-
دخول

عرض كامل الموضوع : حكاية رينو.. حكاية طموح


HUSH
29/01/2006, 17:47
في العام 1909 توفى فرديناند رينو بعد صراع طويل مع المرض، وقد سبق موته بيعه لاسهمه في الشركة لأخيه لويس، وبعد وفاته تغير اسم الشركة لـ "شركة لويس رينو للسيارات"، وبذلك بقي لويس رينو وحيداً يدير دفة العمل وهو في سن الثانية والثلاثين، وحتى ذلك الحين بقي لويس يفيض بالعبقرية، ولم يتوقف سيل الابداعات والأختراعات.
وقد تطورت سيارات رينو قوةً و حجماً، فقد بدأ رينو بانتاج الشاحنات الصغيرة، الحافلات، المولدات الكهربائية، باختصار صنع رينو المحركات بأنواعها، حتى في مجال الطيران، فقد دخل رينو هذا المجال الجذاب، وقد حققت محركات رينو انتصارات في الجو، تماماً كما حققت انتصارات في البر.
تأثر لويس رينو كثيراً بتجربة هنري فورد في الولايات المتحدة، وقد دفعه اعجابه هذا لزيارة مصانع فورد في ولاية ميشيغان الأميركية، وقد استوقفت رينو أساليب ادارة القوة العاملة في تلك المصانع، حيث كان فورد يتبع منهجية تايلور والتي تحدد طرق صارمة لرفع انتاجية العامل، ولم لبث رينو الا وطبق تلك المنهجية التصنيعية على مصانعه والتي أصبحت تأهل بأكثر من خمسة آلاف عامل ينتجون أكثر من 4200 سيارة في السنة.
ولم تعجب أساليب العمل الأميركية العمال الفرنسيين، المعتادين على آخذ وقتهم في العمل، مما أدى إلى ظهور التذمر ومن ثم الاضراب عن العمل. لكن مشاكل رينو العمالية سرعان ما تبخرت أمام تصاعد دقات طبول الحرب العالمية والتي أصبحت على الأبواب.
بعد اندلاع الحرب في عام 1914، استدعي معظم عمال رينو للخدمة العسكرية للقتال على الجبهة، وقد استبدلهم رينو بعمالة نسائية تمثلت بزوجات العمال المجندين، مما أبقى المصانع دائرةً وجاهزةً لدعم المجهود الحربي بالمعدات والآليات.
ومن أشهر الأساطير المرتبطة بالحرب تلك المتعلقة بتكسيات باريس والتي كان عددها خمسمائة سيارة من صنع رينو، وقد تم استدعاء هذه السيارات للمساعدة في نقل أربعة آلاف من الجنود بسرعة للجبهة الشرقية، وبالتحديد في منطقة ميران، والتي وقعت فيها معارك طاحنة مع الجيش القيصري الألماني والتي انتهت بانتصار كاسح للفرنسيين، وقد أصبحت سيارات رينو هذه تدعى بتكسيات ميران.
وقد أسهم رينو في المجهود الحربي بصنع المعدات الحربية، من ناقلات الجنود وسيارات الاسعاف، وحتى القنابل والتي صنع منها رينو أكثر من ثمانية ملايين قنبلة، وقد صنع رينو أيضاً محركات الطائرات الحربية والتي تم توزيعها على قوات الحلفاء.
وقد زودت محركات رينو الجوية أكثر من أربعة عشر ألفاً من طائرات الحلفاء المقاتلة. ولكن تبقى الدبابة أف تي 17 والتي صممها وصنعها لويس ربنو في العام 1917 أهم مساهمة له في المجهود الحربي، فقد ساهمت هذه الدبابة المتطورة آنذاك، بتفتيت التحصينات الألمانية، وفي تحقيق النصر عليهم في العام 1918. كان للحرب عظيم الأثر على لويس رينو وشركته، فقد توسع وتنامت قدراته بشكل سريع، مما أهله لمواجهة المستقبل.
جاء السلام وجاء معه الرفاه والازدهار، فقد نشطت الأعمال وارتفع الطلب على كل شيء، وقد كان رينو جاهزاً لاستغلال الفرصة السانحة، وقد اتسع نطاق انتاجه ليشمل السيارات والشاحنات الخفيفة والكبيرة، والحافلات والجرارات الزراعية ومعدات الانشاءات، وقد ركز رينو في تلك الأثناء على امتلاك كافة عناصر الانتاج، فقد استملك مساكب الحديد ومناجر الخشب، وحاول الحصول على المواد الأولية من مصادرها الأصلية لتوفير المال ولضمان الجودة.
مع تسارع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية نمت أعمال رينو لتصل إلى تسعة واربعين بلداً، ورغم الهزة الاقتصادية الكبيرة التي أتت بعد انهيار البورصة عام 1929، الا أن رينو بقيت علامة تجارية قوية وذات حضور راسخ.
انجازات رينو الرياضية لم تتوقف، بل انها توسعت لتشمل البر والبحر والجو، حيث حقق طراز سي في 10 رقماً قياسياً في السير بين باريس ووارسو خلال ثلاث وأربعين ساعة فقط، اي أسرع من قطار نورد أكسبرس السريع بخمس ساعات، وفي العام 1922 حقق القارب "فارمان هوفركرافت" والمزود بمحرك رينو 300 سي في، رقماً قياسياً للسرعة البحرية بلغ 140 كلم/ساعة.
أما جواً فقط حققت الطائرة بريجويه-رينو رقماً قياسياً بالتحليق لارتفاع 5381 متر بحمولة قدرها خمسمائة كغم. في العام 1925 حققت رينو رقماً قياسياً للسرعة الأرضية من خلال طراز 40 سي في، والذي قطع مسافة 3485 كلم بمعدل سرعة بلغ 141 كلم/ساعة.
بين العامين 1919 و 1929 ، افتتح رينو أكثر من 30 فرعاً لشركته خارج فرنسا، وقام ببناء مصنعين جديدين في كل من بلجيكا وانجلترا، وقد وصلت سيارات رينو لأكثر من 49 بلداً حول العالم.
لكن الظروف العالمية لم تبقي رينو يتمتع بنجاحاته المدوية طويلاً، فبعد الكارثة الكبرى التي أتت بانهيار سوق المال في نيويورك في تشرين أول من العام 1929، وبعد الركود الكبير الذي حل بالعالم، والذي أدى لانهيار الانظمة المالية والاقتصادية، ومعها النظم السياسية، تلك الأجواء التي أتت بالنازية في ألمانيا، وبحكومات دكتاتورية في بعض البلدان الأوروبية، وقد جاءت الحرب العالمية الثانية لتقضي على أحلام وطموحات رينو، ففي العام 1940 أممت الحكومة الفرنسية العميلة للنازيين مصنعه، وقضى رينو في العمر 1944 بعد رحلة حياة حافلة بالطموح والانجاز.