-
دخول

عرض كامل الموضوع : أبي ذو اليدين الدافئتين


zen
04/02/2006, 16:30
كانت يداه خشنتين وقويتين جد وكان في وسعه ان يشذب اشجار الفاكهة برقة وان يصارع بشدة ليسرج بغلا مشاكسا وكانت له المقدرة على ان يرسم مربعا وينشره بدقة وسرعة وعرف عنه استعداده لتسديد قبضة عنيفة الي حنك صلب الا ان اكثر ما اذكره هو الدفء الخاص الذي كنت استمده من تللك اليدين واحس به ينفذ عبر قميصي فيما يمسك بي من كتفي خافضا راسة ليدنو من اذني ويلفتني الي صقر ازرق اللون او ارنب نائم في وكره كانتا يدين جيدتين وماهرتين ولم تخذلاه الا في امر واحد :لم تتعلما الكتابة اطلاقا
كان ابي اميا لقد انخفض عدد الاميين في بلادنا ولكن مجرد بقاء وحد امي يجعلني اشعر بالحزن متذكرا ابي وما تحمله من الم لان يديه لم تمسكا القلم يوما
دراسة فاشلة
ابتدأ والدي حياته الدراسية في الصف الاول الابتدائي وكان جزاء الجواب الخطأعشر ضربات بالمسطر على راحة اليدالمبسوطة ولسبب ما بدا ان الاحرف والارقام والدروس لم تستقر في شكلها الصحيح داخل رأس ابي ذي الشعر الذي اخذ يبيض وهو في السادسة من عمره او لربما كان مصابا بمرض يمنعه من التعلم لذا اخرجة ابوه من المدرسة بعد اشهر وعهد اليه عمل داخل المزرعة
بعد ذلك باعوام حاولت زوجته بثقافتها التي لم تتجاوز الصف الرابع الابتدائي ان تعلمه القراءة وفي وقت لاحق كنت امسل قبضة يده الكبيرة بيدي الصغيرتين واساعده على رسم لحرف اسمه كان يخضع للمحنة وسرعان ما يأخد بالتململ فيلوي اصابع يديه ويدلك راحتيه ويعلت انه ضجر ثم يخرج ويمشي وحيدا في نزهة طويلة
التجربة المريرة
وذات ليلة ظن ان احدا لا يراه فانسل متأبطا كتاب ابنة للصف الثاني الابتدائي وعمل بكد واجتهاد على حل الغاز الكلمات ولكن دون جدوى عندها الصق جبينه بالصفحات وطفق ينتحب ويقول (يا الهي حتى في كتاب اطفال 9ومذ ذلك الوقت لم يكن لاي قوة ان تقنعة ان يمسك القلم والورقة
ومن المزرعة الى تشيد الطرق ثم العمل في مصنع كانت يداه طوع بنانه وكان عقله متوقدا وارادة العمل لديه لا تضاهى وابان الحرب العالمية الثانية عمل في تمديد الانابيب واصلاحها في احد احواص السفن وفي تركيب الاحشاء المعقدة للسفن الحربية الضخمة وحملت اليه حماسته وكفائته عرضا ليصبح رئيسا للعمال الي ان خضع لأختبار المؤهلات فقد كان في وسع اصابع يديه ان ترسم خطا عبر النسج الهندسية بينما يتصور الانابيب المتشابكة عبر قلب السفينة وكان في مقدوره تذكر كل التواء و انعطاف في الانابيب الا انه لم يكن يستطيع القراءة والكتابة
وبعدما توقف حوض السفن عن العمل ذهب الي مصنع للقطن حيث كن يكدح ليلا ويسترق من ساعات نومه الضروري لإدارة المزرعة ولماا اقفل المصنع اخذ يبحث عن عمل ليعود ليلة بعد ليلة ويقول لأمي وهي تعد العشاء انهم لايرغبون في من لايستطيع الخضوع لأختبارتهم
الكلمة الجانبية
كان من الصعب عليه ان يقف امام رجل ما ويرسم علامة اما اسمه غير انه اقسى للحظات حين وضع علامته اما اسم شخص اخر واخذ هذا الرجل مكانه في العمل
ثم رأى رجلا ياخد منه بهذه الخدعة صك مزرعته العزيزة عند انتهاء الصفقة وقف على النافذة على مهل قلب القلم الذي لايزال في يده محدقا الى سفح الجبل من دون ان يراه وتوجهت انا الى مبنى صغير فوت النبع وبكيت طويلا
وبعد بحث طويل وجد والدي عملا في مصنع قطن اخر فانتقلنا الى قرية مجاورة مؤلفة من مئة منزل متشابه ولم يتكيف ابي قط مع حياة المدن ويهتت زرقة عيناه واصيب الجلد فوق عظام وجههةببعض التهدل لكن يديه حافظتا على قوتهما ظل دفئمها يتسرب الي كلما حضنني وطلب أي ان اقرأ له في الكتاب المقدس وكان يشعر باعتزاز كبير بقرائتي ويصغي الي ساعات وانا اتخبط بين العبارات العسرة والمعقدة

