-
دخول

عرض كامل الموضوع : مدخل عام الى النزعة الانسانية ...جيم هيريك


السورية المشتاقة
24/03/2006, 12:44
من المكتبة العالمية
مدخل عام إلى النزعة الإنسانية
تأليف :جيم هيريك


صورة الغلاف (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////*%2F*%2F*&ssbinary=true)



مؤلف هذا الكتاب هو الباحث جيم هيريك المختص بدراسة الفلسفة الإنسانية منذ بداياتها في عصر النهضة وحتى اليوم. وقد ساهم في نشر الفكر العقلاني والإنساني في إنجلترا من خلال ترؤسه للعديد من المجلات المختصة بالموضوع. كما وأصدر سابقا عدة كتب عن تاريخ الفلسفة الإنسانية. وفي هذا الكتاب الجديد يقدم الباحث لمحة عامة عن هذه الحركة الفكرية والأدبية التي ازدهرت في أوروبا إبان عصر النهضة على وجه الخصوص.


ومنذ البداية يقول بما معناه: إن النزعة الإنسانية هي تلك الفلسفة التي تضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل شيء. وقد نشأت هذه الحركة الثقافية في إيطاليا أولا وفي القرن الرابع عشر. ثم انتشرت من هناك إلى بقية أنحاء أوروبا وبلغت ذروتها في القرن السادس عشر: عصر النهضة بامتياز. وهي تعتبر الإنسان أجمل الكائنات وأفضلها وأرقاها وتثق به وبإمكانياته كل الثقة. عندئذ عاد المفكرون الأوروبيون إلى النصوص الوثنية اليونانية ـ الرومانية التي كانوا قد نسوها أو أهملوها طيلة العصور الوسطى المظلمة. لقد عادوا لاكتشاف نصوص أفلاطون وأرسطو وهوميروس وفيرجيل وشيشرون وسواهم عديدون.


ومن أهم المفكرين والشعراء النهضويين ذوي النزعة الإنسانية نذكر بيترارك، وبيك الميراندولي، ومارسيل فيشان، ثم ايراسموس الذي لقبوه بأمير عصر النهضة. لقد ضاق كل هؤلاء ذرعا برجال الدين ومواعظهم وأفكارهم التقليدية المكرورة منذ مئات السنين. وشعروا بالاختناق في ذلك الجو المغلق للعصور الوسطى


حيث لا توجد إلا اليقينيات القطعية والتعاليم المفروضة عليك فرضا من فوق وعن طريق الإكراه والقسر.ولذلك راحوا يقفزون على كل العصور الوسطى التي تتجاوز الألف سنة لكي يعودوا إلى أجواء اليونان والرومان حيث كانت الحرية متوافرة. وهكذا راحوا يترجمون كبار كتاب اليونان إلى اللغة اللاتينية أو اللغات القومية الأوروبية التي كانت في طور الانبثاق آنئذ: كالإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، الخ.


والواقع أن النزعة الإنسانية هي ذلك التصور الفلسفي الذي يثق بالإنسان ويتفاءل به وبمقدراته. كما أن الإنسان يشكل بالنسبة له القيمة العليا التي لا قيمة فوقها. والإنسان بالنسبة له غاية بحد ذاتها وليس وسيلة بأي شكل من الأشكال.


ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه: أثناء العصور الوسطى كانوا يتحدثون عن الآداب الإنسانية والآداب الإلهية. وكانوا يقصدون بالأولى مجمل المعارف الدنيوية التي يدرسونها للطلاب في كليات الفنون والبلاغة. وأما الثانية فكانوا يدرسونها في كليات اللاهوت المسيحي حيث يهتمون بالدين والإنجيل وشرحه والتعليق عليه. وكانت الدراسات اللاهوتية تهيمن على الدراسات الإنسانية بشكل واضح طيلة العصور الوسطى. وذلك لأن العلوم الإلهية أشرف من العلوم الإنسانية وأجل شأنا.


وكانت الفلسفة خادمة لعلم اللاهوت المسيحي. وكان كلام رجال الدين شبه معصوم ولا يناقش وإنما يطاع فقط. ثم ابتدأت الأمور تتغير منذ القرن الرابع عشر حيث ظهر بيترارك وتجرأ على إبداء إعجابه بالكتاب الوثنيين السابقين على المسيحية. ثم تلاه آخرون عديدون ومشوا على نفس الخط. وبرر هؤلاء أخذهم عن فلاسفة اليونان والرومان بأن كتبهم تحتوي على الحكمة والعلم والعقلانية الصائبة على الرغم من وثنيتها. وبالتالي فيجوز الأخذ عنهم.


ولكن رجال الدين انزعجوا من هذا التصرف واعتبروه خروجا على المسيحية. وقالوا بأن الحكمة لا توجد إلا في الكتب الدينية. وهكذا جرت معركة بين الطرفين استمرت عدة قرون حتى انتصار الحداثة. ثم يردف المؤلف قائلا: لقد موضع هؤلاء الفلاسفة النهضويون والإنسانيون الإنسان في مركز كل اهتمام أو تساؤل.


وقالوا بأن كل معرفة لا تهدف إلى الرفع من شأن الإنسان أو ترقيته لا جدوى لها ولا لزوم. وراحوا يحلمون ببناء مجتمع يختلف عن مجتمع القرون الوسطى المستكين لأقوال الكهنة والمستسلم للمقادير والظروف. راحوا يحلمون بتثقيف الإنسان وتهذيبه لكي يصبح عقلانيا ذكيا معتمدا على نفسه وإمكانياته لا متواكلا ولا كسولا.وقالوا بأن التوصل إلى ذلك لا يمكن أن يتم من خلال الاعتماد على الكتب الصفراء لرجال الدين المسيحيين وإنما من خلال كتب كبار شعراء وفلاسفة اليونان والرومان.


على هذا النحو انطلقت الحركة الإنسانية قوية فاتحة. وكان من اهم ممثليها على مستوى أوروبا كلها : ايراسموس، خوان لويس فيفيس، غيوم بوديه، جاك لوفيفر ديتابل، لورنزو فالا، وآخرون عديدون. وبفضل المطبعة الآلية التي ظهرت في ذلك الوقت راحت كتب هؤلاء المفكرين الإنسانيين تنتشر في كل الأوساط بسرعة البرق. ففي السابق كانت نساخة الكتاب تستغرق أسابيع عديدة أو شهورا. وأما الآن فقد أصبحت طباعته وبمئات النسخ تتم بين عشية وضحاها.. هنا نكتشف أهمية التكنولوجيا.


وكل ذلك ساهم في انتشار الأفكار الجديدة لعصر النهضة والإصلاح الديني في آن معا. وراح المثقفون يعتقدون بأن الثقافة الجديدة هي محرك التطور البشري. ولحسن حظ هؤلاء الفلاسفة الجسورين فإن الأمراء الإيطاليين راحوا يدعمونهم ماديا ومعنويا. بل وحموهم من ضغط الكنيسة والعامة والمتعصبين دينيا. هذا ما فعله أمراء مدينة فلورنسا التي أنجبت أشهر الرسامين والفنانين والعلماء والفلاسفة.


فبفضل مساعدتهم راح المفكر مارسيل فيشان يترجم أفلاطون وتلامذته. وقد تشكلت أول أكاديمية علمية في مدينة فلورنسا. وكان من حسن حظها أن هاجر إليها كبار علماء بيزنطة بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح. ولكن هذه الأكاديمية تعصبت لفكر أفلاطون إلى حد أنها منعت تدريس فكر أرسطو الذي دخل إلى إيطاليا عن طريق العرب: أي عن طريق فلسفة ابن سينا وابن رشد بشكل خاص.


ومعلوم أن فلسفة أفلاطون مثالية خيالية، في حين أن فلسفة تلميذه أرسطو واقعية مادية. ويمكن القول بأن كل تاريخ الفكر البشري منذ ذلك الوقت وحتى اليوم مقسوم إلى قسمين: قسم يتبع أفلاطون وقسم يتبع أرسطو. فابن سينا مثلا يقع في جهة أفلاطون، وابن رشد في جهة أرسطو، وهلم جرا.


ثم يردف المؤلف قائلا: وبعدئذ انتشرت الفلسفة ذات النزعة الإنسانية في ألمانيا وهولندا قادمة من إيطاليا. وبعدئذ دخلت إلى فرنسا. وعندما عارض رجال الدين دخول الفكر العربي الفلسفي بحجة أنه آت من جهة أعداء المسيحية قال لهم فلاسفة النهضة: هذا الفكر يشكل جزءاً لا يتجزأ من ميراث البشرية والإنسانية. ونحن بحاجة إليه وسوف نأخذ به ونستفيد منه أيا تكن الجهة التي جاء منها.


ثم ظهر تيار جديد لدى العلماء من رجال الدين وهو ما يمكن أن ندعوه بالنزعة الإنسانية المتدينة: أي تلك التي توفق بين الكتابات المقدسة من جهة، وكتابات أدباء اليونان والرومان وفلاسفتهم من جهة أخرى. ويمكن اعتبار المفكر الهولندي ايراسموس أكبر مثال على هذا النوع. وكذلك المفكر الإنجليزي توماس مور. ولكن حروب المذاهب داخل المسيحية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين وكل المجازر التي رافقتها وضعت حدا للنزعة الإنسانية المتفائلة جدا بنوايا الإنسان وإمكانياته.


فقد كشف الإنسان عن وجهه القبيح أثناء هذه الحروب الأهلية المدمرة وبدا أنه قادر على ارتكاب أبشع الأعمال والمجازر. وعندئذ طرأ تحول على مفهوم النزعة الإنسانية وأصبح أكثر واقعية إن لم يكن أكثر تشاؤما. وهذا ما يتجلى في كتابات الفيلسوف الفرنسي مونتيني (1533 ـ 1592) الذي صور الإنسان كما هو عليه لا كما نحلم أن يكون. فالإنسان المثالي الذي يترفع على الصغائر ولا يفعل إلا الخير لم يعد له وجود لديه.


وإنما بدا الإنسان على حقيقته بخيره وشره، بعجره وبجره. فبقدر ما هو قادر على صنع المعجزات وتحقيق التقدم، بقدر ما هو قادر على ارتكاب أكبر المجازر والحماقات في حق أخيه الإنسان إذا ما اختلف عنه في العقيدة أو المذهب. ثم يردف المؤلف قائلا: وعندئذ ابتدأت تظهر نزعة إنسانية إلحادية كرد فعل على حروب المذاهب والطوائف المسيحية. وقال بعض المفكرين: إذا كان الدين يسمح بارتكاب كل هذه المجازر الدموية فلا حاجة لنا به ! ولكن البعض الآخر ركز فقط على مسؤولية رجال الدين المتعصبين وليس الدين نفسه.


وقالوا بأن الأصوليين المتزمتين فهموا الدين بشكل خطأ وحرفوه عن مساره الصحيح. ثم واصلت الحركة الفلسفية الإنسانية مسيرتها إلى الأمام في القرون التالية وولدت الفلسفة الكانطية في القرن الثامن عشر. وهي أكبر فلسفة نقدية تكشف عن إمكانيات الإنسان ومحدوديته في آن معا. وقد أكدت الفلسفة الكانطية عندئذ على كونية الجنس البشري ووحدته وقالت بأن الإنسان قادر على صنع التقدم: أي الخروج من مرحلة البربرية والتخلف إلى مرحلة الحضارة والاستنارة وتحسين الأوضاع المعيشية على هذه الأرض.


ثم استمرت الحركة الإنسانية بعدئذ حتى ولدت الإعلان الشهير لحقوق الإنسان والمواطن بعد الثورة الفرنسية.


الكتاب: مدخل عام إلى النزعة الإنسانية


الناشر: بروميثيوس بوكس ـ لندن 2005


الصفحات: 105 صفحات من القطع الكبير



Humanism : an introduction




Jim Herrick




Prometheus Books




London 2005