yass
25/12/2004, 22:34
بقلم: محمد المؤيد *
مرة أخرى بعد مرات، يجد السوري نفسه غريباً داخل بلده ووسط أهله وجيرانه، إذ يسمع حكايات الأبناء والأقارب والأحباب فيما يروونه عن أيام الخدمة الإلزامية في معسكرات جيشنا العربي السوري الباسل، الذي يجتذب القسط الأكبر من ميزانية بلدنا طوال خمسين سنة، والذي نُعده ليوم ثأر من عدو غصب أرضنا وأرض أجدادنا وقتل أهلنا ولا يزال، هذا هو الجيش الذي نحلم بيوم تعود طائراته لتغير على مواقع العدو فتدمرها وتعود سالمة، وهو الجيش الذي نحلم بأصوات آلياته ومدرعاته تشق عنان السماء مطهرة الارض والعرض من دنس المحتلين الغزاة.
صديقنا ابو أمجد متسبب، وعلى قدر حاله، وله من الأولاد خمسة شباب، يدخل الواحد منهم تلو الآخر في رحلة الخدمة الإلزامية بكل طوع وانضباط. ونظراً لأن هذا الصديق متدين نوعاً ما، فقد عَلم أولاده الصلاة، وحضهم على الصيام، وأنشأهم على ذلك. ولأن حبه لوطنه لا يهدأ، فإن الرجل لا ينسى ايام حرب ال - 73 حين كان عسكرياً في خدمة بلده في سلاح المدفعية، لذلك تراه يحس بانتشاء عند كل مرة يسمع فيها "خبطت أقدامكم على الأرض هدارة" بصوت فيروز الساحر.
أبو أمجد نفسه روى لي الحكاية التالية: ولدي الكبير أمجد دخل السجن العسكري! .. كيف ذلك يا أبو أمجد؟ .. أجاب أبو أمجد: ضبطوه يصلي في المهجع بعد المغرب أثناء دورة الأغرار في خدمته!! .. وكم قضى في السجن؟؟ .. أجاب بحسرة: أسبوعين.
أما حكاية أبو أمجد الأخرى، فهي عند ولده الآخر الذي منَّ الله عليه بأن جاء فرزه إلى موقع قريب من مدينته، غير أنه وأثناء أدائه لدورة الأغرار (اياها) طلب منه حضور محاضرة هامة جمع لها المعسكر كله، خطب فيها احد قواد جيشنا الباسل خطبة عصماء لم تبق ولم تذر، منها قوله: "إن لا دين لأحد في العسكرية إلا دين العسكرية ذاتها"، وإن "الأديان كلها والأنبياء جميعهم كلهم تحت قدمه" التي أظهرها مع خبطة مناسبة أمام الحاضرين!! وإن "الدين الواجب الطاعة في هذا المكان" - على حد زعمه_ هو "طاعته وطاعة ضباطه وعناصره وحب قائده والفداء له" .. في عبارات أقل ما يقال فيها الكفر بالدين والبذاءة والفحش بكل معانيه.
أمجد وأخوه عينة من شبابنا، ومعاناتهم جزء من معاناة أبناء شعبنا وهم يخدمون وطنهم، ولنا دون شك ان نقدر أي احترام ومحبة تبقى في قلوبهم بعد هذا الذي يحييون، ولنا كذلك ان نقدر حجم الأثر النافع الذي ألقاه هذا الضابط وذاك القائد في نفوس عناصره وجنوده، وكذلك في مقدار التفاعل الإيجابي الذي سيقود هذه العساكر للدفاع عن وطنها وكرامته.
الواقع أقوى من أي تعليق وأهم منه، فالجيش الذي يعامل عناصره بهذا الشكل جيش بلا حاضر وبلا مستقبل، وحاله يجب ان تقودنا إلى السؤال الأكبر عن مكانة الجيش في حاضر قطرنا ومستقبله، وعن خطورة وجوده خارج ثكناته، وعن موقعه فوق نظام البلد ودستوره وقانونه بدعوى حماية الوطن والدفاع عنه (الأمر الذي لا زال الناس في شك منه وريب).
ترى أي حماس وأي عقيدة قتالية ينشأ عليها عسكري هذا الوطن، وأية عزيمة وهمة يملكها وهو لا يستطيع أداء فرائض دينه الأساسية، وتهان قيمه صباح مساء، وينال من شرف أهله وذويه على كل فعل وعمل أثناء خدمته الإلزامية لوطنه؟!
روى أحد الذين كانوا في دورة مميزة للأغرار عن حجم التدريب الذي كانوا يخضعون له، والقهر والإذلال والاضطهاد والإساءة التي كانوا يكابدون، لكنه أضاف إن كل صعوبات التدريب التي مروا بها لم تكن لتعني شيئاً مقارنة بما كانوا يرونه من تدريب معسكر مجاور لهم تابع لجيش التحرير الفلسطيني، إلا أن حال جيرانهم بكل المقاييس كانت أفضل بمئات المرات، لأن أحداً من ضباطهم لا يوجه كلمة إساءة واحدة لأي عسكري، لذلك تراهم رغم ضخامة حجم التدريب وصعوبته، لا يكادون يحسون به، مقارنة بما كان عليه صاحبنا السوري.
إن الجميع ليعلم الفارق بين مفاهيم التدريب والانضباط وتلك المتعلقة بالتنفيس عن الأحقاد والكراهيات والأمراض، وانه لمن المأمول ان يكون بمقدور من هو في صدد القرار محاصرة النماذج السيئة الكثيرة تلك التي تعرض لمثلها ابو امجد وأولاده، حتى لا تبقى الجيوش أسلحة مسلطة على شعوبها تمتص موارده وخيراته دون أي نفع أو اثر يذكر.
