-
دخول

عرض كامل الموضوع : حرية المعتقد


RAMI 1up
17/03/2006, 12:08
حرية المعتقد

يناقش هذا المقال القيمة التي توفرها الحرية الدينية للديمقراطية السليمة. يصف الكاتب المؤسسات الدينية كمصدر بديل للأفكار، وللنقد الاجتماعي، وكساحة تدريب على المواطنية الديمقراطية، ويقدم حججه القائلة بوجوب قيام الحكومات الديمقراطية بتشجيع احترام التعددية الدينية. تيد ج. جيلن أستاذ للعلوم السياسية في جامعة "ديباو" في غرينكاسل، بولاية إنديانا، وفي جامعة نيفادا في لاس فيغاس.

بقلم تيد ج. جيلن

لاحترام حرية المعتقد، التي تشمل في أكثر الأحيان الحرية الدينية، العديد من الآثار المفيدة على الحكم الديمقراطي. وتكون نتائج الحرية الدينية بوجه عام إيجابية: 1) يوفر الدين مصادر بديلة للأفكار، ونقداً اجتماعياً، ومجالات مبتكرة للحكومات الديمقراطية؛ 2) توفر المؤسسات الدينية تجارب ومهارات يمكن تطبيقها في المواطنية الديمقراطية؛ 3) يمكن لاحترام امتيازات الأقليات الدينية تعزيز شرعية أنظمة الحكم الديمقراطية داخلياً ودولياً.

الدين والدولة

في النظام الديمقراطي السليم، على كل من الدولة والمؤسسات الدينية الحفاظ على استقلاليته من الطرف الآخر مع احترامه. وهذا لا يعني أنه لا يجوز أن يكون هناك اتصال بين عالم السياسة العلماني وبين الحيز المقدس الذي يحدده الدين، لأن هناك الكثير من التداخلات بين الاثنين. غير أنه يبدو أن بعض الاستقلالية الوظائفية ما بين الكنيسة والدولة تنطوي على فوائد مهمة للدولة.

لقد أشار مراقبون سياسيون مختلفون جداً، مثل الكاتب ورجل الدولة الفرنسي، ألكسي دو توكفيل (1805-1859)، والعالمة السياسية الألمانية إليزابيت نويل - نويمان (1916)، إلى النزعة إلى المطاوعة والاتساق لدى الثقافات الديمقراطية السياسية. أي أنه يوجد في المجتمعات التي تؤمن بالمساواة إلى حد بعيد (بالمعنيين الاجتماعي والقانوني) ضغط اجتماعي هائل للامتثال للآراء السائدة في المجتمع ومطاوعتها. وقد أطلقت نويل - نويمان على هذه الظاهرة وصف "لولب الصمت"، مما يشبه إلى حد بعيد مفهوم "توكفيل" الكلاسيكي حول "استبداد الأكثرية". ذلك أنه يمكن في الكثير من الأحيان أن يكون لوجهات النظر السائدة تأثير لا يقاوم على الرأي العام وعلى السياسة العامة.

ويُقدم الدين في أحيان كثيرة "صوتاً نبوئياً" إلى الخطاب العام. فبإمكان القيم الدينية إتاحة الفرصة أمام القيم الثابتة والسامية لولوج الحوار الديمقراطي وتمكين الأقليات من التعبير عن وجهات نظرها. وهذه وظيفة مهمة في الأنظمة التي يُشكّل فيها الرأي العام السلطة النهائية، حيث أن طرح وجهات النظر البديلة يُعزز عملية تداول الآراء السياسية. ويسمح كون المبادئ الدينية تنبثق من المعتقدات التي لا تقوم على أساس الضرورات الاجتماعية والسياسية الآنية، يسمح لتلك المعتقدات بأن تخدم كمصادر مستقلة لانتقاد الاتجاه السياسي السائد.

وكمثال على ذلك، وفرت الموالاة الواسعة النطاق للكنيسة الكاثوليكية للمواطنين البولنديين فلسفة أو نظام قيم بديلاً معقولاً خلال فترة السيطرة الشيوعية. ولم تكن الجهود الرامية لإرساء الاشتراكية السياسية التي قام بها النظام الشيوعي فعالة بشكل بارز، وقاومتها بنشاط كاثوليكية جازمة. صحيح أن وجود كاثوليكية تحظى بالشعبية أتاح للبولنديين التمييز بين الدولة البولندية (العلمانية والاشتراكية) وبين الأمة البولندية (الكاثوليكية والديمقراطية المحتملة). وبشكل مماثل، وخلال السنوات الأولى لرئاسة "رونالد ريغان" (1981-1989) في الولايات المتحدة، لم تعد سياسات مثل نزع السلاح النووي ومساعدة الفقراء تتمتع بشعبية لدى الرأي العام. فأصدر المجلس القومي للأساقفة الكاثوليك رسائل رعويّة تتعلق بلا أخلاقية الحرب النووية وتؤكد على الواجبات الإلزامية الأخلاقية التي تقضي بمساعدة الفقراء. وهكذا، وفرت الموارد الروحية والفكرية للكنيسة الأميركية ثقلاً موازناً للسياسة الاقتصادية والخارجية المحافظة.

ليس هناك، بالطبع، أي شيء جديد هام في هذه النظرة المتبصّرة. ففي كتاب الديمقراطية في أميركا، اعتبر "ألكسي دو توكفيل" الدين أحد أهم العوامل التي تخفف من استبداد الأكثرية في الولايات المتحدة. وبصفتها مصادر للقيم السامية التي تتضمن العديد من الواجبات الإلزامية الأخلاقية المرتبطة بالسياسة العامة، فإن التقاليد الدينية غير المرتبطة بالأنظمة الحاكمة، توفّر كبحاً هاماً لميول الامتثال وعدم الخروج عن الركب في الثقافات الديمقراطية.

حماية التعددية الدينية

على الحكومات الديمقراطية حماية وتشجيع التعددية الدينية. فالوجود العلني للتقاليد الدينية المتعددة يعزز إمكانية قيامها بدور ناقد اجتماعي وسياسي لثلاثة أسباب على الأقل.

إن أوضح قيمة للتعددية الدينية بالنسبة للخطاب السياسي الديمقراطي هي أنه يمكن أن ينجم عن الأصوات المتعددة وجهات نظر متعددة تجري مناقشتها علناً. مثلاً، في دولة البرازيل المعاصرة، كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (على الأخص على مستوى الأبرشيات المحلية) مصدراً للانتقاد الاجتماعي للموارد الهيكلية للاقتصاد ولعدم المساواة السياسية (تقليد "اللاهوت التحريري"، أو المناصر للمحرومين)، في حين كانت حركة بروتستانتية إنجيلية متنامية تعمل على إعادة تركيز الانتباه على الأخلاق على المستوى الفردي، وعلى مستوى الحياة العائلية.

ثانياً، للتعددية الدينية أثر إيجابي على الإيمان بالمعتقدات الدينية والمشاركة الدينية والانضمام إلى الطوائف الدينية. وقد أشار علماء الاجتماع المتخصصين بالدين إلى أن الطوائف المتعددة في البيئات الدينية المتنافسة تشعر بحوافز قوية لجعل تقاليدها الخاصة جذابة للأعضاء فيها ولمن يحتمل انضمامهم إليها. وفي مثل هذه الأوضاع، تكون نسبة المشاركة الدينية، بوجه عام، أعلى مما هي عليه في تلك البلدان التي يحتكر فيها دين واحد الوضع. واحد. مثلاً، المشاركة الدينية عامة أعلى في الولايات المتحدة حيث توجد تعددية دينية مما هي عليه في الدول السكاندينافية حيث توجد كنائس معترف بها رسميا. وعلى نفس المنوال، في بولندا ما بعد العهد الشيوعي، تراجع مستوى الذهاب إلى الكنائس والأشكال الأخرى من المشاركة الدينية في بولندا ذات الأكثرية الكاثوليكية.

لماذا يعتبر هذا الأمر ذي شأن؟ إن ما صدر من أبحاث حول الموضوع يشير إلى أن المشاركة في المنظمات الدينية تُشكّل مصدراً هاماً للرصيد الاجتماعي، أو المهارات المعرفية والاجتماعية الضرورية للانخراط في السياسة الديمقراطية. فالناس يتعلمون في الكنائس العمل معاً لتحقيق أهداف مشتركة، وللتوسط في الخلافات الشخصية بطرق بناءة، وللاختيار بين أهداف اجتماعية متنافسة. وجميع هذه المهارات هامة لتطوير المواطنية الديمقراطية. والحقيقة هي أن بعض هذه الدراسات أشار إلى أن العلاقات الاجتماعية في المؤسسات الدينية هي المصدر الموثوق الوحيد لتوفير الرصيد الاجتماعي للمواطنين المحرومين من طرق أخرى في الولايات المتحدة. وهكذا، فإن الدين، مثله مثل المؤسسات الأخرى في المجتمع المدني، يُشكّل مصدراً هاماً للتدريب على المواطنية. وسيستفيد مزيد من الناس على الأرجح من فرص التعليم التي تقدمها المؤسسات الدينية في الأماكن التي توجد فيها تعددية دينية.

وأخيراً، بإمكان التعددية الدينية أن تقلص احتمالات حصول نزاعات سياسية خطيرة بسبب الدين. ففي المجتمعات التي يكون فيها دين واحد سائداً، يمكن أن ينعت المواطنون نظراءهم من أتباع الديانات الأخرى بصفات شيطانية شريرة، فيزيدون بذلك من إمكانية حصول نزاعات شديدة وعنيفة. وعلى العكس من ذلك، ففي البيئة الأكثر تعددية، لا يستطيع أي دين واحد اجتذاب الأكثرية، الأمر الذي يرغم المواطنين المتدينين المنخرطين في السياسة على تقديم التنازلات والترضيات للتمكن من تحقيق أهداف سياسية جزئية.

في الولايات المتحدة، مثلاً، انتقدت بعض المجموعات ذات الانتماء الديني السياسات الحكومية بشأن تشكيلة من القضايا الأخلاقية والأساليب الحياتية. غير أن فعاليتها كانت محدودة، وكان سبب ذلك، من جملة أمور أخرى، الاختلافات اللاهوتية في معتقداتها الدينية نفسها. وهكذا، حالت الخلافات الداخلية حول مسائل مثل مسألة التحديث ونظرية النشوء والارتقاء والخبرة الدينية والتفسيرات المذهبية، إلى حد كبير دون تشكيل تحالفات سياسية متراصة ومتناغمة كليا. وباختصار، إن التنوع العقائدي المذهبي ضمن الديانة التي تمارسها أكثرية الأميركيين (المسيحية)، وكذلك التقليد القائم في احترام الأديان الأخرى، بما فيها اليهودية والإسلام، يجعل من غير المرجح أن تتمكن أي مجموعة دينية بمفردها من الهيمنة على الخطاب السياسي في الولايات المتحدة.

RAMI 1up
17/03/2006, 12:16
حقوق الأقليات الدينية

كثيراً ما تؤكد التعاليم الدينية علماً بالحقائق المطلقة، مثل طبيعة العالم الواقعي، والغايات من الوجود البشري، والتفسيرات المتعلقة بوجود الشر في العالم. ومثل هذه التأكيدات لا تكون قابلة عادة للإثبات أو الدحض، وبالتالي، فإنها لا تكون موضوع مفاوضات أو مساومة مباشرة. وينجم عن هذا أن الأشخاص أو المؤسسات الموجودين في مواقع السلطة (مثلاً، الأغلبيات الشعبية في الديمقراطيات) كثيراً ما يشعرون بإغراء قمع الآراء البديلة للحقيقة الدينية (التي يؤمنون بها) أو إلى الحد كثيراً من امتيازات الأقليات الدينية. وهناك سببان على الأقل لوجوب مقاومة القادة السياسيين في الحكومات الديمقراطية هذا الإغراء، ووجوب احترام حقوق الأقليات الدينية إلى أكبر حد ممكن.

أولاً، إن السماح بممارسة الحرية الدينية لأعضاء الأقليات الدينية، التي قد تكون مُهمشة اجتماعياً أو لاهوتياً، يمكن من تفادي مشكلة مساواة المواطنية الكاملة بالعضوية في مذهب ديني معُيّن. وكمثال على ذلك، إذا ما كان بوسع الإنسان أن يكون أميركياً كامل المواطنية دون أن يكون مسيحياً، أو إسرائيلياً كامل المواطنية دون أن يكون يهودياً، فذلك يعني أن أتباع المذاهب الدينية الخارجة عن النمط الثقافي السائد، لن يواجهوا مشكلة انقسام الولاء. وفي حال عدم وجود صلة لازمة بين المواطنية القومية واتّباع معتقد ديني معين، يكون احتمال إطاعة أعضاء الأقليات الدينية للقوانين ومشاركتهم بشكل في الحياة السياسة للبلاد أكبر. بعبارة أخرى، يبدو أن منح الحرية الدينية للأقليات سيعزز على الأرجح شرعية الحكومة في نظر مثل هذه الأقليات.

وقضية الشرعية هامة بنوع خاص بالنسبة للأنظمة الديمقراطية، حيث أن الديمقراطية نظام إقناعي يتطلب قبول المحكومين ومساهمتهم النشطة، أي أن الأنظمة الديمقراطية تحقق شرعيتها عن طريق إقناع المواطنين بحقها في الحكم وقدرتها على ذلك. وتتطلب الأنظمة الديمقراطية أيضاً مشاركة نشطة من مواطنيها بدلاً من الإذعان السلبي، ويمكن المجادلة بأن تحقيق هذه المشاركة يصبح أصعب عندما يحرم بعض أعضاء المجتمع من القدرة على ممارسة بعض الجوانب الأساسية لهويتهم.

السبب الثاني لوجوب احترام حقوق الأقليات الدينية هو الناحية الدولية. فمرونة الحكومات القومية في الدخول في علاقات مُعقدة مع الدول الأخرى كثيراً ما تحد منها انطباعات موجودة بأن حكومات تلك الدول تمارس التمييز الديني. وإن نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فإن الحكومة التي تمارس التمييز ضد أقليات دينية معينة كثيراً ما تكون في موقف غير مؤات في تعاطيها مع الدول الأخرى التي تكون فيها العقائد الدينية الهامشية ذات أهمية أكبر سياسياً.

مثلاً، في مطلع السبعينات من القرن الماضي، كانت قدرة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على السعي لتحقيق انفراج مع الاتحاد السوفياتي محدودة أحياناً بسبب إحساس العديد من الأميركيين (بمن فيهم أعضاء في الكونغرس) بأن الاتحاد السوفياتي يمارس التمييز ضد اليهود. وقد سعى "تعديل جاكسون" القانوني (الذي تقدم به السناتور هنري جاكسون) إلى الحد من التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وإلى جعل المبادلات التجارية مرهونة بتحسّن احترام السوفيات لحقوق الإنسان. ومن الواضح أن الطريق إلى الانفراج كان سيكون أسلس بكثير لو لم يُنظر إلى الاتحاد السوفياتي على نطاق واسع على أنه معادٍ للسامية. وفي فترة أحدث، جعلت المزاعم بخصوص فرض قيود على المبشرين المسيحيين من الأصعب على الرئيس جورج دبليو. بوش العمل ضمن علاقات تعاونية مع دول مثل الأردن، ومصر، والصين، وكوريا الشمالية. فالمسيحيون الإنجيليون يشكلون جزءاًً هاماً في التحالف الجمهوري المؤيد للرئيس في الساحة السياسية الأميركية، ومن الصعب سياسياً بالنسبة لأي رئيس أن ينتهج سياسات دبلوماسية معاكسة لما تفضله مجموعة أساسية من الناخبين.

وعلى نفس النحو، لاحظتُ خلال رحلة قمت بها أخيراًً إلى باكستان، أن مصداقيتي كممثل للولايات المتحدة كانت موضع شك وشبهات بسبب الاعتقاد الواسع بأن الحكومة الأميركية والشعب الأميركي "معاديان للإسلام"، بشكل ما، في فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وقد وجدت العديد من المستمعين من بين طلاب الجامعات غير راغبين في الإصغاء إلى دفاعي عن مبدأ الحرية الدينية إلى أن أعالج وأناقش إلى الحد الذي يرضيهم مسألة كون المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ليسوا ضحايا التمييز القانوني على يد الحكومة. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، ربما تكون محاولة فرنسا تجنّب الانقسام الديني عن طريق منع الفتيات المسلمات من وضع الحجاب وكذلك الفتيان اليهود من ارتداء القلنسوة في المدارس الرسمية، قد سببت تراجعاً في الاحترام القومي الذي كانت فرنسا تحظى به في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. وقد تكون بعض الأفلام التي اعتبرت معادية للإسلام تسببت في العنف السياسي المدفوع بدافع ديني في هولندا.

وفي جميع هذه الحالات، كان الانطباع القائم بوجود تمييز على الأقل بنفس أهمية الواقع. والدبلوماسية الناجحة تكون، إلى حد كبير، مرهونة بالنوايا الحسنة بين الدول ذات السيادة. والاعتقاد من جانب مواطني بعض الدول بأن أشقاءهم في الدين مواطنون من الدرجة الثانية في دول أخرى يمكنه أن يجعل تحقيق مثل هذه النوايا الحسنة مشكلة يصعب حلّها.

خاتمة

إن بيئة نابضة بالحياة فيها أديان منوعة ومتعددة، تساهم في المجتمع الديمقراطي السليم. وفي حين أنه ينبغي ألا يبالغ المرء في أهمية الدين في السياسة الديمقراطية، يمكن للدين أن يكون بمثابة مصدر لانتقاد السياسات والتثقيف حول المواطنية وإرساء الشرعية السياسية.

------------
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسة الحكومة الأميركية.