رانيا
07/02/2006, 19:05
الحـرباء .. أنطـون تشيخوف
ترجمة: زيد الشهيد
بمعطفه الجديد، وبشيء ما يتأبطه يلجُ العريف "آخميلوف" باحةَ السوق يتبعه شرطيٌّ ذو شعر أحمر، حاملاً ما صادراه من فاكهة.. الصمت يشيع في الأرجاء، وليست ثمّة حركة جلّية.. أبوابُ المحلات ونوافذها مواربةٌ عليَ سعتها مثل أفواه جائعة تحدّق بأسي لدنيا الله.
عليَ نحوٍ مباغت تٌمزّق أستار الصمت صرخةُ: هكذا تريد أن تعضّني أيها الكلب الملعون. هذا زمان ما عاد للكلاب حرّية عضّ الآخرين..آه !.. آه أوقفوه !.
يندلع نباحٌ متواصل.. تتوجّه أنظار "آخميلوف" ناحيةَ الصوت.. هناك كلبٌ برجلٍ عرجاء يفرٌّ هارباً من ناحية "مخزن أخشاب بنجوجن" ملاحَقاً مِن قبل رجلٍ ذي قميص أبيض يحاول الإمساك به فيتعثّر ساقطاً.. غير أنّه يفلح في القبض عليه من قائمتيه الخلفيّتين.. يعوي الكلبُ ومعه تستمرُ صيحاتُ الرجل.
وجوهُ بعيونٍ ناعسةٍ تطلُّ من نوافذ المحلات، تُطالع حشداً بشرياً التئم سريعاً كأنّه انبثقَ من ثنايا الأرض.
- أتعتقد أنّ من الضروري توجيه اللوم والتوبيخ لتجمّع ٍغير مسموح به كهذا ؟ .. يحاور آخميلوف شرطيَّهُ.
يستديرُ يساراً ويخطو باتجاه الحشد جوار الباب الرئيس لمخزن الأخشاب، يشاهد الرجلَ ذا القميص الأبيض يرفع يداً عارضاً علي العيون المُبحلِقة إصبعاً مُدمّيَ فيما وجهه يشي بتعابيرِ رجلٍ شبه مخمور : انتظر !.. سأجعلك تدفع الكثير مقابل هذا، أيها الشيطان .
وسرعان ما يتعرّف آخميلوف علي الرجل: إنّه "كريوكين"، مثلما يشاهد الكلب خالقَ الجلبةِ يرتجفُ وسط الحشد وقائمتاه الأماميتان ممدودتان..كلبٌ أبيض تُبقّع ظهرَه بقعةٌ صفراء، عيناه تمتلئان بتعابير الخشية والقلق.
- ما الخَطب؟ .. يروح آخميلوف يتساءل، صانعاً طريقاً له وسط الحشد. لماذا تقف هنا ؟ وما الذي جريَ لإصبعك ؟ ومن كان يصرخ ؟ .
- أنا.. لم أمَسَ أحداً.. ينطقُ "كريوكين" ثم يواصل كنت أتجول في غابة ديمتري ديمتريفتش، هناك عندما هاجمني هذا الكلب المتوحش وعضّ إصبعي.. ليس لديَّ يا سيدي غير هاتين اليدين أعمل بهما، وعضّةُ هذا الكلب ستوقفني عن العمل لفترةٍ لا تقل عن سبعة أيام، لهذا علي صاحبه أن يدفع لي تعويضاً، إ لا يوجد في القانون ما ينبغي تحمله من تبِعات مخاطر الحيوانات، لانّه لوتُرِك لكلِّ حيوان حريةَ العضّ والفتك بالآخرين فلن يبقَ أحدٌ عليَ قيدِ الحياة في هـذا العالم .
بصرامةٍ ظاهرة يرتفعُ حاجبا العريف آخميلوف ويهبطان:
- مَن هو صاحب هذا الكلب؟.. لن أسمح لمثلَ هكذا خروقات أن تحدث وتستمر. إنَّ عليَ الجميع أن لا يتركوا كلابَهم طليقةً كما تشاء، لقد ولّيَ الزمن الذي يُترك فيه مَنْ لا يُطيع القوانين سأعاقب مالكَ هذا الكلب، وسأعُلِّمه من أنا. يستدير إلي الشرطي المرافق:
- يا يلديرين، تحرَّ عمّن يكون صاحب هذا الكلب.. هذا الكلب يجب أن يُقتل.. افعل ذلك سريعاً، فقد يكون مسعوراً.. عليَ أي حال لمن هذا الكلب ؟
- يبدو أنّه كلبٌ الجنرال ييجالوف.. ينطُقُ أحدٌ من الحشد.
- للجنرال ييجالوف ؟ ها !.. يالديرين، اخلع معطفي !.. ما هذا الحر الشديد! من المحتمل أن تمطر هذا اليوم.. يوجد ثمة شيء لا أفهمه كيف عضّك هذا الكلب؟ يتوجه العريف آخميلوف إلي "كريوكين" متساءلاً: وكيف طال إصبعك،إنّه كلبٌ صغير بينما أنتَ رجلٌ كبير ؟.. ربّما فعلت ذلك بنفسك وادعيت جرحك من فعل هذا الكلب المسكين سعياً للحصول عليَ مال.. أعرفكم أيها الشياطين !!
- أطفأ السيجارة في وجه الكلب لكن الكلب ليس غبياً فعضّه، يا سيدي. يتفوه الشرطي يلديرين.
- تكَذٌب !.. ما شاهد مثل هذا، يا سيدي ما شاهد مطلقاً.. ولكنْ دعْ الحاكم يقررّ، القانون يؤكد بسواسية الجميع في هذا العهد، ولي أخٌ يعمل في قسم الشرطة فإنْ لم..
- توقف !
- كلاّ ! هذا ليس كلب الجنرال يقول الشرطي يلديرين مُظهراً اهتماماً، لا يملك الجنرال كلباً كهذا، هذا كلبٌ لا يمُت إلي كلابه بشيء .
- أمتأكد من ذلك ؟ يسأل العريف آخميلوف.
- نعم، كلّ التأكيد.
- وأنا متأكد أيضا.. كلابٌ الجنرال غالية الثمن، أما هذا الكلب فليس له شعر مقبول ولا شكل يُعتَد به لماذا يقتني الناس كلاباً قميئة.. لو كان في بطرسبورج أو موسكو مثل هذه الكلاب هل تخمن ما يحدث؟ لن يجهدوا أنفسهم في البحث في فقرات القانون للتخلّص منها، بل يصنعون لها نهاية سريعة.. يا "كريوكين" لا شكّ أنك تعاني من ألم الجرح لذلك سوف لا أترك الأمرَ يجري عادياً، سألقّن مالكي هذه الكلاب درساً.. ولكن يبتسم آخميلوف مفكِّراً ! أعتقد أنني شاهدتُ هذا الكلب في باحة الجنرال.
- طبعاً، إنه كلب الجنرال يأتي صوت من عمق الحشد.
- يا لديرين، ساعدني.. ألبسني معطفي وخذ الكلب إلي الجنرال تأكد إن كان له أم لا. قل وجدته في الطريق فأتيت به، قدم لهم رجاءً، ارجوهم أن لا يتركوا الكلب في الشارع، لأنه كلب ثمين وقد يرتكب أحدهم حماقة فيطفئ سيجارة في خطمه فيتسبب في إيذائه، الكلب مخلوق رقيق.. وأنت أيها الغبي.. اخفضْ يدك فلا ضرورة لعرض إصبعك السخيف، إنها حماقتك.
- ها هو طباخ الجنرال، دعونا نستفهم منه.. مرحباً بروخور تعال هنا للحظة، انظر هل هذا كلبكم ؟ !
- هذا !.. لم نقتن مثل هذه الكلاب في حياتنا أبداً.
- هذا كلب لا يستحق السؤال عنه.. يتمتم آخميلوف.. متشرد وينبغي قتله.
- كلا.. ليس لنا مطلقاً، بل هو عائد لأخ الجنرال الذي وصل إلي المدينة توّاً. سيدي لا يفضِّل هذه الأنواع، إنما أخوه من يرغبها.
- هكذا إذاً أخوه فلاديمير إيفانوفيتش وصل إلي هنا يتساءل آخميلوف بمحّياً مُشرق وأبتسامة تغمر وجهه: حسناً، حسناً، لم أكن أعرف ذلك. إذاً هو في زيارة لمدينتنا!
- نعم، يا سيدي في زيارة.
- حسناً، حسناً وهذا هو كلبه، أنا مسرور جداً خذه! يالهُ من كلب صغير وبارع، سريعاً أمسك بإصبع هذا الرجل ها.. ها.. ها، لماذا ترتجف أيها الكلب الصغير.. لم تفعل شيئاً يستحق الخوف، وهذا الرجل وغدٌ وشرير..
ينادي "بروخور" علي الكــلب ويذهب به بينما يوجه آخميلوف تهديداتــــه إلي "كريوكين". يحكم شدّ معطفه عليَ جسده ثم يتخذ طريقه إلي داخل السوق يتبعه الشرطي يلدرين حاملاً الفاكهة المصادرة..
ترجمة: زيد الشهيد
بمعطفه الجديد، وبشيء ما يتأبطه يلجُ العريف "آخميلوف" باحةَ السوق يتبعه شرطيٌّ ذو شعر أحمر، حاملاً ما صادراه من فاكهة.. الصمت يشيع في الأرجاء، وليست ثمّة حركة جلّية.. أبوابُ المحلات ونوافذها مواربةٌ عليَ سعتها مثل أفواه جائعة تحدّق بأسي لدنيا الله.
عليَ نحوٍ مباغت تٌمزّق أستار الصمت صرخةُ: هكذا تريد أن تعضّني أيها الكلب الملعون. هذا زمان ما عاد للكلاب حرّية عضّ الآخرين..آه !.. آه أوقفوه !.
يندلع نباحٌ متواصل.. تتوجّه أنظار "آخميلوف" ناحيةَ الصوت.. هناك كلبٌ برجلٍ عرجاء يفرٌّ هارباً من ناحية "مخزن أخشاب بنجوجن" ملاحَقاً مِن قبل رجلٍ ذي قميص أبيض يحاول الإمساك به فيتعثّر ساقطاً.. غير أنّه يفلح في القبض عليه من قائمتيه الخلفيّتين.. يعوي الكلبُ ومعه تستمرُ صيحاتُ الرجل.
وجوهُ بعيونٍ ناعسةٍ تطلُّ من نوافذ المحلات، تُطالع حشداً بشرياً التئم سريعاً كأنّه انبثقَ من ثنايا الأرض.
- أتعتقد أنّ من الضروري توجيه اللوم والتوبيخ لتجمّع ٍغير مسموح به كهذا ؟ .. يحاور آخميلوف شرطيَّهُ.
يستديرُ يساراً ويخطو باتجاه الحشد جوار الباب الرئيس لمخزن الأخشاب، يشاهد الرجلَ ذا القميص الأبيض يرفع يداً عارضاً علي العيون المُبحلِقة إصبعاً مُدمّيَ فيما وجهه يشي بتعابيرِ رجلٍ شبه مخمور : انتظر !.. سأجعلك تدفع الكثير مقابل هذا، أيها الشيطان .
وسرعان ما يتعرّف آخميلوف علي الرجل: إنّه "كريوكين"، مثلما يشاهد الكلب خالقَ الجلبةِ يرتجفُ وسط الحشد وقائمتاه الأماميتان ممدودتان..كلبٌ أبيض تُبقّع ظهرَه بقعةٌ صفراء، عيناه تمتلئان بتعابير الخشية والقلق.
- ما الخَطب؟ .. يروح آخميلوف يتساءل، صانعاً طريقاً له وسط الحشد. لماذا تقف هنا ؟ وما الذي جريَ لإصبعك ؟ ومن كان يصرخ ؟ .
- أنا.. لم أمَسَ أحداً.. ينطقُ "كريوكين" ثم يواصل كنت أتجول في غابة ديمتري ديمتريفتش، هناك عندما هاجمني هذا الكلب المتوحش وعضّ إصبعي.. ليس لديَّ يا سيدي غير هاتين اليدين أعمل بهما، وعضّةُ هذا الكلب ستوقفني عن العمل لفترةٍ لا تقل عن سبعة أيام، لهذا علي صاحبه أن يدفع لي تعويضاً، إ لا يوجد في القانون ما ينبغي تحمله من تبِعات مخاطر الحيوانات، لانّه لوتُرِك لكلِّ حيوان حريةَ العضّ والفتك بالآخرين فلن يبقَ أحدٌ عليَ قيدِ الحياة في هـذا العالم .
بصرامةٍ ظاهرة يرتفعُ حاجبا العريف آخميلوف ويهبطان:
- مَن هو صاحب هذا الكلب؟.. لن أسمح لمثلَ هكذا خروقات أن تحدث وتستمر. إنَّ عليَ الجميع أن لا يتركوا كلابَهم طليقةً كما تشاء، لقد ولّيَ الزمن الذي يُترك فيه مَنْ لا يُطيع القوانين سأعاقب مالكَ هذا الكلب، وسأعُلِّمه من أنا. يستدير إلي الشرطي المرافق:
- يا يلديرين، تحرَّ عمّن يكون صاحب هذا الكلب.. هذا الكلب يجب أن يُقتل.. افعل ذلك سريعاً، فقد يكون مسعوراً.. عليَ أي حال لمن هذا الكلب ؟
- يبدو أنّه كلبٌ الجنرال ييجالوف.. ينطُقُ أحدٌ من الحشد.
