mhmary
02/03/2005, 03:52
هاي القصة من تاليف أمي وأخذت الجائزة الأولى لأتحاد كتاب العرب بالمشاركة مع قصة تاني سنة (نسيت أنو سنة شي 1997) مبيني طويلة شوي بس نصيحة قروا لنا رائعة :)
في صباح خريفي ، فتحت عينيها على ساقية للحزن ...
ترى.. متى نبعت تلك الساقية ؟ ولماذا ..؟
تساءلت سراب بينما مقلتاها معلقتان في السقف ، ورأسها يستريح بهدوء على الوسادة ، بحثت في أوراقها المبعثرة ، قلّبت بضع صفحات قديمة للحظات .. فاجأها هدير ساعة المنبه ، فارتعدت ، ونهضت مخلفة وراءها دفاتر الذاكرة ...
بقبضة حديدية أمسكتها الدقائق الثلاثون ، المتاحة لها ، قبل أن تغادر المنزل ، وقادتها في أنحاء البيت لتنجز ما قرره القدر لكل دقيقة منها ، آلة التسجيل تدعوها إلى فنجان قهوة ، فتتجنبها بحسرة خوفاً على ملاك النوم المسيطر على الجميع ...
أمام المرآة غرزت أسنان المشط في شعرها ، فاصطدمت بحزن عينيها ... تأملتهما باستغراب للحظة ثم انسحبت مسرعة فقد لفظت الدقيقة الثلاثون أنفاسها الأخيرة معلنة ساعة المغادرة ، نظرة أخيرة ألقتها على زوجها النائم ، أولادها .. ثم غادرت . في السرفيس ، كان وقت للتأمل .. وخلف النافذة، تلاحقت البيوت ، والحدائق ، والأرصفة ،كما تتلاحق الأفكار في رأسها متسارعة متنوعة .. ربما هي ليست حزينة بل ... تحتاج لقول شيء ما ، لأحد ما ، تتحدث عن أمر غير الأعمال المنزلية ، والإرهاق في التعليم والمعاناة مع المناهج الجديدة . أمر دفين في أعماقها ، لا يتمكن من الصعود إلى السطح، ولو استطاع ، لتحولت كلّ الأعباء إلى ريشة في مهب الريح .. لكن ما هو ...؟...
وصل السرفيس إلى المدرسة ، ضخ ركابه جميعاً حتى تمكنت من المغادرة ، ثم سحبهم مرة أخرى إلى جوفه ، وانطلق مبتهجاً بهذه الحياة ..!.
لفحت وجهها نسمة منعشة ، تلتها قطرات ناعمة من المطر الصباحي ، طوقتها بشعور غامض ، أضاف لقوة انفعالاتها قوة .. تمنت لو أنها تسير على غير هدى لساعات طويلة فيبتل شعرها وثيابها وأهدابها ، وتختلط حبات المطر بدموعها الساخنة ... لكنها .. وجدت نفسها أمام بوابة المدرسة ، تخطو إلى الداخل كالمسحورة لتعلق بدوامة محكمة من الأعمال المتتالية ، فمنذ أن تمسك بالقلم لتوقع ساعة الدخول ، تشعر بأنها وزملائها قد ثبتوا من أطرافهم الأربع على عجلات خشبية هرمة ، بمسامير فولاذية غليظة ،فتدلت رؤوسهم إلى الوراء .. وبدفعة صغيرة من الجرس الكهربائي ،تندفع العجلات إلى أماكنها المخصصة ، ومع كل دورة تزيغ العيون وتختلط الألوان ، لتصبح لوناً واحداً هو اللالون ، وتندمج الأحاسيس لتصبح إحساساً واحداً هو الإحساس ، في هذه الحالة ليس أمامك سوى أن تغمض عينيك ، أذنيك ،عقلك ، وتستند إلى أخشاب العجلة الرطبة لتحميك من الدوار ...
