-
دخول

عرض كامل الموضوع : واقع الانسان


واحد_سوري
13/02/2006, 19:24
إن كل المجموعات البشرية ، بمختلف مذاهبها الفكرية و الاعتقادية ... تتميّز حسب انتماءاتها بعقليات و طرق تفكير و معتقدات خاصة بها ، و بالتالي ، إلى أنواع متفاوتة من الوعي ... فالوعي عند كل مجموعة بشرية ، تم قولبته ضمن صيغة معيّنة تعتمد على نظرتها الخاصة تجاه الحياة .
إن عملية قولبة الوعي تشبه تماماً وضع قطعة عجين في قالب . قطعة العجين تمثّل الوعي ، و القالب يمثّل العقلية و طريقة التفكير . فشكل القالب الذي نختاره هو الذي يحدد شكل العجينة . و هذا ينطبق على الوعي .
فالمنطق أو العقلية التي نختارها خلال خوض معترك الحياة هي التي تحدد طريقة إدراكنا التي تعمل بالتالي على تكوين نوعية قراراتنا ، و أفعالنا ، و خبراتنا ، و أنظمتنا الاجتماعية ، و عالمنا ، و مستقبلنا .
إن نوع المنطق ، أو النموذج الذي نتبعه على المستوى الشخصي أو الاجتماعي ، هو كما نوع البرنامج الذي نزوّد به الكمبيوتر . فالمجتمع بجميع عناصره ( العائلة ، المدرسة ، مكان العمل ، بيوت العبادة ، الحكومات ، العادات و التقاليد ، التراث ، .. ) يعتمد على منطق أو نموذج واحد في العيش ( التفكير و السلوك و رؤية الأمور ) ، كما البرنامج الذي زوّد به الكمبيوتر . إذا كان هذا البرنامج صحيحاً و ينجز وظيفته بشكل جيد ، سوف لن نرى عيوب و لا أعطال في أدائه . لكن إذا كان هذا البرنامج مليء بالفجوات و الأخطاء و العيوب في نظامه ، سوف لن يعمل بشكل سليم و سوف تتشابك معطياته المعلوماتية و تخرج بقرارات و نتائج خاطئة ، و قد يتوقّف الكمبيوتر عن العمل في يوم من الأيام .
معظمنا لازال مؤمناً بأن هذا النموذج المعيشي الذي يحكم المجتمعات هو النموذج الوحيد . المنطق الوحيد الذي لا بديل له . لا يوجد نموذج آخر . هذا هو العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه ... هكذا كان عندما جئنا إلى هذه الحياة .. و هكذا وجدنا الإنسانية .. و هكذا كانت .. و سوف يبقى الوضع كما هو ، لأنه خلق ليكون كما هو .. فبالتالي ، هذه هي الحالة الطبيعية للحياة ، و لا يوجد حالة أفضل أو أسوأ .. بديلة لها .
لكننا نتجاهل ( أو نجهل ) حقيقة ثابتة فرضت نفسها عبر التاريخ . هذه الحقيقة تقول :
" إن نوع المنطق الذي يحكم عقولنا هو الذي يحدد نوع العالم الذي نراه " .
فكل الشعوب التي عاشت على هذه الأرض ، في فترات متعاقبة ، و عصور مختلفة ، كانت ترى في زمانها أنها توصلت إلى الحقيقة ، و لا يوجد حقيقة أخرى غيرها ، و تسلّم بأنها الحقيقة المطلقة ، و تعيش و تتصرّف و تنظر إلى مظاهر الوجود على هذا الأساس .
فرجال العلم الذين عاشوا في العصور الغابرة ، نظروا إلى الوجود بالاعتماد على منطقهم العلمي السائد في أيامهم ، و ظنوا أنهم يشاهدون الحقيقة بموضوعية ، و رأوا أنها الحقيقة المطلقة .
و رجال العلم في بدايات عصر التنويري توصّلوا إلى مظهر جديد للوجود باعتمادهم على منطقهم الجديد و اكتشافاتهم الجديدة ، و ظنوا أنهم ينظرون إلى الحقيقة المجرّدة ، و هي الحقيقة المطلقة .
أما رجال العلم الحديث ، منذ بدايات القرن الماضي ، فقد توصلوا إلى حقيقة جديدة ، بعد أن بحثوا في مظاهر الوجود على المستوى الكمي ( الجزيئي ) ، و شاهدوا عالم أخر مختلف ، يتناقض تماماً مع نظرة العلم التقليدي .
فالواقع المحيط بنا لا يتغيّر ، إن المنطق الذي نعتمد عليه في النظر إلى الواقع هو الذي يتغيّر ... القالب هو الذي يتغيّر .. و بالتالي ، شكل العجينة . وعينا هو الذي يتغيّر ، و ليس الواقع المحيط و لا الحياة و مظاهرها المختلفة .
إذاً ، فالكلام عن " حياة ثابتة ، لا يمكن تغييرها ، لأننا وجدناها كما هي " ، هو كلام خاطئ لا أساس له . لأن هذا الواقع ليس أمر ثابت مسلّم به ، بل يوجد أمامنا خيارات .
إن عملية تغيير طريقة تفكيرنا هي التي تغير شكل الواقع ، و سوف يبدو لنا هذا الواقع حسب طريقة تفكيرنا و المنطق الذي يحكم عقولنا .
يقول " توماس كون " في كتابه : " تركيبة الثورات العلمية و بنيتها ، 1962م " :
" .. عندما يبدل العلماء منطقهم العلمي السائد بمنطق علمي جديد ، يجدون أنفسهم يعيشون في عالم جديد يختلف عن العالم الذي عايشوه في الفترات السابقة ... يختلف تماماً .. و يجدون أن القوانين العلمية القديمة لم تعد تستطيع العمل في هذا العالم الجديد !. و المدهش في الأمر هو أن الذي كان يعتبر مستحيلاً ، يصبح ممكناً و يتحوّل بعدها إلى أمر طبيعي و مألوف !. " .
هذا يعني أننا إذا قمنا بتغيير المنطق الذي يحكمنا ، نجد أن أموراً كثيرة كانت غريبة علينا ، و حتى مستحيلة ، تصبح مألوفة و طبيعية .
فالمنطق المادي الدنيوي الذي يحكمنا اليوم مثلاً ، هو الذي يحدّ من محاولة اكتشاف الإنسان لنفسه ، و قدراته ، و جوهره الحقيقي لأن هذه الطريقة في التفكير تتناقض تماماً مع المنطق الدنيوي السائد ، و الذي استولى على العقول منذ آلاف السنين .
و ظهر مؤخراً منطق آخر يدعمه و يثبّت من وطأته ، و هو المنطق المادي ( العلماني ) الذي جعل الإنسان يؤمن بأنه كائن ضعيف محدود القدرات ، و أي كلام غير هذا هو مناقض تماماً للقوانين العلمية السائدة التي أصبحت مسلمات لا يمكن تجاوزها أبداً !. هذا هو السبب الذي جعلنا نبدو كما نحن ، كائنات مغفّلة ذات عقول مفرغة ، مع أن هذه ليست الحقيقة .

Reemi
15/06/2007, 22:01
من العلوم