- للجنرال ييجالوف ؟ ها !.. يالديرين، اخلع معطفي !.. ما هذا الحر الشديد! من المحتمل أن تمطر هذا اليوم.. يوجد ثمة شيء لا أفهمه كيف عضّك هذا الكلب؟ يتوجه العريف آخميلوف إلي "كريوكين" متساءلاً: وكيف طال إصبعك،إنّه كلبٌ صغير بينما أنتَ رجلٌ كبير ؟.. ربّما فعلت ذلك بنفسك وادعيت جرحك من فعل هذا الكلب المسكين سعياً للحصول عليَ مال.. أعرفكم أيها الشياطين !!
- أطفأ السيجارة في وجه الكلب لكن الكلب ليس غبياً فعضّه، يا سيدي. يتفوه الشرطي يلديرين.
- تكَذٌب !.. ما شاهد مثل هذا، يا سيدي ما شاهد مطلقاً.. ولكنْ دعْ الحاكم يقررّ، القانون يؤكد بسواسية الجميع في هذا العهد، ولي أخٌ يعمل في قسم الشرطة فإنْ لم..
- توقف !
- كلاّ ! هذا ليس كلب الجنرال يقول الشرطي يلديرين مُظهراً اهتماماً، لا يملك الجنرال كلباً كهذا، هذا كلبٌ لا يمُت إلي كلابه بشيء .
- أمتأكد من ذلك ؟ يسأل العريف آخميلوف.
- نعم، كلّ التأكيد.
- وأنا متأكد أيضا.. كلابٌ الجنرال غالية الثمن، أما هذا الكلب فليس له شعر مقبول ولا شكل يُعتَد به لماذا يقتني الناس كلاباً قميئة.. لو كان في بطرسبورج أو موسكو مثل هذه الكلاب هل تخمن ما يحدث؟ لن يجهدوا أنفسهم في البحث في فقرات القانون للتخلّص منها، بل يصنعون لها نهاية سريعة.. يا "كريوكين" لا شكّ أنك تعاني من ألم الجرح لذلك سوف لا أترك الأمرَ يجري عادياً، سألقّن مالكي هذه الكلاب درساً.. ولكن يبتسم آخميلوف مفكِّراً ! أعتقد أنني شاهدتُ هذا الكلب في باحة الجنرال.
- طبعاً، إنه كلب الجنرال يأتي صوت من عمق الحشد.
- يا لديرين، ساعدني.. ألبسني معطفي وخذ الكلب إلي الجنرال تأكد إن كان له أم لا. قل وجدته في الطريق فأتيت به، قدم لهم رجاءً، ارجوهم أن لا يتركوا الكلب في الشارع، لأنه كلب ثمين وقد يرتكب أحدهم حماقة فيطفئ سيجارة في خطمه فيتسبب في إيذائه، الكلب مخلوق رقيق.. وأنت أيها الغبي.. اخفضْ يدك فلا ضرورة لعرض إصبعك السخيف، إنها حماقتك.
- ها هو طباخ الجنرال، دعونا نستفهم منه.. مرحباً بروخور تعال هنا للحظة، انظر هل هذا كلبكم ؟ !
- هذا !.. لم نقتن مثل هذه الكلاب في حياتنا أبداً.
- هذا كلب لا يستحق السؤال عنه.. يتمتم آخميلوف.. متشرد وينبغي قتله.
- كلا.. ليس لنا مطلقاً، بل هو عائد لأخ الجنرال الذي وصل إلي المدينة توّاً. سيدي لا يفضِّل هذه الأنواع، إنما أخوه من يرغبها.
- هكذا إذاً أخوه فلاديمير إيفانوفيتش وصل إلي هنا يتساءل آخميلوف بمحّياً مُشرق وأبتسامة تغمر وجهه: حسناً، حسناً، لم أكن أعرف ذلك. إذاً هو في زيارة لمدينتنا!
- نعم، يا سيدي في زيارة.
- حسناً، حسناً وهذا هو كلبه، أنا مسرور جداً خذه! يالهُ من كلب صغير وبارع، سريعاً أمسك بإصبع هذا الرجل ها.. ها.. ها، لماذا ترتجف أيها الكلب الصغير.. لم تفعل شيئاً يستحق الخوف، وهذا الرجل وغدٌ وشرير..
ينادي "بروخور" علي الكــلب ويذهب به بينما يوجه آخميلوف تهديداتــــه إلي "كريوكين". يحكم شدّ معطفه عليَ جسده ثم يتخذ طريقه إلي داخل السوق يتبعه الشرطي يلدرين حاملاً الفاكهة المصادرة..