__________
* كاتب سوري
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
مرة أخرى بعد مرات، يجد السوري نفسه غريباً داخل بلده ووسط أهله وجيرانه، إذ يسمع حكايات الأبناء والأقارب والأحباب فيما يروونه عن أيام الخدمة الإلزامية في معسكرات جيشنا العربي السوري الباسل، الذي يجتذب القسط الأكبر من ميزانية بلدنا طوال خمسين سنة، والذي نُعده ليوم ثأر من عدو غصب أرضنا وأرض أجدادنا وقتل أهلنا ولا يزال، هذا هو الجيش الذي نحلم بيوم تعود طائراته لتغير على مواقع العدو فتدمرها وتعود سالمة، وهو الجيش الذي نحلم بأصوات آلياته ومدرعاته تشق عنان السماء مطهرة الارض والعرض من دنس المحتلين الغزاة.
صديقنا ابو أمجد متسبب، وعلى قدر حاله، وله من الأولاد خمسة شباب، يدخل الواحد منهم تلو الآخر في رحلة الخدمة الإلزامية بكل طوع وانضباط. ونظراً لأن هذا الصديق متدين نوعاً ما، فقد عَلم أولاده الصلاة، وحضهم على الصيام، وأنشأهم على ذلك. ولأن حبه لوطنه لا يهدأ، فإن الرجل لا ينسى ايام حرب ال - 73 حين كان عسكرياً في خدمة بلده في سلاح المدفعية، لذلك تراه يحس بانتشاء عند كل مرة يسمع فيها "خبطت أقدامكم على الأرض هدارة" بصوت فيروز الساحر.
أبو أمجد نفسه روى لي الحكاية التالية: ولدي الكبير أمجد دخل السجن العسكري! .. كيف ذلك يا أبو أمجد؟ .. أجاب أبو أمجد: ضبطوه يصلي في المهجع بعد المغرب أثناء دورة الأغرار في خدمته!! .. وكم قضى في السجن؟؟ .. أجاب بحسرة: أسبوعين.
أما حكاية أبو أمجد الأخرى، فهي عند ولده الآخر الذي منَّ الله عليه بأن جاء فرزه إلى موقع قريب من مدينته، غير أنه وأثناء أدائه لدورة الأغرار (اياها) طلب منه حضور محاضرة هامة جمع لها المعسكر كله، خطب فيها احد قواد جيشنا الباسل خطبة عصماء لم تبق ولم تذر، منها قوله: "إن لا دين لأحد في العسكرية إلا دين العسكرية ذاتها"، وإن "الأديان كلها والأنبياء جميعهم كلهم تحت قدمه" التي أظهرها مع خبطة مناسبة أمام الحاضرين!! وإن "الدين الواجب الطاعة في هذا المكان" - على حد زعمه_ هو "طاعته وطاعة ضباطه وعناصره وحب قائده والفداء له" .. في عبارات أقل ما يقال فيها الكفر بالدين والبذاءة والفحش بكل معانيه.
أمجد وأخوه عينة من شبابنا، ومعاناتهم جزء من معاناة أبناء شعبنا وهم يخدمون وطنهم، ولنا دون شك ان نقدر أي احترام ومحبة تبقى في قلوبهم بعد هذا الذي يحييون، ولنا كذلك ان نقدر حجم الأثر النافع الذي ألقاه هذا الضابط وذاك القائد في نفوس عناصره وجنوده، وكذلك في مقدار التفاعل الإيجابي الذي سيقود هذه العساكر للدفاع عن وطنها وكرامته.
الواقع أقوى من أي تعليق وأهم منه، فالجيش الذي يعامل عناصره بهذا الشكل جيش بلا حاضر وبلا مستقبل، وحاله يجب ان تقودنا إلى السؤال الأكبر عن مكانة الجيش في حاضر قطرنا ومستقبله، وعن خطورة وجوده خارج ثكناته، وعن موقعه فوق نظام البلد ودستوره وقانونه بدعوى حماية الوطن والدفاع عنه (الأمر الذي لا زال الناس في شك منه وريب).
ترى أي حماس وأي عقيدة قتالية ينشأ عليها عسكري هذا الوطن، وأية عزيمة وهمة يملكها وهو لا يستطيع أداء فرائض دينه الأساسية، وتهان قيمه صباح مساء، وينال من شرف أهله وذويه على كل فعل وعمل أثناء خدمته الإلزامية لوطنه؟!
روى أحد الذين كانوا في دورة مميزة للأغرار عن حجم التدريب الذي كانوا يخضعون له، والقهر والإذلال والاضطهاد والإساءة التي كانوا يكابدون، لكنه أضاف إن كل صعوبات التدريب التي مروا بها لم تكن لتعني شيئاً مقارنة بما كانوا يرونه من تدريب معسكر مجاور لهم تابع لجيش التحرير الفلسطيني، إلا أن حال جيرانهم بكل المقاييس كانت أفضل بمئات المرات، لأن أحداً من ضباطهم لا يوجه كلمة إساءة واحدة لأي عسكري، لذلك تراهم رغم ضخامة حجم التدريب وصعوبته، لا يكادون يحسون به، مقارنة بما كان عليه صاحبنا السوري.
إن الجميع ليعلم الفارق بين مفاهيم التدريب والانضباط وتلك المتعلقة بالتنفيس عن الأحقاد والكراهيات والأمراض، وانه لمن المأمول ان يكون بمقدور من هو في صدد القرار محاصرة النماذج السيئة الكثيرة تلك التي تعرض لمثلها ابو امجد وأولاده، حتى لا تبقى الجيوش أسلحة مسلطة على شعوبها تمتص موارده وخيراته دون أي نفع أو اثر يذكر.
__________
* كاتب سوري
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////