-
دخول

عرض كامل الموضوع : مع عدم الموافقة


حسون
18/01/2006, 22:16
وسط ضجيج الإصلاح ومفرداته والكلام الكثير عن الانفتاح وطي صفحة الماضي ورأب الصدع ونكئ الجراح، والبدء بتسوية أوضاع البلاد والعباد، أسرعت إلى شعبة تجنيدي في بانياس، لعلي أحظى أخيراً بنعمة الحصول على الموافقة الأمنية الميمونة لحيازة جواز سفر، ربما لا أستخدمه.
تخطيت الدرجات الخمسة عشرة الأولى بهدوء، وقفزت مثيلاتها الأخيرة قفزاً قبل أن أدخل آخر غرفة على اليمين في البهو، غرفة الموافقات الأمنية للموقوفين سابقاً كما يحبون تسميتنا، ليبادرني الموظف الجالس وراء طاولته بابتسامة باردة:
ـ لم تأت الموافقة.
ـ لماذا هذه المرة؟
وبكل ثقة أجابني: لأن لا عنوان لك في حمص!
ضحكت بمرارة وسخرية لم أكن أرغب في إخفائها، لأني لن أتخفى مرة أخرى، وعملنا سلمي وعلني وديمقراطي، والسرية والتخفي ليستا بواردنا، لا كحزب ولا كأفراد، فلقد جربت التخفي خمس سنوات قبل الاعتقال في شروط استثنائية للنضال بكل المقاييس، وأجبرت على التخفي مع العشرات غيري من حزبنا ومن الأحزاب الأخرى.
ها هي أربع سنوات ونيف مرت على خروجي من المعتقل مع مجموعة من رفاقي، وكنا الدفعة الأخيرة التي خرجت من سجن تدمر سيء الصيت، مع مئات من المعتقلين السياسيين الآخرين، وتذكرت كلمات ضابط الأمن رفيع الرتبة الذي استقبلنا في مكتبه في دمشق يوم خروجنا قائلاً بعد التهنئة:
ـ "أنتم ضحية مرحلة سابقة، لا تحكموا علينا الآن، اخرجوا واعملوا في السياسة، نظموا صفوفكم، خطنا الأحمر هو السلاح، والعلاقة مع الخارج..."
ولم ينس أن يقول: " كل شيء تغير، خلف ظهورنا الماضي، كلنا في زورق واحد، والمستقبل لنا جميعاً "
أربع سنين ونيف مع عدم الموافقة، خمس محاولات ونيف مع عدم الموافقة.
وما أضحكني كثيراً أن السبب وراء عدم الموافقة هو عدم وجود عنوان لي في حمص!!!
وتداعت الأحداث في ذاكرتي، وأنا أقلب وأعدُّ المرات التي زارني فيها رجال الأجهزة الأمنية سواء في مكان عملي الأول الذي طردت منه لأسباب أمنية،أو في مكان عملي الراهن، وحتى في منزلي!!!
تعرف الأجهزة الأمنية (العسكري والسياسي وأمن الدولة) أماكن تواجدي جميعها، ولون سحنتي، والكثير الكثير من الأشياء التي يتفردون بمعرفتها عني دون غيرهم من المخلوقات، وأتذكر أنه بعد تقديمي الطلب الأول للحصول على بطاقتي الشخصية، أبلغني الأمن السياسي عن ضرورة مراجعته، وعندما قدمت لأول مرة طلباً للحصول على جواز سفر، شرفني عناصر الأمن العسكري بزيارة إلى منزلي بحمص، وقالوا يوم ذاك: عليك مراجعة الفرع لأمر يخص جواز سفرك!!
وعندما حضرت إليهم أعطوني كتاباً لفرع الأمن العسكري بطرطوس، وقابلت يوم ذاك الشخص المسؤول الذي حولني بدوره إلى الضابط المسؤول عن الأحزاب واستقبلني قائلاً: أتريد جواز سفر؟
ـ نعم.
ـ لماذا؟
ـ لأبحث عن فرصة عمل خارج البلاد.
ـ أين؟
وأردف قائلاً: إلى أيّ حزب تنتمي؟
ـ حزب العمل الشيوعي. فأجابني: هذا الحزب انتهى.
قلت له: ربما هذه هي المرة الألف التي يقول فيها ضباط الأمن ورجال السلطة أن الحزب قد انتهى. وأضفتُ: أنا لم أترك الحزب، وما زلت عضواً فيه، وما دام هناك معتقلٌ باسم حزب العمل الذي ناضلت فيه، فأنا رفيقه، وفي السجن معه.
رنَّ ضابط الأمن جرسه وأعلن نهاية اللقاء قائلاً:
ـ لا تتفاجأ إن رفض طلبك وعاد إليك مع عدم الموافقة.
عدت إلى حمص، وفي منزلي أعلمتني زوجتي أن شخصاً يدعى فلاناً... اتصل بي، وعندما ذهبت إلى مكان عملي في الصباح كان عناصر أحد الفروع الساهرة على أمن وقهر المواطن ينتظرونني في مكان عملي، ويحملون في جعبتهم الكثير من الأسئلة، منها الأمني، ومنها السياسي، وهم بأشد حالات التهذيب واللطف!!
فقلت: ها أنتم تعرفون عنوان منزلي ورقم هاتفي ولون سحنتي وأصدقائي ومكان عملي الذي ملَّ زياراتكم.
آخر زيارة من هذه الزيارات لم يمض عليها سوى أيام قليلة، جاء عنصران من أحد الفروع الأمنية، أحدهما جديد، قدم نفسه وعرف بزميله: فلان .. مساعد في الأمن السياسي...
قلت له: محمود عيسى، عضو في حزب العمل الشيوعي.
فماذا بعد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟




محمود عيسى
عن جريدة الآن العدد 33