-
دخول

عرض كامل الموضوع : طقوس بيع وزير سابق


SILIVIO
16/02/2005, 00:32
طقوس بيع وزير سابق


لم تكن هناك ريح تهب في الاندلس الا وتحمل خبر بيع ابن عمار عبر السهول
المنبسطة كالحلم والحصون التي ضاعت بلا ثمن والممالك التي تفتت ثم هوت كالشهب
المحترقة والتلال التي تخفي مقاربها تحت زهور النرجس والجبال الصامدة تحت رذاذ
المطر كانت الريح تحمل الخبر فمن الذي يرغب في شرائك يا ابن عمار ومن الذي
يملك ثمنك؟؟؟؟؟
مشتر حقيقي ولكن :
وصل الخبر الى ذي النون حاكم طليطلة وهو في مجلس حكمه حدق في الرسول مندهشا
وهو يستمع الى كلماته
ابن عمار وقع اسيرا في يد اصحاب حصن شقورة وسوف يبيعونه لمن يدفع الثمن قال ذي
النون على الفور ما دام اسيرا فهو لا يساوي خردلة ثم صمت قليلا قبل ان يتسائل
كم يطلبون ؟؟؟؟؟
قال الرسول سوف يعقدون مزادا في الحصن ومن يدفع اكثر فهو له ضحك ذو النون في
سخرية مزاد يالها من نهاية لا تليق الا بابن عمار
اما المعتمد بن عباد فقد كان نائما وكان اليهودي الذي حمل اليه الخبر مفوضا
بالدخول اليه في أي وقت مادام يحمل خبرا عن ابن عمار وكان المعتمد اسير كابوسه
اليومي وعندما استيقظ وراى اليهودي على راس فراشه حسب انه امتداد لهذا الكابوس
صرخ فيه :انت تلاحقني قال اليهودي بهدوء احمل خبرا عن ابن عمار وقبل ان يفيق
ابن عباد كان اليهودي يواصل كلماته اضطجع ابن عباد وظل ينظر الى وجه اليهودي
وهو يتحدث بنوع غريب من التشفي : ــ حاول ان يخدع اهالي شقورة كما خدع اصحاب
حصن سرقسطة ولكنهم اوقعوه في الفخ فاقت حيلتهم حيلته وفوجئ ابن عباد بنفسه وهو
يقول في اسى هناك اذا من اهو اذكى من ابن عمار ورفع عينيه وقال لليهودي كنت
انت ايضا الذي احضرت القصيدة التي يهجوني فيها ابن عمار ويهتك عرض زوجتي اليس
كذلك لماذا كنت تكرهه الى هذا الحد انحنى اليهودي : انني اكره كل اعدائك يا
مولاي قال ابن عباد كمن يحدث نفسه : كلا انت دائما تكرهه اما انا فقد احببته
ذات يوم احببته كثيرا هل اشتريه ؟؟؟؟؟ قال المعتمد اشتر الحصن كله اذا لزم
الامر ووصل الخبر متاخرا الى قرية شلب ولم يخطر ببال احد انا في تلك القرية
النئية غربي الاندلس من يهتم بمصير الوزير ابن عمار ولكن المراة العجوز التي
تسكن بيتا صغيرا في اسفل التل لم تنسه لحظة واحدة كانت جالسة تحيك ثوبا له
وعندما سمعت الاخبر انحدرت من عينيها دمعة وهي تتمتم : كنت اعرف
ذهبت الى السوق حملت كل الثياب التي قضت السنين في حياكتها واخر ما بقي من
حليها وسيف الاب الذي رحل وسرج حصانه ومصباحا عتيقا وشالا مزركشا واحذية ودواه
واقلاما مقصوفة وعمائم موشاه وعبائة وسجادة للصلاة وابرا للغزل وظلت جالسة
ثلاثة ايام متواصلة حتى باعت كل هذه الادوات ولم يبقى الا ثوب واحد كانت واثقة
من انه سيرتديه وسارت الى حصن شقورة
الدموع لا تشتري شيئا :
بدا المزاد ذات صباح بارد وكان الحصن رابضا فوق تل صخري لا تودي اليه الا طريق
وعرة يصعد فيها المسافر وحيدا اما بوابة الحصن الرئيسية فلا يدخلها احد الا
مصعدا بالحبال وقد تقرر عقد المزاد اسفل الحصن فلم يكن اهل الحصن يريدون أي
غرباء باي صفة وكان الحضور كثيرين ثلاثة ملوك من ملوك الطوائف ومبعوث من ملك
الفرنج وسمسار متجول ويهودي صامت ? حارس سجن ينفق في سخاء وقائد عسكري مرتزق
وثلاثة من البربر ونخاس واحد وبعض التجار الذين يريدون استبدال بضائعهم في
مقابل أي سلعة وامراة عجوز حضرت متاخرة قبل بداية المزاد بقليل وظلو جميعا
واقفين في الجو البارد والريح تهب بعنف لتلف الحصن اليتيم بصوت اشبه بالنحيب
في البداية هبط اصحاب الحصن في قفص خشبي ثم اجتازو الممر واحدا تلو الاخر
...ثم هبطو الى المجتمعين ..... كانو ثلاثة اخوة من بني سهيل متشابهين تماما
رحبوا اولا بالحكام ثم بالقادة ولم يعيرو التفاتا للبقية بعد ذلك .....ثم
اشارو للحراس بان يهبطو بالبضاعة
وتدلى ابن عمار من اعلى الحصن وهو مربوط من قدميه وراسه الى اسفل وشهقت المراة
شهقة عاليه وتمتمت : ياولدي .....يا كبدي ولم يلتفت اليها احد كانو مشغولين به
وهو يهبط مثل ظل طويل نحيف وسمعو بوضوح صوت ارتطام راسه بالممر الصخري ثم
تلقفه الحراس وفكو قيوده وقادوه الى اسفل
رغم الدم الذي كان يغطي وجهه كان هو ابن عمار دون شك هزيلا اشعث الشعر نتن
الرائحة حين تركه الحراس لم يستطع الوقوف وحده فانهار على الارض وانكشفت ساقاه
فبدت فيهما اثار القيد واضحة وتقدم واحد من اخوة بني سهيل وهو يقول : ــ هاهو
ابن عمارعدو الجميع وقد اوقعه الله بين ايدينا وكانت المراة العجوز اول من
افتتح المزاد فقد اسرعت وارتمت تحت اقدام ابن سهيل وهي تهتف : دعه لي يا ولدي
.....اليك كل ما تطلبه ...... ما ئتا درهم هي كل ما املك..... سوف اخذه معي
الى شلب ولن يسمع احد منكم عنه بعد الان....
وفتح ابن عمار عينيه بصعوبة وصوت المراة يرن في اذنيه ....... يا الله مازالت
على قيد الحياة ....حاول ان ينهض ...ان يتحرك ولكنه كان متعبا مقهورا وسمع ابن
سهيل وهو يضحك ثم بقية الضحكات وهي تتصاعد .... قال ابن سهيل : ــ لقد افتتحت
المراة المزاد دون ان تدري ...... هاقد بدانا مائتا درهم وتقدم المامون حاكم
طليطلة فقال : ــ عشرة اضعافها بل مائة ضعف وقبل ان يفكر احد فيما يزايد به عن
هذا المبلغ تقدم حاكم سرقسطة وقال في صوت صارخ متوتر : ــ الف ضعف وتلاقت
عيناه بعيني ابن عمار في نظرة خاطفة وانتفض صاحب سرقسطة كان ابن عمار يحاصره
من جديد تماما كالمرة الاولى عندما جاء بجيوش ابن عباد وفرض عليه حصار قاسيا
حتى ارغمه على ان يشرب من بوله من يومها ورائحة النجاسة لا تفارق فمه
وتقدم الحاكم الثالث وضاعف الثمن ووجد النخاس ان الصفقة ستكون ناجحة فتدخل في
المزاد .... وظل يتصاعد والمراة العجوز حائرة كانت قد قالت منذ اللحظة الاولى
اخر رقم لديها كذلك تدخل الحارس وبدا عليه التوتر الشديد وشارك قائد الافرنج
بتحفظ وبدا كانه يريده بلا ثمن وصرح للمرة الاولى انه خدع الملك ذات مرة حين
اعطاه الجزية ذهبا مزيفا ....... وقال لهم الحارس المتوتر انه يحمل وصيه رجل
يحتضر امنيته الاخيرة ان يخنق ابن عمار بيديه قبل ان يموت وعاد اليهودي يزيد
المبلغ وانسحب النخاس بعد ان اخذ مقابلا مناسبا وكشف البربر لاول المرة اللثام
عن وجوههم وطالبو بثار المرابطين وتدخل واحد من اخوة بني سهيل فجاة واعلن انهم
احق بقتله لانهم اخر من عانو من مؤامراته واحضر اليهودي صفا من البغال محملة
بصناديق الدراهم الفضية وانتهز القائد المرتزق فرصة الفوضى وتسلل الى داخل
الحصن ...... كذلك انتهزت المراة العجوز الفرصة ولمست جبهة ولدها وحاولت ان
تعطيه بعضا الماء ولكن حارسه دفعها في خشونة وثار ملوك الطوائف الثلاثة وقالو
انهم سيعلنون الحرب على بني سهيل ...... وصرخ فيهم اليهودي ....... : من منكم
احق بقتله من ابن عباد .......
فصمتو جميعا ورفع ابن عمار راسه ببطء وتقدم اليهودي وفك الصناديق بحركة سريعة
فسقطت على الارض وتناثرت الدراهم الفضية وصاح بصوت عال : ــ هذا هو الثمن
....... اكبر من قيمة حصن شقورة بكل ما فيه
زمن البراءة والخوف :
كان ابن عباد واقفا بحيث يرى بوابات قرطبة ..... وحين جاءوا به لمست اعتماد
الرميكيه ذراعه وقالت :
ــ انك ترتعد يا مولاي ...... هتف في ضيق : ــ لم اكن اتوقع ان اراه هكذا ابدا
كان ابن عمار مربوطا من قدميه ومن يديه ومعلقا مثل صيد نتن وقرطبة كلها خرجت
الى الشوارع .... نفس الشوارع التي شهدت انتصاراته شهدت كل الذين تسابقو للسير
في ركابه او لمس ذيل ثوبه او القاء التحية بين يديه كانو يصيحون في همهمات
غاضبة ويقذفونه بالحصى والطين ولقاذورات ..... لا ورود .... عندما تحل اللعنة
علينا فلا ورود
كم لطمة اخذها على وجهه كم بصقة كانو اكثر غضبا من ابن عباد ذات نفسه كانه
خانهم هم وهجاهم هم المدينة كلها في سعار غريب ثلاث سنوات مرت منذ ان جاءها
فاتحا منذ ان دانت له اسوارها ونودي عليه باسم سيده ابن عباد حاكما لقرطبة
واشبيلية وما يتاتى من المدن الفاتنة وسمعته الرميكية وهو يقول من بين اسنانه
:
ــ لماذا خنتني يا ابن عمار ؟؟؟؟ لماذا خلعت طاعتي ?
حين افترقا للمرة الاخيرة كان ابن عمار على راس جيش كبير اضخم جيش جهزه ابن
عباد طوال غزواته كان في طريقه لفتح مرسية وحين وقفا وجها لوجه راى في عينيه
نظرة غريبة ووجد نفسه يقول له : ــ ان الجيش كبير يا ابن عمار اكبر من مرسية
وحصونها واني لمخدوع ؟؟؟ وقال ابن عمار وهو يبتسم بصرامة :
ــ انت لست مخدوعا ..... انت مضطر
كان يجب ان يعرف انهما وصلا معا الى نهاية الطريق كان يجب ان يعرف انه حين خلع
طاعته بعد فتح مرسية كان هذا امرا طبيعيا لقد تباعدت الطرق كثيرا يا ابن عمار
امير افاق... وافاق يطمح للامارة .... وكان توافق الانجم غريبا...... والاندلس
نزوة...... ومغامرة .... وكل وال ملك ... وكل من على ارضها مغلوب .... ولا
غالب الا الله
وعندما توجه ابن عباد وهو مازال وليا للعهد ليفتح قرية شلب كان قدره انم يقابل
ابن عمار ويرتبط مصيرهما معا تركا الجيش وضربا في الارض معا وضلا الطريق حتى
اوشكا على الموت جوعا وعبرا النهر فقبض عليهما الحراس وتظاهرا انهما شاعران
صعلوكان احبا جارية واحدة وناما على فراش واحد في حانة منزوية وتبادلا طريقهما
على جواد اعرج وتقاسما درهما مزيفا والفا قصيدة واحدة وحين وصلا الى اسوار
اشبيلية كانا قد اصبحا شيئا واحد وصرخ فيه ابوه : ــ انت ولي عهدي وسوف ترث
عرشي فابتعد عن هذا الافاق فلم يقدر وتجولا ليلة كاملة في المدينة يكتشفان
مواقع الايام المقبلة وفي الصباح اصدر عباد امرا بنفي ابن عمار عن المدينة حتى
لا يفسد ابنه وكانت ايام المنفى طويلة على الاثنين معا وزهد ابن عباد في العرش
حتى اوشك ان يتركه لولا ان الموت عاجل الاب العجوز وعاد ابن عمار الى اشبيلية
وزيرا ... ونامت اشبيلية وهي تتحدث عن عشق ابن زيدون لولادة واستيقظت وهي
تتحدث عن مجد ابن عمار وغارت انجم وتالقت انجم واحضر ابن عباد وسادة من حرير
وقال له :
ــ نم بجانبي على نفس الوسادة ليكون راسك لصيق راسي .....
وكانت المودة صافية والزمن مليئا بالبراءة ولكن لعن الله الخوف نام ابن عباد
ولم يستطع ابن عمار النوم .....صاح فيه هاتف مجهول : ــ لا تغتر ايها المسكين
.... سيقتلك ولو بعد حين .......
يا لها من نبوءة مريرة ايها الهاتف الاندلسي وحاول ابن عمار ان يطرده ولكن بلا
جدوى مات النوم على الوسادة الحريرية وقرر ابن عمار الهرب .... لو انه نجح
لتغير كل شيئ الان ولما اصبحت النهاية بهذة المرارة تجرد من ملابسه والتف في
حصير فقير وعزم التسلل من بوابات القصر ..... ولكن ابن عباد استيقظ ولم يجد
وزيره فنادى حراس القصر وانتشرو في القصر يبحثون عنه...... وامسك ابن عباد
شمعة وقادته المصادفة او الغريزة الى الحجرة التي كان يختبئ فيها ابن عمار
ملفوفا بالحصر ..... ووقف يتلفت حتى سمع انفاس ابن عمار اللاهثة وقال :
ــ اني اعرف انك مختبئ في هذا المكان ... نفسي قادتني الى هنا ... ولم يجد ابن
عمار بدا من الخروج عاريا وقال دون مواربه : ــ حلمت بانك سوف تقتلني بيديك
نظر ابن عباد الى ارتجافه وقال وهو يضحك : ــ يا ابن عمار هذه أضغاث احلام
ثم حدق في عينيه قليلا وقال في جدية :
ــ كيف اقتلك .... ارايت احدا يقتل نفسه ؟؟؟؟
وهاهي النفس قد انقسمت على نفسها يا ابن عمار ؟؟؟؟؟؟ فمن الذي غدر ? أي شق في
هذه النفس المسكينة يراقب..... واي شق يتلقى اهانات الغوغاء.....؟؟؟؟
دخل الوزير ابن زيدون وقال : ــ جئنا بالخائن يا مولاي .... هل تريد ان تراه
قال ابن عباد دون ان يلتفت اليه حتى لا يلمح اختلاجات وجهه :
ــ ليس الان ... احملوه على هذه الحالة الى اشبيلية ... دورة اخرى من دورات
العذاب
عندما دخل الى نفس المدينة ليتلقى الوزارة فرش الطريق من بواباتها حتى القصر
بالورود والرياحين وخرجت اجمل الفتيات يلوحن له ... وقالت له اعتماد الرميكية
ضاحكة :
ــمرحبا ايها الوزير ... ظل زوجي يحدثني عنك حتى ظننت اني تزوجتكما معا .....
فانظريني الان يا اشبيلية انظري اهانتي وموتي المتكرر ..... فمتى تنتهي دورة
العذاب
من الذي يقتل . . . . ؟؟؟؟؟
كان السجن مظلما مثل كل السجون ولكن كل واحد منهما يرى الاخر بوضوح لم يكن
معهما احد .... وعندما نظر ابن عباد في عينيه ... ادرك انه طوال الايام
الماضيه لم يكن يزيد في عذاباته بقدر ما يخشى اللقاء لقد اختار ان يهبط اليه
في هذا المكان في هذه الساعة من الليل بعد ليال طويلة من الارق .... حتى ان
الرميكية قالت له : ــ اقتله ونم
ولكنه لم يقتله ولم ينم اخيرا اراد ان يراه في السجن في اشد حالات الاهانة
اخيرا صرخ في وجهه بالسؤال الذي المه طويلا :
ــ لماذا خنتني يا ابن عمار ? لماذا تمردت علي ? لقد اعطيتك كل شيئ
ونهض ابن عمار حاول ان يكسب وقفته بعض الاعتداد وان ينفض عن كتفيه اهانات
الايام الماضية ادرك ان ابن عباد لن يقتله الليلة على الاقل ... قال :
ــ انا ايضا اعطيتك الكثير ..... المملكة التي تحكمها...... والمراة التي
تحبها
اهوى ابن عباد على راسه بالعصا التي يتوكأ عليها فشج راسه .... جرح جديد لم
يتاوه منه ولكنه سقط على الارض .... وتردد بن عباد قليلا ثم جلس بجانبه ومد
يده يتحسس الجرح .....
ــ هل كانت مؤلمة . . .
ــ جرح فوق جرح لا ادري ايهما اشد ايلاما
قال ابن عباد وقد انكسرت نفسه :
ــ اكانت مرسية مغرية الى هذا الحد ?
قال ابن عمار :
ــ لم تفرقنا يا مرسية يا مولاي .... ولكن افترقنا قبل ذلك تحت اسوار قرطبه
ما ابعدك يا قرطبة .... كان الاستيلاء على قرطبة هو حلم المعتمد وحلم ابيه
ولكنهما مثل غيرهما من ملوك الطوائف وقفوا
عاجزين امام اسوارها كانت المدينة قد تخلصت من مثل هؤلاء الملوك وقد اختارت من
بينهم افضل القضاة والفقهاء ليحكموها وعندما جاءها ابن عمار ادرك ان هذه
المدينة يجب ان تخترق من الداخل اولا وبدأت رحلة الوقعية بين الذين يحكمون
والذين يملكون ...... وعنما استولى على المدينة رجل واحد ادرك ان لحظته قد
حانت .... ذهب الى ذي النون حاكم طليطلة واغراه بغزو المدينة وذهب الى حاكم
قرطبة واغراه بطلب المساعدة من ابن عباد وفي وقت واحد جاء الجيش الذي يرد
الغزو .... والجيش الذي يريد الانقاذ وتلاقيا امام اسوار المدينة المغلقة
وابتلع ذي النون الطعم اولا حين جمع جيوشه وقرر الانسحاب والتراجع ... فاذا
بالجيش ينثني ويقتحم المدينة الامنة على غرة ..... وابتلعت قرطبة
لم يكن ابن عباد يظن انه ينال قرطبة بهذا الثمن الرخيص ... وعندما قال لابن
عمار .... لقد انتصر جيشي ..... رد عليه مصححا : ــ بل انتصرت حيلتي وانتصر
عقلي ...
وصمتا ..... كانا سعيدين لدرجة لا تسمح لهما بالتناقض ..... وكانت المدن
تتهاوى بين ايديهما كاوراق الخريف ... والمملكة تتسع ... وكان هناك ثمن يترقبه
ابن عمار في كل غزوة ناجحة ..... واصبح ابن عباد الرجل الاول في الاندلس وابن
عمار الرجل الثاني ....... دائما الثاني
هتف ابن عباد في مرارة : ــ كنت تريد ان تصبح ملكا . . .
قال ابن عمار : ــ ولو لا . . . لقد جربت عقلي... اهو من عقول الرعاع ....؟؟؟؟
عاشا معا عصرا غريبا يحتاج الى مهارة خاصة .... مهارة تجعلهما يدفعان الجزية
من ذهب مزيف لينقذا ابن المعتمد من اسر الفرنجة ظروف جعلته يلعب الشطرنج حول
مملكة ومهارة تجعلهما يوقعان المعاهدات بصدق ويتحليان بنفس العزيمة وكان ابن
عمار يفكر دائما ....... ما دامت هذه الرقعة الصغيرة من الارض ممتلئة بالملوك
الى هذا الحد فلم لا اكون ملكا انا الاخر .... مثلهم
قال ابن عباد: ــ ولكنك اهنتني .... مثلت بعرضي ..... كتبت القصائد تهجوني
فيها انا وزوجتي .....!
قال ابن عمار : ــ كانت حربا بيننا يا مولاي ...... وطوال عمرنا معا ? نخض
حربا شريفة واحدة
ورفع ابن عباد العصا واهوى بها على راسه :
ــ بل انت الذي جررتني الى ذلك...... حروبي كلها كانت شريفة قبل اراك
تاوه ابن عمار وانسال خيط جديد من الدم وهذه المرة لم يسال ابن عباد بل وقف
غاضبا وهو يقول :
ــ كف عن اثارتي...... لن اقتلك الليلة مهما حاولت .... عليك ان تعتذر وان
تبدى قليلا من الندم ......
قال ابن عمار :
ــ وهل كنت ستتراجع عن قتلي .....
قال : لا اعرف ...... لا اعرف ....... واسرع يغادر الزنزانة ....... وبينما
يصعد الدرج فكر في انه غير قادر بالفعل على قتله
طقوس مقتل وزير سابق :
في صباح اليوم التالي اصدر ابن عباد اوامره فاعد السياف سيفه واخرجوا ابن عمار
مقيد اليدين ومزقوا الثياب حول رقبته ثم غير ابن عباد رايه في اللحظة الاخيرة
لا يدري كيف تذكر فجاة تلك الليله التي نام فيها واياه على وسادة واحدة صعد
الى غرفة الرميكية ونام في حجرها وهو يرتعد ... تذكر رحلات الصيد ... وكل
القصائد لتي الفاها بيتا بيتا ......وكل المؤامرات والنزوات الصغيرة .......
قال في صوت مشحون بالاسى :
ــ ماذا افعل .....؟؟؟؟ اني عاجز عن قتله ...... وعن العفو عنه
قالت الرميكية فجأة : ــ من الصعب ان تجد صديقا يا مولاي . . . .
نظر اليها في دهشة وتساءل : ــ انت تنصحيني بالعفو عنه ... لقد كنتي دائما
تغارين منه .... وتتهمينه بانه ياخذني منك دائما قالت الرميكية : ــ ربما لاني
لم ارك ترتجف من قبل يا مولاي . . . .
كان ابن عباد عاجزا عن التفكير ذات لحظة اعتقد انه ملك كل شيء ..... المرة
الاولى حين تبعه ابن عمار . . . والمرة الثانية حين قال بيتا من الشعر عجز
الشعراء عن اتمامه حتى جاءت اعتماد الرميكية واكملت البيت وسلبت ليه وخيل اليه
انه قد ملك الحب والصداقة والعرش ..... غير اسمه الى المعتمد من اجلها ....
وغير كل طموحاته الشخصية من اجل ابن عمار
والان ماذا يفعل ? اعيان اشبيلية وعلى راسهم الوزير الشاعر ابن زيدون يلحون في
قتله ذي النون ارسل له رسالة ساخرة يقول له فيها ان كنت عاجزا عن قتله ابعث لك
خادما يقتله حتى الافرنج يهددون ....... وعندما يخرج الى الاسواق يسمع همهمات
الناس اقتله ....... اقتله ........ ولكنه لم يعد يستطيع . . . . .