تدخل الصف مصلوباً على عجلتك ، وتخرج إلى الاستراحة _ التي لا تتجاوز الخمس دقائق _ مدقوقاً إلى تلك العجلة ، لا أمل لك سوى انتظار اللحظة التي تمسك بها قلم التوقيع على ساعة المغادرة .
في هذا اليوم فكرت سراب أثناء إحدى الاستراحات القصيرة ، ترى لم هي حزينة ..؟ رفعت رأسها عن أخشاب العجلة ، وحوّلته نحو زميلة بجانبها ، فوجدتها مخدرة ومستسلمة لرطوبة خشبتها ... حولت رأسها نحو عجلة أخرى ، فوجدت الأمر عينه . وعاد الجرس الكهربائي يدفع العجلات كل إلى مأواها ، أثناء دورانها شاهدت المدير يحرك العجلات بجهاز تحكم عن بعد ، صامتاً صارماً ، تساءلت سراب ترى هل يعرف لم أنا حزينة ؟ واستبعدت الفكرة حين صدمتها تقطيبته الدائمة .. وتسارعت عجلتها فجأة بكبسة من جهاز تحكمه السحري ...
دخلت الصف .. حاولت أن تفكر بنفسها ، لكن قيودها إلى العجلة منعت عنها الصفاء .. فهي تؤمن بحق هؤلاء التلاميذ عليها .. وعادت العجلة إلى الدوران كناعورة رومانية خالدة ، وفي جوانح سراب تردد عنين دفين صدئ ...
أخيراً ، التقطت قلم التوقيع على المغادرة ، اقتلعت المسامير الفولاذية من يديها وقدميها ، غسلت الدماء من حيث تدفقت ، وانصرفت .. لم تكن غاضبة ، فهي تؤمن أن أي عمل لا يتم بوجه صحيح دون نظام ، لكنها فقط حزينة ...
- وعادت البيوت والحدائق تتلاحق أمام عينيها في طريق العودة ، المطر يبلل كل شئ .. حتى روحها .. إنها بحاجة إلى لحظات خاصة بها وحدها .. لحظات لتهتم بنفسها .. بما يحزنها.. ولم .. شيء ما أحزنها منذ يوم .. يومين حاولت أن تتذكر متى ، لكن دون جدوى .
قف هنا من فضلك.
نزلت من السرفيس ، بينما عاد العنين الصدئ يتردد في صدرها ..
توقف المطر أثناء شرائها الخضار واللحم _مع أنها تمنت أن تبتل حتى العظم ... وعادت تنوء تحت ثقل الأكياس السوداء المتخمة ، وبالرغم من أنها ستمضي ساعة أو ساعتين في المطبخ ، لكن بإمكانها أن تستمع للموسيقا أثناء ذلك .. أخذ العنين في صدرها يتراجع أمام صوت فيروز "مهما تأخر جاي "..
وصل الأولاد من المدرسة ركض صغيرهم إليها :
-ماما أنا إجيت
حملته مداعبة وفي قلبها فرحة غامرة
-ماما حليب ..حليب..
تسرع لتحضر كأس الحليب المفضل لديه ، بينما الأكبر يتحدث عن مدرسته وامتحانه
-ماما جوعان " يقول الكبير " ..
-حسناً سيجهز الطعام حالاً
-ماما ممكن أسكت آلة التسجيل لأشاهد برامج الأطفال
-طبعاً يا حبيبي
تقولها صادقة وبطيب خاطر ، فهي تؤمن بحقه هذا ..
وتعود إلى دوامة المطبخ ، مكان من أربع جدران ونافذة وباب ، يمكنه أن يستهلك الساعات الطويلة من وقتك ، وأنت تدور فيه وتدور ... وفي النهاية , تبتسم لوعاء تفوح منه رائحة الطعام الشهية ، ترفع غطاءه وتشم باعتزاز ، فقد أديت مهمتك العظيمة بنجاح .. ولكن في الواقع ..
-ماما ما بحب البازلاء "يقول الصغير " وهو يبعد الكرات الخضراء الصغيرة بعيداً .
-ماما لماذا تضعين الجزر في صحني ؟ لا أحبه "يقول الكبير
فتأخذ سراب الصحن لتزيل الجزر منه
-هل رضيت الآن "تقولها بحنان " لا يسمع طبعاً ، يتناول الطعام وعيناه معلقتان إلى التلفاز .
تتحول إلى واجبات البيت اليومية وعندما تنهي كل ذلك ، تتمدد على الأريكة وتسند رأسها إلى المسند وفي اللحظة التي تغمض عينيها فيها ، يدخل زوجها ، فتنهض مسرعة ، وحول المائدة يجلسان فتفكر .. ترى هل الوقت مناسب لتحدثه عما يحزنها ؟ لكنها تستبعد الفكرة ، إنه مرهق وبحاجة للراحة والنوم ، وهي تؤمن بحقه هذا ..يا إلهي كم تؤمن بأشياء وأشياء ...
-الطعام مالح .. تكلم دون أن ينظر إليها كأنه يتحدث إلى الصحن ، متابعاً تناول طعامه دون إبطاء .
نظرت إليه ، ثم إلى آلة التسجيل الصامتة ، ثم إلى الولدين النائمين .. وعاودها العنين الصدئ مرة أخرى ..
أثناء تنظيف الصحون ، فكرت بأنها ربما تشعر بالوحدة .. لكنها مرهقة أيضاً .. ولن تستمع للموسيقى بل تفضل أن تنام ، تتمدد على الأريكة ، تشعر بأن كل خلية من خلاياها تئن ، ويطغى أنينها على العنين الصدئ الدفين ، فتكف عن سماعه ، تلقي نظرة أخيرة إليهم وقد هيمنت عليهم سلطة النوم ... تغمض عينيها فيتجاوب جسدها كله مع هذه الإغماضة ، إنها لحظة جميلة .. ويقرع الجرس .. تدخل قريبة بدون موعد .
-هل كنت نائمة ؟ ها أيقظتك ؟
-لا لست نائمة ، بل نمت واستيقظت ، الساعة نحو الرابعة والنصف انتهى وقت النوم .
فترتاح القريبة بينما يعصف بخلايا سراب غضب لا تعرف على من تصبه ومع فنجان القهوة تقدم الكثير من الأحاديث والابتسامات المزيفة وتدور عقارب الزمن بلا رحمة .
فكرت سراب هل تحدثها عن السبب ... ولكن ماذا ستقول ؟ لابد ستجيبها لديك بيتك وأولادك وزوجك وعملك ، لا تكوني جحوداً اشكري نعمة الله ...
والحقيقة أنها "تؤمـن " بأن الله أنعم عليها بما تحبه وتخاف عليه من نائبات القدر .
فتتابع الابتسامات والأحاديث الرتيبة حتى يدور عقرب الساعات دورتان كاملتان ، يستيقظ خلالها الأولاد ، ويذهب الوالد إلى عمل إضافي ، وما إن تغلق الباب خلفها ، حتى تبدأ مرحلة واجبات الأولاد المدرسية التي لا تقبل الإهمال أو التأجيل ، فالمستقبل بالمرصاد وهي تؤمن......
تستمر حتى عودة الوالد ، وتبدأ السهرة بتقديم الطعام ثم المتة ، الصغير لا ينام دون أن تغني له ..
وفي الثانية عشر ، هدأت الحركة مرة أخرى ، انسلت بصمت إلى سريرها بعد أن عيرت المنبه على السادسة والنصف تماماً .. أحست بسعادة كبيرة لأنها ستتمدد أخيراً في فراشها وتتغطى بلحافها الدافئ وتغمض عينيها لعدة ساعات ..حين أطبقت جفنيها ، حاولت أن تفكر لم كانت حزينة
لكنها قررت خلال ثوان ، أن تؤجل الموضوع إلى الصبـــــــاح .
في صباح خريفي ، فتحت عينيها على ساقية للحزن ...
ترى.. متى نبعت تلك الساقية ؟ ولماذا ..؟
تساءلت سراب بينما مقلتاها معلقتان في السقف ، ورأسها يستريح بهدوء على الوسادة ، بحثت في أوراقها المبعثرة ، قلّبت بضع صفحات قديمة للحظات .. فاجأها هدير ساعة المنبه ، فارتعدت ، ونهضت مخلفة وراءها دفاتر الذاكرة ...
بقبضة حديدية أمسكتها الدقائق الثلاثون ، المتاحة لها ، قبل أن تغادر المنزل ، وقادتها في أنحاء البيت لتنجز ما قرره القدر لكل دقيقة منها ، آلة التسجيل تدعوها إلى فنجان قهوة ، فتتجنبها بحسرة خوفاً على ملاك النوم المسيطر على الجميع ...
أمام المرآة غرزت أسنان المشط في شعرها ، فاصطدمت بحزن عينيها ... تأملتهما باستغراب للحظة ثم انسحبت مسرعة فقد لفظت الدقيقة الثلاثون أنفاسها الأخيرة معلنة ساعة المغادرة ، نظرة أخيرة ألقتها على زوجها النائم ، أولادها .. ثم غادرت . في السرفيس ، كان وقت للتأمل .. وخلف النافذة، تلاحقت البيوت ، والحدائق ، والأرصفة ،كما تتلاحق الأفكار في رأسها متسارعة متنوعة .. ربما هي ليست حزينة بل ... تحتاج لقول شيء ما ، لأحد ما ، تتحدث عن أمر غير الأعمال المنزلية ، والإرهاق في التعليم والمعاناة مع المناهج الجديدة . أمر دفين في أعماقها ، لا يتمكن من الصعود إلى السطح، ولو استطاع ، لتحولت كلّ الأعباء إلى ريشة في مهب الريح .. لكن ما هو ...؟...
وصل السرفيس إلى المدرسة ، ضخ ركابه جميعاً حتى تمكنت من المغادرة ، ثم سحبهم مرة أخرى إلى جوفه ، وانطلق مبتهجاً بهذه الحياة ..!.
لفحت وجهها نسمة منعشة ، تلتها قطرات ناعمة من المطر الصباحي ، طوقتها بشعور غامض ، أضاف لقوة انفعالاتها قوة .. تمنت لو أنها تسير على غير هدى لساعات طويلة فيبتل شعرها وثيابها وأهدابها ، وتختلط حبات المطر بدموعها الساخنة ... لكنها .. وجدت نفسها أمام بوابة المدرسة ، تخطو إلى الداخل كالمسحورة لتعلق بدوامة محكمة من الأعمال المتتالية ، فمنذ أن تمسك بالقلم لتوقع ساعة الدخول ، تشعر بأنها وزملائها قد ثبتوا من أطرافهم الأربع على عجلات خشبية هرمة ، بمسامير فولاذية غليظة ،فتدلت رؤوسهم إلى الوراء .. وبدفعة صغيرة من الجرس الكهربائي ،تندفع العجلات إلى أماكنها المخصصة ، ومع كل دورة تزيغ العيون وتختلط الألوان ، لتصبح لوناً واحداً هو اللالون ، وتندمج الأحاسيس لتصبح إحساساً واحداً هو الإحساس ، في هذه الحالة ليس أمامك سوى أن تغمض عينيك ، أذنيك ،عقلك ، وتستند إلى أخشاب العجلة الرطبة لتحميك من الدوار ...
تدخل الصف مصلوباً على عجلتك ، وتخرج إلى الاستراحة _ التي لا تتجاوز الخمس دقائق _ مدقوقاً إلى تلك العجلة ، لا أمل لك سوى انتظار اللحظة التي تمسك بها قلم التوقيع على ساعة المغادرة .
في هذا اليوم فكرت سراب أثناء إحدى الاستراحات القصيرة ، ترى لم هي حزينة ..؟ رفعت رأسها عن أخشاب العجلة ، وحوّلته نحو زميلة بجانبها ، فوجدتها مخدرة ومستسلمة لرطوبة خشبتها ... حولت رأسها نحو عجلة أخرى ، فوجدت الأمر عينه . وعاد الجرس الكهربائي يدفع العجلات كل إلى مأواها ، أثناء دورانها شاهدت المدير يحرك العجلات بجهاز تحكم عن بعد ، صامتاً صارماً ، تساءلت سراب ترى هل يعرف لم أنا حزينة ؟ واستبعدت الفكرة حين صدمتها تقطيبته الدائمة .. وتسارعت عجلتها فجأة بكبسة من جهاز تحكمه السحري ...
دخلت الصف .. حاولت أن تفكر بنفسها ، لكن قيودها إلى العجلة منعت عنها الصفاء .. فهي تؤمن بحق هؤلاء التلاميذ عليها .. وعادت العجلة إلى الدوران كناعورة رومانية خالدة ، وفي جوانح سراب تردد عنين دفين صدئ ...
أخيراً ، التقطت قلم التوقيع على المغادرة ، اقتلعت المسامير الفولاذية من يديها وقدميها ، غسلت الدماء من حيث تدفقت ، وانصرفت .. لم تكن غاضبة ، فهي تؤمن أن أي عمل لا يتم بوجه صحيح دون نظام ، لكنها فقط حزينة ...
- وعادت البيوت والحدائق تتلاحق أمام عينيها في طريق العودة ، المطر يبلل كل شئ .. حتى روحها .. إنها بحاجة إلى لحظات خاصة بها وحدها .. لحظات لتهتم بنفسها .. بما يحزنها.. ولم .. شيء ما أحزنها منذ يوم .. يومين حاولت أن تتذكر متى ، لكن دون جدوى .
قف هنا من فضلك.
نزلت من السرفيس ، بينما عاد العنين الصدئ يتردد في صدرها ..
توقف المطر أثناء شرائها الخضار واللحم _مع أنها تمنت أن تبتل حتى العظم ... وعادت تنوء تحت ثقل الأكياس السوداء المتخمة ، وبالرغم من أنها ستمضي ساعة أو ساعتين في المطبخ ، لكن بإمكانها أن تستمع للموسيقا أثناء ذلك .. أخذ العنين في صدرها يتراجع أمام صوت فيروز "مهما تأخر جاي "..
وصل الأولاد من المدرسة ركض صغيرهم إليها :
-ماما أنا إجيت
حملته مداعبة وفي قلبها فرحة غامرة
-ماما حليب ..حليب..
تسرع لتحضر كأس الحليب المفضل لديه ، بينما الأكبر يتحدث عن مدرسته وامتحانه
-ماما جوعان " يقول الكبير " ..
-حسناً سيجهز الطعام حالاً
-ماما ممكن أسكت آلة التسجيل لأشاهد برامج الأطفال
-طبعاً يا حبيبي
تقولها صادقة وبطيب خاطر ، فهي تؤمن بحقه هذا ..
وتعود إلى دوامة المطبخ ، مكان من أربع جدران ونافذة وباب ، يمكنه أن يستهلك الساعات الطويلة من وقتك ، وأنت تدور فيه وتدور ... وفي النهاية , تبتسم لوعاء تفوح منه رائحة الطعام الشهية ، ترفع غطاءه وتشم باعتزاز ، فقد أديت مهمتك العظيمة بنجاح .. ولكن في الواقع ..
-ماما ما بحب البازلاء "يقول الصغير " وهو يبعد الكرات الخضراء الصغيرة بعيداً .