zen
04/02/2006, 16:32
القلق المضني
وسمع مرة في الاذاعة واعظا يروي عن الكتاب المقدس انه قال (ان الرجل الذي لا يعيل عائلته هو أسوامن لص وكافر ولن يدخل ملكوت السماء ابدا)
وكثيرا ما طلب مني ان اقراله ذلك المقطع الا اني لم اجده وفي بعض الاحيان كان يجلس الي المائدة يقلب صفحات الكتاب المقدس عل اعجوبة تحدث فيقع على هذا المقطع في احد الصفحات ثم يجلس محدقا الي الكتاب فأدرك انه يتسائل في نفسه اذا كان الله يرفض دخوله السماء لان يده عاجزتان عن الكتابة
وحين ذهبت امي ذات مرة لتزور اختها خلال عطلة نهاية الاسبوع توجه ابي الى الحانوت وعاد ومعه طعام العشاء فيما كنت منهمكا في تركيب اخر عربة صنعته في منزلي
وبعد الوجبة قال انه سيفاجئني بفاكهة طيبة نتناولها معا ودخل المطبخ فشعرت بأنه يفتح احدى العلب ثم خيم هدوء مطبق فتوجهت نجو باب المطبخ فرأئته وفي يده علبة وهو يتمتم :كانت الصورةتشبه الاجاص تمام وخرج من البيت وجلس على درجات السلم الخلفي فأدركت انه اجرج اما ابنه كان مكتوب على العلبة بطاطا بيضاء كاملة لكن الصورة كانت فعلاتشبة الاجاص الي حد كبير
وذهبت وجلست الي جانبه وتمنيت عليه ان يدلني على النجوم
نهاية طريق شاق
بعد ذلك بأعوام توفيت امي فحاولت ان اقنع والد بالمجئ للعيش مع اسرتي غير انه اصر على البقاء في منزله ذي الهيكل الخشبي القديم ضمن بستان عند طرف البلدة مع بضعة حيوانات داجنة وكانت صحته تتقهقر وتكرر دخوله الي المستشفى مصابا بنوبات قلبية خفيفة
واخر ذكرى عزيزة حملتها عن ابي كانت عندما راقبته يسير عبر مرج مريحا تللك اليدين الكبيرتين الدافئتين وقد شوهتهما الشيخوخة على اكتاف ولدي الاثنين وتوقف ليلفتهما على نحو ينم عن ثقة بهما الى بركة ماء كنا انا وهو نسبح فيها ونصطاد السمل تللك الليلة توجهت مع اسرتي الى ماوراء البحار حيث عمل جديد وبيت جديد وبعدها يثلاثة اسابيع توفي والدي اثر نوبة قلبية
عدت وحدي لأحضر الجنازة واعرب لي الدكتور غرين عن اسفه لمصابي وفي الواقع اخبرني انه منزعج بعض الشيء لانه كتب لأبي وصفة نيتروغليسرين جديدة وقد ركب الصيدلي الوصفة ولكن مع هذا لم يجدوا مع أبي وعاد الحبوب
قبل ساعة من صلاة الجناة في الكنيسة وجدت نفسي واقفا قرب حديقة ابي حيث وجده احد الجيران ملتاعا لأرسم في التراب باصابع يدي الموضع الذي كان رجل عظيم بلغ فيه نهاية عمره وبعد قليل استقرت يدي على قرميدة نصفها مدفون في التراب فرقعتها والقيت بها جانبا قبل ان الاحظ تحتها وعائا بلاستيكيا طريا ملتويا وقد دق في التراب الناعم
وفيما كنت ممسكا بوعاء الحبوب ترأى لي منظر ابي وهو يصارع لينزع الغطاء ويحاول يائسا ان يحطم الوعاء بالقرميدة فأدركت حيناه لماذا خسرت تلك اليدين الدافئتين صرعهما مع الموت فناهنال على الغطاء الوعاء قراءت بضع كلمات مطبوعة (غطاء يعصو على الاطفال ادفعه الي الاسفل وابرمه لتفتحه )واكد لي الصيدلي في ما بعد انه منذ وقت قريب بدأيستعمل الوعاء الجديد الذي روعيت فيه سلامة الاطفاال
قلم الي هناك
واقدمت على عمل كنت ادرك انه غير منطقي فنزلت الي السوق وابتعت قاموس جيب له غلاف من جلد وطاقم اقلام ذهبية وعندما ودعت والدي الوداع الاخير اودعتها كلها تللك اليدين الكبيرتين العتيقتين اللتين كانتا كثيرتي الدفء ذات يوم لكنهما للاسف لم تتعلما الكتابة

here i am
06/02/2006, 14:34
شي حلو كتيررررررررررررررررر قصة رائعة زينو خلص بقراها بعدين

صياد الطيور
06/02/2006, 21:01
مشكور كتير كتير يا زين الغالي