mhmary
28/01/2005, 08:01
وحشة
لمن أشكو حزني؟.........
غسق المساء. ندف الثلج الكبيرة الرطبة تدور بكسل حول مصابيح الشارع التي أضيئت لتوها وتترسب طبقة رقيقة لينة على
أسطح المنازل وظهور الخيل, وعلى الأكتاف والقبعات. والحوذي (أيونا بوتابوف) أبيض تماماً كالشبح. انحنى متقوسا
بقدر ما يستطيع الجسد الحى أنا يتقوس وهو جالس على المقعد بلا حراك. ويبدو أنه لو سقط عليه كوم كامل من الثلج فربما
ما وجد ضرورة لنفضه....... وفرسه أيضاً بيضاء تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم تناسق بدنها وقوائمها
المستقيمة كالعصي حتى عن قرب أسبه بحصان الحلوى الرخيص. وهى على الأرجح مستغرقة في التفكير. فمن أنتزع من
المحراث من المشاهد الريفية المألوفة وألقى بها هنا في هذه الدوامة المليئة بالأضواء الخرافية و الصخب المتواصل والناس
الراكضين لا يمكن ألا أن يفكر.....
لم يتحرك أيونا وفرسه من مكانهما منذ وقت طويل. كانا قد خرجا من الدار قبل الغداء ولكنهما لم يستفتحا حتى الأن. وها هو ظلام المساء يهبط على المدينة. ويتراجع شحوب اضواء المصابيح مفسحا مكانه للالوان الحية , وتعلو ضوضاء الشارع.
ويسمع أيونا: - يا حوذي! الى فيبورجسكا ! يا حوذي!
يتنفض أيونا ويرى من خلال رموشه المكللة بالثلج رجلا عسكريا في معطفه بقلنسوة.
ويردد العسكري:
-الى فيبورجسكايا, ماذا هل أنت نائم؟ الى فيبورجسكايا! ويشد ايوا اللجام علامة الموافقة فتتساقط أثر ذلك طبقات الثلج من على ظهر الفرس ومن على كتفيه.....ويجلس العسكري في الزحافة. ويطقطق الحوذي بشفتيه ويمد عنقه كالبجعة وينهض قليلا ويلوح بالسوط بحكم العادة اكثر مما هو بدافع الحاجة وتمد الفرس ايضاً عنقها, وتعوج سيقانها وتتحرك من مكانها بتردد.....
وما أن يمضي ايونا بالزحافة حتى يسمع صيحات من الحشد المظلم المتحرك جيئة وذهاباً: -الى أين تندفع أيها الأحمق! أي شيطان القى بك؟ ألزم يمينك! ويقول العسكري بأنزعاج: -أنت لاتعرف كيف تسوق! ألزم يمينك!
ويسب حوذي عربة حنطور ويحدق بغصب أحد المارة وكان يعبر الطريق فاصطدمت كتفه بعنق الفرس وينفض الثلج عن كمه ويتملل ايونا فوق المقعد وكأنه جالس على جمر ويضرب بمرفقيه في كلا الجانبين ويدور بنظراته كالممسوس وكأنما
لا يفهم أين هو ولماذا هو هنا.
ويسخر العسكري:-يا لهم جميعا من أوغاد! كلهم يسعونالى الأصطدام بك أو الوقوع تحت أرجل الفرس. أنهم متأمرون
ضدك. يتطلع ايونا الى الراكب ويحرك شفتيه....يبدو أنه يريد أن يقول شيئا ما ولك لا يخرج من حلقه سو الفحيح.
فيسأله العسكري: ماذا؟
يلوي ايونا فمه بابتسامة ويوتر حنجرته ويفح:
-أنا يا سيدي......هذا الأسبوع يعني.....أبني مات
-أم!.... مات أذن؟
يستدير ايونا بجسده كله نحو الراكب ويقول:
-ومن يدري؟ الظاهر من الحمى.......رقد في المستشفى ثلاثة أيام ومات....مشيئة الله.
ويتردد في الظلام:
-حاسب يا ملعون ! هل عميت أيها الكلب العجوز؟ افتح عينيك!
ويقول الراكب: هيا ,هيا سر...... بهذه الطريقة لن نصل ولا غدا. عجل! ويمد الحوذي عنقه من جديد. وينهض قليلا
ويلوح بالسوط بحركة رشيقة متثاقلة. ويلتفت الى الراكب عدة مرات ولكن الأخير كان قد اغمض عينيه ويبدو غير راغب في الانصات. وبعد ان ينزله في فيبورجسكايا يتوقف عند أحدى الحانات وينحني متقوسا وهو جالس على مقعد الحوذي, ويجمد بلا حراك مرة أخرى...... ومن جديد يصبغه الثلج الرطب هو وفرسه باللون الابيض وتمر ساعة وأخرى....
على الرصيف يسير ثلاثة شبان وهم يرقعون بأحذيتهم في صخب ويتبادلون السباب أثنان منهم طويلان نحفيان والثالث قصير أحدب
ويصيح الأحدب بصوت مرتعش:
-يا حوذي الى جسر الشرطة! ثلاثة ركاب....بعشرين كوبيكا!
يشد ايونا اللجام ويطقطق بشفتيه ليست العشرون كوبيكا بسعر مناسب ولكنه في شغل عن السعر.... فسواء لديه روبل ام خمسة كوبيات...المهم أن يكون هناك ركاب...يقترب الشبان من الزحافة وهم يتدافعون بألفاظ نابية ويرتمي ثلاثتهم على
المقعد دفعة واحدة. وتبدأ مناقشة حادة من الأثنان اللذان سيجلسان ومن الثالث الذي سيقف؟ وبعد سباب طويل ونزق وعتاب يصلون الى حل: الأحدب هو الذي ينبغي أن يقف باعتباره الأصغر.
يتبع...........
لمن أشكو حزني؟.........
غسق المساء. ندف الثلج الكبيرة الرطبة تدور بكسل حول مصابيح الشارع التي أضيئت لتوها وتترسب طبقة رقيقة لينة على
أسطح المنازل وظهور الخيل, وعلى الأكتاف والقبعات. والحوذي (أيونا بوتابوف) أبيض تماماً كالشبح. انحنى متقوسا
بقدر ما يستطيع الجسد الحى أنا يتقوس وهو جالس على المقعد بلا حراك. ويبدو أنه لو سقط عليه كوم كامل من الثلج فربما
ما وجد ضرورة لنفضه....... وفرسه أيضاً بيضاء تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم تناسق بدنها وقوائمها
المستقيمة كالعصي حتى عن قرب أسبه بحصان الحلوى الرخيص. وهى على الأرجح مستغرقة في التفكير. فمن أنتزع من
المحراث من المشاهد الريفية المألوفة وألقى بها هنا في هذه الدوامة المليئة بالأضواء الخرافية و الصخب المتواصل والناس
الراكضين لا يمكن ألا أن يفكر.....
لم يتحرك أيونا وفرسه من مكانهما منذ وقت طويل. كانا قد خرجا من الدار قبل الغداء ولكنهما لم يستفتحا حتى الأن. وها هو ظلام المساء يهبط على المدينة. ويتراجع شحوب اضواء المصابيح مفسحا مكانه للالوان الحية , وتعلو ضوضاء الشارع.
ويسمع أيونا: - يا حوذي! الى فيبورجسكا ! يا حوذي!
يتنفض أيونا ويرى من خلال رموشه المكللة بالثلج رجلا عسكريا في معطفه بقلنسوة.
ويردد العسكري:
-الى فيبورجسكايا, ماذا هل أنت نائم؟ الى فيبورجسكايا! ويشد ايوا اللجام علامة الموافقة فتتساقط أثر ذلك طبقات الثلج من على ظهر الفرس ومن على كتفيه.....ويجلس العسكري في الزحافة. ويطقطق الحوذي بشفتيه ويمد عنقه كالبجعة وينهض قليلا ويلوح بالسوط بحكم العادة اكثر مما هو بدافع الحاجة وتمد الفرس ايضاً عنقها, وتعوج سيقانها وتتحرك من مكانها بتردد.....
وما أن يمضي ايونا بالزحافة حتى يسمع صيحات من الحشد المظلم المتحرك جيئة وذهاباً: -الى أين تندفع أيها الأحمق! أي شيطان القى بك؟ ألزم يمينك! ويقول العسكري بأنزعاج: -أنت لاتعرف كيف تسوق! ألزم يمينك!
ويسب حوذي عربة حنطور ويحدق بغصب أحد المارة وكان يعبر الطريق فاصطدمت كتفه بعنق الفرس وينفض الثلج عن كمه ويتملل ايونا فوق المقعد وكأنه جالس على جمر ويضرب بمرفقيه في كلا الجانبين ويدور بنظراته كالممسوس وكأنما
لا يفهم أين هو ولماذا هو هنا.
ويسخر العسكري:-يا لهم جميعا من أوغاد! كلهم يسعونالى الأصطدام بك أو الوقوع تحت أرجل الفرس. أنهم متأمرون
ضدك. يتطلع ايونا الى الراكب ويحرك شفتيه....يبدو أنه يريد أن يقول شيئا ما ولك لا يخرج من حلقه سو الفحيح.
فيسأله العسكري: ماذا؟
يلوي ايونا فمه بابتسامة ويوتر حنجرته ويفح:
-أنا يا سيدي......هذا الأسبوع يعني.....أبني مات
-أم!.... مات أذن؟
يستدير ايونا بجسده كله نحو الراكب ويقول:
-ومن يدري؟ الظاهر من الحمى.......رقد في المستشفى ثلاثة أيام ومات....مشيئة الله.
ويتردد في الظلام:
-حاسب يا ملعون ! هل عميت أيها الكلب العجوز؟ افتح عينيك!
ويقول الراكب: هيا ,هيا سر...... بهذه الطريقة لن نصل ولا غدا. عجل! ويمد الحوذي عنقه من جديد. وينهض قليلا
ويلوح بالسوط بحركة رشيقة متثاقلة. ويلتفت الى الراكب عدة مرات ولكن الأخير كان قد اغمض عينيه ويبدو غير راغب في الانصات. وبعد ان ينزله في فيبورجسكايا يتوقف عند أحدى الحانات وينحني متقوسا وهو جالس على مقعد الحوذي, ويجمد بلا حراك مرة أخرى...... ومن جديد يصبغه الثلج الرطب هو وفرسه باللون الابيض وتمر ساعة وأخرى....
على الرصيف يسير ثلاثة شبان وهم يرقعون بأحذيتهم في صخب ويتبادلون السباب أثنان منهم طويلان نحفيان والثالث قصير أحدب
ويصيح الأحدب بصوت مرتعش:
-يا حوذي الى جسر الشرطة! ثلاثة ركاب....بعشرين كوبيكا!
يشد ايونا اللجام ويطقطق بشفتيه ليست العشرون كوبيكا بسعر مناسب ولكنه في شغل عن السعر.... فسواء لديه روبل ام خمسة كوبيات...المهم أن يكون هناك ركاب...يقترب الشبان من الزحافة وهم يتدافعون بألفاظ نابية ويرتمي ثلاثتهم على
المقعد دفعة واحدة. وتبدأ مناقشة حادة من الأثنان اللذان سيجلسان ومن الثالث الذي سيقف؟ وبعد سباب طويل ونزق وعتاب يصلون الى حل: الأحدب هو الذي ينبغي أن يقف باعتباره الأصغر.
يتبع...........