بدا ابن عمار يرسل قصيدة كل يوم ..... كل صباح يستيقظ على قصيدة جديدة ... لا
يدري كيف يحصل على الورق والاقلام داخل السجن ولا هذه الكلمات المؤثرة داخل
ظلمة السجن ..... لا يخاطب الملك...... ولا الصديق ..... انما يخاطب ذلك
الشاعر الحائر الموجود في داخل ابن عباد ... القصائد تحاصره .... والاخرون
يلحون عليه ......والسياف يسمع امر القتل ونقيضه في لحظة واحدة .... قصيدة في
الصباح وكوابيس في الليل
من الصعب ان يكون لك صديق صدوق في هذا الزمان الخائن كانت الرميكية تلح عليه
بان يراه مرة اخرى ولو يستطع مقاومتها فاخرجه من السجن وجاء به الى مجلسه
مقيدا نفس المجلس الذي تعود ان يدخله وزيرا ومستشارا الشيء المدهش انه بكى
تحطمت البقية اللعينة من كبريائه لم يكن لديه رد حاضر ولا اجابة ذكية .....
ونظر الى وجه الرميكية فوجدها ايضا وقد اغرورقت عيناها بالدموع ولم يتمالك ان
قال له عدة كلمات ..... كلمات قصيرة لكنها ودودة ..... لعلها كلمات الود
الوحيدة التي سمعها ابن عمار منذ بداية محنته وامر برده الى حبسه في الصباح
وعندما التفت الى الرميكية ادرك كلاهما ان ابن عمار قد افلت بحياته
في اليوم التالي تاخر ابن زيدون في المجيء الى القصر .. لم يات الا بعد ان
ارسل اليه المعتمد وساله عن سبب تاخيره فانحنى قائلا حسبتك قد استغنيت عن
خدماتي يا مولاي
قال ابن عباد في دهشة : ــ ماذا تعني ...؟؟؟؟
قال ابن زيدون : ــ المدينة كلها تتحدث انك سوف تفرج عن ابن عمار وتعيد اليه
كل مناصبه
ــ من الذي قال هذا من الذي اشاع الامر ؟؟؟؟؟
ــ كتب بذلك ابن عمار الى احد اعوانه .....
واخرج ابن زيدون رسالة من جيبه نفس الخط ونفس ورق القصائد كانت الرسالة تروي
تفاصيل ما حدث في المجلس ليلة امس .... ويامر تابعه بان يجهز قصره وجواده
وملابس الوزارة كان يروي له كيف سعت الميكية برجوعه لترد بذلك دينا قديما ....
حين وضعها في طريق ابن عباد .... وحين زودها ببيت الشعر الذي تكمل به بيته
يالله ......خدعة اخيرة ..... الا تنتهي هذه الخدع ابدا يا ابن عمار ؟؟؟؟؟؟؟؟
حتى الحب الوهم الذي عاشه ..... نزواتها الصغيرة التي اسرت قلبه كانت خططا
مدبرة ..... عندما اشتاقت ان تمشي بالطين كالفلاحات .... عجن لها المسك بماء
الزعفران وتركها تسير فيه ..... حين اشتاقت لتساقط الثلوج ..... زرع لها اشجار
اللوز على الجبال المواجهة للمدينة وبدت الازهار البيضاء وهي تتساقط اشبه بندف
الثلج
اقتراح اخر من ابن عمار .... يا الله .... أي شيء اخر لم يكن خدعة .
كان يلهث وهو يهبط درج السجن الحجري وفي يده مطرقة ذهبية وقف امامه للمرة
الاخيرة ...... ما اكثر اكاذيبك يا ابن عمار .... حتى الشعر ....... لم تبق
شيئا ....... اهوى على راسه ......وحاول ابن عمار ان يتحرك ..... ان يقبل
قدميه.... اهوى على راسه ...... تفجر الدم اهوى .....ضربة للخداع ..... وضربه
للخيانة ..... وضربة لفقدان الثقة في كل شيء وصرخ ابن عباد :
ــ اقذفوه خارجا ........ كان الجسم ساكنا والملامح مشوهة مكسوة بالدم وكانت
المراة العجوز في انتظاره تحمل الثوب الذي غزلته بيديها ضمت جسده ومسحت الدم
الغزير ولفته في الثوب وعانت حتى حملته على حمارها الهزيل وسارت بعيدا
.......... عن اشبيلية
[/color][/size]

SILIVIO
17/02/2005, 22:58
الله يلعن السياسة شو بتعمل باعز الرفقة
:cry: :cry: :cry: :cry: :cry:
والله شي بيبكي يا شباب :cry: :cry: :cry: