mimo_13
16/04/2006, 03:08
في حضرة الأمس
لدي ما يكفي من الإحساس
لكن ينقصني ذكاء القلب
ينقصني جنوح الحب نحو الهمس
هل نستطيع التغلغل.. ضمن حصى
يرتديها المكان...
وهل نستطيع الخروج عن النص
كي نصلح المشهد الملحمي..
هل نتصالح كي نتقاسم هذا المدى الهومري
هل نتصالح كي نوقظ الذاكرة..
ونصلح قافية الذكريات..
سنحتاج وقتاً لنعرف أنفسنا جيداً
سنحتاج نجماً لكي نتشبث بالحاسة السادسة..
لا أتذكر أني وثقت بصدق الخيال
ولا أتذكر أني ابتكرت سراباً يطيل الرجاء
علقت قلبي على المشمشات كي
تتناغم دقاته مع المفردات..
وحاولت أن أتذكر رائحة الحلم..
قلت لنفسي سأدنو من الغد.. حين أفتش عن حاضري..
سأدنو من الغد حين أعيد البداية
وأدخل فيها من ضدها..
لا أريد مجازاً كثيفاً..
لا أريد اندماجاً عميقاً بيني.. وبين صفات الرياح..
أريد التذكر حتى يكون غدي واقعياً...
أريد التمرس باسمي
انتظرني وخذ كل شيء ... انتظرني
إن النكوص رجوع إلى الأمس..
لكن رجوعي إليك اقتناص لقلب الغزال..
آه إلى أين تمضين بي يا حياة.. إلى أين تمضين بي يا حياة..
إلى أين تمضين بي يا حياة..
تعبت من الخيل تصهل في جرحي الداخلي..
تعبت من الحلم الرعوي
فلا نجمة بقيت كي تعيل انكساري
ولا أثر النمل ظلَّ لأمشي عليه..
وإني أطفو على المستحيل
سأحيا لأكمل نقصان ملح الحقيقة..
آه إني سئمت الهوامش..
سئمت شرايين روحي موزعة في حقائبَ للريح..
يقولون لا شيء يبقى على حاله..
لكن قلبي ما زال طفلاً كثير الحراك.. ما زال يمشي
على هدي خفقته..
وحين يكون الضباب كثيفاً عليه.. يزداد قلقاً..
يبقى اشتياقي على حاله.. وينتشر الملح في قطرات المدى..
الأرض التي أورثتنا الجراح سماوية...
والربيع قصير علينا.. الغياب يقسر حاجتنا للبكاء..
الهشاشة قد دربتنا على أن نجيد التقاط الحنين..
من قاع غربتنا.. لذن تمهل قليلاً.. ولا تمت الآن..
ففي آخر الأمر.. إن ذبلت نجمة..
آه نموت من الجوع والذل والحزن.. نموت من القهر..
ويفطس حكامنا متخمين.. ويحك ربي
ألا تستحي أن تصك باسمك كل الدعارات في أمتي.. ألا تستحي
آه.. يا وجعاً يكتظ بروحي.. أبحث عن جسد قدسي ..
يمتلئ برائحة الشهوات.. لينسنينك
يا وجعي .. يا قاتل روحي بالطين أناجيك
أن أهديني.. كيف سأنقذ طينك من خنجره..
لينة أحمد عطفة
14-2-2006
: محافظ حماه يهين مدينة السلمية وأهلها
حين استدعيت الشابة لينة عطفة إلى جهة أمنية في حماة بشأن قصيدتها التي ألقتها في منتدى ثقافي يتبع لإتحاد شبيبة الثورة في مدينة سلمية، خمنّت أنهم يريدون تكريمها ومكافأتها. ليس لقصيدتها هذه فحسب، حيث نالت استحسان الجمهور وتصفيقه، بل لموهبتها الشعرية النادرة لفتاة في مثل سنها، خصوصاً أنها تقرض الشعر مذ كانت في المدرسة الابتدائية، وهي لم تتجاوز بعد السبعة عشر ربيعاً، ولا زالت على مقعد الدرس تنتظر نيل الشهادة الثانوية العامة (البكالوريا) لهذا العام.
بيد أن أحلام الفتاة الغضة والوردية سرعان ما تبخرت عندما اكتشفت وأدركت أن ثمة حراساً وأوصياء أمينين وأخلاقيين يتربصون بها وبالكلمة الحرة والمبدعة، ويعملون ما استطاعوا، على كم أفواه البشر وترويضهم وتدجين عقولهم المتفتحة ومواهبهم الواعدة، وأنها قاب قوسين أو أدنى من الاتهام بالمروق والزندقة لمجرد أنها قالت في قصيدتها:
(آه.. نموت من الجوع والذل والحزن.. نموت من القهر
ويفطس حكامنا متخمين... ويحك ربي
ألا تستحي أن تصكّ باسمك كل الدعارات في أمتي... ألا تستحي؟)
وإذا كان المسؤول في الجهة الأمنية الذي قابلها برفقة والدها، قد استمع إليها وإلى ردها ودفاعها فيما قلته، حيث أظهرت أن من سعى وراء الفتنة (الذي كتب التقرير وحرض الأوقاف في سلمية ضدها) يجهل لغته العربية وأنه حمّل كلماتها معاني لا تحتملها، لغاية خبيثة في نفسه (فهو ربما يريد الانتقام منها، حتى لو أفضى ذلك إلى إثارة نعرة طائفية).
وإذا كان هذا المسؤول قد اكتفى بتوجيه "نصيحة أبوية وودية" لها بعدم إغضاب الحكومة أو إغضاب الإسلاميين، بما تكتبه في شعرها، فإن محافظ حماة، لم يكن كذلك، ولم يتوفر على القدر نفسه من حسن الاستماع وتفهم أبعاد المشكلة، حيث كان قد استدعى المسؤولين عن إقامة الندوة الشعرية، بشأن شكوى "جمعية النهضة الإسلامية" (الأوقاف في سلمية) حول قصيدة لينة، وهما أمين رابطة سلمية لإتحاد شبيبة الثورة "علي صالح"، ومدير المنتدى الثقافي المكلف القيام بالأنشطة الثقافية منذ أربع سنوات "مهتدي غالب"، وكان برفقتهما أمين فرع حماة للشبيبة.
المحافظ، كما نقل أمين الرابطة ومدير المنتدى، كان قد أصدر حكمه سلفاً، ولم يرغب بسماع أي توضيح أو شرح. ولم يكتف بتحميل المسؤولية لهما فحسب، بل كال الاتهام والشتائم إلى منطقة السلمية بأكملها "شو هي سلمية.. بدا تضل هيك.. فيها 300 بيت دعارة، وشي مناشير وشي اجتماعات". وطلب فوراً من أمين فرع الشبيبة بإعفاء أمين الرابطة، وإقالة مدير المنتدى، بعد أن أتهمهما وشكك بوطنيتهما، وإحالتهما مع الشاعرة إلى الجهات الأمنية للتحقيق معهم، وعدم قبول أي نشاط، حتى لو كان لحزب البعث العربي الاشتراكي وشبيبة الثورة، إلا بعد الدرس ومنحه الموافقة.
وقد أدى موقف المحافظ هذا، المتجني وغير المنصف، والمنحاز سلفاً لطرف ضد طرف، إلى احتجاج الكثيرين، بل ومعظم أبناء السلمية، الذين وقع بعضهم على عريضة موجهة إلى السيد الرئيس بشار الأسد، يعلنون فيها باسم مدينتهم عن "غضبها ورفضها القاطع لقبول استمرار السيد المحافظ في مدينة حماة" لأنه "تخطى حدود المسؤولية وحدود الكرامة وقام بإهانة سكان سلمية، ووصفهم بأبشع الكلمات".
وتساءل هؤلاء في رسالتهم، لماذا لا يقوم السيد المحافظ بإغلاق مراكز الدعارة التي تحدث عنها، بدلاً من إغلاق المكتبات الثقافية بالشمع الأحمر (مشيرين بذلك إلى أمر سابق، منه ومن مجلس البلدية، بإغلاق مكتبتين "تباع فيهما الكتب والصحف"، بحجة عدم وجود ترخيص، وجلّ ما في الأمر أن صاحبي المكتبتين هما سجينان سياسيان سابقان).
المعنيون في الأمر، بمن فيهم أهل الشابة لينة، قاموا طبعاً، بتطويق أي تداعيات سلبية للحادثة، حيث اتصلوا مع المسؤولين عن أوقاف السلمية، لإزالة سوء الفهم الحاصل، وثمة من قال بأن الأخيرين أو بعضهم على الأقل، قد اعترفوا بأنهم تسرعوا وأخطأوا بحكمهم حول القصيدة، وتكاد تنحصر تبعية المشكلة الآن مع السيد المحافظ، لما خلفته كلماته القاسية والجائرة، وطريقته في معالجة المشكلة، في نفوس الكثيرين.
أحد المعلقين على ما جرى، قال في أحد المواقع الإلكترونية، "كان الأجدر بالسيد المحافظ أن يقوم ويعطي التعليمات بإصلاح شوارع وطرق المحافظة، وملاحقة حرامية السيارات والبيوت، مش يرجعنا لأيام كتابة التقارير من بعض السفلة والمرتزقة، والذين يريدون قتل كل جميل في هذا البلد".
وبالعودة إلى المقطع الشعري، الذي أثار حفيظة البعض، وكل هذه الضجة، وبالتدقيق في قواميس اللغة العربية سنجد أن كلمة "ويح" تفيد معنى "ترحم وتوجع / وقد تأتي بمعنى المدح والتعجب / وقبل أنها ويل" من قاموس المنجد.
كما أن كلمة "رب" تفيد معنى "السيد والمالك والمصلح / ولها معاني أخرى كثيرة أحدها من أسماءه تعالى" من قاموس المنجد.
وهكذا يمكن لنا أن نستنتج ببساطة أن كلام الشاعرة الشابة، المتألقة والواعدة، ليس موجهاً إلى "الله" أو إلى "رب العالمين" وليس جل جلاله هو المعني والمقصود هنا، بل يبقى المعنى مجازياً، ويتعلق، أولاً، بموحى الشعر لدى قائل، "المعنى في قلب الشاعر" كما يقال، وليس لنا أن نحكم ونقيم لمجرد الظن والتخمين.
ثم أن لينة بقولها هذا لم تأت بجديد، بل سبقها إليه شعراء معروفون ومشهورون، ففي الشعر العربي القديم كلنا بتذكر مطلع القصيدة التي جاء بها:
رباب ربة البيت
تصب الخل بالزيت
وربة البيت هنا بمعنى سيدة البيت.
ويقول الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدة له موجهة ضد نوري السعيد في العراق:
"ربنا مات... قتلنا ربنا
ورميناه إلى قعر جهنم
كان رباً تافها من ورق
كان مسخاً كان أعمى كان أبكم..."
ويتجرأ محمود درويش في قوله أكثر من ذلك، فيقول في "مديح الظل العالي":
"يا الله جربناك، جربناك / من أعطاك هذا اللغز... من سماك
من أعلاك فوق جراحنا ليراك (....)
يا خالقي في هذه الساعات من عدم... تجلّ
لعل لي رباً لأعبده لعل..."
وأغلب ظن النقاد أن قصيدة درويش هذه، كانت موجهة إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
كما أن لشاعر سورية وسلمية، الأكثر شهرة، محمد الماغوط، قصيدة معروفة، على شكل رسالة طويلة موجهة إلى الله، يشكو فيها ويعاتبه، وينتهي فيها إلى القول:
"... جل من أخشاه أن يكون الله أمياً".
وبعد هذه الأمثلة، ومع حفظ الفارق والمستوى، بين اجتهاد شاعرة شابة، على تواضع تجربتها، وبين ما أوردناه من كلمات لشعراء كبار، بقاماتهم الفارهة، ألا يحق لنا التساؤل، هل كان الأمر يستحق كل هذه الضجة والمضاعفات والتربص وسوء الظن.
لكن، ولنفترض جدلا، بأن لينة كانت تقصد الذات الإلهية بقولها السابق، فينبغي لنا أن نفترض بأن ذلك يصدر، على نحو شبه مؤكد، عن نزعة إيمانية خالصة، إذ أنها تقدر، عن حق، بأن الله لا يمكنه أن يقبل كل هذه الشرور والدعارات التي تملأ بلادنا والعالم أجمع، وكل ما في الأمر أيضاً أنها تريد منه التدخل فوراً لوقف تلك الشرور ومظاهر الظلم والعهر والتحايل والكذب والخداع، ليبقى العالم بهياً وجميلاً ونقياً، كما هو حلم لينة وطموحها. لا أن نسارع إلى قذفها بحجارة اتهاماتنا، وظنوننا الخبيثة واللئيمة، فنقتل توثبها ونثبط عزيمتها، ونحبط موهبتها!.
ثم ما بال البعض منا، هل يريدون استبدال مرجعية الأدب والفن بمرجعية "الشيخ الفقيه" الذي يود التمدد، ليفتي في كل شيء، من كيفية الوضوء إلى السياسة والإدارة والاقتصاد والثقافة والفن والفلك وعلوم الرياضيات...الخ. هل نحن مجرد "خراف ضالة" يريد بعض الشيوخ، بالتكاتف مع بعض أجهزة ومؤسسات الدولة ومسؤوليها، أن يدخلونا عنوة في حظيرتهم، حظيرة الطاعة العمياء، والرضى والقبول، مع الشكر والتهليل والتصفيق؟!
ما يلفت الانتباه في مشكلة قصيدة لينة المرفقة، هو أن العسف والظلم طاول الجميع دون أن يفرق بين مؤيدين ومعارضين، فقد حقر وأذل الجميع بالاتهامات الجماعية الظالمة، ولم ينج من ذلك، حتى أمين رابطة الشبيبة، أو مدير منتدى ثقافي متطوع خدمة للثقافة وشباب المنطقة.
العسف والظلم، باسم الأمن والمصلحة العامة أو باسم الدين، يريد تحويل حياة البشر إلى سلسلة متعاقبة من أفعال الطاعة والخنوع، لا صراع فيها ولا تنوع، يريد تحويل الوطن إلى صحراء قاحلة ومقفرة، لا مكان فيها للورود والأزهار المتنوعة، ولا ماء فيها لتفتح براعم الآمل والعطاء والمواهب الفذة.
أفلا يخجلون؟
وللعلم في جنازة في سلمية لدبلوماسي سوري من سلمية وهو قريب لي .
فقد جاء المحافظ واعتذر وللعلم فإن سلمية هي مركز الطائفة الاسماعيلية في العالم واكثر من
من 75% اهلها من الاسماعيلية.......
لدي ما يكفي من الإحساس
لكن ينقصني ذكاء القلب
ينقصني جنوح الحب نحو الهمس
هل نستطيع التغلغل.. ضمن حصى
يرتديها المكان...
وهل نستطيع الخروج عن النص
كي نصلح المشهد الملحمي..
هل نتصالح كي نتقاسم هذا المدى الهومري
هل نتصالح كي نوقظ الذاكرة..
ونصلح قافية الذكريات..
سنحتاج وقتاً لنعرف أنفسنا جيداً
سنحتاج نجماً لكي نتشبث بالحاسة السادسة..
لا أتذكر أني وثقت بصدق الخيال
ولا أتذكر أني ابتكرت سراباً يطيل الرجاء
علقت قلبي على المشمشات كي
تتناغم دقاته مع المفردات..
وحاولت أن أتذكر رائحة الحلم..
قلت لنفسي سأدنو من الغد.. حين أفتش عن حاضري..
سأدنو من الغد حين أعيد البداية
وأدخل فيها من ضدها..
لا أريد مجازاً كثيفاً..
لا أريد اندماجاً عميقاً بيني.. وبين صفات الرياح..
أريد التذكر حتى يكون غدي واقعياً...
أريد التمرس باسمي
انتظرني وخذ كل شيء ... انتظرني
إن النكوص رجوع إلى الأمس..
لكن رجوعي إليك اقتناص لقلب الغزال..
آه إلى أين تمضين بي يا حياة.. إلى أين تمضين بي يا حياة..
إلى أين تمضين بي يا حياة..
تعبت من الخيل تصهل في جرحي الداخلي..
تعبت من الحلم الرعوي
فلا نجمة بقيت كي تعيل انكساري
ولا أثر النمل ظلَّ لأمشي عليه..
وإني أطفو على المستحيل
سأحيا لأكمل نقصان ملح الحقيقة..
آه إني سئمت الهوامش..
سئمت شرايين روحي موزعة في حقائبَ للريح..
يقولون لا شيء يبقى على حاله..
لكن قلبي ما زال طفلاً كثير الحراك.. ما زال يمشي
على هدي خفقته..
وحين يكون الضباب كثيفاً عليه.. يزداد قلقاً..
يبقى اشتياقي على حاله.. وينتشر الملح في قطرات المدى..
الأرض التي أورثتنا الجراح سماوية...
والربيع قصير علينا.. الغياب يقسر حاجتنا للبكاء..
الهشاشة قد دربتنا على أن نجيد التقاط الحنين..
من قاع غربتنا.. لذن تمهل قليلاً.. ولا تمت الآن..
ففي آخر الأمر.. إن ذبلت نجمة..
آه نموت من الجوع والذل والحزن.. نموت من القهر..
ويفطس حكامنا متخمين.. ويحك ربي
ألا تستحي أن تصك باسمك كل الدعارات في أمتي.. ألا تستحي
آه.. يا وجعاً يكتظ بروحي.. أبحث عن جسد قدسي ..
يمتلئ برائحة الشهوات.. لينسنينك
يا وجعي .. يا قاتل روحي بالطين أناجيك
أن أهديني.. كيف سأنقذ طينك من خنجره..
لينة أحمد عطفة
14-2-2006
: محافظ حماه يهين مدينة السلمية وأهلها
حين استدعيت الشابة لينة عطفة إلى جهة أمنية في حماة بشأن قصيدتها التي ألقتها في منتدى ثقافي يتبع لإتحاد شبيبة الثورة في مدينة سلمية، خمنّت أنهم يريدون تكريمها ومكافأتها. ليس لقصيدتها هذه فحسب، حيث نالت استحسان الجمهور وتصفيقه، بل لموهبتها الشعرية النادرة لفتاة في مثل سنها، خصوصاً أنها تقرض الشعر مذ كانت في المدرسة الابتدائية، وهي لم تتجاوز بعد السبعة عشر ربيعاً، ولا زالت على مقعد الدرس تنتظر نيل الشهادة الثانوية العامة (البكالوريا) لهذا العام.
بيد أن أحلام الفتاة الغضة والوردية سرعان ما تبخرت عندما اكتشفت وأدركت أن ثمة حراساً وأوصياء أمينين وأخلاقيين يتربصون بها وبالكلمة الحرة والمبدعة، ويعملون ما استطاعوا، على كم أفواه البشر وترويضهم وتدجين عقولهم المتفتحة ومواهبهم الواعدة، وأنها قاب قوسين أو أدنى من الاتهام بالمروق والزندقة لمجرد أنها قالت في قصيدتها:
(آه.. نموت من الجوع والذل والحزن.. نموت من القهر
ويفطس حكامنا متخمين... ويحك ربي
ألا تستحي أن تصكّ باسمك كل الدعارات في أمتي... ألا تستحي؟)
وإذا كان المسؤول في الجهة الأمنية الذي قابلها برفقة والدها، قد استمع إليها وإلى ردها ودفاعها فيما قلته، حيث أظهرت أن من سعى وراء الفتنة (الذي كتب التقرير وحرض الأوقاف في سلمية ضدها) يجهل لغته العربية وأنه حمّل كلماتها معاني لا تحتملها، لغاية خبيثة في نفسه (فهو ربما يريد الانتقام منها، حتى لو أفضى ذلك إلى إثارة نعرة طائفية).
وإذا كان هذا المسؤول قد اكتفى بتوجيه "نصيحة أبوية وودية" لها بعدم إغضاب الحكومة أو إغضاب الإسلاميين، بما تكتبه في شعرها، فإن محافظ حماة، لم يكن كذلك، ولم يتوفر على القدر نفسه من حسن الاستماع وتفهم أبعاد المشكلة، حيث كان قد استدعى المسؤولين عن إقامة الندوة الشعرية، بشأن شكوى "جمعية النهضة الإسلامية" (الأوقاف في سلمية) حول قصيدة لينة، وهما أمين رابطة سلمية لإتحاد شبيبة الثورة "علي صالح"، ومدير المنتدى الثقافي المكلف القيام بالأنشطة الثقافية منذ أربع سنوات "مهتدي غالب"، وكان برفقتهما أمين فرع حماة للشبيبة.
المحافظ، كما نقل أمين الرابطة ومدير المنتدى، كان قد أصدر حكمه سلفاً، ولم يرغب بسماع أي توضيح أو شرح. ولم يكتف بتحميل المسؤولية لهما فحسب، بل كال الاتهام والشتائم إلى منطقة السلمية بأكملها "شو هي سلمية.. بدا تضل هيك.. فيها 300 بيت دعارة، وشي مناشير وشي اجتماعات". وطلب فوراً من أمين فرع الشبيبة بإعفاء أمين الرابطة، وإقالة مدير المنتدى، بعد أن أتهمهما وشكك بوطنيتهما، وإحالتهما مع الشاعرة إلى الجهات الأمنية للتحقيق معهم، وعدم قبول أي نشاط، حتى لو كان لحزب البعث العربي الاشتراكي وشبيبة الثورة، إلا بعد الدرس ومنحه الموافقة.
وقد أدى موقف المحافظ هذا، المتجني وغير المنصف، والمنحاز سلفاً لطرف ضد طرف، إلى احتجاج الكثيرين، بل ومعظم أبناء السلمية، الذين وقع بعضهم على عريضة موجهة إلى السيد الرئيس بشار الأسد، يعلنون فيها باسم مدينتهم عن "غضبها ورفضها القاطع لقبول استمرار السيد المحافظ في مدينة حماة" لأنه "تخطى حدود المسؤولية وحدود الكرامة وقام بإهانة سكان سلمية، ووصفهم بأبشع الكلمات".
وتساءل هؤلاء في رسالتهم، لماذا لا يقوم السيد المحافظ بإغلاق مراكز الدعارة التي تحدث عنها، بدلاً من إغلاق المكتبات الثقافية بالشمع الأحمر (مشيرين بذلك إلى أمر سابق، منه ومن مجلس البلدية، بإغلاق مكتبتين "تباع فيهما الكتب والصحف"، بحجة عدم وجود ترخيص، وجلّ ما في الأمر أن صاحبي المكتبتين هما سجينان سياسيان سابقان).
المعنيون في الأمر، بمن فيهم أهل الشابة لينة، قاموا طبعاً، بتطويق أي تداعيات سلبية للحادثة، حيث اتصلوا مع المسؤولين عن أوقاف السلمية، لإزالة سوء الفهم الحاصل، وثمة من قال بأن الأخيرين أو بعضهم على الأقل، قد اعترفوا بأنهم تسرعوا وأخطأوا بحكمهم حول القصيدة، وتكاد تنحصر تبعية المشكلة الآن مع السيد المحافظ، لما خلفته كلماته القاسية والجائرة، وطريقته في معالجة المشكلة، في نفوس الكثيرين.
أحد المعلقين على ما جرى، قال في أحد المواقع الإلكترونية، "كان الأجدر بالسيد المحافظ أن يقوم ويعطي التعليمات بإصلاح شوارع وطرق المحافظة، وملاحقة حرامية السيارات والبيوت، مش يرجعنا لأيام كتابة التقارير من بعض السفلة والمرتزقة، والذين يريدون قتل كل جميل في هذا البلد".
وبالعودة إلى المقطع الشعري، الذي أثار حفيظة البعض، وكل هذه الضجة، وبالتدقيق في قواميس اللغة العربية سنجد أن كلمة "ويح" تفيد معنى "ترحم وتوجع / وقد تأتي بمعنى المدح والتعجب / وقبل أنها ويل" من قاموس المنجد.
كما أن كلمة "رب" تفيد معنى "السيد والمالك والمصلح / ولها معاني أخرى كثيرة أحدها من أسماءه تعالى" من قاموس المنجد.
وهكذا يمكن لنا أن نستنتج ببساطة أن كلام الشاعرة الشابة، المتألقة والواعدة، ليس موجهاً إلى "الله" أو إلى "رب العالمين" وليس جل جلاله هو المعني والمقصود هنا، بل يبقى المعنى مجازياً، ويتعلق، أولاً، بموحى الشعر لدى قائل، "المعنى في قلب الشاعر" كما يقال، وليس لنا أن نحكم ونقيم لمجرد الظن والتخمين.
ثم أن لينة بقولها هذا لم تأت بجديد، بل سبقها إليه شعراء معروفون ومشهورون، ففي الشعر العربي القديم كلنا بتذكر مطلع القصيدة التي جاء بها:
رباب ربة البيت
تصب الخل بالزيت
وربة البيت هنا بمعنى سيدة البيت.
ويقول الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدة له موجهة ضد نوري السعيد في العراق:
"ربنا مات... قتلنا ربنا
ورميناه إلى قعر جهنم
كان رباً تافها من ورق
كان مسخاً كان أعمى كان أبكم..."
ويتجرأ محمود درويش في قوله أكثر من ذلك، فيقول في "مديح الظل العالي":
"يا الله جربناك، جربناك / من أعطاك هذا اللغز... من سماك
من أعلاك فوق جراحنا ليراك (....)
يا خالقي في هذه الساعات من عدم... تجلّ
لعل لي رباً لأعبده لعل..."
وأغلب ظن النقاد أن قصيدة درويش هذه، كانت موجهة إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
كما أن لشاعر سورية وسلمية، الأكثر شهرة، محمد الماغوط، قصيدة معروفة، على شكل رسالة طويلة موجهة إلى الله، يشكو فيها ويعاتبه، وينتهي فيها إلى القول:
"... جل من أخشاه أن يكون الله أمياً".
وبعد هذه الأمثلة، ومع حفظ الفارق والمستوى، بين اجتهاد شاعرة شابة، على تواضع تجربتها، وبين ما أوردناه من كلمات لشعراء كبار، بقاماتهم الفارهة، ألا يحق لنا التساؤل، هل كان الأمر يستحق كل هذه الضجة والمضاعفات والتربص وسوء الظن.
لكن، ولنفترض جدلا، بأن لينة كانت تقصد الذات الإلهية بقولها السابق، فينبغي لنا أن نفترض بأن ذلك يصدر، على نحو شبه مؤكد، عن نزعة إيمانية خالصة، إذ أنها تقدر، عن حق، بأن الله لا يمكنه أن يقبل كل هذه الشرور والدعارات التي تملأ بلادنا والعالم أجمع، وكل ما في الأمر أيضاً أنها تريد منه التدخل فوراً لوقف تلك الشرور ومظاهر الظلم والعهر والتحايل والكذب والخداع، ليبقى العالم بهياً وجميلاً ونقياً، كما هو حلم لينة وطموحها. لا أن نسارع إلى قذفها بحجارة اتهاماتنا، وظنوننا الخبيثة واللئيمة، فنقتل توثبها ونثبط عزيمتها، ونحبط موهبتها!.
ثم ما بال البعض منا، هل يريدون استبدال مرجعية الأدب والفن بمرجعية "الشيخ الفقيه" الذي يود التمدد، ليفتي في كل شيء، من كيفية الوضوء إلى السياسة والإدارة والاقتصاد والثقافة والفن والفلك وعلوم الرياضيات...الخ. هل نحن مجرد "خراف ضالة" يريد بعض الشيوخ، بالتكاتف مع بعض أجهزة ومؤسسات الدولة ومسؤوليها، أن يدخلونا عنوة في حظيرتهم، حظيرة الطاعة العمياء، والرضى والقبول، مع الشكر والتهليل والتصفيق؟!
ما يلفت الانتباه في مشكلة قصيدة لينة المرفقة، هو أن العسف والظلم طاول الجميع دون أن يفرق بين مؤيدين ومعارضين، فقد حقر وأذل الجميع بالاتهامات الجماعية الظالمة، ولم ينج من ذلك، حتى أمين رابطة الشبيبة، أو مدير منتدى ثقافي متطوع خدمة للثقافة وشباب المنطقة.
العسف والظلم، باسم الأمن والمصلحة العامة أو باسم الدين، يريد تحويل حياة البشر إلى سلسلة متعاقبة من أفعال الطاعة والخنوع، لا صراع فيها ولا تنوع، يريد تحويل الوطن إلى صحراء قاحلة ومقفرة، لا مكان فيها للورود والأزهار المتنوعة، ولا ماء فيها لتفتح براعم الآمل والعطاء والمواهب الفذة.
أفلا يخجلون؟
وللعلم في جنازة في سلمية لدبلوماسي سوري من سلمية وهو قريب لي .
فقد جاء المحافظ واعتذر وللعلم فإن سلمية هي مركز الطائفة الاسماعيلية في العالم واكثر من
من 75% اهلها من الاسماعيلية.......