jalal 2010
02/02/2006, 15:14
عبد الله العروينُوَدِّعُ نِهائيّاً المُطْلَقَات جميعَها، نَكُفُّ عن الاعتقاد أَنّ النّموذج الإِنْساني وراءنا لا أَمامنا وأَنّ كُلّ تَقَدُّم إِنّما هُو في جَوْهَره تجْسيد لأَشْباح الماضي وأَنّ العِلم تَأْويل لأَقْوال العارفين وأَنّ العَمل الإِنساني يُعيدُ ما كان، لا يُبْدع ما لم يَكُن، وبذلك نَتَمَثَّلُ لأَوّل مرّة معنى السّياسة كتوافُق مستمرّ بين ذِهْنِيّات جزئيّة تُمليها ممارسات الجماعة المستقلّة وتتوحّد شيئاً فشيئاً عن طريق النِّقاش الموضوعي والتّجارب المُسْتَمِرَّة، بحيث لا يمكن لأَحد أن يدّعي، فرداً كان أو جماعة أنّه يَمْلِكُ الحَقيقة المُطْلَقَة عن طريق الوَحْيِ والمُكاشَفَة ويَفْرِضُها على الآخرين.
صَيْرورَة الواقع الاجتماعي، نسبيّة الحقيقة المُجَرّدة، إِبْداع التّاريخ، جَدَلِيّة السِّياسة: هذه هي مَعالِم الفكر العصري وقوام المجتمع العصري، عرفها حقّاً البعض منّا وفسّرها ونادى بها، ولكن المجتمع العربي كَكُلّ، منذ القرن الماضي، يتردّد في تبنّيها تَبَنّياً كُلِّياً، ينكرها لا في دائرة الأُسْرَة والمَسْجِد والكُتَّاب فحسب، بل داخل البرلمان والمدرسة العصريّة وحتى في قلب المصنع، يتردد في عرفانها لا في كُتُب تراثنا القديم حين يُعاد طبعها فحسب، بل في التّأليف المعاصر، على صفحات الصُّحُف اليوميّة وشاشة التَّلْفزة، وباختصار في ذهن كُلّ منّا.
وهذا التّردُّد قبل كل شيء تردُّد المُثقفين مِنّا، كيف ننعي على الشّعب العربي أو الطّبقة الكادحة العربية خمولها والنّعْيُ كُلّه على المُفَكّرين العرب منذ القرن الماضي الذين جعلوا من الكتابة والخطابة ناموس عَيْش، فانساقوا للتّرجمة واجترار الأفكار والتّلفيق بدون معيار ولا مقياس[…]
إذا كان لِتَجارِب الأُمم مغزى فإِنّ أمرنا لن يصلح إِلاَّ بصلاح مفكِّرينا، باختيارهم اختياراً لا رجعة فيه المُسْتَقْبَلَ عَوَضاً عن الماضي، والواقع عن الوهم، وجَعْلهم التّأْليف أداة وانْتِقاداً لا أداة إغراء وتنويم، وإذا قيل إِنّ أَوضاع الحكم وأَوضاع الحرب لا تساعد على ذلك، فأقول إِن أَوضاعنا ستكون دائماً غير ملائمة لأَنَّها لو عادت ملائمة لَمَا احتجنا إِلى ثورة على التَّخلُّف الفكري.
عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، مقدّمة الطبعة العربية، ص. 16 بيروت. ط. 3 - 1979
صَيْرورَة الواقع الاجتماعي، نسبيّة الحقيقة المُجَرّدة، إِبْداع التّاريخ، جَدَلِيّة السِّياسة: هذه هي مَعالِم الفكر العصري وقوام المجتمع العصري، عرفها حقّاً البعض منّا وفسّرها ونادى بها، ولكن المجتمع العربي كَكُلّ، منذ القرن الماضي، يتردّد في تبنّيها تَبَنّياً كُلِّياً، ينكرها لا في دائرة الأُسْرَة والمَسْجِد والكُتَّاب فحسب، بل داخل البرلمان والمدرسة العصريّة وحتى في قلب المصنع، يتردد في عرفانها لا في كُتُب تراثنا القديم حين يُعاد طبعها فحسب، بل في التّأليف المعاصر، على صفحات الصُّحُف اليوميّة وشاشة التَّلْفزة، وباختصار في ذهن كُلّ منّا.
وهذا التّردُّد قبل كل شيء تردُّد المُثقفين مِنّا، كيف ننعي على الشّعب العربي أو الطّبقة الكادحة العربية خمولها والنّعْيُ كُلّه على المُفَكّرين العرب منذ القرن الماضي الذين جعلوا من الكتابة والخطابة ناموس عَيْش، فانساقوا للتّرجمة واجترار الأفكار والتّلفيق بدون معيار ولا مقياس[…]
إذا كان لِتَجارِب الأُمم مغزى فإِنّ أمرنا لن يصلح إِلاَّ بصلاح مفكِّرينا، باختيارهم اختياراً لا رجعة فيه المُسْتَقْبَلَ عَوَضاً عن الماضي، والواقع عن الوهم، وجَعْلهم التّأْليف أداة وانْتِقاداً لا أداة إغراء وتنويم، وإذا قيل إِنّ أَوضاع الحكم وأَوضاع الحرب لا تساعد على ذلك، فأقول إِن أَوضاعنا ستكون دائماً غير ملائمة لأَنَّها لو عادت ملائمة لَمَا احتجنا إِلى ثورة على التَّخلُّف الفكري.
عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، مقدّمة الطبعة العربية، ص. 16 بيروت. ط. 3 - 1979