-ماما لماذا تضعين الجزر في صحني ؟ لا أحبه "يقول الكبير
فتأخذ سراب الصحن لتزيل الجزر منه
-هل رضيت الآن "تقولها بحنان " لا يسمع طبعاً ، يتناول الطعام وعيناه معلقتان إلى التلفاز .
تتحول إلى واجبات البيت اليومية وعندما تنهي كل ذلك ، تتمدد على الأريكة وتسند رأسها إلى المسند وفي اللحظة التي تغمض عينيها فيها ، يدخل زوجها ، فتنهض مسرعة ، وحول المائدة يجلسان فتفكر .. ترى هل الوقت مناسب لتحدثه عما يحزنها ؟ لكنها تستبعد الفكرة ، إنه مرهق وبحاجة للراحة والنوم ، وهي تؤمن بحقه هذا ..يا إلهي كم تؤمن بأشياء وأشياء ...
-الطعام مالح .. تكلم دون أن ينظر إليها كأنه يتحدث إلى الصحن ، متابعاً تناول طعامه دون إبطاء .
نظرت إليه ، ثم إلى آلة التسجيل الصامتة ، ثم إلى الولدين النائمين .. وعاودها العنين الصدئ مرة أخرى ..
أثناء تنظيف الصحون ، فكرت بأنها ربما تشعر بالوحدة .. لكنها مرهقة أيضاً .. ولن تستمع للموسيقى بل تفضل أن تنام ، تتمدد على الأريكة ، تشعر بأن كل خلية من خلاياها تئن ، ويطغى أنينها على العنين الصدئ الدفين ، فتكف عن سماعه ، تلقي نظرة أخيرة إليهم وقد هيمنت عليهم سلطة النوم ... تغمض عينيها فيتجاوب جسدها كله مع هذه الإغماضة ، إنها لحظة جميلة .. ويقرع الجرس .. تدخل قريبة بدون موعد .
-هل كنت نائمة ؟ ها أيقظتك ؟
-لا لست نائمة ، بل نمت واستيقظت ، الساعة نحو الرابعة والنصف انتهى وقت النوم .
فترتاح القريبة بينما يعصف بخلايا سراب غضب لا تعرف على من تصبه ومع فنجان القهوة تقدم الكثير من الأحاديث والابتسامات المزيفة وتدور عقارب الزمن بلا رحمة .
فكرت سراب هل تحدثها عن السبب ... ولكن ماذا ستقول ؟ لابد ستجيبها لديك بيتك وأولادك وزوجك وعملك ، لا تكوني جحوداً اشكري نعمة الله ...
والحقيقة أنها "تؤمـن " بأن الله أنعم عليها بما تحبه وتخاف عليه من نائبات القدر .
فتتابع الابتسامات والأحاديث الرتيبة حتى يدور عقرب الساعات دورتان كاملتان ، يستيقظ خلالها الأولاد ، ويذهب الوالد إلى عمل إضافي ، وما إن تغلق الباب خلفها ، حتى تبدأ مرحلة واجبات الأولاد المدرسية التي لا تقبل الإهمال أو التأجيل ، فالمستقبل بالمرصاد وهي تؤمن......
تستمر حتى عودة الوالد ، وتبدأ السهرة بتقديم الطعام ثم المتة ، الصغير لا ينام دون أن تغني له ..
وفي الثانية عشر ، هدأت الحركة مرة أخرى ، انسلت بصمت إلى سريرها بعد أن عيرت المنبه على السادسة والنصف تماماً .. أحست بسعادة كبيرة لأنها ستتمدد أخيراً في فراشها وتتغطى بلحافها الدافئ وتغمض عينيها لعدة ساعات ..حين أطبقت جفنيها ، حاولت أن تفكر لم كانت حزينة
لكنها قررت خلال ثوان ، أن تؤجل الموضوع إلى الصبـــــــاح .