blade
04/02/2006, 15:24
لم يصدق "نديمي" الذي أوشك على الإغفاء وهبّ منتفضاً، ومكذباً حين علم أن سعر تلك السيارة الفرنسية الكئيبة موديل 1975 والتي يبدأ حرفها الأول باسم بيجو 504 فقط واعذروني فلا أستطيع قول المزيد مخافة العرفاء والمجندين في فرع فلسطين، والتي يمتطيها عرفاء المخابرات دفاعا عن العروبة، والثوابت، والنضال والتي يكون أحدهم على أتم الاستعداد، دائما، بأن يكتب تقريرا ملفقا بأمه التي خلفته، وحملته وهنا على وهن، وبأبيه الذي رباه في سنين القحط والغلاء، من أجل أن يركبها ويستلمها من رئيسه، و"يقزدر" بها بتيه وخيلاء أمام "المشبوهين"من الفقراء، هي فقط بمبلغ يعادل 150 دولارا أمريكيا، فقط لاغير، في بلاد مجاورة، في الوقت الذي لا يزال سعرها يحلق عاليا في بلاد التقدم والاشتراكية والفساد، وتشكل واحدة من فرائد البورصات المحلية والغريبة في التاريخ، والزمان. وكانت السيارة بريستيجا ثوريا تمنحه الإرادة السامية للموالين، والأتباع، والكتبة، والأزلام، والظبيان، والظبيات، لتميزهم عن بقية المشبوهين، والعملاء والملاعين العصاة من الحساد وكثيري اللغو والكلام.
فقد حُلت مشكلة فلسطين، وحوكم صدام وأصبح الزرقاوي أميرا غير متوج على العراق، وقبض على ميلوسوفيتش، وانهار جدار برلين، واستقلت زنجبار، وعقد المؤتمر العاشر للحزب، وانشق خدام، وانتحر كنعان، وصدر إعلان قندهار، وفاز أمراء الجهاد بالانتخابات وورثوا مملكة الختيار التي رباها كل شبر بمعاهدة واتفاق، وتوحدت أوروبا، وانشطر العربان، وانهار السوفييت، واقتنعت صين ماو بأفكار آدم سميث، ودخل الموبايل والإنترنت إلى سوريا وبورما وكوريا الشمالية، وتقاعد المساعد جميل من المخابرات من فرع جهنم/ قسم يوم الحساب، وعقد قران صديقي أبو عذاب المضرب عن الزواج بعد أن احتفل بربيعه الواحد والستين وألف ما شاء الله، وانتهى الابارتهيد في جنوب أفريقيا، وصار البدو والأعراب يتكلمون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتخرجت جارتنا العجوز المتصابية، البلهاء من الجامعة فرع الطبخ والعشاء، بعد عناء وكد وطول انتظار، وانتهى البرنامج الأزلي من الألف إلى الياء، وثُقب الأوزون، وتغير كل شيء في الكون والحياة، لكن، و وحده، وبرغم عشرات القرارات والتعليمات والمراسيم والتنظير، ما يزال لغز السيارات السورية صامدا في الميدان، وعصيا على الفهم والتحليل والجلاء، وشاذا عن كل قوانين الأرض، والحياة .
من المعروف أنه عندما ترتفع أسعار البنزين، أو أن تمر عدة سنين على السيارة، أو أن يكثر المعروض في السوق، وتتوفر الأنواع والموديلات، فهذا مدعاة لخفض الأسعار، إلا في وطن الصمود، حيث أن كل شيء صامد، وثابت في مكانه، وعصي على التغيير، فإن هذه عوامل لرفع أسعار السيارات وبقائها حلما، كحلم ابليس في جنة الله، وكلما تدخل وتفلسف، وتفذلك، وتشاطر في هذا الموضوع أحد الأذكياء والمخططون الدهاة، كلما حلق سعرها عاليا في كبد السماء.
لقد صار اقتناء سيارة في سوريا دويخة ولغز وحلم الأحلام، ولذا تداعى فريق العمل مستعينا بشاحنة سوزوكي مخصصة أصلا لنقل البهائم والدواب، وبعد بحث وتقص وتحليل، واستشارة سماسرة السيارات، والكهربجي موتر أبو كنطاك، والميكانكي صالح العطلان, والبنشرجي منفس أبو دولاب، وخبير الخرضوات عتيق الخربان, ، تم اكتشاف السر العجيب وراء هذا اللغز الرهيب، وهذا هو ملخص هذه الدراسة الميدانية، وبمشاركة مجموعة كبيرة من نشطاء جماعة نص نعل للانطلاق جريا على الأقدام وراء السرافيس، والحافلات، والميكرويات.
لقد صمم جهابذة النضال بنية ونفسية المواطن، ومنذ الخطة الخمسية الأولى المباركة، على أن يقطع المراحل التاريخية والمنعطفات الحاسمة " كعابي" أي على كعب رجليه، ولكي يبقى في أرض المعركة دون فرار، وأن يظل راكضا خائفا من المخابرات، ولاهثا وراء اللقمة والرغيف، وغير قادر على ركب حتى " البسكليت"، وهذا هو السر الوحيد وراء بقاء السيارة لغزا من ألغاز الزمان، وحرمة تصونها الحكومات عن الفقراء. لقد صمم المواطن المسكين ليقف الساعات الطوال على مواقف باصات الـ"هوب هوب"، وأن يحشر دائما في باصات النقل الداخلي كالسردين. ولا يليق به سوى سيارات "الزيل والواظ"، وسقف تفكيره وخياله هو الطنابر والطرنزينات وركب الحمير المحلية تشجيعا للانتاج الوطني، ورفد الاقتصاد الوطني دعما للمجهود الحربي، في المواجهة المصيرية، ضد القوى التي تتربص به، والتي تنتج السيارات الحديثة وكل تلك "الخرابيط" الإمبريالية، والبرجوازية المشبوهة، والمرفوضة من شعبنا الحر الجائع الأبي والجاري وراء الباصات.
هذا، ولم يؤهل المواطن المشحر وطنيا، والمعتر أمميا، والمفلس واقعيا، والمهمش محليا، ووفق الخطط الخمسية إياها، للراحة، والسياحة والاصطياف، والتنقل بالسيارات، بل لأن يركب دائما الطرنزينات، والطنابر التي تجرها البغال، ولكي يعمل مثل طيب الذكر "صابر" من الصباح للمساء، وفي أردأ الأحوال في الريجي، والإسكان، ومعمل الصرامي والأحذية (عزكم العزيز الجبار)، وفي معمل النسيج والجرابات، وفي البلدية في فرع المكانس، والمزابل، والمراحيض، والنفايات، ولكي يبقى حاجبا، ومرافقا، وحارسا عند أولي الأمر ولوردات البعث الكبار، وبائع يانصيب، وسائق تاكسي، وماسح أحذية، ومتجولا على عربة خضار بعد الدوام، ومهاجرا في الصحراء كرسونا، ونادلا، وقوادا لشيوخ الأعراب مستجديا العطف، ولقمة الغذاء، ومثيرا للشفقة والرثاء. لقد صمم مهندسو الثورات هذا المواطن الغلبان، ليكون مطية فقط للأخيار، ومركوبا دائما، وليس راكبا لشيء، إلا على الخوازيق الثورية "المنجرة" بإتقان، في أحسن الأحوال. وولد في المزارع البعثية المقدسة فقط، لتدهسه على الطرقات السيارات الحديثة المعفية من الجمارك والضرائب والخوات، ولتركله على قفاه البساطير العسكرية، ولتصم آذانه أبواق السيارات الأنيقة صباح مساء، ولكي يشفط بها الأبناء، والأحفاد والمحظيين والمحظيات، أمام مدارس البنات، وفي الشوارع الضيقة والزواريب والحارات المكتظة بالجياع والفقراء في مدن الصفيح والتوتياء، وليس ليركب الليكزس والكاديلاك والمارسيدسات، ومحرم عليه السعادة والهناء، وراحة البال والرفاه.
هذا ونتمنى لكم جميعا، في نهاية هذه "النقلة" ومن هذا الكاراج ، ومتحف السيارات الكبير بالذات، ومقصف الأعمار, قضاء أمتع الأوقات، وأجملها على متن أحدث الطنابر الوطنية المؤممة من موديل "ألف وخمسمية وخشبة"، ومن مخلفات دولة بني عثمان.
عرب تايمز
فقد حُلت مشكلة فلسطين، وحوكم صدام وأصبح الزرقاوي أميرا غير متوج على العراق، وقبض على ميلوسوفيتش، وانهار جدار برلين، واستقلت زنجبار، وعقد المؤتمر العاشر للحزب، وانشق خدام، وانتحر كنعان، وصدر إعلان قندهار، وفاز أمراء الجهاد بالانتخابات وورثوا مملكة الختيار التي رباها كل شبر بمعاهدة واتفاق، وتوحدت أوروبا، وانشطر العربان، وانهار السوفييت، واقتنعت صين ماو بأفكار آدم سميث، ودخل الموبايل والإنترنت إلى سوريا وبورما وكوريا الشمالية، وتقاعد المساعد جميل من المخابرات من فرع جهنم/ قسم يوم الحساب، وعقد قران صديقي أبو عذاب المضرب عن الزواج بعد أن احتفل بربيعه الواحد والستين وألف ما شاء الله، وانتهى الابارتهيد في جنوب أفريقيا، وصار البدو والأعراب يتكلمون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتخرجت جارتنا العجوز المتصابية، البلهاء من الجامعة فرع الطبخ والعشاء، بعد عناء وكد وطول انتظار، وانتهى البرنامج الأزلي من الألف إلى الياء، وثُقب الأوزون، وتغير كل شيء في الكون والحياة، لكن، و وحده، وبرغم عشرات القرارات والتعليمات والمراسيم والتنظير، ما يزال لغز السيارات السورية صامدا في الميدان، وعصيا على الفهم والتحليل والجلاء، وشاذا عن كل قوانين الأرض، والحياة .
من المعروف أنه عندما ترتفع أسعار البنزين، أو أن تمر عدة سنين على السيارة، أو أن يكثر المعروض في السوق، وتتوفر الأنواع والموديلات، فهذا مدعاة لخفض الأسعار، إلا في وطن الصمود، حيث أن كل شيء صامد، وثابت في مكانه، وعصي على التغيير، فإن هذه عوامل لرفع أسعار السيارات وبقائها حلما، كحلم ابليس في جنة الله، وكلما تدخل وتفلسف، وتفذلك، وتشاطر في هذا الموضوع أحد الأذكياء والمخططون الدهاة، كلما حلق سعرها عاليا في كبد السماء.
لقد صار اقتناء سيارة في سوريا دويخة ولغز وحلم الأحلام، ولذا تداعى فريق العمل مستعينا بشاحنة سوزوكي مخصصة أصلا لنقل البهائم والدواب، وبعد بحث وتقص وتحليل، واستشارة سماسرة السيارات، والكهربجي موتر أبو كنطاك، والميكانكي صالح العطلان, والبنشرجي منفس أبو دولاب، وخبير الخرضوات عتيق الخربان, ، تم اكتشاف السر العجيب وراء هذا اللغز الرهيب، وهذا هو ملخص هذه الدراسة الميدانية، وبمشاركة مجموعة كبيرة من نشطاء جماعة نص نعل للانطلاق جريا على الأقدام وراء السرافيس، والحافلات، والميكرويات.
لقد صمم جهابذة النضال بنية ونفسية المواطن، ومنذ الخطة الخمسية الأولى المباركة، على أن يقطع المراحل التاريخية والمنعطفات الحاسمة " كعابي" أي على كعب رجليه، ولكي يبقى في أرض المعركة دون فرار، وأن يظل راكضا خائفا من المخابرات، ولاهثا وراء اللقمة والرغيف، وغير قادر على ركب حتى " البسكليت"، وهذا هو السر الوحيد وراء بقاء السيارة لغزا من ألغاز الزمان، وحرمة تصونها الحكومات عن الفقراء. لقد صمم المواطن المسكين ليقف الساعات الطوال على مواقف باصات الـ"هوب هوب"، وأن يحشر دائما في باصات النقل الداخلي كالسردين. ولا يليق به سوى سيارات "الزيل والواظ"، وسقف تفكيره وخياله هو الطنابر والطرنزينات وركب الحمير المحلية تشجيعا للانتاج الوطني، ورفد الاقتصاد الوطني دعما للمجهود الحربي، في المواجهة المصيرية، ضد القوى التي تتربص به، والتي تنتج السيارات الحديثة وكل تلك "الخرابيط" الإمبريالية، والبرجوازية المشبوهة، والمرفوضة من شعبنا الحر الجائع الأبي والجاري وراء الباصات.
هذا، ولم يؤهل المواطن المشحر وطنيا، والمعتر أمميا، والمفلس واقعيا، والمهمش محليا، ووفق الخطط الخمسية إياها، للراحة، والسياحة والاصطياف، والتنقل بالسيارات، بل لأن يركب دائما الطرنزينات، والطنابر التي تجرها البغال، ولكي يعمل مثل طيب الذكر "صابر" من الصباح للمساء، وفي أردأ الأحوال في الريجي، والإسكان، ومعمل الصرامي والأحذية (عزكم العزيز الجبار)، وفي معمل النسيج والجرابات، وفي البلدية في فرع المكانس، والمزابل، والمراحيض، والنفايات، ولكي يبقى حاجبا، ومرافقا، وحارسا عند أولي الأمر ولوردات البعث الكبار، وبائع يانصيب، وسائق تاكسي، وماسح أحذية، ومتجولا على عربة خضار بعد الدوام، ومهاجرا في الصحراء كرسونا، ونادلا، وقوادا لشيوخ الأعراب مستجديا العطف، ولقمة الغذاء، ومثيرا للشفقة والرثاء. لقد صمم مهندسو الثورات هذا المواطن الغلبان، ليكون مطية فقط للأخيار، ومركوبا دائما، وليس راكبا لشيء، إلا على الخوازيق الثورية "المنجرة" بإتقان، في أحسن الأحوال. وولد في المزارع البعثية المقدسة فقط، لتدهسه على الطرقات السيارات الحديثة المعفية من الجمارك والضرائب والخوات، ولتركله على قفاه البساطير العسكرية، ولتصم آذانه أبواق السيارات الأنيقة صباح مساء، ولكي يشفط بها الأبناء، والأحفاد والمحظيين والمحظيات، أمام مدارس البنات، وفي الشوارع الضيقة والزواريب والحارات المكتظة بالجياع والفقراء في مدن الصفيح والتوتياء، وليس ليركب الليكزس والكاديلاك والمارسيدسات، ومحرم عليه السعادة والهناء، وراحة البال والرفاه.
هذا ونتمنى لكم جميعا، في نهاية هذه "النقلة" ومن هذا الكاراج ، ومتحف السيارات الكبير بالذات، ومقصف الأعمار, قضاء أمتع الأوقات، وأجملها على متن أحدث الطنابر الوطنية المؤممة من موديل "ألف وخمسمية وخشبة"، ومن مخلفات دولة بني عثمان.
عرب تايمز