء ما مسني بشر
ليت يوسف لم يصدق
ليت انَا جميعا كذبنا على ربنا
فضللنا .. وخنَا
ليت انَا..
خسرنا فراديسنا كلها
وربحنا جحيم الحياة
سنحب الحياة اذا
سنحب الحياة
وسنلعنها حين نقنط
ثم نتوق اليها مؤبدة
كظلام الطواغيت
خادعة كالعدالة
عمياء كالحب
فتاكة كقلوب النساء
مالحة كالنشيج
وسنرجم أبراجها بالدموع
اذا أخلفت وعدا
ثم نركع تحت شبابيكها
كالمجانين نسألها الصفح
يا للحياة:
كيف تفلت منا
فلا يتبقى لنا من فضائلها
غير لسعة خيباتها
والدخان الذي يتصاعد
من ثكنات الطغاة
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة