-
دخول

عرض كامل الموضوع : وحشة(قصة مؤثرة جداً)(أنطون تشيخوف)


mhmary
28/01/2005, 08:01
وحشة
لمن أشكو حزني؟.........
غسق المساء. ندف الثلج الكبيرة الرطبة تدور بكسل حول مصابيح الشارع التي أضيئت لتوها وتترسب طبقة رقيقة لينة على
أسطح المنازل وظهور الخيل, وعلى الأكتاف والقبعات. والحوذي (أيونا بوتابوف) أبيض تماماً كالشبح. انحنى متقوسا

بقدر ما يستطيع الجسد الحى أنا يتقوس وهو جالس على المقعد بلا حراك. ويبدو أنه لو سقط عليه كوم كامل من الثلج فربما
ما وجد ضرورة لنفضه....... وفرسه أيضاً بيضاء تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم تناسق بدنها وقوائمها

المستقيمة كالعصي حتى عن قرب أسبه بحصان الحلوى الرخيص. وهى على الأرجح مستغرقة في التفكير. فمن أنتزع من
المحراث من المشاهد الريفية المألوفة وألقى بها هنا في هذه الدوامة المليئة بالأضواء الخرافية و الصخب المتواصل والناس
الراكضين لا يمكن ألا أن يفكر.....

لم يتحرك أيونا وفرسه من مكانهما منذ وقت طويل. كانا قد خرجا من الدار قبل الغداء ولكنهما لم يستفتحا حتى الأن. وها هو ظلام المساء يهبط على المدينة. ويتراجع شحوب اضواء المصابيح مفسحا مكانه للالوان الحية , وتعلو ضوضاء الشارع.

ويسمع أيونا: - يا حوذي! الى فيبورجسكا ! يا حوذي!
يتنفض أيونا ويرى من خلال رموشه المكللة بالثلج رجلا عسكريا في معطفه بقلنسوة.
ويردد العسكري:
-الى فيبورجسكايا, ماذا هل أنت نائم؟ الى فيبورجسكايا! ويشد ايوا اللجام علامة الموافقة فتتساقط أثر ذلك طبقات الثلج من على ظهر الفرس ومن على كتفيه.....ويجلس العسكري في الزحافة. ويطقطق الحوذي بشفتيه ويمد عنقه كالبجعة وينهض قليلا ويلوح بالسوط بحكم العادة اكثر مما هو بدافع الحاجة وتمد الفرس ايضاً عنقها, وتعوج سيقانها وتتحرك من مكانها بتردد.....
وما أن يمضي ايونا بالزحافة حتى يسمع صيحات من الحشد المظلم المتحرك جيئة وذهاباً: -الى أين تندفع أيها الأحمق! أي شيطان القى بك؟ ألزم يمينك! ويقول العسكري بأنزعاج: -أنت لاتعرف كيف تسوق! ألزم يمينك!

ويسب حوذي عربة حنطور ويحدق بغصب أحد المارة وكان يعبر الطريق فاصطدمت كتفه بعنق الفرس وينفض الثلج عن كمه ويتملل ايونا فوق المقعد وكأنه جالس على جمر ويضرب بمرفقيه في كلا الجانبين ويدور بنظراته كالممسوس وكأنما
لا يفهم أين هو ولماذا هو هنا.
ويسخر العسكري:-يا لهم جميعا من أوغاد! كلهم يسعونالى الأصطدام بك أو الوقوع تحت أرجل الفرس. أنهم متأمرون
ضدك. يتطلع ايونا الى الراكب ويحرك شفتيه....يبدو أنه يريد أن يقول شيئا ما ولك لا يخرج من حلقه سو الفحيح.
فيسأله العسكري: ماذا؟
يلوي ايونا فمه بابتسامة ويوتر حنجرته ويفح:
-أنا يا سيدي......هذا الأسبوع يعني.....أبني مات
-أم!.... مات أذن؟
يستدير ايونا بجسده كله نحو الراكب ويقول:
-ومن يدري؟ الظاهر من الحمى.......رقد في المستشفى ثلاثة أيام ومات....مشيئة الله.
ويتردد في الظلام:
-حاسب يا ملعون ! هل عميت أيها الكلب العجوز؟ افتح عينيك!
ويقول الراكب: هيا ,هيا سر...... بهذه الطريقة لن نصل ولا غدا. عجل! ويمد الحوذي عنقه من جديد. وينهض قليلا
ويلوح بالسوط بحركة رشيقة متثاقلة. ويلتفت الى الراكب عدة مرات ولكن الأخير كان قد اغمض عينيه ويبدو غير راغب في الانصات. وبعد ان ينزله في فيبورجسكايا يتوقف عند أحدى الحانات وينحني متقوسا وهو جالس على مقعد الحوذي, ويجمد بلا حراك مرة أخرى...... ومن جديد يصبغه الثلج الرطب هو وفرسه باللون الابيض وتمر ساعة وأخرى....
على الرصيف يسير ثلاثة شبان وهم يرقعون بأحذيتهم في صخب ويتبادلون السباب أثنان منهم طويلان نحفيان والثالث قصير أحدب

ويصيح الأحدب بصوت مرتعش:
-يا حوذي الى جسر الشرطة! ثلاثة ركاب....بعشرين كوبيكا!
يشد ايونا اللجام ويطقطق بشفتيه ليست العشرون كوبيكا بسعر مناسب ولكنه في شغل عن السعر.... فسواء لديه روبل ام خمسة كوبيات...المهم أن يكون هناك ركاب...يقترب الشبان من الزحافة وهم يتدافعون بألفاظ نابية ويرتمي ثلاثتهم على

المقعد دفعة واحدة. وتبدأ مناقشة حادة من الأثنان اللذان سيجلسان ومن الثالث الذي سيقف؟ وبعد سباب طويل ونزق وعتاب يصلون الى حل: الأحدب هو الذي ينبغي أن يقف باعتباره الأصغر.

يتبع...........

عاشق من فلسطين
28/01/2005, 15:04
والله العظيم رائعة وبتبكي ... مشكور أخي العزيز وبتمنى أنو ما تحرمنا من هيك شغلات .. :D :D :D

mhmary
03/02/2005, 07:16
فيقول الأحدب بصوته المرتعش وهو يثبت اقدامه ويتنفس في قفا ايونا:هيا عجل! أضربها بالسوط! يا لها من قبعة لديك يا أخي! لن تجد في بطرسبرج كلها أسوأ منها.....
فيقهقه ايونا:هذا هو الموجود....
-أسمع أنت أيها الموجود عجل هل تسير هكذا طول الطريق؟ الاتريد صفعة على قفاك؟...
ويقول أحد الطويلين: رأسي يكاد ينفجر شربت بالأمس أنا وفاسكا عند أل دوكماسوف أربع زجاجات كونياك نحن الأثنين
ويقول الطويل الأخر بغضب: لا أدري ما الداعي للكذب ! يكذب كالحيوان
- علي اللعنة ان لم يكن حقيقة.....
-أنها حقيقة مثلما هي حقيقة ان القملة تعسل.
فيضحك ايونا: هىء هىء هىء سادة ظرفاء
فلتخطفك الشياطين! هل ستعجل ايها الوباء العجوز ام لا!
هل هذا سير؟ ناولها بالسوط ! هيا ايها الشيطان! هيا! ناولها جيدا !
ويحس أيونا خلف ظهره بجسد الأحدب المتململ ورعشة صوته ويسمع السبابا الموجه أليه ويرى الناس فيبدأ الشعور بالوحدة ينزاح عن صدره شيئا فشيئا. ويظل الأحدب يسب حتى يغص بسباب منتقى فاحش وينفجر في السعال. ويشرع الطويلان في الحديث عمن تدعى ناديجدا بتروفنا. ويتطلع ايونا نحوهم وينتهز فرصة الصمت فيتطلع نحوهم ثانية ويدمم:

-اصلاً أنا....هذا الأسبوع يعني...أبني مات!
فيتنهد الأحدب وهو يمسح شفتيه بعد السعال:
-كلنا سنموت...هيا عجل عجل يا سادة أنا لا يمكن أن أمضي بهذه الطريقةمتى سيوصلنا؟
-حسنا فلتشجعه قليلا... في قفاه !
- هل سمعت ايها الوباء العجوز؟ سأكسر لك عنقك! التلطف مع جماعتكم معناه السير على الأقدام....هل تسمع ايها الثعبان الشرير؟ أم أنك تبصق على كلماتنا؟
ويسمع أيونا أكثر مما يحس بصوت الصفعة على قفاه.
فيضحك هىءهىءهىء سادة ظرفاء..... ربنا يعطيكم الصحة
ويسأل أحد الطويلين: يا حوذي هل أنت متزوج؟
-أنا هىءهىء.... سادة ظرفاء ! لم يعد لدي الأن ألا زوجة واحدة: الأرض الرطبة القبر يعني! ها هو ابني قد مات وانا أعيش..... حاجة غريبة الموت غلط في الباب..... بدلا من أن يأتيني ذهب الى أبني....
ويتلفت أيونا لكي يروي كيف مات أبنه ولكن الحدب يتنهد بارتياح ويلعن انهم أخيرا والحمد الله وصلو ويحصل أيونا على العشرين كوبيكا ويظل طويلا في أثر العابثين وهم يختفون في ظلام المدخل وها هو وحيد ثانية ومن جديد يشمله السكون.... والوحشة التي هدأت قليلا تعود تطبق على صدره باقوى مما كان وتدور عينا أيونا بقلق وعذاب على الجموع المهرولة على جانبي الشارع: ألن يجد في هذه الألاف واحد يصغي أليه ؟ ولكن الجموع تسرع دون أن تلاحظه أو تلاحظ وحشته وحشة هائلة لا حدود لها لو أن صدر ايونا انفجر وسالت منه الوحشة فربما اغرقت الدنيا كلها ومع ذلك لا أحد يراها.

لقد أستطاعت أن تختبىء في صدفة ضئيلة فلن ترى حتى في وضح النهار.......
يلمح ايونا بوابا يحمل قرطاسا فينوى أن يتحدث أليه ويساله: كم الساعة الأن يا ولدي؟
- التاسعة لماذا تقف هنا أمشي؟
يتحرك عدة أمتار ثم ينحني متقوسا ويستسلم للوحشة.... ويرى أنه لا فائدة بعد من مخاطبة الناس ولكن ما أن تمر بضع دقائق حتى يتعدل وينفض رأسه كأنما أحس بوخزة ألم حادة ويشد اللجام ... لم يعد قادرا على التحمل.

ويقول لنفسه ألى البيت الى البيت
وكأنما فهمت الفرس أفكاره فتبدأ في الركض بخبب وبعد حوالي ساعة ونصف يكون ايونا جالسا بجوار فرن كبير قذر وفوق الفرن وعلى الأرض وعلى الأرائك يتمدد ناس يشخرون والجو مكتوم خانق.... يتطلع أيونا الى النائمين ويحك جلده ويأسف لعودته المبكرة الى البيت
ويقول لنفسه: لم أكسب حتى حق الشعير ولهذا أشعر بالوحشة الرجل الذي يعرف عمله الذي هو نفسه شبعان وفرسه شبعى هو دائما مطمئن البال..
في أحدا الزوايا ينهض حوذي شاب ويزحر بصوت ناعس ويمد يديه الى الدلو.
فيسأله أيونا:
-أردت أن تشرب؟
-كما ترى
-طيب بالهنا والشفا... أما أنا يا اخي فقد مات أبني هل سمعت؟ هذا الأسبوع في المستشفى...... حكاية!
ويتطلع ايونا ليرى اي تأثير تركته كلماته ولكنه لا يرى شيئا فقط تغطى الخوذي الشاب حتى رأسه وغط في النوم ويتنهد العجوز ويحك جلده....فمثلما رغب الحوذي الشاب في الشرب يرغب هو في الحديث عما قريب يمر اسبوع منذ أنا مات ابنه
بينما لم يتمكن حتى الأن من الحديث عن ذلك مع أحد كما يجب.........
ضروري أن يتحدث بوضوح على مهل.... ينبغي أن يروى كيف مرض أبنه وكيف تعذب وماذا قال قبل وفاته وكيف مات
ينبغي أن يصف جنازته وذهابه الى المستشفى ليتسلم ثياب المرحوم وفي القرية بقيت ابنته أنيسيا....ينبغي أن يتحدث عنها ايضا.... وعوما فما أكثر ما يستطيع أن يروي الأن ولا بد أن يتأوه السامع ويتنهد ويرثى.... والأفضل أن يتحدث مع النساء فهؤلاء وأن حمقاوات يعولون من كلمتين.
ويقول ايونا لنفسه :فلأذهب لأتفقد الفرس.....أنا النوم فبعدين سأشبع نوماً
يرتدي الملابس ويذهب الى الأصطبل حيث تقف الفرس ويفكر في الشعير والدريس و الجو فعندما يكون وحده لا يستطيع ان يفكر في أبنه....يستطيع أن يتحدث عنه مع أحد ما أنا أن يفكر فيه ويرسم لنفسه صورته فشيء رهيب لا يطاق....
ويسأل أيونا فرسه عندما يرى عينيها البراقيتين
-تمضغين؟ حسنا أمضغي أمضغي ما دمنا لم نكسب حق الشعير فسنأكل الدريس...نعم أنا كبرت على السياقة كان المفروض أن يسوق أبني لا أنا كان حوذيا أصيلا لو انه فقط عاش......
ويصمت أيونا بعض الوقت ثم يواصل:
-هكذا يا أخي الفرس لم يعد كوزما أيونيتش موجودا... رحل عنا....فجاة خسارة فلنفرض مثلا أن عندك مهرا وأنت أم لهذا المهر...... ولنفرض أن هذا المهر رحل فجأة أليس مؤسفا؟
وتمضغ الفرس وتنصت وتزفر على يدي صاحبها
ويندمج أيونا فيحكي لها كل شيء....................

عاشق من فلسطين
03/02/2005, 13:24
:cry: :cry: :cry: ما بعرف شو بدي أحكي الله يقويك .. :D :D :D

mhmary
03/02/2005, 23:23
:cry: :cry: :cry: ما بعرف شو بدي أحكي الله يقويك .. :D :D :D :
:D :D :D :D :D

Kakabouda
04/02/2005, 04:41
لأ ما في حكي بالمرة ر ا ئ ع ة :D :D

gevara7
09/10/2007, 08:49
حلو كتير
شكرا
:D

dahr
09/10/2007, 19:47
والله انو هالقصة محزنة................................ شكرااااااااااا

Syrian__Angel
09/10/2007, 20:13
والله انو هالقصة محزنة............

كتيــــــــــــــــــــر :cry::cry:

لك ااااخ من هالعالم بس ! :cry:

سارة$$$
09/10/2007, 20:31
كتير رائعة مشكور:D